خطبة الجمعة 23/8/2109م
يتابع حضرته في ذكر الصحابة البدريين:
عاصم بن عدي t. كان عاصم من بني عجلان بن حارثة. وكان سيد بني العجلان وأخو معن بن عدي، كان متوسط القامة ويخضب الشعر بالحناء. اسم ابنه أبو البدَّاح وابنته سهلة التي تزوجت من عبد الرحمن بن عوف وكان لهما أربعة أولاد وهم: معن، وعمر، زيد، وابنته أمة الرحمن الصغرى. عندما خرج رسول الله r إلى بدر أمّر عاصمًا على قباء والعالية وهي المنطقة المرتفعة من المدينة. وفي رواية لما بلغ رسول الله r الروحاء أمّر عاصمًا على العالية، وعّده r من البدريين وجعل له سهمًا في الغنائم.
شهد عاصم غزوة أُحد والخندق ومشاهد أخرى كلها مع النبي r، وتوفّي في المدينة في 45 من الهجرة في عهد معاوية t. كان عمره عند الوفاة 115 أو 120 عاما، عندما حانت وفاته بكى أهله، فقال: لا تبكوا عليّ فقد قضيتُ عمرا طويلا.
عندما أمر النبي r الصحابة بالاستعداد لغزوة التبوك، حثّ الأغنياء ليقدِّموا أموالا ومطايا في سبيل الله، فقدّم الناس تضحيات كل بقدر استطاعته، فجاء أبو بكر t بكل ما في بيته وكانت أربعة آلاف درهم. وجاء عمر t بنصف ما في بيته، وقدّم عبد الرحمن بن عوف مئة أوقية- الأوقية الواحدة تساوي أربعين درهما- فقال r: إن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كنـزان من كنوز الله في الأرض، أي ينفقان لوجه الله تعالى بسخاء. وقدمت السيدات حليهن، وجاء عاصم t بكل ما كان يملكه من التمر وكان بقدر كبير.
كان عاصم بن عدي t من الصحابة الذين أمرهم النبي r بهدم مسجد الضرار.
قصة مسجد ضرار:
لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله r فصلّى فيه حسدهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا نبني مسجداً كما بناه بنو عمرو. فقال أبو عامر لأشياعه: ابنوا مسجدكم واستمدوا فيه بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجيش من الروم فأخرج محمدا وأصحابه…فلما فرغوا من مسجدهم أتى جماعة منهم لرسول الله r فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة لأنهم لا يستطيعون أن يذهبوا بعيدا للصلاة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلّي لنا فيه قال:” إني على جناح سفر وحال شغل، وإذا قدمنا إن شاء الله صلّينا لكم فيه”. فلما رجع رسول الله r من غزوة تبوك ونزل بذي أوان – مكان بينه وبين المدينة ساعة – أنزل الله I على نبيه r وحيا: ]”وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[ (التوبة)
دعا رسول الله r عاصم بن عدي وآخرين وأمرهما بهدم مسجد الضرار وإحراقه ففعلوا.
كان الذين بنوه اثني عشر رجلا كلهم متواطئين براهب أبي عامر الذي سماه النبي r فاسقا.
يقول المسيح الموعود u إن زينة المساجد الحقيقة ليست بالبنايات بل بالمصلين الذين يصلّون بإخلاص، وإلا فهذه المساجد كلها صارت خربة.
لقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار وقد وضّح في الآيات التالية أن المسجد الحقيقي هو الذي يؤسَّس على التقوى. وعلينا نحن الأحمديين أن نسعى جاهدين لتكون مساجدنا مبنية على التقوى. ولو بقي هذا الأصل قائما سنظل حائزين على أفضال الله تعالى بإذنه I.
عمرو بن عوف t، وقيل هو عمير، واسم والده عوف. ولد في مكة، كان من أوائل الذين أسلموا كان من أحياء الأنصار الأوس أو الخزرج، وقد أقام في مكة وكان حليفًا لبعض الناس هناك وهكذا كان أنصاريًا ومهاجرًا.
شهد عمرو بن عوف بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله r. ومات في خلافة عمر بن الخطاب وصلى عليه عمر t.
معن بن عدي t. وهو أخو عاصم بن عدي، بايع بيعة العقبة مع السبعين من الأنصار، كان يكتب العربية قبل الإسلام حين كان قليل من العرب يعرفونها. وشهد مع النبي r بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها، ولما هاجر زيد بن الخطاب من مكة إلى المدينة آخى النبي r بينه وبين معن بن عدي.
وهو من الرجلين الذين وصفهما عمر r بالصحالين في رواياته لقصة خلافة أبي بكر.
