خطبة الجمعة 25/10/2019م
في مهدي آباد همبورغ بألمانيا
استهل حضرته الخطبة بتلاوة:
]الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[ (الحج 42)
لقد نبه الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بأن المؤمنين حقًا هم أولئك الذين إذا نالوا القوة بعد الضعف والأمنَ بعد القلق والخوف والظروفَ المواتية لعبادة الله والعمل بأحكام الدين بحرية، فإنهم لا يتبعون أهواءهم ولا مصالحهم الشخصية المادية، بل يقيمون الصلاة ويهتمون بها، ويعمرون مساجدهم، ويخدمون البشرية، وينفقون من أموالهم على الفقراء والمساكين خشيةَ الله، ويقدّمون التضحيات في سبيل إشاعة الدين، يطهرون أموالهم بإنفاقهم لنشر الدين، ويهتمون بفعل الخيرات كما يذكرون الآخرين بفعل الخيرات وأداء حقوق العباد، وينتهون عن السيئات وينهون غيرهم عنها، وحيث إنهم يقومون بكل هذه الأعمال خشية الله وعملاً بحكمه، فإن الله تعالى يرتب على أعمالهم أفضل النتائج.
لقد تحسنت ظروفنا المالية بعد الهجرة من باكستان إلى هنا، وهذا الأمر يجب أن يذكر كل واحد منا بأن علينا أن ننفق في سبيل الله تعالى، ونبني بيوت الله لكي نجتمع فيها ونقيم الصلاة، ونصلي جماعة، ونبلغ في صلواتنا درجة تمكّننا من التوجه إلى الله خالصة، ولكي نؤدي حق عبادة الله بحرية.
فواجب كل مسلم أحمدي أن يتذكر أن غايتنا لن تتحقق ببناء المساجد فقط، وإنما تتحقق حين نهتم بعبادة الله مخلصين له، ونقيم صلواتنا، ونحضر المساجد للصلاة جماعة، ونركز ونتوجه إلى الله في صلواتنا، ونسعى للحفاظ على هذا التركيز، مدركين أن الصلاة فرصة أتيحت لنا لمناجاة ربنا، ولا نكتفي بترديد الكلمات العربية فقط، بل علينا أن نناجي ربنا بلساننا الأم أيضا. علينا أن نبذل جهدنا لأداء صلوات تتيح لنا لقاء الله تعالى.
يقول المسيح الموعود عليه السلام: إن المتقي يقيم صلاته بالتكلف والمشقة مرة بعد أخرى. ولو أن المرء واظب على الصلاة بمثابرة ودوام ساعيا باستمرار لبلوغ أعلى المستويات في صلاته، فلا بد أن يأتي عليه وقت يهديه الله تعالى بكلامه.
ثم يقول عليه السلام: وكما أن الحياة المادية لا تستمر بدون طعام مادي، كذلك فإن الحياة الروحانية لا تستمر بدون الصلاة التي هي بمنزلة الطعام الروحاني
إن المؤمن التقي يجد المتعة في الصلاة، لذا يجب أن تبذلوا جهدكم لكي تحسّنوا صلواتكم.
وقال عليه السلام: الصلاة معراج المؤمن، وبه یمكن للإنسان أن يصل إلى الله تعالى، فإذا كنا نبني مساجد فلتكن مساجدنا لأداء الصلاة فيها على هذا النحو. وقال حضرته لألئك الذي لا يستطيعون التركيز في الصلاة وتساورهم الوساوس:
على المرء ألا يتسرع بل يعتصم بالله تعالى ويخضع أمامه دائما. والشيطان سيهرب يوما لا محالة. أما إذا تسرّع المرء ولم يبذل كل ما في وسعه لإقامة الصلاة فسيقع في مخالب الشيطان.
يقول سيدنا المسيح الموعود u موضحا هذا الموضوع: الصلوات تتضمن الأدعية والصلاة على النبي r وكلها بالعربية، ولكن ليس حراما عليكم أن تدعوا في الصلاة في لغتكم أيضا. يقول الله تعالى بأن الصلاة الحقيقية هي تلك التي تتسم بالتضرع والخشوع القلبي. ويقول الله تعالى: ]إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ[. المراد من الحسنات هنا هي الصلاة. والخشوع يتسنى نتيجة دعاء المرء في لغته بالتضرع.
السائل ينال مبتغاه في وقت من الأوقات حتما. يقول I: ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[ فكلما تزول الحجب والبُعد سوف تسمعون الإجابة.
وقد بيّن النبي r هذا الأمر قائلا: …إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.
يقول تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[، ما لم تَدْعوا الله تعالى أن ينصركم، لن ينزل فضله. وحدوث التغيُّر بدون نصرة الله محال. لذلك أمرنا بقراءة سورة الفاتحة في الصلوات الخمس، حيث نقول فيها ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[.
لقد نبهنا الله تعالى فيها إلى أمرين، أولهما: أن نبذل قوانا وتدابيرنا وجهدنا من أجل كل عمل خير، وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى ]نَعْبُدُ[، وثانيهما الاستعانة بالله وذلك بدعائه لأن يكلل مقاصدنا بالنجاح ويتقبل منا. لأن الذي يكتفي بالدعاء فقط ولا يبذل جهده فلا ينجح.
