بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة 31/5/2019م

استهل حضرته الخطبة بتلاوة:

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[ (الجمعة 10-12)

بين حضرته أن هذه الآيات تظهر أهمية صلاة الجمعة فيجب أن نحضر صلاة الجمعة غير مبالين بخسارة محتملة لعشرات الملايين، لأن حضور صلاة الجمعة في المسجد الجامع والاستماع لخطبة الإمام، أفضل من التجارة مئات الآلاف من المرات، ويقول الله I أيضا أنكم أحرار بعد صلاة الجمعة، فانتشروا وانشِغلوا بأعمالكم المادية والتجارة، وسوف يبارك الله لكم فيها. ووضَّح أيضا أن لا تجعلوا عبادتكم منحصرة في أداء صلاة الجمعة فقط، بل يجب أن تذكروا الله كل حين وآن، فاهتموا بذكر الله فسوف تجنون النجاحات الدينية والروحانية والمادية أيضا أكثر من ذي قبل.

فالتجارة والنعم الأخرى كلها تُنال بفضل الله I فقط، والنجاح منوط بذكر الله وعبادته حصرا. فالاهتمام بصلاة الجمعة وذكْرِ الله والسعي لأداء حق عبادته يجب ألا يكون في رمضان فقط، بل كما يتبين من هذه الآية أن هذا الحكم عن صلاة الجمعة بوجه عام.

يقول سيدنا المسيح الموعود u في موضع موضِّحا أهمية صلاة الجمعة: إن يوم الجمعة إنما هو يوم عيد، وهذا العيد أفضل من العيدين الآخرين وذلك لأن له سورة الجمعة، ثم ذكر حضرته محادثة أحد اليهود مع سيدنا عمر t عن آية ]أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[ إذ قال له: “لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا” فقال له عمر t: قَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ”، أي أن يوم الجمعة هو العيد بحد ذاته، لأن هذه الآية نزلت يوم الجمعة.

يجب المحافظة على صلاة الجمعة باهتمام ملحوظ، كما تهتمون بآخر جمعة في رمضان.

فيجب ألا يقتصر توجهنا إلى الله بالصلاة والدعاء حين لا تتحقق أمنياتنا المادية ونبتهل إليه ليحققها. بحيث لا نعلم ما هي أهمية رضوان الله والفوز به.

يقول سيدنا المسيح الموعود u في موضع: “.. أقول لكم حقًّا أن هذه فرصةٌ قد خلقها الله تعالى للسعداء،(أي الإنضمام إلى الجماعة) فإنما المبارك من ينتفع بها…… لا تغترّوا ظانين أنكم قد نلتم كل ما كنتم نائلين. ولكن الواقع أنكم اقتربتم من النبع الذي فجَّره الله تعالى الآن لنيل الحياة الأبدية، إلا أنكم لم تشربوا منه بعد. فاسألوا الله تعالى التوفيق لكم، ليسقيكم منه بفضله وكرمه حتى ترتووا، فلا يمكن أن يتحقق شيء بدون الله. ثم يقول u: “أعلم يقينا أن الذي يشرب من هذا النبع لن يهلك لأن هذا الماء يهب الحياة وينقذ من الهلاك ويحمي من هجمات الشيطان. ولكن كيف السبيل إلى الارتواء من هذا النبع؟! إنما هو أن تؤدوا بالكامل الحقَّين اللذَين أقامهما الله تعالى. أحدهما هو حق والله والآخر حق الخلق”.

إذًا، لا بد من أداء حق الله I لنيل رضاه. ولا بد من الانتباه جيدا هل أدّينا حق عبادة الله تعالى، وقد جعل العبادة هي الهدف الوحيد من خلقنا، كما يقول: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[. فلا تحسبوا أن أداء جمعة واحدة على مدار العام فيه الكفاية، بل الحق أن كل جمعة هامة. ففي يوم الجمعة سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى عَبْدٌ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

وقد قال النبي r لافتًا الأنظار إلى أهمية صلاة الجمعة: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِىٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ. وذلك لأن هؤلاء الأربعة يكونون مضطرين أحيانا. وقال r أيضا: فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ غَنِىٌّ حَمِيدٌ.

كذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ.

فعلينا أن ننتبه جيدا إلى عباداتنا ونرتب أولوياتنا بشكل صحيح، ونسعى جاهدين للوصول إلى الله تعالى.

لذا فعلى المؤمن أن يجعل نصب عينيه دائما أن عمله وتجارته إنما يُبَارَك فيهما بفضل الله وحده، وما دامت البركة تنزل بفضل الله تعالى فلماذا لا يسعى لأداء حق الله تعالى منذ البداية.

هذا هو هدف بعثة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، أي أنه قد بُعث لكي يقرّب العبادَ من ربهم، وهذه هي الغاية من البيعة، أي أن نتقرب إلى الله تعالى ونرتبط به ونصبح عباده الحقيقيين، وتكون صلواتنا وجمعاتنا وصيامنا وأعيادنا وسيلةً للفوز بالله تعالى وبقربه. والحق أن الله تعالى إنما فرض علينا صيام رمضان كل سنة لكي يسعى المؤمن باهتمام خاص لرفع معايير صلاحه وعبادته، ثم يحافظ عليها ويتثبت فيها، ثم يتقدم أكثر في رمضان القادم ويتبوأ منازل أعلى منها، لا أن نرجع القهقرى إلى ما كنا عليه من قبل. لقد أخبرنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أنه إذا لم يكن يومنا خيرًا من أمسنا فلسنا بمؤمنين حقا.

لذا فإننا لم نجتمع هنا اليوم لنودّع الجمعة، بل قد اجتمعنا هنا لكي نزداد لله حبًا، ولكي نثبت أقدامنا ولكي ندعو لذلك.

ثم قال حضرته أن بعض الناس يسألونه فيقولون له نحن ندعو بكل اضطراب ولكن دعاءنا لا يُستجاب، فكان رده، قال الله تعالى: ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[ (البقرة:187) فليعلموا أن الله تعالى لم يقل إنني سأحقق جميع الأهواء الدنيوية وأقبل الدعوات   بعبادة لشهر واحد فقط ولا يحسب الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وحدها وسيلة القبول، بل علينا أن نتوكل على الله تعالى كل التوكل ولا نخونه أبدا، حينها سنكون من المهتدين حقا الذين قال الله تعالى عنهم: الله وليهم ويحقق جميع حاجاتهم، وهذا وعد من الله تعالى.

فما دمنا قد آمنا بالمسيح الموعود u فمن واجبنا أن نرفع مستويات عبادتنا، والمستوى الذي أحرزناه في رمضان هذا أو سعينا لإحرازه ينبغي ألا ندَعه يهبط، وأن نرفع مستوى صلواتنا باستمرار ونحافظَ على حضورنا لصلوات الجمعة، ونعملَ بأحكام الله تعالى ونستمر في سعينا لنكون من الأخيار الذين يسألون الله تعالى الفوز به تعالى. أيْ ينبعي أن نسعى وندعو دوما للفوز بالله تعالى، وأن تكون صلواتنا وعباداتنا وسيلة للقاء الله تعالى. وفّقنا الله تعالى لنيل هذه المستويات، (آمين).