ملخص خلافة أبي بكر r:
بعد وفاة النبي r حصل خلاف بين الأنصار والمهاجرين، فكان الأنصار يرون أن الرسول r قد قضى بينهم حياته المتعلقة بالنظام، إذ لم يكن في مكة أي نظام إسلامي، فهم الأدرى بنظام الحكم، والأحق بالخلافة من غيرهم. وكانت حجتهم الأخرى أنّ هذه منطقتهم، ومن الطبيعي أن يطيعهم الناس أكثر من طاعتهم للمهاجرين، فيجب أن يكون خليفة رسول الله r منهم لا من المهاجرين.
أما المهاجرون فقالوا لم يحظَ الأنصار بصحبة رسول الله r بقدر ما حظينا بها، فنحن الأكفأ بدراية الدين من الأنصار. وبينما كان المهاجرون يفكرون كيف يزيلون هذا الخلاف ولَمّا يتوصلوا إلى أي نتيجة، إذاة اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وبدؤوا التشاور، ومالت قلوبهم إلى اختيار سعد بن عبادة، زعيم الخزرج وأحد النقباء، خليفةً، وقالوا إن البلد بلدنا، والأرض أرضنا، والعقارات عقاراتنا، فالخير للإسلام أن يكون الخليفة منا، ورأوا أن لا أحد أولى بهذا المنصب من سعد بن عبادة، فقال بعضهم: ماذا إن لم يرض المهاجرون بهذا الرأي؟ فقال أحدهم: نقول لهم: “منا أميرٌ ومنكم أمير”.
وكان سعد بن عبادة رجلا حكيما، فقال: هذا أول ضعفكم. وبعد ذلك لما بلغ المهاجرين خبرُ تشاور الأنصار، سارعوا إلى مكان اجتماعهم، لإدراكهم أن العرب لن يطيعوا أي خليفة من غير المهاجرين، وهو أمر لا يتعلق بالمدينة فقط، إذ لا شك أن الأنصار كانوا ذوي نفوذ وقوة في المدينة، ولكن سائر العرب كانوا معترفين بعظمة وشرف أهل مكة، فظن المهاجرون أنه لو اختير الخليفة من بين الأنصار فسوف يواجه العرب مشاكل كبيرة، وقد لا يتمكن معظمهم من تجاوز هذا الابتلاء بخير. فحضر المهاجرون إلى سقيفة بني ساعدة، وكان من بينهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عنهم.
قال المهاجرون للأنصار: لا بد من أن يكون الأمير من قريش الآن، واستدلّوا بحديث رسول الله r: “الأئمة من قريش”، وذكروا سبْقَهم في الدين وتضحياتهم في سبيل الإسلام. فعارضهم حباب بن المنذر الخزرجي وقال: لن نرضى بخليفة من المهاجرين، وإذا كنتم مصرين على موقفكم فمنا أميرٌ ومنكم أمير… فقال له عمر: على رِسْلك، يا رجل! ألا تعلم أن رسول الله r قال: لا يكون أميرانِ في وقت واحد؟
بعد نقاش وجدال قام أبو عبيدة t وقال منبّهًا للأنصار: أيها الأنصار أنتم أوّل قوم آمنوا برسول الله r خارج مكة، فلا تكونوا أول قوم بعد وفاته r يبدلون مشيئة الدين. فتأثر القوم جدا من قوله حتى قام بشير بن سعد الخزرجي وقال لقومه: يا قوم، لقد صدق هؤلاء فيما قالوا، فإننا لم نخدم الرسول r ولم ننصره من أجل المكاسب المادية ولا من أجل الوصول إلى سدّة الحكم بعده، وإنما فعلناه لوجه الله، فليس النقاش عن حقّنا في أن يكون الأمير منا أو الخليفة منا، وإنما النقاش عما يتطلب منا الإسلام، فيجب أن يكون الأمير من المهاجرين، فهم أطول صحبة برسول الله r. فعاد القوم إلى مداولة الرأي حتى مالت الآراء إلى اختيار خليفة من المهاجرين. فرشّح أبو بكر عمرَ وأبا عبيدة لهذا المنصب، (وهنا قدّم أبو بكر عمر َوأبا عبيدة)
وقال: يمكنكم أن تبايعوا أحدهما. ولكنهما رفضا ذلك وقالا: سنبايع مَن أمَره النبي r بأن يؤم الناس في الصلاة، والذي هو أفضل المهاجرين. وقال عمر سنبايع من هو أفضل المهاجرين كلهم. فبدأ الناس يبايعون أبا بكر، فبايعه الجميع في ذلك الوقت.
عن عروة بن الزبير قال: أَنَّ النَّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، وَقَالُوا : وَاللَّهِ لَوَدَدْنَا أَنَّا مِتْنَا قَبْلَهُ إِنَّا نَخْشَى أَنْ نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ . فَقَالَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْتُهُ حَيًّا. شارك في حروب الردة بعد النبي r في جيش خالد بن الوليد، واستشهدا في حرب اليمامة سنة 12 للهجرة.
وفق الله تعالى كل أحمدي لفهم مقام النبوة، ووفقه لإنشاء علاقة الوفاء والإخلاصة مع الخلافة أيضا. آمين.