بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص خطبة الجمعة 10/5/2019م
أفرد حضرته هذه الخطبة للحديث عن شهر رمضان فبدأ بتلاوة الأيات الكريمة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
لقد بين الله تعالى في هذه الآيات أهمية الصيام، ومسؤوليات المؤمنين في هذا الشهر، وطرق استجابة الدعاء. لقد حدد اللهُ لصيامنا شهرًا يقترب الله فيه من العباد ويصفّد فيه الشيطان. فما دام الله تعالى يفتح على عباده أبواب رحمته وفضله إلى هذه الدرجة، فكم بالحري بنا أن نستجيب لأمر الله تعالى ونسعى جاهدين لنصوم حق الصيام! قال النبي صلى الله عليه وسلم ما في معناه لو عرفتم ما في رمضان من فضل لتمنيتم أن يكون العام كله رمضان، لكي تستمتعوا بأفضال الله طوال العام. فالحق أن الله تعالى إنما فرض علينا الصيام لفائدتنا نحن، وبوسعنا أن نجلب في الصيام كل نوع من المنافع الجسدية والروحانية.
فعلى الصائم أن يزداد في التعلق بالله وفي عبادة الله وذكره، ويقلل من اهتمامه بالدنيا. إن مشاغل الدنيا لا تنتهي ولا تتوقف، لذا على المرء عند قيامه بأمور الدنيا أن يذكر الله دوما وأن يجعل أحكام الله نصب عينيه دوما ولا يبرح يذكر الله كل حين.
المراد من الصيام:
يقول المسيح الموعود عليه السلام: إنما المراد من الصيام أن يقلل المرء من الخبز الذي ينمي ويقوي الجسم، ويحصل على الخبز الآخر الذي يروي غليل روحه ويشبعها. إن الذين يصومون خالصة لوجه الله تعالى ولا يصومون تقليدًا، فعليهم أن يظلوا مشغولين بتحميد الله وتسبيحه وتهليله كل حين.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ .)
ويقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
فما هي التقوى؟ إن التقوى أن تحموا أنفسكم من أنواع الضعف الروحاني والخُلقي. وكما ذكرت آنفًا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى ليس بحاجة إلى أن تجوعوا وتعطشوا، فلا جدوى من الصيام ما لم يرفع الصائم من مستوى تقواه بحيث تتجنبون كل أنواع ضعفكم الروحاني والخُلقي.
وقد وضح المسيح الموعود عليه السلام مرة ما هو التقوى فقال: لكي يكون المرء متقيًا لا بد له من عقد العزم على اجتناب الذنوب الكبيرة البينة .. ويجتنب الأخلاق الرذيلة كلها، ويتقدم مقابلَها في التخلق بالأخلاق النبيلة، ويكون صادقا في وفائه مع الله سبحانه وتعالى، ويبحث عن المقام المحمود في الخدمات. وحسنَ معاشرة الناس وإسداءَ الخدمات لهم، أي أن يكون مخلصًا في خدماته بحيث يشهد الناس بأنه يخدم الناس لوجه الله فعلا، وليس لمصلحة شخصية. وفي حق مثل هؤلاء الناس قال الله تعالى (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. إذ يكون الله سبحانه وتعالى وليا لأمثال هؤلاء كما قال {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}. وقد ورد في الحديث أن الله يكون أيديَهم الَّتِي يَبْطِشُون بِهَا وأعينهم الَّتي يُبْصِرُون بِها وآذانهم الَّتي يَسْمَعُون بِهِا وَأرجلَهُم الَّتِي يَمْشون بِهَا.
وورد في حديث آخر: “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب”.
فعندما يبلغ المسلم والمؤمن الحقيقي هذا المستوى من التقوى صائمًا كما هو حق الصيام، عندها يجعله الصيام وراءَ جُنّة الله وستره.
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . ..
أي أن المؤمن الحقيقي يصوم لي، ومن صام لي فأنا أجزيه به أو أكون جزاءه، فأعطيه ما أشاء من الجزاء.
ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ.
والصائم الذي يصوم لوجه الله تعالى إذا جزاه الله في الآخرة بغير حساب وحدود فلا شك أن فرحته ستبلغ الذروة.
لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يصفد في رمضان، ومع ذلك يستمر الناس في ارتكاب المساوئ في شهر رمضان، فكيف هذا يا ترى؟! والجواب أن الصيام يكون جنةً ويحمي من هجمات الشيطان مَن يتحلى بالتقوى مدركًا حقيقة الصيام.
وفّقنا الله تعالى جميعا لتحقيق هذا الهدف وغفر لنا.
الرخصة من الصيام:
(أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إنها أيام معدودات فإذا مرضتم أو اضطررتم إلى السفر فلا صيام في تلك الأيام ولكن عليكم أن تكملوا عدة الصيام الفائتة متى شئتم في باقي أيام السنة. وأما المرضى بأمراض مُزْمِنة الذين لا يبتغون الحيلة بل نصحهم الطبيبُ بألا يصوموا فعليهم أن يُطعموا مسكينا إذا كانوا قادرين على ذلك. فلا يكلِّف الله نفسا إلا وسعها، فعليكم أن تؤدّوا فدية لما فات بقدر استطاعتكم، وتتعهَّدوا أنكم ستصومون بالتزام حتما في المستقبل.
وقد بين حضرة المسيح الموعود عليه السلام عن الهدف من الفدية فقال u: ” أنها مدعاة للتوفيق لكي يوفِّق اللهُ تعالى للقيام بالصيام… إنه هو القادر القدير على أن يهب للمسلول أيضا قوة على الصيام إذا أراد ذلك. .. لذا فالأنسب للذي هو محروم من الصيام أن يدعو الله تعالى أنْ يا إلهي، إن شهرك هذا شهرٌ مباركٌ وأنا لم أزل محرومًا من بركاته، ولا أدري هل أكون على قيد الحياة في العام القادم أم لا، أو هل أقدر على صيام الأيام الفائتة أم لا، لذا يجب أن يسأل اللهَ I التوفيقَ.” قال u: “أما اكتفاء عامة الناس، الذين يستطيعون الصيام بعد استعادة الصحة، بالفدية فهو بمنزلة فتح باب الإباحة.”
علاقة القرآن بشهر رمضان:
إن للقرآن صلة خاصة بشهر رمضان، ويجب أن نتدبره ونتحرَّى أحكامه ونعمل بها إضافة إلى الصيام في هذا الشهر لكي نستطيع أن نستفيد من بركات العمل بأحكام الله تعالى. ولقد أوصى النبي r أيضا بالإكثار من تلاوة القرآن في هذا الشهر. على الأحمدي أن يهتم بتلاوة القرآن الكريم حتى في الأيام العادية وأما رمضان فلا بد من اهتمام خاص لها فيه، والإ فلا فائدة من مجرد الصيام.
لقد ذكر الله تعالى بوجه خاص نزول القرآن الكريم في هذا الشهر وأكد النبي r على ذلك، وقال المسيح الموعود u في موضع:
” الذي يريد الفوز بعلوم القرآن الكريم فيجب عليه أن يلتزم بالصلاة والصيام ويكون حريصا كل حين وآن على الاستجابة لأوامر الله I والامتناع عما نهى الله عنه. وما لم يحمل الإنسان نير أحكام الله تعالى بكل تواضع وتذلل وما لم يتبْ إلى الله تعالى خاضعا مرتجفا بجلاله وجبروته لن يُفتح عليه باب علوم القرآن، ولن ينال من القرآن الكريم أسباب تربية خواص الروح وقواها التي بِنيلها تجد الروح اللذة والطمأنينة.
وقال حضرته: (إن القرآن الكريم كتاب الله، وعلومُه بيد الله والتقوى هو بمنـزلة السُلَّم إليها. )
سأل أحد الإخوة: كيف يجب تلاوة القرآن؟ فقال u: “ينبغي تلاوة القرآن بالتدبر والإمعان، ويجب العمل به.
ثم يقول حضرته u: فاقرأوا القرآن بتدبّر، وأَحِبّوه حبًّا جمًّا، حبًّا ما أحببتموه أحدًا، لأن الله تعالى قد خاطبَني وقال: “الخيرُ كلُّه في القرآن.
فهذه الهداية العظيمة التي أوصلها الله إلينا عن طريق النبي r علينا أن نسعى جاهدين لنتخذه وسيلة هُدانا.
