بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود
ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 22-06-2018.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
يقول أمير المؤمنين أيده الله بنصره العزيز:
كان عمار بن ياسر ؓ من أوائل صحابة النبي ﷺ وأخلصهم، ودخل الإسلام والده ياسر وأمه سُمية وأخوه عبد الله بن ياسر. يقول عمار بن ياسر ؓ عن إسلامه: لقيت صهيب بن سنان ؓ على باب دار الأرقم، ورسول الله فيها، فقلت له: ماذا تريد؟ فأجابني: ماذا تريد أنت؟ قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول. قال: وأنا أريد ذلك. فدخلنا على رسول الله فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا من دار الأرقم، ونحن مستخفيان. فكان إسلامهما بعد بضعة وثلاثين رجلاً. وهناك رواية في صحيح البخاري أن عمار بن ياسر قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ.
يقول المصلح الموعود ؓ عن الصحابة الأوائل: “لقد وفق الله تعالى لخدمة الإسلام أُناسًا كانوا مِن الأُسر العريقة، وأيضًا أناسًا كانوا من الفقراء البسطاء؛ فكان علي وحمزة وعمر وعثمان (ؓ) من أُسر عريقة جدًّا، بينما كان زيد وبلال وسمرة وخباب وصهيب وعامر وعمار وأبو فكيْهة (ؓ) مِن الطبقة الدنيا. إذًا، فقد اخْتِير خدام القرآن من كبار القوم ومن صغارهم أيضًا”. وقال حضرته ؓ أيضا: “كانت سُميّة (رضي الله عنها) من الإماء المسلمات، وكان أبو جهل يؤذيها أذى شديدًا لترتد عن الإسلام، ولكنها ظلت متمسكة بإيمانها. فطعنها أبو جهل في فرجها وهو في ثورة الغضب، فاستُشهدت. أما عمار فكانوا يُلقونه على الرمال المحرقة ويعذبونه أشد التعذيب”.
عن عروة بن الزبير قال: كان عمّار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذَّبون بمكة ليرجع عن دينه.
وقال محمد بن عمر: والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة وليست لهم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم.
وقال عمرو بن ميمون: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، قال: فكان رسول الله ﷺ يمرّ به ويُمِرّ يده على رأسه فيقول: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا على عمّار كما كنت على إبراهيم.
وفي رواية: مرّ النبي ﷺ على آل عمار وهم يعَذَّبون فقال: اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة.
روى عبد الله بن مسعود ؓ: كان أول من أظهر إسلامه سبعة؛ رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله ﷺ فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالًا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَد. وقد قاسى عمار من العذاب أقساه، أخذوا يغطونه في الماء. أي يدخلون رأسه في الماء ويضربونه إلى جانب صنوف أخرى من التعذيب.
يقول مرزا بشير أحمد ؓ في كتابه: “سيرة خاتم النبيين” فقال: مات ياسر ؓ نتيجة التعذيب، أما السيدة العجوز سمية فقد طعنها أبو جهل دون هوادة بحربة حتى نفذت من جسمها ووصلت إلى فرجها فلفظت هذه السيدة البريئة أنفاسها في الحال. وبعدها لم يبق على قيد الحياة إلا عمار ؓ، فعذبوه أيضا تعذيبا شديدا وآذوه إيذاء شديدا وقالوا له: سنظل نعذّبك ما لم تكفر بمحمد (ﷺ) فتفوه عمار بعض الكلمات غير اللائقة مضطرا فتركوه. فجاء عمار إلى النبي ﷺ فورا وبدأ يبكي حتى أجهش بالبكاء، فسأله النبي ﷺ: ما يبكيك يا عمار؟ قال: يا رسول الله، قد آذاني الظالمون كثيرا حتى قلتُ بحقك كلمات غير مناسبة مضطرا. فقال ﷺ: كيف تجد قلبَك؟ قال: إن قلبي مؤمن كما كان وأحب الله ورسوله، فقال ﷺ: لا بأس إذًا، فقد غفر الله تقصيرك.
قال: سفيان عن أبيه: أول من اتخذ في بيته مسجدا يُصَلّى فيه عمار. ولما هاجر عمار بن ياسر من مكة إلى المدينة نزل على مبشر بن عبد المنذر. وآخى رسول الله ﷺ بين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان.
تقول السيدة أم سلمة: لقد شارك عمار بن ياسر النبيَّ ﷺ في غزوة بدر وأحد والخندق وسائر الغزوات، كما كان مشاركا في بيعة الرضوان، وهي البيعة التي أخذها النبي ﷺ من الصحابة عند الحديبية.
عن الحكم بن عتيبة قال: قدم رسول الله ﷺ المدينة أول ما قدمها وقت الضحى، فقال عمار بن ياسر: «ما لرسول الله ﷺ بد من أن نجعل له مكانا إذا استيقظ من قائلته، استظل فيه، وصلى فيه»، فجمع عمار حجارة فسوى مسجد قباء فهو أول مسجد بني، وعمار بناه.
عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إلي، وكانت أذنه قد قطعت فهي تدبدب وهو يقاتل أشد القتال.
