خطبة الجمعة 14/6/2019م

يتابع حضرته نصره الله في سيرة حضرة زيد بن الحارثة  t فذكر:

تفاصيل مرافقته للنبي r إلى الطائف:

حين رُفع الحصار عن النبي r ونال الحرية لحد ما في تحركاته وسكناته، قرر التوجه إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام برفقة زيد بن حارثة. أقام حضرته في الطائف عشرة أيام والتقى بزعماء المدينة إلا أن هذه المدينة أيضا لم يكن من حظها الإسلامُ آنذاك كأهل مكة، وأخيرا توجه حضرته إلى الزعيم الأكبر في الطائف عبد ياليل ودعاه إلى الإسلام، لكنه هو الآخر رفضه وتَحَسُّبًا منه من أن يتأثر شباب المدينة بكلام حضرته r أطلق وراء حضرته بعض رعاع المدينة، فلما خرج النبي من المدينة لاحقوه ورشقوه بالحجارة، حتى دميت قدماه. وفي رواية سابقة أن زيد بن حارثة كان يرافقه فهو الآخر قد أصيب رأسُه بالحجارة أثناء منْعه r منهم، قد لاحقوه يرشقونه ويسبونه لثلاثة أميال. إلى أن وصل بستانٌ لزعيم مكة عتبة بن ربيعة، فلجأ إليه حضرته r وعاد الظالمون متعَبين، وهناك دعا اللهَ I واقفًا تحت ظل: اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك.

وكان عتبة وشيبة آنذاك في البستان، فلما رأياه r في هذا الحال، فنظرًا إلى القرابة البعيدة له أو كونه من قومهم أو بفكرة أخرى، أرسلا بيد غلامهما المسيحي عداس شيئا من العنب في طبق، فأخذه r منه ودار بينهما حديث تأثر به عداس وقبَّل يديه بدافع الإخلاص، ثم استراح حضرته قليلا في البستان، ثم انطلق من هناك ووصل إلى النخلة التي تقع على مسافة محطة واحدة من مكة، وأقام هناك أياما، وأرسل رسالة إلى المُطعم بن عدي طالبا جيرته فأجاره، فجاء النبيُّ r إلى الكعبة وطاف بها، ثم جاء إلى بيته في جوار المطعم وأولاده المسلحين. مات المطعم كافرا، إلا أنه أحرز هذا المعروف.

بعد الهجرة: حين وصل حضرة زيد مهاجرا إلى المدينة، آخى النبي r بين زيد وحضرة أسيد بن حضير، وكتب البعض أن حضرته r جعل زيدا أخا لحضرة حمزة، ولهذا كان حمزة t أوصى بحق زيد عند القتال يوم أُحد، وعن ذلك يتابع حضرة مرزا بشير أحمد المحترم في كتابه سيرة خاتم النبيين فيقول:

بعد مدة قصيرة من الوصول إلى المدينة أرسل النبي r زيدَ بن حارثة إلى مكة مع شيء من المال، فجاء بأهله r إلى المدينة بخير، وجاء برفقته عبدُ الله بن أبي بكر أيضا مع أهل سيدنا أبي بكر t إلى المدينة.

زواجه من أم أيمن رضي الله عنها: لقد تزوج زيد بن الحارثة أمَّ أيمن وكان اسمها “بركة” أيضا، وكُنيت بابنها أيمن. كانت من أهل الحبشة، ومولاة عبد الله والد النبي r، وبعد وفاته بقيت أمُّ أيمن مع السيدة آمنة. قبل إعلان النبي r النبوة زُوّجت أمّ أيمن بعبيد بن زيد الذي كان عبدا حبشيا. أنجبت أمّ أيمن ولدا وسُمّي أيمن، واستُشهد يوم حنين. بعد وفاة زوج أمّ أيمن زُوّجت من زيد t. وقد ورد في رواية أن أمَّ أيمن كانت تلطُف للنبي، وتقوم عليه فقال رسول الله r: من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أمّ أيمن فتزوجها زيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد.

هاجرت أمّ أيمن إلى الحبشة مع المسلمين، ثم عادت إلى المدينة. وشهدت يوم أُحد وكانت تسقي الماء وتمرّض الجرحى. وشهدت غزوة خيبر أيضا. عندما استُشهد عمر t عام 23 من الهجرة بكت أمُّ أيمن كثيرا. فقيل لها، فقالت: اليوم وَهِيَ الإسلامُ. توفّيت أمّ أيمن في بداية عهد عثمان t.

