بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود
ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 11-05-2018.
بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:
سأتحدث اليوم عن بعض صحابة الرسول ﷺ أولهم عبد الله بن جحش ؓ كانت والدته أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ. وقد هاجر عبد الله إلى الحبشة مرتين مع أخويه، أبي أحمد وعبيد الله وأختيهِ زينب وحمنة. رجع عبد الله بن جحش إلى مكة قبل الهجرة ثم رجع إلى المدينة مع قبيلته الذين كانوا قد أسلموا كلهم. وقد أخلى عبدُ الله مكةَ من أقاربه ولم يبق في الحارة أحد منهم وقُفلت البيوت. فلما مر بها أبو سفيان باعها من عمرو بن علقمة فلما علم بالأمر شكى ذلك إلى النبي ﷺ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ﷺ أَلَا تَرْضَى يَا عَبْدَ اللّهِ أَنْ يُعْطِيَك اللّهُ بِهَا دَارًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنّةِ؟ قَالَ بَلَى.
يقول سيدنا المصلح الموعود ؓ في شرح الآية ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[:
عندما هاجر النبي ﷺ من مكة إلى المدينة لم يهدأ غضب الكفار، بل توعدوا بمهاجمة أهل المدينة إذا لم يطردوا المسلمين منها أو يقتلوهم. فشرع النبي ﷺ يعقد الاتفاقيات مع القبائل المجاورة للمدينة لينصروا المسلمين إذا اقتضت الضرورة. وبعث اثني عشر من صحابته بقيادة عبد الله بن جحش في السنة الهجرية الثانية إلى مكان يُدعى وادي نخلة ليقيموا فيه ويتقصوا أخبار قريش. وتصادف أن قافلة لقريش قادمة بتجارة من جهة الشام فشنَّ عبد الله الهجوم عليها، فَقُتِلَ من الكفار عمرو بن الحضرمي وأُسِرَ اثنان منهم واستولى المسلمون على الغنائم، وعندما علم النبي بذلك سخط عليهم بشدة.
فأثار المشركون ضجة بأن المسلمين لا يَرعون حُرمة الأشهر الحرم، إلا أن عبد الله وأصحابه ظنوا خطأ أنهم لا يزالون في الثلاثين من جمادى الثانية. إلا أن رجب كان قد بدأ.
يقول المصلح الموعود ؓ: إن الله تعالى قد ردّ في هذه الآية على اعتراض الكفار، فالقتال في هذه الشهور المحرمة مكروه وإثم عند الله، ولكن الأشد كراهةً هو أن يصدّ أحد عن صراط الله تعالى، ويرفض وحدانيته، ويهتك حرمة المسجد الحرام، ويُخرج أهله منه دون جريمة إلا أن يقولوا ربنا الله الواحد الأحد.
لقد ذكرت كتب المغازي بعض الروايات القائلة بأن النبي ﷺ أبدى سخطه من الهجوم على القافلة لأن ذلك قد يوقع الفتنة، ولكن في كثير من الأحيان تُظهر بعضُ الأحداث البسيطة نتائجَ عظيمةً، فبحادث عبد الله بن جحش ثارت ثائرةُ سادة قريش المتكبرين، فخرجوا مُتَعجِّلين إلى بدر في جيش مؤلَّف من ألف مقاتل تقريبا، ظانّين أنهم يحمون قافلتهم وما كانوا يعلمون أن هناك قد قُدّر موتُـهم، ومن جهة أخرى كان مُحتَمَلاً أنْ لو علِم الصحابة بأنهم سيواجهون جيشاً مسلَّحاً لتـردد بعضهم.
ورد في التاريخ أن حب الله ﷻ وحب الرسولِ ﷺ أغنى عبد الله بن جحش عن الدنيا كلها، وإن كان يتمنى شيئا فهو التضحية بنفسه في سبيل الله. وفي رواية أن عبد الله بن جحش كان يدعو قائلا: إذا لقيت العدو اللّهم ارزقني رجلا شديدا حرده شديدا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتُك غدا قلت: يا عبد الله! فيمن جُدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقتَ. وقد تحققت دعوته. ودفن هو وحمزة بن عبد المطلب في قبر واحد.
كتب المصلح الموعود ؓ: في غزوة أحد أبدى رسول الله ﷺ نموذج علوّ الهمة والأخلاقِ الفاضلة وواسى الناسَ وجبر خواطرهم، كما ظهرت في هذه الحرب تضحياتُ الصحابة عديمة المثال.