التأكيد على صيام رمضان وأن تؤتى رخصه:
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وفي الآية التالية وضَّح أكثر وأرشد إلى ضرورة الالتزام بالصيام وأنه يجب على المريض والمسافر أن يقضيا ما فاتهما من الصيام في رمضان، فمجرد دفع الفدية لا يغنيكم عن الصيام نهائيا، وأن الله حين رخص لكم بأن لا تصوموا في المرض والسفر فهي منَّته عليكم. لأنه I لا يريد بعباده العسرَ.
ثم قال: يجب أن تقضوا أيام الصيام في تكبير الله وذكْره والعبادة بوجه خاص، وتشكروا الله I على أنه أعطاكم لهدايتكم كتابا عظيما شاملا هو هداية كاملة، ولا يؤدَّى حق الشكر إلا بالعمل به.
استجابة الدعاء:
ثم يقول الله I في الآية التالية إن عبادي الباحثين عني حين يسألون عني في رمضان بوجه خاص وباهتمام أكثر فإني قريب وأسمع نداءهم. حين يسألونني بإخلاص فأنا أجيبهم، لكن في الوقت نفسه يجب على الداعي أيضا أن يستجيب لي، ويطيعني ويقوّي إيمانه بي. علينا أن نُصلح أنفسنا أولا. والإصلاح وجذْب فضل الله يتطلب الدعاء. وسيهيئ لسكينتنا وطمأنينتنا الوسائل أيضا والكيفية لتقبُّل الدعاء. فالمبادرة بهذا الشأن يجب أن تكون منا في شهر رمضان فيهيئ الله تعالى فرصة مواتية بوجه خاص للمؤمنين لينالوا قربه ولتُستجاب أدعيتهم. لذا علينا أن نسعى في هذا الشهر سعيا خاصا وإلا لن يكون لنا حق في الشكوى بأن الله تعالى لا يقبل أدعيتنا.
لقد أرشدنا المسيح الموعود u لجعْل حالنا وكيفياتنا جديرة باستجابة الدعاء فقال: “الحق أن الذي لا يعمل فهو لا يدعو بل يمتحن الله، لذا يجب على المرء أن يبذل جلّ قواه قبل الدعاء وهذا هو معنى الدعاء”.
ثم يقول u: “.. الدعاء الذي ينبع نتيجةَ المعرفة الحقيقية ونتيجة فضل الله تعالى يتميز بصبغة خاصة وكيفية مختلفة تمامًا. إن ذلك الدعاء قادر على الإفناء. إنه نار تذيب القلب. إنه قوةٌ مغناطيسية تجذب رحمة الله. إنه موتٌ يهب الحياةَ في نهاية المطاف. إنه لسيل عارم، إلا أنه يتحول إلى السفينة في النهاية. وبه ينصلح كل أمر قد فسد. وبفضله يتحول كل سُمٍّ إلى الترياق في آخر الأمر.”
