خطبة الجمعة 28/6/2019م
يتابع حضرته في سيرة سيدنا زيد بن حارثة t ويذكر بعض الأحداث التي تظهر حب النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة t وابنه وأسامة بن زيد t وثقته بهما، فقد أمر زيد بن حارثة على عدة سرايا:
السرية المرسلة إلى بني سليم:
بعثها النبي r في ربيع الأول من العام السادس بعد الهجرة بقيادة حضرة زيد بن حارثة. كانت هذه القبيلة تنشط منذ مدة ضد النبي r وتقوم بمؤامرات وتسعى للحرب. حين وصل زيد بن حارثة مع أصحابه إلى الجموم كان المكان خاليا، لكن سيدة من قبيلة مزينة اسمها حليمة وكانت من أعداء الإسلام أخبرت المسلمين عن مكان كان بعض من بني سليم يرعون فيه مواشيهم، فداهمهم المسلمون، وأسروا بعضهم وأخذوا المواشي.
السرية المرسلة إلى العيص:
في جمادى الأولى من العام السادس الهجري بعث النبي r زيد بن حارثة t أميرا على 170 صحابيا، والسبب أن قافلة مسلحة لقريش كانت آتية من الشام، وكانت تثير قبائل العرب ضد المسلمين حيثما تمر بها. ولمقاومتها كان النبي r قد أرسل هذه السرية. فداهمهم زيد فجأة فلم تستطع القافلة مقاومة المسلمين وهربوا من هناك تاركين متاعهم، فأسر زيد بعضهم وأخذ المتاع.
السرية المرسلة إلى موضع الطرف:
بعد غزوة بني لحيان بمدة قصيرة، بعث النبي r في جمادى الآخرة من العام السادس بعد الهجرة كتيبة قوامها 15 صحابيا إلى موضع الطرف الواقع على بُعد 36 ميلا من المدينة بقيادة زيد بن حارثة t، وكان يقيم به رجال من بني ثعلبة، لكنهم بعد تلقي الخبر انتشروا هنا وهناك قبل وصول زيد إليهم، ولم يحدث أي قتال ولم يلاحقهم.
سرية إلى حسمى:
ثم هناك سرية أخرى لزيد بن حارثة r، قد أرسلت في جمادى الآخرة من العام السادس إلى حسمى، مع 500 مسلم.
وسبب هذه السرية أن الصحابي دحية الكلبي كان يأتي من الشام بعد لقاء قيصر وكان معه بعض الهدايا من قيصر وشيء من أموال التجارة أيضا، فلما مرَّ دحية من بني جذام هاجمه رئيس القبيلة الهنيد بن عارض برفقة عدد من رجال القبيلة وغصب منه كل ما كان عنده من كسوة قيصر وأموال التجارة، فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب. فلما علم بذلك بنو الضبيب وكانوا فرعا من بني جذام، وكان قد أسلم بعضهم نفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فبعث r زيدَ بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية. واندلعت معركة وانتصر المسلمون وعاد زيد بن حارثة بكثير من الغنائم. لكن قبل أن يصل زيد إلى المدينة اطلع على حملة زيد هذه بنو الضبيب، وهم فرع من بني جذام، فجاءوا إلى النبي r وقالوا له: يا رسول الله، قد أسلمنا وقد كُتب كتاب الأمان لبقية قومنا، وعُقد الميثاق أنهم سيؤمَّنون، فلماذا تم الهجوم على قومنا؟ فأرسل النبي r عليًّا فورا إلى زيد وأعطاه سيفه كعلامة، وقال له أن يقول لزيد أن يطلق سراح الأسرى الذين أسَرهم ويعيد إليهم أموالهم أيضا. فحرر زيد جميع الأسرى فور تلقي الرسالة، وأعاد إليهم متاعهم.
سرية وادي القرى:
ثم هناك سرية زيد بن حارثة التي أرسلت إلى وادي القرى في رجب من العام السادس، في هذه المعركة استُشهد عدة من المسلمين وأصيب زيد نفسه بجروح شديدة، إلا أن الله I أنقذه بفضله.
غزوة مؤتة أو جيش الأمراء:
كانت سرية مؤتة في جمادى الأولى من العام الثامن بعد الهجرة، وهي موضع قرب بلقاء الشام. أسباب هذه السرية:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير إلى ملك بُصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمير الناس زيد بن حارثة. وعقد لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لواءً أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة وأوصاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتَلوهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
هذه السرية تسمى بجيش الأمراء كذلك، وذكرها موجود في البخاري ومسند أحمد أيضا.
وفي رواية أن حضرة جعفر قال للنبي r: يا رسول الله ما كنت أظن أنك ستؤمِّر علي زيدا، فقال r دعك عن هذا، فلا تعرف ما هو الأفضل.
ثم وقع هذا الحادث على هذا النحو تماما بمشيئة الله تعالى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ r لَتَذْرِفَانِ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ.
عندما بلغ النبيَّ r خبرُ شهادة زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة، قام لبيان وقائع شهادتهم وبدأ بزيد t وقال: اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لجعفر، اللهم اغفر لعبد الله بن رواحة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة y جلس رسول الله r في المسجد يُعرف في وجهه الحزن.
قتل زيد طعنا بالرماح شهيدا فصلَّى عليه رسول الله r وقال: استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى.
حب النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه:
عن أسامة قال: إن رسول الله r كان يأخذني والحسن بن عليّ ثم يقول: اللهم أحبهما فإني أحبهما.
عن جبلة قال كان رسول الله r إذا لم يغزلم يعط سلاحه إلا عليا أو زيدا.
وفي رواية أخرى عن جبلة، قال أُهْدِيَ للنبي r رجلان فأخذ واحدا وأعطى زيدا الآخر.