عن خالد بن الوليد قال كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له في القول فانطلق يشكوني إلى النبي ﷺ فجئته فبكى عمار وقال: يا رسول الله ألا تراه فرفع النبي ﷺ رأسه وقال من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله. فخرجتُ فما كان شيء أحب إلي من رضا عمار فلقيته واعتذرت إليه فرضي.
وعن عليٍّ ؓ قال: استأذن عمار على النبي ﷺ فقال: “ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب”.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أن عمارا ؓ كلما خُيِّر في أمرين اختار أكثرهما رشدا وهدى.
وكان عمار ممن أعاذهم الله من الشيطان.
ولّى حضرة عمر ؓ عمارا بن ياسر ؓ على الكوفة، وبعث بكتاب إلى أهل الكوفة جاء فيه: “أما بعد، فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا، وابن مسعود معلمًا ووزيرًا، وقد جعلت ابن مسعود على بيت مالكم. وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ﷺ من أهل بدر، فاسمعوا لهما وأطيعوا، واقتدوا بهما.” ثم عزل عمر ؓ عمار بن ياسر ؓ بسبب شكاوى أهل الكوفة. مرة سأل عمر ؓ عمارَ بن ياسر ؓ: هل ساءك عزلي إياك؟ فقال: إنني كرهتُ يوم ولّيتني أيضا ولكن حين وُلّيتُ قبِلْتُ ذلك طاعةً وكرهتُ أيضا حين عزلتني. فقد أطاع طاعة كاملة حتى عند العزل ولم يقل شيئا إلا حين سأله عمر ؓ بنفسه.
حين أثار المنافقون الفتنةَ في المدينة ضد حضرة عثمان ؓ انخدع عمار بن ياسر ؓ بسبب بساطته ولكنه لم يشارك معهم في شيء. يقول المصلح الموعود ؓ: “كان في المدينة ثلاثة أشخاص من أشياع المفسدين، أحدهم محمد بن أبي بكر الذي يقول عنه المؤرخون إن الناس كانوا يحترمونه نظرا إلى مكانة أبيه ؓ. وُلد في أيام حجة الوداع لم يحظ بصحبة النبي ﷺ. وكان عمره أربع سنوات فقط حين توفِّي أبو بكر ؓ فلم ينال تربية على يد ذلك الإنسان العظيم. والشخص الثاني هو محمد بن أبي حذيفة الذي لم يكن من الصحابة. قُتل أبوه يوم اليمامة، فتكفّل به عثمان ؓ فتربى عنده منذ صغره. وحين تولّى عثمان الخلافة طلب منه ابن أبي حذيفة منصبا ولكنه رفض ذلك. فاستأذنه ليخرج من المدينة فأذِن له فذهب إلى مصر وشرع يحرض الناس على عثمان ؓ مع عبد الله بن سبأ. والشخص الثالث كان عمار بن ياسر الذي كان من الصحابة، والسبب في انخداعه بتحايل المفسدين كان عائدا إلى عدم إلمامه بأمور السياسة.
لما بعث سيدنا عثمان رضي الله عنه بعمار إلى مصر لتحري الأمور، استقبله عبد الله بن سبأ الذي سعى لإغرائه ضد والي مصر. كان هذا الوالي في أيام كفره عدوًّا لدودا للرسول ﷺ وقد أسلم بعد فتح مكة، فنجح معارضو الخلافة في جعل عمار يسيء الظن بوالي مصر ثم بسيدنا عثمان أيضا، ومع ذلك لم يشارك عمار رضي الله عنه في أيٍّ من أعمال التمرد ضد سيدنا عثمان. حيث كان موجودا في المدينة عند هجوم أعداء الخلافة على المدينة لكنه ظل جالسا في بيته صامتا، ولم يشارك مع المتمردين في الفتنة.
أما في عهد سيدنا علي ؓ، شارك عمار ؓ في حرب الجمل وحرب صفين مع علي ؓ. وروى أبو عبد الرحمن عبد الله السلمي: رأيت عمار بن ياسر في معركة صفين (التي دارت بين سيدنا علي ؓ ومعاوية والي الشام) وهو شيخ كبير، وكان حنطي اللون، وكان بيده رمح، وكانت يده ترتعش وهو يقول: والذي نفسي بيده لقد شاركت بهذا الرمح في ثلاث غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الحرب الرابعة، وأيم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمتُ أنا على الحق وأنهم على الباطل.
قُتل عمار ؓ بصفين عن عمر يناهز الواحد والتسعين عام ودفن هناك بثيابه وصلى عليه علي ؓ. طعنه أبو غادية المزني برمح فسقط، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه؛ فأقبلا يختصمان فيه، كلاهما يقول: أنا قتلتُه. وكان عمرو بن العاص ؓ قد انضم إلى حزب معاوية لسوء فهم حصل منه، فقال: واللهِ، إنْ تختصمان إلا في النار.
يقول أمير المؤمنين نصره الله: هؤلاء هم الصحابة الذين حاربوا دفاعا عن الحق وأزهقوا نفوسهم في سبيل الله. رفع الله درجاتهم. آمين.