خطبة الجمعة 30/8/2109م
تابع حضرته في ذكر الصحابة البدريين وتناول ذكر:
الصحابي عتبة بن مسعود الهذلي t،: يكنى بأبي عبد الله، وهو من بني مخزوم، وشقيق عبد الله بن مسعود. كان من أوائل المسلمين بمكة ومن المهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الثانية. كان أيضا من أصحاب الصفة.
من هم أصحاب الصفة: ذكر مرزا بشير أحمد t، تفصيل حول الصفة نقلا عن كتب التاريخ المختلفة. يقول: كان مكانًا مرتفعًا ومظللا في جزء من المسجد النبوي يقال له الصفة. وكان مأوى للفقراء المهاجرين الذين لا مأوى لهم ولا أهل، فكانوا يقيمون في هذا المكان وكانوا يُدعون بأصحاب الصفة. كان شغلهم الشاغل الحضور في صحبة النبي r والتعبد، وتلاوة القرآن الكريم. لم يكن لهم مصدر رزق دائم، فكان النبي r يهتم بهم ويرعاهم، هكذا ظلّ بهم الحال لسنوات عديدة حتى تيسرت لهم بعض الأعمال نتيجة التوسع السكاني في المدينة كما توفرت لهم المساعدة من بيت المال أيضا.كان أبو هريرة t من بين هؤلاء الأجلاء، كان النبي r يحبهم كثيرًا ويجالسهم في المسجد، ويتناول الطعام معهم، ويحث الناس على إكرامهم.
كانوا يكثرون من قراءة القرآن الكريم، وقد عُيّن لهم قارئ للقرآن الكريم يأتيه منهم ليلا مَن لا يحسن قراءة القرآن الكريم أو لا تصح قراءته أو من كان يريد حفظ القرآن الكريم، فكان المعلم يعلمهم ليلا، وبناء عليه سمّي أكثرهم بالقراء، كان النبي r يبعث بعضهم لنشر الإسلام حيثما لزم الأمر. وقد تولى بعض مِن هؤلاء الأصحاب مناصب عالية لاحقًا. كان أبو هريرة قد عيّن حاكمًا على البحرين في زمن خلافة عمر t وكان حاكمًا على المدينة في عهد معاوية. وسعد ابن أبي وقاص كان حاكمًا على البصرة كما أسس مدينة الكوفة. وكان سلمان الفارسي حاكمًا على المدائن، وعمار بن ياسر حاكمًا على الكوفة. وكلهم كانوا من أصحاب الصفة. ومنهم عبادة بن الجراح وكان حاكمًا على الفلسطين، وأنس بن المالك وكان حاكمًا على المدينة في عهد عمر بن عبد العزيز. وكان من بينهم قائدًا أدى دورًا بارزًا في الفتوحات الإسلامية وهو زيد بن ثابت، لم يكن قائدًا فحسب بل كان قد تولى منصب قاضي القضاة أيضا في عهد عمر t.
لقد تلقى سيدنا المسيح الموعود u أيضا إلهاما ذُكر فيه أصحاب الصُفّة، أنه أيضا سيُعطى أصحابا مثلهم. فقال u: إن أصحاب الصفة الذين خلوا في زمن رسول الله r كانوا يتحلون مرتبة عظيمة، وكانوا أقوياء الإيمان. وإن نموذج الإخلاص والوفاء الذي أبدوه إنما هو مضرب المثل. ثم قال u: لقد أخبرني الله تعالى أنه سيعطيني أيضا أناسا مثلهم.
لقد ذُكر عتبة من مسعود t، في صحيح البخاري في رأس قائمة الصحابة الذين شهدوا بدرا. أما في بعض الكتب الأخرى التي تتناول سِير الصحابة، فقد جاء فيها أن عتبة بن مسعود شهد غزوة أُحد وما بعدها ولم تذكر أنه شهد بدرا.
لقد توفي عتبة بن مسعود t، في المدينة في 23 من الهجرة، وذلك في عهد عمر t، وصلّى عليه عمر t.
الصحابي عبادة بن الصامت الأنصاري t،. اسم أبيه الصامت بن قيس وأُمّه قرة العين بنت عبادة. شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيباً على قواقل بني عوف بن الخزرج. كان يقال لهم القواقل لأن الرجل كان إذا استجار بيثرب قيل له: قوقلْ حيث شئتَ فقد أَمِنتَ.
عبادة بن الصامت كان أحد نقباء بني عوف، كان أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت. كان أوس من الصحابة البدريين. لما هاجر أبو مرثد الغنوي إلى المدينة آخى رسول الله r بينه وبين عبادة بن الصامت. شهد عبادة بدرا وأُحدا والخندق وبقية المشاهد مع رسول الله r. ومات في 34 من الهجرة في رام الله في فلسطين، وعند البعض مات في بيت المقدس، ودُفن هنالك وقبره معروف إلى اليوم.
كان طويل القامة وضخيم الجسم وجميلا.
إن عدد الروايات التي رواها عبادة بن الصامت يبلغ 181 رواية. وقد روى عنه الأحاديثَ كبارُ الصحابة والتابعين.
كان من أولئك الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الإقامة عندهم عند هجرته، ولكنه قال لهم أن ناقته مأمورة فدعا لهم عليه السلام بالخير وقال: لقد سمعت مقالتكم، فخلوا سبيل ناقتي فإنها مأمورة.
كان قائدا للجيش الذي فتح مصر في عهد عمر.
جاء أبو عبيدة بن الجراح بعد فتح دمشق إلى حمص، وتصالح مع أهلها، وجعل عبادةَ بن الصامت الأنصاري عاملا عليها. وأحرز عبادة t وأصحابه بعد ذلك فتوحات كثيرة، حيث فتحوا في سورية اللاذقية وجبلة ولدة وطرطوس.
