خطبة الجمعة 19/4/2019م

يتابع حضرته الحديث عن سيرة الصحابة البدريين ويذكر:

عثمان بن مظعون t، ويُكنى أبا السائب، أمُّه سخيلة بنت العنبس. كان من بني جمح من قريش مكة.

هناك رواية عن ابن عباس جاء فيها: بينما رسول الله، r، بفناء بيته بمكة جالسًا إذ مرّ به عثمان بن مظعون، فكشر إلى رسول الله r، فقال له رسول الله، r: ألا تجلس؟ قال: بلى؟ فجلس رسول الله r مستقبله. فبينما هو يحدثه إذ شخص رسول الله r، فنظر ساعة إلى السماء، فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله r عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، فأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر فلما قضى حاجته وأستفقه ما يقال له، وشخص بصر رسول الله r إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، فأقبل على عثمان بجلسته الأولى، فقال عثمان: يا محمد فيما كنتُ أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة. قال وما رأيتَني فعلتُ؟ قال: رأيتُك تشخص بصرك إلى السماء ثم وضعته على يمينك فتحرفتَ إليه وتركتَني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك، قال: أو فطنتَ لذاك؟ قال عثمان: نعم، قال: فقال رسول الله r: أتاني رسولُ الله آنفاً وأنت جالس، قلت: رسول الله؟ قال: نعم، قال: فما قال لك؟ قال: ]إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون[ قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدًا”.

يقول سيدنا المصلح الموعود t في بيان أحداث ما وقع في أوائل أيام إعلان النبي r نبوَّته:

“بعد فترة وجيزة وجد النبي r أتباعا آخرين من أمثال طلحة والزبير وعمر وحمزة وعثمان بن مظعون y. كان كلٌّ منهم فدائيا مخلصًا مستعدًا لإهراق دمه بدلاً من عَرَق الرسول r. لا شك أن النبي r قد تعرضَ لأنواع المحن والأذى ثلاثة عشر عاما، بيد أنه كان مطمئنا لأنه قد آمن به من أهل مكة أهلُ عقل ورأي ومكانة وتقوى وطهارة، وأن المسلمين أصبحوا الآن قوة يحُسَب حسابها. وعندما كان أحد من أهل مكة يتهم النبي r بالجنون كان أقرانه يقولون له: كيف تتهمه بالجنون وقد آمن به وصدّقه فلان وفلان من أهل الرأي والذكاء؟! وهذا جوابٌ ما كان لأحد أن ينقضه. ونحن نرى أن الناس قد اتهموا المسيح الموعود u بالجهل، فردّ الله على طعنهم بأن جعَل شخصًا بمكانة المولوي نور الدين t يصدّقه منذ بداية بعثته. والمولوي محمد حسين البطالوي أيضًا كان يثني عليه خيرًا قبل دعواه. ثم أقام الله تعالى جماعة من المثقفين بجنبه u فور دعواه، كان بعضهم علماء وبعضهم أثرياء، وبعضهم من ذوي الثقافة الإنكليزية الحديثة.

قال ابن إسحاق: أسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى مع جماعة من المسلمين، فبلغهم وهم بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت فعادوا. لما وصلوا قريبا من مكة علموا حقيقة الأمر، ووجدوا العودة إلى الحبشة أمرا صعبًا. بقي هؤلاء في الطريق خارج مكة إلى أن نال كل واحد منهم الأمان من بعض أهلها. ودخل عثمان بن مظعون t في أمان الوليد بن المغيرة. وروى ابن إسحاق أن عثمان بن مظعون لما رأى النبي r وأصحابه عرضة للأذى والضرب والاضطهاد، وأنه ينعم بالراحة و الحماية ليل نهار في ذمة زعيم من أهل مكة الكفار، قال في نفسه أعيش مستمتعًا بالراحة ليل نهار في ذمة مشرك والرسولُ r وأصحابُه هدفٌ للأذى والاضطهاد؟! والله ليس هذا إلا بسببِ عيبٍ فيّ. ثم ذهب عثمان إلى الوليد بن المغيرة وقال له يا أبا عبد شمس (هذا لقب الوليد) لقد وفيتَ ذمتك لي، ولكني أريد الآن أن أخرج من ذمتك وألحَقَ برسول الله r، لأن لي أسوةً في رسول الله r وأصحابه. وكان الوليد صديقا حميما لوالد عثمان فقال له: يا ابن أخي، لعلك تعرضتَ للأذى أو الإساءة من أحد وأنت في ذمتي. قال عثمان كلا، ولكني أرضى بذمة الله ولا أريد ذمة أحد سواه، وها إني أخرج من ذمتك. فقال الوليد تعال معي إلى الكعبة وأعلنْ ذلك هناك، كما أعلنتُ ذمتي لك عند الكعبة. قال عثمان: هلمّ. فوصلا إلى الكعبة، فأعلن الوليد أمام القوم: إن عثمان هذا يريد أن يرد إليَّ ذمتي. قال عثمان لقد صدق الوليد في قوله، لقد وجدته صادقا في ذمته ووفيا لوعده، ولكني لا أريد الآن ذمة أحد سوى ذمة الله، لذلك قد رددت إلى الوليد ذمته. ثم رجع عثمان لسبيله.