“طوبى للسجناء الذين يدعون ولا يَمَلُّون لأنهم سينالون الحرية في يوم من الأيام. وطوبى للعميان الذين لا يتوانون في الدعاء، لأنهم سيُبصرون في آخر الأمر. ومباركون أولئك الراقدون في القبور الذين يستعينون الله بالدعاء، لأنهم سيُخرَجون منها في النهاية. وطوبى لكم حين لا تكِلُّون عن الدعاء أبدًا، وتذوب أرواحُكم في الدعاء، وتذرف عيونكم الدموع، ويُحدث الدعاءُ حرقةً في صدوركم، ويحدو بكم، لكي تتمتعوا بالبكاء والابتهال في الخلوة والانفراد، إلى الحجرات المظلمة والفلوات المقفرة، ويجعلكم مضطربين مفتونين مجذوبين؛ فطوبى لكم لأنكم سوف تحظَون بفضل الله في آخر الأمر. إن الإله الذي ندعو الناسَ إليه إلهٌ كريم رحيم حِيِّيٌّ صادقٌ وفيٌّ، يرحم المتواضعين. فكونوا من أصحاب الوفاء، وادعوا بكامل الصدق والوفاء لعلكم تُرحمون. ابتعِدوا عن الدنيا وضجيجها، ولا تعطوا لخصوماتكم الدنيوية صبغةً دينية… سوف يُري الله تعالى معجزاتٍ للذين يدْعون، وسيُعطَى الطالبون نعمة عظمى. الدعاء من الله يأتي وإليه يرجع. بسبب الدعاء يقترب الله تعالى منكم كقربكم من أنفسكم. إن النعمة الأولى للدعاء هي أنه يُحدِث تغييرا حسنا في الإنسان…. الدعاء إكسير يحوّل حفنةً من التراب تبرًا، وإنه ماء يغسل الأدران الباطنية، وإنه ابتهال تذوب معه الروح وتسيل مثل الماء وتخرّ على عتبة حضرة الأحدية. فهي تقوم في حضرة الله وتركع وتسجد أيضا. وصورة ذلك تلك الصلاة التي علَّمها الإسلام. والمراد من قيام الروح هو أنها تكون مستعدة لتحمّل الصعاب والانصياع لكل أمر في سبيل الله. والمراد من ركوعها أنها تركع لله تاركة كل أنواع الحب والعلاقات، وتصبح لله وحده. والمراد من سجودها أنها تخرّ على عتبات الله وتتخلى عن إرادتها كليا، وتمحو وجودها تماما. هذه الصلاة توصل صاحبها إلى الله. وقد صوَّرها الشرع الإسلامي في الصلاة لتتحرك صلاة الجسد إلى صلاة الروح”.
إذًا، هذه هي الحالة التي يجب أن نخلقها في أنفسنا لنرى مشاهد استجابة أدعيتنا ونستفيد من حقيقة العبادات الأخرى أيضا إلى جانب صيام رمضان. إذا كان هناك نقص في استجابة الأدعية فهو بسبب النقص فينا إذ لا يمكن أن يكون خطأ في كلام الله. فعلينا أن ندعو في هذه الأيام بوجه خاص لتحسين حالتنا. من المعلوم أن الله تعالى قريب جدا من عباده بوجه عام ولكنه يقترب منهم أكثر في هذه الأيام. لذا علينا أن نخرّ أمام الله تعالى مخلصين له في عبادتنا المفروضة وفي النوافل.
لقد أخبرنا النبي r أن العشرة الأولى من هذا الشهر الفضيل هي عشرة رحمة، والعشرة الثانية هي عشرة المغفرة والعشرة الأخيرة هي عشرة عِتْق من النار. ندعو الله تعالى أن يجعلنا عباده الحقيقيين ويتغمدنا برداء رحمته ومغفرته، وأن نتمكّن من الاستفادة من هذا الشهر الفضيل كما هو حقه. ثم وجهنا حضرته للدعاء للجماعة بوجه خاص، وأن يرُدّ الله تعالى شرور أعداء الأحمدية عليهم، و للأمة المسلمة أيضا أن يكفّ الله أيديهم عن الظلم وقطع رقاب بعضهم بعضا ويجعلهم مسلمين حقيقيين، ويوفقهم لمعرفة إمام الزمان. وللظروف السائدة في العالم بوجه عام، لأنها تقود بسرعة هائلة إلى دمار كبير. وأن يهب الله تعالى العالَم عقلا وفطنة ليعرفوا الله تعالى فيجتنبوا هذا الدمار.
ثم أعلن حضرته أنه بعد ذلك سيصلى الجنازة على الشهيدين الدكتور طاهر عزيز أحمد من إسلام أباد باكستان. والدكتور افتخار أحمد ابن المرحوم الدكتور خواجة نذير أحمد من أمريكا وحفيد السيد محمد جمال، صحابي المسيح الموعود u.. ذهب الشهيدان إلى بلدة “فتح جنغ” لفحص الأمور المتعلقة بأراضيهما الكائنة بالقرب من البلدة المذكورة. فقام أحد العاملين في أراضي الدكتور افتخار أحمد بتدبير اختطافهما بتاريخ 13 آذار ثم قُتلا فيما بعد دون رحمة، إنا لله وإنا إليه راجعون. ندعو الله تعالى أن يرحم المرحومَين ويغفر لهما ويوفق أولادهما أيضا بالاعتصام بالجماعة والخلافة.