وذات مرة استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عبادةَ بن الصامت على الصدقات وقال له: اتَّقِ أَنْ تَأْتِىَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِكَ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ لَهَا ثُؤَاجٌ. أي لا تخوننّ في الصدقات واحذرْ من التقصير في حفظها، إذ كانت الإبل والبقر والشياه هي الأشياء التي تؤخذ عليها الصدقات أو الزكاة عندها عموما، فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ الحذر فيها مخافة أن يخطئ في تقسيمها أو يفرّط في أداء حق حفظها، فتصبح عبأً عليه يوم القيامة. فقال عُبَادَةُ : فَوَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَعْمَلُ عَلَى اثْنَيْنِ أَبَدًا، أي لن أكون عاملا على شخصين اثنين أيضا، أي لا أقدر على حمل العبء، فلو أعفيتني من حمل هذه المسؤولية لكان أفضل.
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم جمعَ خمسة من الأنصار القرآنَ الكريم وهم: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأُبيّ بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء رضي الله عنهم. وكتب يزيد بن سفيان لسيدنا عمر بعد فتح بلاد الشام أن أهلها بحاجة إلى معلم يعلّمهم القرآن الكريم ويفقِّههم في الدين. فبعث عمر رضي الله عنه إليهم معاذا وعبادة وأبا الدرداء. فذهب عبادة وأقام في فلسطين.
لما فتح المسلمون بلاد الشام بعث عمر رضي الله عنه عبادةَ وأصحابه معاذ بن جبل وأبا الدرداء إلى الشام ليعلّموا الناس القرآن الكريم والدين. وكان معاوية خالف عبادة في أمر في الدين ، فأغلظ له معاوية في القول. فقال عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبداً، ورحل إلى المدينة. فقال له عمر: ما أقدمَك؟ فأخبره أن معاوية تكلم معه بلهجة شديدة جدا، وهذا هو سبب عودته إلى المدينة. فقال له عمر: ارجعْ إلى مكانك، فقبّحَ الله أرضاً لستَ فيها أنتَ ولا أمثالُك، ثم كتب عمر إلى معاوية: لا إمرةٌ لك عليه.
ثم صلى حضرته جنازة المرحوم طاهر عارف الذي وافته المنية في 26 أغسطس الجاري في المملكة المتحدة بعد مرض شديد طويل، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان مصابا بالسرطان، وتحمل هذه المعاناة بصبر جميل.
كان من قبل يعمل مسؤولا كبيرا في الدوائر الحكومية حيث كان يتقلد منصبا عاليا. وبعد تقاعده جعله الخليفة قبل بضع سنين رئيسا ل “مؤسسة فضل عمر”، فكان يخدم الدين في هذه الأيام رئيسا لهذه المؤسسة. والده داعية من كبار علماء الجماعة والمناظرين الأفذاذ.
كان السيد طاهر عارف رجلا مثقفا أديبا عظيما وشاعرا، وقد ألف كتبا عديدة، حاز شهادة الماجستير في الحقوق من كلية لندن للاقتصاد ونال بفضل الله “علامة الجدارة” من جامعة لندن. وبعد أن أكمل دراسته من لندن عاد إلى باكستان وقدم امتحان “سي إس إس” (central superior service) والتحق بالخدمة المدنية الباكستانية، وترقى إلى درجة الضابط العام للشرطة، وحين كان يقيم في لندن من أجل الدراسة العليا ساعد السيد رشيد شودري كثيرا في تأليف الكتب باللغة الإنجليزية للأطفال بأمر من الخليفة الرابع رحمه الله تعالى.
كان يقرأ دوما أحد كتبه u، ولم يكن يقرأها فقط بل كان يكتب ملحوظات أيضا ثم كان يناقش مضامينها مع أصدقائه. كان يتلو القرآن الكريم بالمواظبة ويتمعن فيها. لم يكتب أحد من أقربائه عن التزامه بصلاة التهجد كان يداوم على صلاة التهجد بالتزام. وفي أثناء وظيفته حيثما أقام في باكستان ظل يخدم الجماعة دوما، وكان إنسانا شجاعا. كان كثير القراءة وكان فطينا جدا، فكان متمكنا من العلوم الدنيوية والدينية وبسبب قراءاته الواسعة كانت لديه آراء قيمة في بعض أمور الجماعة وكان صائب الرأي. وكان غيورا للخلافة الأحمدية، وكان أحمديا مخلصا وشجاعا. وظل يسعى طول حياته أن يكون سلطانا نصيرا للخلافة وأن يقضي حياته كخادم وفي للجماعة ولقد رأيتُ أن الله بفضله تعالى كلّل سعيه هذا بالنجاح. كان زميل حضرة الخليفة الخامس نصره الله في الصف فأعرفه من الصغر منذ زمن الكلية. كان يحب نيل العلم، وكان مناقشا بارعا، وجدير بالذكر أنه كان يكن حبا واحتراما خاصين لخدام الجماعة وواقفين الحياة، وكان جاهزا دوما للمساعدة الحثيثة لأبناء الجماعة، ولكونه مسؤولا كبيرا سعى دوما ليساعد الأحمديين قدر المستطاع مساعدة حثيثة.
كتبت ابنته السيدة طيبة عارف: إن الله تعالى أكرم والدنا بالرقي الكثير في الدنيا ولكنه حافظ دوما على هويته كأحمدي بكل شجاعة وغيرة.
غفر الله له ورحمه ورفع درجاته وجعل أولاده يرتبطون بالخلافة والجماعة بكامل الإخلاص.