خطبة الجمعة يوم 17/5/2019م

أزاح حضرته الستار عن لوحة أفتتاح مسجد مبارك في إسلام أباد بريطانيا، وأدى بعد ذلك سجدة شكر بدلأ من الدعاء وذلك تأسيا بأسوة حضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام عند افتتاح مسجد المبارك في ربوة فخرّ سيدنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى ساجدا شكرا لله وسجد معه الحضور كلهم، ثم بدأ حضرته خطبة الجمعة بتلاوة:

]قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأَعراف: 30-32)

بين حضرته في هذه الخطبة أهمية هذا المسجد، حيث بُني في إسلام آباد مقر الخليفة. فكان ضروريا أن يكون مع مقر الخليفة مسجد أيضا ليتمكن أفراد الجماعة من أداء الصلوات خلفه بسهولة، وليتمكنّ خليفة الوقت من أداء مهامه الأخرى مثل التعليم والتربية بسهولة. ورغم أن هذا المسجد أكبر أربع مرات من مسجد فضل لكن تبين من زيارة الوفود أن هذا المسجد أيضا بدأ يضيق على المصلين من الآن. ندعو الله تعالى أن يكون هذا المسجد مثيل المسجد المبارك ومدعاة لجذب أفضال الله تعالى ومباركا من كل الجوانب والنواحي. وقد اختار حضرته هذا الاسم بناء على إلهام للمسيح الموعود نصه: “مبارِك ومبارَك وكلُّ أمر مباركٍ يُجعل فيه”.

ودعى الله تعالى أن تُقبل بحق هذا المسجد أيضا أدعية دعاها المسيح الموعودُ u في “المسجد المبارك” في قاديان وما تمناه u لانتشار الإسلام وغلبته في العالم، وأن يكون هذا المسجد وهذا المركز سببا دائما لنشر واحدانية الله ودعوة الإسلام.

ثم أكد حضرته على سكان هذه القرية الجديدة، وجيرانهم من الأحمدينن أن يقدموا نماذج سلوكية أحسن من ذي قبل ليتركوا لدى الجيران أثرهم الطيب. يقول الله تعالى في هذ الآيات للمؤمنين صراحة إن كنتم تريدون رضا الله تعالى فأخلِصوا إيمانكم ودينكم لله، وإن لم تفعلوه فلن تتقدموا بل تقعون في هوة الضلال.

فلا بد لنا من العناية بتطهير أرواحنا، هذا التطهير لا يتأتى إلا بإخلاص الدين لله وحده، أما الذين لا يسعون للاهتداء، ولا يخلصون دينهم لله فإنهم يقعون في هوة الضلال، وهم الذين اتخذوا الشيطان بدلاً من أن يكونوا في كنف الله تعالى، ومع ذلك يظنون أن أعمالهم تتفق مع رضا الله تعالى.

وفي مثل هذه الظروف تتضاعف مسؤوليتنا لكي نخلص عباداتنا لله تعالى، ونُطْلِع العالم على تعاليم الإسلام الحقيقية. إن الله تعالى يفتح لنا السبل لنشر تعاليم الإسلام الحقيقية أكثر من جهودنا، وإن مركزنا هذا من هذه السبل.

فمادام الله تعالى قد هيأ لنا في أيام شهر رمضان هذه الأسباب لتطوير أرواحنا فعلينا أن نسعى أكثر من ذي قبل لإخلاص ديننا لله تعالى. أما وكيف أرشدنا المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) لإخلاص الدين لله تعالى، فقد قال حضرته ذات مرة:

ورد في القرآن الكريم: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }، فيجب ذكرُ الله بإخلاص، وينبغي مطالعةُ مننه كثيرا. ليكنْ هناك الإخلاص والتفكر في منن الله تعالى والرجوع إليه تعالى مع إدارك أنه هو الرب وأنه هو الذي يعمل لنا كل شيء. ثم يقول حضرته: إن ملخص أصول العبادة إنما هو أن يقوم المرء أمام الله تعالى وكأنه يرى الله تعالى أو أن الله يراه. يجب أن يتنزه المصلي من كل لوثة وشرك، ويركز في عظمته وربوبيته سبحانه وتعالى. عليه أن يدعو الله تعالى بكثرة، ويُكثِر من الاستغفارَ، ويعبّر عن ضعفه مرة بعد أخرى، لكي تتيسر له تزكية النفس، وتنشأ له علاقة صادقة مع الله تعالى ويتفاني في حب الله تعالى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. (صحيح البخاري، كتاب الصوم) وقال أيضًا: الصيام لي وأنا أُجْزَى به.