وقد ذكر سيدنا مرزا بشير أحمد t عن زواج زيد من أمّ أيمن: وصلت أمّ أيمن إلى النبي r وراثة بعد وفاة أبيه. ولكنه r أعتقها بعد أن كبُر وكان يلطف بها ويحسن إليها كثيرا. تزوجت أمّ أيمن من زيد بن حارثة (الذي كان عبدا أعتقه النبي r) وأنجبت له أسامةَ بن زيد الذي كان يُدعى “الحِبّ ابن الحِبّ”. وقيل: كان رسول الله r يقول لأم أيمن: يا أمَّه وقيل: وكان إذا نظر إليها قال: هذه بقية أهل بيتي. وقيل أنه كان يقول “أمّ أيمن أمي بعد أمي”، وكان يزورها في بيتها.

وفي رواية أن أم أيمن شعرت بعطش شديد خلال هجرتها إلى المدينة مشيًا على الأقدام، (كانت امرأة صالحة مقربة عند الله تعالى) ولم يكن عندها الماء وكان الحر شديدا، فسمعت من فوق رأسها صوتًا، فرأت أن شيئا كالدلو نزل من السماء ويقطر منه الماء. فشربت منه حتى ارتوت. وكانت تقول: منذ ذلك اليوم لم أشعر ولم أعان من شدة العطش قط، وحتى لو شعرت بالعطش في الصوم لم أكن أعاني أبدًا.

كان في لسان أم أيمن رضي الله عنها شيء من اللكنة، وكانت كلما زارت أحدًا لم تستطع أن تسلم عليه بقول “سلام الله عليكم” كما كانت عادة العرب في البداية، فسمح لها النبي r أن تقول: “سلام عليكم” أو السلام عليكم، وهذا ما راج فيما بعد.

عن أنس أنه لما توفي النبي r ظلت أم أيمن تبكي. فقيل لها لماذا تبكين. قالت كنت أعلم أن رسول الله r سيتوفى حتما، لكني أبكي لأن الوحي قد انقطع عنا الآن.

زواجه من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها: كان زيد عتيق رسول الله r ومتبناه، وزوّجه النبي من زينب بن جحش، كانت زينب بنتَ عمّةِ النبي r، ورغم عظيم تقواها وصلاحها كان عندها الإحساس بالعظمة بسبب نسبها. ومع أن زينب عاشرت زيدًا باحترام وبخلق، ولكن زيدا شعر بأن في قلب زينب نزعة خفية بأنها تنحدر من عائلة عريقة وأنها من أقارب النبي r أما هو فليس إلا عبدا عتيقا وليس بكفءٍ لها. وظل هذا الشعور يزداد بالتدريج حتى كدّر عليهما صفوَ حياتهما الزوجية، فبدآ يعيشان في خصام. ولما تفاقم هذا الوضع وصار غير محتمل حضر زيد بن حارثة إلى النبي r وشكا إليه زينب بناء على ظنونه، واستأذنه في تطليقها. وبالطبع صُدم النبي r بمعرفة هذه الأحوال ولكنه منع زيدا من الطلاق، ونصحه بتقوى الله والسعي لإصلاح الأمور قدر المستطاع، فسكت زيد مسلِّما بنصحه ورجع، ولكن لم تنصلح الأمور وطلق زيد زينب بعد فترة. وحين انقضت عدة زينب نزل على النبي r وحي جديد أن ينكحها، وإضافة إلى أمر الله تعالى هذا كانت الحكمة من وراء ذلك جبر خاطر زينب، ولكي لا يرى المسلمون حرجا في الزواج من مطلقات أدعيائهم. وبذلك سيمحو نهائيا تقليدَ عرب الجاهلية من بين المسلمين. فقال عنه القرآن الكريم الذي هو المصدر الأوثق لتاريخ الإسلام: ]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا[ (الأحزاب:38) فقد قرر النبي r الزواج من زينب بعد نزول الوحي الإلهي ولم يكن في هذا القرار أي دخل لأمنية النبي r أو لرأيه الشخصي، وأرسل زيدا إلى زينب طالبا يدها ولما وافقت زينب صار أخوها أبو أحمد بن جحش وليها فزوّجها من النبي r الذي أَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ.

*****