الصلاة الحقيقية هي التي تتسبب في تقدم المرء الروحاني. قال المسيح الموعود u عن ذلك: الصلاة هي الدعاء أصلا، فكل كلمة يتفوه بها الإنسان تهدف إلى الدعاء.
قال النبي r: مَا بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلاة. فالمؤمن هو الذي يواظب على الصلاة وإلا لا فرق بينه وبين الكافر. ولم يقل الله تعالى أدّوا الصلوات بل قال صلّوها جماعةً والذي يصليها جماعةً يُكتب له خمس وعشرون حسنة أو سَبْعٌ وَعِشْرُونَ في بعض الروايات. ينبغي أن نراعي دومًا قول المسيح الموعود u، حيث يقول:
لا تسرني أبدًا كثرة أبناء جماعتي…. فلا تعني أنْ تُسمّى الجماعة جماعة حقيقية بمجرد بيعة الإنسان بوضْع يده في يدي. كلا بل سوف تستحق الجماعة أن تسمى جماعتي في الحقيقة عندما يتمسكون بحقيقة البيعة، ويظهر فيهم التغير الصادق، وتتطهر حياتهم من شوائب الذنوب نهائيا، وينمحوا في رضى الله بعد تخلصهم من أهواء النفس وبراثن الشيطان، ويؤدوا حقوق الله وحقوق العباد كاملة وبكل سرور، ويحدث فيهم اضطراب وحرقة من أجل الدين ونشْرِه، ويكونوا لله وحده بعد إفناء رغباتهم وطموحاتهم وأمنياتهم. يقول الله – سبحانه وتعالى – إنكم ضالُّون إلا من هديتُه، وإنكم عميان إلا من رزقتُه نورًا، وكلكم موتى إلا من سقيتُه شراب الحياة الروحانية فهو وحده حيٌّ. إن الله سبحانه وتعالى يستر الإنسان، وإلا إذا كُشف للناس ما بداخلهم فيوشك أن لا يقترب بعضهم من بعض. فالله ستَّار، فلا يكشف عيوب الإنسان على الآخرين. إذن يجب على الإنسان أن يسعى لإحراز الحسنات، ويواظب على الدعاء كل حين وآن.
الدعاء يظل عديم الجدوى ويعدّ عملا عابثًا ما لم ينشأ فيه الاضطراب، فالاضطراب شرط للقبول، كما قال تعالى: ]أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[ (النمل: 63).”
ثم يقول حضرته: “أشرِكوا في إصلاحكم أهلكم وذريتكم إنما ينصر الله أولئك الذين يتقدمون على درب الحسنات، لقد علَّمَنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم دعاء: ]وأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي[ (الأَحقاف: 16)،
وفقنا الله تعالى لإحداث التغييرات الطيبة في أنفسنا، ولإقامة صلواتنا ثم لرفع مستوياتها إلى الأعلى، ولنطهر أموالنا ونرقّي أخلاقنا ونكسب الحسنات ونعممها، وأن نكون من الذين يمتنعون من السيئات ويمنعون ذراريهم منها أيضا، وينبغي إلى جانب إنشاء المساجد أن نبلغ رسالة الإسلام الحقيقية إلى مواطني هذا البلد وننشرها في محيطنا أيضا. ولا يتأتى ذلك إلا إذا أحدثنا تغييرات طيبة وسامية في أنفسنا، وفقنا الله لذلك، آمين.
ثم قدم حضرته بعض المعلومات هذا المسجد مهدي أباد الذي يفتتحه اليوم:
لقد سمّينا هذا المكان “مهدي آباد”، ولكن اسم هذه القرية التي أنشأنا فيها هذا المسجد هو “ناهي”. إن عدد أفراد الجماعة هنا قليل. وإن هذه الأراضي التي شُريت في 1989 كانت زراعية. ثم في عام 2010 اعتبرت البلدية جزءًا من هذه الأراضي الزراعية أرضًا سكنية، وبالتالي قُسمت إلى 12 قطعة أرضية لإنشاء البيوت فيها كما سُمح لنا بإنشاء المسجد فيها. لقد اتخذت الجماعة قطعتين من هذه القطع الـ 12 وباعت البقية، فإن المبالغ المالية التي حصلت عليها الجماعة -ببيع هذه القطع ولقاء الجزء الذي استرجعته البلدية من الجماعة- كانت أكثر من ثمن الأرض الذي دفعته الجماعة عند شرائها. على أية حال، لقد وضعتُ حجر أساس لهذا المسجد قبل ستة أو سبعة أعوام بل قبل ثمانية أعوام تقريبا، والآن اكتمل بناء هذا المسجد وهو بطابقين، تقدر مساحة الجزء المسقف منه بـ 385 مترًا مربعًا، وهو يتسع لـ 210 مصل. الجزء العلوي للرجال والجزء السفلي للنساء، كما أن هناك أماكن للوضوء والحمامات وغيرها. كانت كلفة بناء هذا المسجد هي 57000 يورو تقريبا، تبرع أفراد الجماعة المحلية من هذه الكلفة أكثر من مئتي ألف يورو أما بقية الكلفة فقد تم أداؤها من صندوق مشروع مئة مساجد. بارك الله في أموال جميع المضحيين ونفوسهم، وبعد إنشائهم هذا المسجد يوفقهم الله تعالى لأداء حق العبادة أكثر من ذي قبل، آمين.