علينا أن نفحص أنفسنا ونصلحها، وإذا كانت ثمة أمور صغيرة تتسبب في خلْق الكُدرة والاضطراب في أنفسنا فيجب أن نزيلها ونؤدِّي حق الصيام ونعبدَ الله تعالى مخلصين له الدين ونعملَ بأحكامه.

كذلك قال المسيح الموعود u في مناسبة: “الأمر الذي يُسمى إسلاما، قد طرأ عليه الفتور في العصر الراهن، وانتشرت الأخلاق الذميمة كلها، والإخلاص المذكور في ]مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ (الأعراف:30) قد ارتفع إلى السماء”وقد تلاشى التوكل والتفويض وغيرها”. “والآن أراد الله تعالى أن يبذر بذرا” فعلينا أن نصبح أغصان تلك النبات والأشجار التي نبتت من هذه البذرة. ولكن لا يمكن ذلك ما لم نعبد الله تعالى مخلصين له وما لم نصلح أنفسنا وما لم نؤثِر رِضى الله تعالى على أولوياتنا الأخرى.

قال المسيح الموعود u في مناسبة: “الإخلاص شرط في الأعمال.” فإذا كانت هناك أعمال ظاهرية ولم يكن فيها الإخلاص والحرقة لنيل رضى الله فهذه الأعمال باطلة والصلوات باطلة. ثم قال u: “ليكن واضحا أنه وِفق هداية الفرقان هناك روابط وثيقة للغاية بين الحالات الطبعية والحالات الأخلاقية والروحانية، حتى إن أسلوب المرء في الأكل والشرب يؤثر أيضًا في حالاته الأخلاقية والروحانية. ولو استخدم الإنسان أحواله الطبعية حسب تعليمات الشريعة لتحولت كل هذه الأحوال أخلاقًا كما تتحول الأشياء في داخل الملح مِلحًا، ولأثّرت في روحانيته تأثيرًا عميقًا. ومن أجل ذلك اهتمّ القرآن المجيد بالغ الاهتمام برعاية الطهارة الجسمانية والآداب الظاهرية والحركات الجسدية في سائر العبادات وفي جميع الفرائض.” قال u: “….. السجود الجسماني يولّد في نفس الساجد حالة من التضرع والخشوع. ….فإن للأوضاع الجسمانية أثرًا في الحالات الروحانية من دون ريب.”

ثم بيّن المسيح الموعود u أن الأغذية تؤثر في تحسين حالة المرء الروحانية لذا ينبغي أن تتناولوا الغذاء، فالغذاء المتوازن يحافظ على اعتدال الأخلاق ويوجه المرء إلى عبادة الله تعالى.

قال u: ]كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا[، فالعابد الحقيقي الذي يعبد الله تعالى مخلصا له الدين لا يحسّن حالته الروحانية وعلاقتَه بالله فحسب بل يحسّن حالته الجسمانية أيضا ويستخدم نِعم الله تعالى لنيل رضى الله تعالى. وكذلك يُعِير المؤمن الاهتمام بتأدية حقوق خلق الله I أيضا. فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يلفت نظر المومن إلى تأدية حقوق المخلوق أيضا إلى جانب تأدية حقوق الله I . إذن تمسّنا الحاجة إلى أن نُبرز نحن أيضا جوانب جديدة لتعليم الإسلام الجميل من خلال أعمالنا وأقوالنا أكثر من ذي قبل، وعندما سنقضي حياتنا واضعين هذا الأمر في الاعتبار فهذا سيكون وسيلة كبيرة لنشر الإسلام وهو الذي سوف يُكسبنا أفضال الله على الشكر له. وحسن تعاملنا لا يقتصر فقط على الجيران ولكن يجب أن نحسن أخلاقتنا وتعاملاتنا مع العائلة أيضا. إذ إن عدم السكينة في البيوت يؤثر في الأولاد الذين لا يلبثون أن يبتعدوا عن الجماعة والدين بدلا من أن يكونوا جزءا رائعا من الجماعة في المستقبل.

فعلينا أن نجعل شهر رمضان هذا متميزا بعقد العزم على تحسين الأوضاع في بييوتنا ببركات هذا الشهر. الاهتمام الذي نشأ في رمضان بحضور المساجد يفرض علينا التقدم في التقوى التي هي الزينة الحقيقية للمساجد، واجتناب الرياء والاستكبار والعنجهية سائرين على درب التقوى.