عندما عاد النبي ﷺ إلى المدينة بعد انتهاء المعركة. كانت النساء الذين سمعن خبر استشهاد أحد من أقاربهن خرجن لاستقباله وكانت من بينهن حمنة بنت جحش أخت زوجة الرسول. فلما رآها النبي ﷺ قال احتسبي فقيدًا لك. سألت حمنة عمن استشهد فقال النبي ﷺ: خالك حمزة. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قالت رفع الله درجاته، ما أروع ما لقيه! ثم قال النبي ﷺ: احتسبي آخر، فسألت حمنة عمن يكون، قال النبي ﷺ: أخوك عبد الله بن جحش. فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قالت الحمد لله، ما أروع ما لقيه! ثم قال النبي ﷺ: يا حمنة احتسبي آخر، فسألت عمن يكون أيضا، قال النبي ﷺ: لقد استشهد زوجك. فسالت عيناها بالدموع، فقالت: وا حرباه! فقال النبي ﷺ: “إِنَّ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَشُعْبَةً مَا هِيَ لِشَيْءٍ”. سأل ﷺ حمنة: لماذا قلت وا حرباه عند سماعك خبر وفاة زوجك؟ قالت: يا رسول الله ذكرت يُتم ولده، فمن سيعتني بهم بعده؟
وفي ذلك درس للأزواج في عصرنا هذا فيجب أن يكون الرجال أزواجًا محبين والنساء أمهات حريصات على أولادهن، ولا يمكن أن يكون الرجال أزواجًا محبين إلا بأدائهم حقوق أزواجهم وأولادهم.
قال النبي ﷺ لها: أبدلك الله بخير منه رعاية لأطفالك. فتزوجت حمنة من طلحة، وورد أن طلحة لم يكن يحب ابنه محمدًا حبّه لأولاد حمنة. وكان الناس يقولون ليس أفضل من طلحة رعاية لأولاد الآخرين.
يقول أمير المؤمنين نصره الله: الصحابي الثاني الذي سأذكره اليوم هو كعب بن زيد ؓ الذي اشترك في غزوة بدر واستشهد في غزوة الخندق. كان من أصحاب بئر معونة وهو مكانٌ بعث النبي ﷺ إليه سبعين من صحابته ومعظمهم كانوا حفاظًا للقرآن فاستشهدوا هناك خداعًا من أهل هذه المنطقة ولم ينج منهم إلا كعب فقد اصيب بجروح بالغة فحسبوه ميتا فتركوه، فعاد بعد عدة أيام إلى المدينة واستعاد عافيته.
والصحابي الثالث هو صالح شقران. وكان حَبَشِيًا، ومولى لعبد الرّحمن بن عوف، أراده رسول الله لخدمته فاشتراه من عبد الرحمن وفي بعض الروايات أن عبد الرحمن أهداه إلى النبي ﷺ. شهد صالح شقران بدرًا وهو مملوك فاستعمله النبي ﷺ على الأسرى. أعتقه النبي ﷺ بعد غزوة بدر. يقول جعفر بن محمد صادق: كان شقران من بين أهل الصفة الذين كانوا يجلسون على باب النبي ﷺ. لقد تشرَّف بأن كان فيمن حضر غُسل النبي ﷺ ودفنه. استعمله رسولُ الله ﷺ ، على جميعِ ما وُجِدَ في رِحَالِ أهل المريسيع من رِثّة المتاع والسلاح والنَّعَم وذلك لأنه كان يؤدي واجب الحراسة بحيث صار محل ثقة للنبي ﷺ.
والصحابي الآخر هو مالك بن الدُّخْشُم الذي كان من بني غنم بن عوف من الخزرج. كان له من الولد ابنة اسمها الفريعة. لقد شارك في جميع الغزوات.
في بدر كان سهيل بن عمرو من كبار مشركي قريش، فأسره حضرة مالك بن الدخشم. فجيء به إلى النبي ﷺ ثم قدرعلى الفرار فقال النبي ﷺ من وجده فليقتله. فوجده النبي ﷺ، ولم يقتله. فهذه هي أسوة النبي ﷺ فأمر بأن تُغَلَّ يداه إلى عنقه.
في صحيح البخاري رواية أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتْ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ قَالَ فَآبَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا تَقُلْ ذَلِكَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. (البخاري)
وفي هذه الرواية ردٌّ على من يُصدرون فتاوى التكفير، ويمارسون المظالم باسم الإسلام. هذه الفتاوى قد دمرت أمن البلاد الإسلامية وسلامها. فالله ﷻ وحده عليم بما في القلوب.
يقول أمير المؤمنين نصره الله: رفع الله درجات هؤلاء الصحابة، ووفقنا للتأسي بهم. آمين