ملخص خطبة الجمعة 7/12/2018
يتابع حضرته الحديث عن الصحابة البدريين وفي هذه الخطبة تحدث عن:
مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ ؓ
اسمه عوف، أمه سلمى وأمها ريطة بنت صخر خالة أبي بكر الصديق ؓ، هاجر إلى المدينة مع عبيدة بن الحارث وأخويه الطفيل بن الحارث والحصين بن الحارث، وآخى النبي ﷺ بين مسطح بن أثاثة وبين زيد بن المزين ؓ. وقد شهد مسطح مع النبي ﷺ المشاهد كلها بما فيها بدر.
كان مسطح يحمل لواء أبيض في سرية عبيدة بن الحارث حيث أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليعترض عيرًا لقريش، فالتقى هو والمشركون، فكان بينهم الرمي دون المسايفة، وبعد الرمي انصرف الفريقان. كان المشركين ارتعبوا ظانّين أن مع المسلمين جيشا كبيرا يمكن أن يُمدّهم فعادوا خائفين، ولم يلاحقهم المسلمون أيضا لأن الهدف لم يكن الحربَ بل إعتراضهم وإبلاغهم أنهم إن كانوا يُعِدُّون للحرب ضد المسلمين فالمسلمون أيضا جاهزون للمواجهة.
ويوم خيبر قسم رسول الله ﷺ لمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقًا من الغنائم، كان هذا طريق توزيع الغنائم في ذلك الزمن.
وكان مسطح الذي يُنفق عليه أبو بكر ؓ، ولكنه كان ممن اشترك في الإفك على عائشة رضي الله عنها، فأقسم أبو بكر ؓ ألا ينفق عليه، فأنزل الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) )النور 23)، فعاد أبو بكر ؓ ينفق عليه. وأمر النبي ﷺ بجلد أهل الإفك بعد أن برأت الآيات القرآنية عائشة رضي الله عنها. فالذين جُلدوا في قذفهم لعائشة رضي الله عنها كان منهم مسطح أيضا.
ثم يقول المسيح الموعود ؏ أن الله تعالى جعل في صفاته وأخلاقه أنه يلغي نبوءة وعيده نتيجة التوبة والاستغفار والدعاء والصدقة، وكذلك قد علّم الله الإنسانَ أيضا هذه الأخلاق.
ثم يبين المسيح الموعود عليه السلام مسألة دينية ويقول: من أجل ذلك قد صار من الأخلاق الإسلامية أن إلغاء المرء وعيده يُعَدّ من حُسن الخلق. ثم يبين عليه السلام المقصود من الوعيد فيقول: فمثلا لو حلف المرء على أنه سوف يضرب خادمه خمسين ضربة بالنعال، ثم عفا عنه نتيجة توبته وتضرعه فهذا من سنة الإسلام، لأنه تخلُّقٌ بأخلاق الله تعالى.
وملخص واقعة الإفقك:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين نساءه فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدْ انْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ ….. فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ… حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ..َ.
يقول الخليفة الثاني ؓ: فلما بلغوا المدينة أشاع عبد الله بن أُبيّ بن سلول وأصحابه أن عائشة رضي الله عنها قد تخلفت، والعياذ بالله، قصدًا، وأنها على صلة مع صفوان واشترك بعض الصحابة أيضا خطأ مع الذين كانوا وراء هذه الأراجيف. وهؤلاء الصحابة هم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش التي كانت أختًا لإحدى زوجات الرسول ﷺ.
أما عائشة فأصابتها صدمة شديدة بسبب هذا الحادث إذ تخلّفت عن القوم وحيدةً في تلك السن الصغيرة في صحراء موحشة، فمرضت بعد وصولها إلى المدينة.
يقول المصلح الموعود ؓ أن الخوف الناتج عن بقائها وحيدة في ذلك المكان كان أحد أسباب مرضها. فبلغت الرسولَ ﷺ الأراجيف التي أشاعها المنافقون ضد عائشة، ولكنه لم يسألها عنها بسبب مرضها. وازدادت الأقاويل شدة يومًا فيومًا. تقول عائشة: كنت أستغرب أن أرى الرسول ﷺ يأتي إلى البيت حزينًا ولا يتكلم معي، وإنما يسأل الآخرين عن حالي ويخرج.
فاستأذنتْ عائشة الرسول ﷺ وذهبت إلى بيت أبيها. وذات يوم خرجت مع إحدى قريباتها لقضاء الحاجة … فأخذت قريبتها هذه تُلقي اللوم على ابنها مسطح. فقالت عائشة: لم تقولين هكذا؟! قالت: كيف لا ألومه وقد تكلم بكذا وكذا؟ يبدو أن تلك السيدة كانت تتحيّن الفرصة لتخبر عائشة بالتهمة الموجَّهة إليها لأنها ما كانت تعرف عنها شيئا. فلما سمعت عائشة رضي الله عنها حديثها أصيبت بصدمة شديدة، ووصلت إلى البيت بصعوبة، وعاودها المرض بشدة…
وحين سئلت السيدة عائشة عمَّا حدث، قالت: لو قلت لكم إن هذا الخبر باطل فلن تصدّقوني، ولو قلت إنه حق فسأكذب، فلا أقول لكم إلا ما قال يعقوبُ أبو يوسفَ عليهما السلام: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ). عندها نزلت الآية ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
فَتَنَوَّرَ وجه النبي ﷺ إثر نزول هذا الوحي، وتقول السيدة عائشة: إن أمي قالت لي: قُومي واشكري رسول لله ﷺ. فقلت: إنما أشكر ربي الذي برّأني.
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تحتل مكانة عظيمة، وأحد أسباب هذه المكانة العظيمة أن النبي ﷺ قال: وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي غَيْرَ عَائِشَةَ.
وقد جلد ثلاثة أشخاص بسبب هذه التهمة، ومنهم حسان بن ثابت شاعر النبي ﷺ ومسطح وكان ابن خالة أبي بكر ؓ ،وامرأة.وبغضّ النظر هل عوقب هؤلاء الصحابة أم لم يعاقبوا فقد عفا الله عنهم، فقد واجهوا العقوبة المقدرة في هذه الدنيا، لكنهم اشتركوا في الغزوات بعدها أيضا، وكانوا ممن شهدوا بدرا وكانت لهم مكانة عظيمة عند الله وكتب الله لهم حسن العاقبة، وأكد على تلك المكانة وثبّتها،
رفع الله تعالى درجاتهم جميعا على الدوام.