خطبة الجمعة 8/11/2019م
استهل نصره الله الخطبة بتلاوة:
“لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ. (البقرة 273)
يتبين من هذه الآية أن الله تعالى وضّح أن الهدى إنما منوط بفضل الله تعالى وهو بيد الله فقط. أما نحن فنستطيع أن ندل أحدا على طريق الحسنات ولكننا لا نستطيع أن نُسيّره بالضرورة على ذلك الطريق ونُثبته عليه، والشخص الذي يسعى للتقدم إلى الله تعالى وللسلوك على طريقه ويدعوه أيضا يصل إلى المنزل بفضل الله تعالى.
والأمر الثاني الذي بيّنه الله تعالى في هذه الآية أنه: ]وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ[