خطبة الجمعة 26/4/2019م

*****

يتابع حضرته الحديث عن سيرة الصحابة البدريين ويكمل عن حضرة عثمان بن مظعون t الذي كان أول من دفن في جنة البقيع ثم يورد تفصيلا عن جنة البقيع فعن عبيد الله بن أبي رافع قال: كان رسول الله r يبحث عن مكان يجعله مقبرة خاصة بالمسلمين، وزار بعض الأماكن لهذا الغرض، وكان هذا الشرف قد قُدر لبقيع الغرقد، فقال النبي r: قد أُمرتُ بهذا، أي أن أختار بقيع الغرقد، وكان يقال له بقيع الخبخبة في ذلك العصر، وكان فيه كثير من الأشجار وأكثرها الغرقد. وكان المكان ممتلئ بالبعوض والحشرات الأخرى، وعندما كانت تطير يبدو كأن هناك سحب من الدخان. وكان أول من قُبر هناك عثمان بن مظعون t كما سبق ذكر ذلك، فوضع رسول الله حجرا عند رأسه وقال: “هذا قبر فرطنا”. وكان إذا مات المهاجر بعده قيل: يا رسول الله، أين ندفنه؟ فيقول: “عند فرطنا عثمان بن مظعون”.

وعن حب النبي صل الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون ذكر في الأحاديث:

عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال كلما مات مسلم قال النبي r ألحقوه بأفراطنا، نعم السلف لنا عثمان بن مظعون. وروى ابنُ عباس أن النبي r دخل على عثمان بن مظعون حين مات، فانكبَّ عليه ورفع رأسه، ثم حنى الثانية، ثم حنى الثالثة، ثم رفع رأسه وله شهيق وقال: “اذهب عنك أبا السائب. خرجت منها ولم تلبس منها بشيء.”.

وعن عائشة: أن النبي r قبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت، وهو يبكي، وعيناه تهراقان ولما توفي إبراهيم ابن رسول الله r قال رسول الله r: “ألحق بالسلف الصالح عثمان بن مظعون”.

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ r صَلَّى عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.

وفي رواية في مسند أحمد بن حنبل: عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ لَمَّا قُبِضَ قَالَتْ أُمُّ خَارِجَةَ بِنْتُ زَيْدٍ طِبْتَ أَبَا السَّائِبِ خَيْرُ أَيَّامِكَ الْخَيْرُ فَسَمِعَهَا نَبِيُّ اللهِ r فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَنَا قَالَ r وَمَا يُدْرِيكِ؟ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ (أي أن أعماله وعباداته توحي لي بأن الله تعالى قد غفر له حتما) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r أَجَلْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا وَهَذَا أَنَا رَسُولُ اللهِ وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يُصْنَعُ بِي.

فكم هو مقام خوف لنا نحن! وإلى أيّ مدى يجب أن ننتبه إلى كسب الأعمال الصالحة وعبادة الله تعالى! ويجب ألا نعتز بأعمالنا وعباداتنا أبدا، بل ينبغي أن نزداد تواضعا ونسأل الله تعالى فضله وندعوه دائما أن يغفر لنا بفضله ورحمته.

 

وهب بن سعد بن أبي سرح. كان من بني عامر بن لؤي، وهو أخو عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أُمّه مهانة بنت جابر من الأشعريين. كان وهب أخا عبد الله بن سعد بن أبي سرح كاتبِ الوحي الذي ارتد فيما بعد وقد ورد في السيرة الحلبية أنه كان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة. كتب المصلح الموعود t: ذات يوم كان النبي r يملي عبد الله بن سراح بعض الآيات من سورة (المؤمنون آية 14 و15) فلما بلغ قولَ الله تعالى: ]ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ[ قال الكاتب من تلقائه: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فقال له النبي r: اكتبْها أيضًا فقد نزلت عليّ في الوحي. ولم يفكّر الكاتب أن هذه الجملة نتيجة منطقية وطبيعية للآيات السابقة. وإنما ظن أن محمدًا r لما سمعها مِن لسانه عَدَّها من عند نفسه آية قرآنية؛ وهذا يعني أنه يختلق القرآن كله من عنده، معاذ الله! فارتد الكاتب وذهب إلى مكة. ولدى فتح مكة كان عبد الله هذا بين أناس أمر النبي r بقتلهم حيثما وُجدوا. ولكن عثمان t أجاره.

لما هاجر وهب بن سعد من مكة إلى المدينة نزل على كلثوم بن الهدم. وآخى رسول الله، r بين وهب بن سعد وسويد بن عمرو. شهد وهب بن سعد أُحداً، والخندق، والحديبية، وخيبر، وقُتل يوم مؤتة شهيدا في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وكان يوم قُتل ابن أربعين سنة. وعن تفاصيل هذه المعركة:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. يُسمّى هذا الجيش “جيش الأمراء” أيضا.