وفي رواية أخرى عنه أن النبي r أُهدي ثوبان فأخذا واحدا وأعطى زيدا الآخر.
وفي رواية أن زيدا بن حارثة كان يسمّى حبيب الله. روى عنه r أنه قال: “أحب الناس إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه”، يعني زيد بن حارثة، أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه رسول الله r بالعتق.
ردا على غزوة مؤتة:
جهّز النبيُّ r جيشا كبيرا في شهر صفر عام 11 من الهجرة للانتقام لغزوة مؤتة، وعندما أُعدّ هذا الجيش دعا النبي r في اليوم التالي أسامة بن زيدٍ وجعله أميرا لهذه المهمة، وقال له: اذهب إلى المكان الذي قُتل فيه أبوك. وقال له عند الرحيل إلى الشام: عندما ترحل يجب أن تسافر سريعا ويجب أن تصل إلى هناك قبل أن يعرف أهلها عن سفرك، واغزُ عند انفلاق الصبح منطقةَ البلقاء في الشام. وقال النبي r ما معناه: دُسَّ الداروم بخيولك انتقاما لزيدٍ. … رزقك الله الفتحَ، وعُدْ سريعا.
وقد صنع رسول الله r لأسامة راية بيده وقال له: جاهِدْ بها باسم الله في سبيله، ومن أنكر اللهَ فقاتِلْه. كان عِدة الجيش ثلاثة آلاف واشترك فيه الصحابة الكبار من الأنصار والمهاجرين واستُعمل عليهم أسامة الذي كان عمره يقارب 17 أو 18 عاما.
توفي رسول الله r قبل خروج الجيش، فلما بويع لأبي بكر أمر بأن يكمل الجيش مهمته بقيادة أسامة، فكلم كبار الصحابة أبا بكر t أن يؤخر لبعض الوقت خروج جيش أسامة نظرا إلى حساسية الظروف فأبى وقال ما مفاده: لو خطفتني السباع لأرسلت هذا الجيش كما أمر النبي r. خرج أسامة في هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، فأحرز النصر وحصل على كثير من الغنائم فوضع منه الخمس ووزع الباقي بين الجنود ولم يُقتل أحد من المسلمين في هذه المعركة.كان قول النبي r في أسامة أنه قائد عظيم، ولقد أثبت بفضل الله تعالى وببركة أدعية الرسول r والخليفة أنه كان خليقا للإمارة مثل والده الشهيد زيد t، وبذلك علّم المسلمين أول درس بعد وفاة النبي r بأن البركات كلها الآن في طاعة الخلافة فقط.
ثم صلى حضرته صلاة الغائب على:
صديق آدم داعية في ساحل العاج، قبل 1977 بفترة دخل الأحمدية، ثم في 1981 وقف حياته وسافر إلى باكستان مع زميلَيه مشيا على الأقدام بغية تحصيل العلم وعاد إلى ساحل العاج بعد التخرج من الجامعة الأحمدية في 1985-1986. ووُفّق للخدمة كداعية في بلاد مختلفة في غرب أفريقيا أكثر من ثلاثين عاما إلى أن تُوُفِّي .
تشرف المرحوم بلقاء حضرة الخليفة، ثم التحق بالجامعة الإسلامية الأحمدية في عام 1982، وبعد إكمال دراسته عاد إلى ساحل العاج، ثم ظلت الجماعة توفده إلى بلاد شتى للخدمة. فخدم في ساحل العاج من عام 1987 إلى 1991، ثم في النيجر من عام 1991 إلى 1992، ثم في بينين من عام 1992 إلى 1994، ثم في توغو من عام 1994 إلى 1996، ثم في ساحل العالج من عام 1996 إلى الوفاة.
كان المرحوم صديق آدم عاشقا صادقا للخلافة وخادما مخلصا للجماعة. كثير الدعاء، مواظبا على صلاة التهجد، وصاحبَ رؤى. كانت عنده قدرة فائقة على تعبير الرؤى، وكان كثيرا ما يخبر معارفه بتأويل مناماتهم. كان مواظبا على إرسال التقرير الشهري لأعماله إلى المركز.
كان كثير الصلاح، حريصا على الالتزام بالمواعيد. كان شديد الإحساس بالمسؤولية. كان يقوم بالدعوة بأسلوب يأخذ بمجامع القلوب. كان تبليغه ناجحا في معظم الأحيان. كان أسلوب بيان المرحوم بلغته المحلية “الجولا” أخّاذًا بوجه خاص. كان يقدم البرامج المباشرة على المذياع أيضا، وكانت برامج رائعة ومقبولة جدا. غفر الله للمرحوم وتغمده بواسع رحمته ورفع درجاته، وألهمَ أولاده الصبر والسلوان، ووفقهم للعمل بالحسنات التي كان يعملها.
ميان غلام مصطفى: توفي في 24 يونيو عن عمر يناهز 83 عاما كان المرحوم أحمديا بالمولد. كان شديد الولع بالعبادة. كان مواظبًا على الصلوات الخمس جماعةً، وعلى صلاة التهجد. وفّقه الله تعالى لصوم رمضان حتى آخر عمره. كان شديد الوله بالدعوة والتبليغ، كان دمث الأخلاق، كبير الصلاح ومخلصا جدا. يحب الخلافة حبًا كبيرا. لقد وفّقه الله تعالى للتبرع لحفر بئر للعطاشى في منطقة “تهرباركر”. ودفع في حياته كل ما عليه من تبرع الوصية. وفقه الله قبل بضع سنوات للتبرع ببيته للجماعة حيث بدأ يسكن في غرفة صغيرة في المسجد، ويسكن في بيته الآن داعية الجماعة. رحم الله المرحوم وغفر له ورفع درجاته.