وبعد أيام كان لبيد، الشاعر العربي الكبير، في مجلس كان فيه عثمان t أيضا، فأنشد لبيد الشطر التالي: “أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلٌ”، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ إِنَّ لَبِيدَ أَنْشَدَهُمْ تَمَامَ الْبَيْتِ “وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلٌ”، فقال عثمان: كذبت، فالتفت القوم إليه فقالوا للبيد: أعد علينا. فأعاد لبيد، وأعاد له عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وإنما يعني عثمان إذا قال: كذبت، يعني نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: والله يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا! فقام سفيه منهم إلى عثمان بن مظعون فلطم عينه، فاخضرت، فقال له من حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذمة منيعة وكانت عينك غنية عما لقيت! فقال عثمان: جوار الله آمن وأعز وعيني الصحيحة فقيرة إلى ما لقيت أختها، ولي برسول الله r وبمن آمن معه أسوة. فقال الوليد: هل لك في جواري؟ فقال عثمان: لا أرب لي في جوار أحد إلا في جوار الله.

هذه كانت حال إيمان الصحابة وهذا كان شعورهم بألم إخوانهم، وعلاقتهم بالنبي r إنما كانت علاقة الحب والوداد، فكان t لا يريد أن يكون في راحة والنبي r يواجه الأذى، وكذلك كان t يتألم حين يرى معاناة الصحابة الآخرين. يقول المصلح الموعود t: هذا كان جواب عثمان بن مظعون t لأنه كان قد سمع القرآن الكريم وتعاليمَ الإسلام وكان قد قرأ القرآن الكريم والآن لم يكن لديه أي قيمة للشعر. بل إن لبيدًا نفسَه أسلم فيما بعد وسلك الطريق نفسه بعد إسلامه. ذات مرة أرسل عمر t إلى أحد الولاة ليُرسل إليه t آخرَ ما نظم بعض الشعراء، وكان لبيدُ قد أسلم حينها ولما طُلب منه ذلك كتب بعض آيات القرآن الكريم.

حب النبي r لعثمان: t حين توفي عثمان t قبَّله النبي r وكانت عيناه تدمعان، ولَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ r قَالَ عند نعشه: اِلْحَقْ بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ.

بعد هجرته إلى المدينة آخى رسول الله r، بين عثمان بن مظعون وأبي الهيثم بن التّيّهان.

هاجر عثمان إلى المدينة وشهد بدرا، كان أكثر الناس حماسا للعبادة، يصوم النهار ويقوم الليل ويتجنب الهوى ويجتنب النساء. يقول حضرة مرزا بشير أحمد t إن حضرة عثمان بن مظعون الجمحي t كان صوفي المزاج، وكان لا يشرب الخمر حتى قبل إسلامه، وبعد اعتناق الإسلام أيضا كان يريد التبتل، لكن النبي r لم يسمح له بذلك، وقال: لا رهبانية في الإسلام. فالإسلام يقول عِيشوا في هذه الدنيا وتمتَّعوا بنِعَمها التي خلقها ولا تنسوا الله، بل يجب أن يكون في بالكم كل حين وآن.

وعن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ r بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. قَالَ: فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ.   (أبو داود)

ورد في كتاب النكاح لصحيح البخاري، قال سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا.

وعن قدامة بن مظعون أن عمر بن الخطاب أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته، وعثمان على راحلته، على ثنية الأثاية، فضَعضَعتْ راحلتُه راحلةَ عثمان، وقد مضت راحلةُ رسول الله r أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون: أوجعتَني يا غلقَ الفتنة. فلما أسهلت الرواحل دنا منه عمرُ بن الخطاب فقال: يغفر الله لك أبا السائب، ما هذا الاسم الذي سـمَّيتَنيه؟ فقال: لا والله ما أنا الذي سميتُكه، لكن سمّاكه رسول الله r: بينا هو r أمام الركن يقْدم القومَ مررتَ بنا يوماً ونحن جلوس مع رسول الله r فقال: “هذا غلق الفتنة، وأشار بيده لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانيكم”

ونلاحظ أن هذه الفتن استمرت منذ ظهرت الفتنة تلو الأخرى دوما في عهد عثمان t وعهد علي t وبعده أيضا تستمر في المسلمين إلى اليوم. حيث يتعطشون لدماء بعضهم، ولا يريدون التواري خلف الجدار الذي أقامه الله I في هذا العصر لإغلاق هذا الباب بواسطة المسيح الموعود u. لذا تمتد هذه الفتن، حمانا الله منها، ونبقى نحن الأحمديون دوما وراء هذه الـجُنة التي وهبها لنا الله I في هذا العصر بواسطة المسيح الموعود u، ونبقى خلف هذا الجدارز

كان حضرة عثمان بن مظعون t أول مهاجر توفي في المدينة في العام الثاني للهجرة، وعند البعض توفي بعد 22 شهرا من معركة بدر وكان أول من دُفن في جنة البقيع. باختصار هناك تفاصيل أخرى له سأتناولها في المستقبل، بإذن الله.