إذا كنا نريد أن نري الآخرين الله I فيجب أن تكون أقوالنا وأعمالنا مؤثرة فيهم. إن مسؤولية كل أحمدي ، أن يتحرى الطرق لرفع لواء وحدانية الله ويسعى لذلك ويفكر كيف نأتي بسكان العالم تحت لواء النبي r؟ وكيف نحقق الغاية من بعثة المسيح الموعود u؟ وكيف نساعد خليفة الوقت في تحقيق مشاريعه بالدعاء والعمل.

بفضل الله تم افتتاح هذا المسجد في رمضان، وهي المرة الأولى في عهد حضرته التي يتم فيها افتتاح المسجد في رمضان. فادعوا الله كثيرا في شهر البركات وإجابة الدعاء مستفيدين منه بوجه صحيح لتقدُّم الأحمدية وتحقُّق الهدف من بناء المركز في هذه المنطقة في العالم.

وادعو كثيرًا أن يوسع الله تعالى في هذا المركز وينتشر الأحمديون حوله أيضا، ونرى مشهد دخول الناس في كنف الإسلام ومشهد تمزّق مكايد المخالفين كلهم، وأن تفتح سبل العودة إلى ربوة وسبل العودة إلى قاديان التي هي مبعث المسيح الموعود u، وأن تفتح لنا سبل الذهاب إلى مكة والمدينة فإنهما بلدا سيدنا ومطاعنا محمد المصطفى r وإنهما مركزان أبديان للإسلام، وأن تصل رسالة الإسلام الحقيقية إلى أهلهما، وأن يقبلوها ويصبحوا مصدقي الخادم الصادق للنبي r. وادعو الله تعالى أن يفتح أعين الذين يتعصبون بجهل، وأن يهيئ أسبابًا للبطش بالذين يملأون صدور الناس بالتعصب ضد المسيح الموعود u وجماعته، وأن يجتمع المسلمون على يد المسيح الموعود u ويصبحوا أمة واحدة ويتحولوا إلى نموذج عملي للتعاليم الإسلامية الحقيقية، وأن يأتي العالم غير الإسلامي أيضا تحت راية الإسلام.

ثم أخبر حضرته بعض التفاصيل عن المشروع والمسجد، فمساحة المسجد تكفي لـ 500 مصل. ولكن هناك قاعة متعددة والأغراض ومكان آخر يمكن استخدامه للصلاة وعليه فإن هذا المكان كله يسع أكثر من 2000 مصل تقريبًا.

ويتضمن أيضا بيوت ومكاتب كما يتوفر هنا كل المرافق العصرية المزودة بالألواح الشمسية أيضا.

ورغم عظم هذا المشروع لم تُطلب له التبرعات بشكل خاص، وقد رافق بناءه مشاريع كبيرة أخرى تجري على قدم وساق في بلاد أخرى لاسيما في قاديان وفي مالي وفي تنزانيا وغيرها، أنشئت في تنزانيا بناية ذات طوابق عديدة تشتمل على مكاتب الجماعة ومرافق أخرى، بالإضافة إلى مسجد جديد فإنه مُجَمَّع كامل. كما أنشئ في مالي مسجد كبير جدًّا إضافة إلى بنايات. وسينزل الله تعالى علينا أفضاله ما بقينا نسأله إياها، وسينزل علينا فضله ما بقينا نؤدي حقه. وفقنا الله تعالى لذلك. آمين.

ندعو الله تعالى أن يمن علينا بأفضاله وأن تكتمل المشاريع المستقبلية أيضا التي هي قيد الإنجاز حاليا، وأن يوفق الله تعالى لإكمال مشاريع أخرى أيضا.

إن هذه المشاريع كلها اكتملت وتكتمل من خلال روح التضحيات المالية التي حظيت بها الجماعة بشكل عام وستكتمل مشاريع أخرى هكذا في المستقبل أيضا. إن شاء الله.

زاد الله تعالى السعة المالية لأفراد الجماعة وبارك في أموالهم ونفوسهم.

وبناء على كل ذلك أستطيع أن أقول أن هذه المشاريع قد اكتملت من خلال الميزانية العامة للجماعة لذلك يمكن القول أن جميع فروع الجماعة في العالم ساهمت فجزاهم الله تعالى جميعًا أحسن الجزاء وبارك في أموالهم ونفوسهم بركات مستمرة. آمين.