يقول المصلح الموعود t في بيان ذلك: لقد ورد في رواية أن يهوديا كان موجودا حينذاك، فلما سمع قول النبي r جاء إلى زيدٍ وقال: إذا كان محمد رسول الله صادقا لن يرجع أحدكم الثلاثة حيا.

فقال زيد: سواء رجعتُ حيًا أم لم أرجع فإن محمدا رسول الله حقًا r.

لقد تلقى رسول الله r من عند الله تعالى خبر الذين استُشهدوا في هذه المعركة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله r فنعاهم إلى الناس قبل ان يجيء الخبر، قال أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ عبدُ الله بن رواحة فأصيبَ، وعيناه تذرفان، ثم قال: ثم أخذ الراية بعدُ خالد بن الوليد، فانتصر.

رفع الله درجات هؤلاء الصحابة.

 ثم صلى حضرته الجنازة على:

الداعية ملك محمد أكرم، الذي توفي في 25 إبريل الجاري في مانشستر، إنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد بنينا مسجدنا دار الأمان في مدينة مانشستر في أيام خدمته هنالك، فلعب دورًا فعالا في جمع التبرعات للمسجد.

كتب عنه أنه كان دمث الأخلاق، متحليا بمحاسن عديدة. كان صالحا ورعا أمينا وأحمديا مخلصا فدائيا، وداعية متحمسا، وخادمًا للجماعة. لقد تبوأ  مكانة عالية في طاعة الخلافة. وأنه ذا محاسن جمة أبرزها كونه خادمًا وفيا للخلافة. كان يحب التبليغ والدعوة حبا جما منذ زمن دراسته في الجامعة الإسلامية الأحمدية. ذات مرة جاء إلى قريتنا في زمن دراستنا في الجامعة، وحث أهل القرية على التبليغ ثم اشتغل بنشر الدعوة هنالك مع الشباب والكبار، وهكذا جعل إجازته وقفًا على الدعوة. لقد عاش مطيعًا على الدوام.

كان أبناء الجماعة يحبون هذا الداعية المرحوم وكان يحبهم. رفع الله درجات المرحوم وتغمده بواسع رحمته، وألهم ذويه الصبر والسلوان.

الداعية تشودري عبد الشكور بن تشوردي عبد العزيز السيالكوتي. توفي المرحوم في 12 إبريل الجاري، إنا لله وإنا إليه راجعون. كتب عنه أنه كان رجلا بسيطا ومجتهدا جدا. متواضعا، طيب النفس، نفيس الطبع، وفيا وفدائيا للخلافة. كان السيد عبد الشكور ذا خصال حميدة كثيرة. كان مخلصا، بسيطا، متواضعا، مجتهدا، وشديد الحيطة في إنفاق أموال الجماعة. تقيا وصاحب مبدأ. أدار مكتبة الجماعة في ليبيريا على أحسن وجه، حتى أعاد بناء المسجد وبيت الداعية هنالك كان يشترك مع العمال في أعمال بناء المسجد.

كان يوصي أولاده بالصلاة وكان ملتزما بصلاة التهجد حتى صلى التهجد يوم وفاته أيضا وأيقظ أُمّي أيضا للصلاة. كان خلوقا جدا يحب الناس، ولو أساء إليه أحدٌ صبَرَ ولم يردّ بمثله قط، وكان نشيطا جدا في تطوير العلاقات مع الناس، وكان الناس يودعون عنده أماناتهم لكونه أمينا، وكلما حصل نزاع في الأسرة كان يُصلح بينهم دوما، كان منخرطا في نظام الوصية، وترك في ذويه ثلاثة أبناء وثلاث بنات إضافة إلى زوجته.

موشي جمعة من تنزانيا. توفي في 13 آذار/مارس. يقول الداعية المسؤول: الآن جماعة “مكيوني” جماعة نموذجية في منطقة “موروغو” كلها، وهي من الفروع التي أنشأها المرحوم ببذل جهد جهيد. كان بعد انضمامه إلى الجماعة يتبين من كل عمله أنه يحب الخلافة جدا، وكان يحترم للغاية الدعاةَ والمسؤولين في الجماعة ويلتزم بنظام الجماعة. وكان مفرط الحماس للدعوة والتبليغ ولم يكن يضيع أية فرصة للتبليغ، وكان من السباقين في دفع التبرعات بل كان يحنّ دوما إلى دفع التبرع كلما أدخل، وكان يقول دوما: لاحقيقة لهذه الدنيا الفانية. كان منخرطا في نظام الوصية وكان يحث الآخرين أيضا لينخرطوا في هذا النظام المبارك. وكان مثالا للالتزام بالصلوات فكان يلتزم هو نفسه بالصلوات الخمس كما كان ينصح بذلك أولاده وأحفاده وأسباطه. وكان يتهجد بكل شوق، وحفظ كثيرا من أدعية الرسول r، وكان يحب جدا قراءة كتب المسيح الموعود u.

نفخ المرحومُ روحَ خدمة الجماعة في أولاده الثلاثة. رحمه الله تعالى وغفر له ورفع درجاته وجعل أولاده خداما صادقين للدين والإسلام. اللهم آمين.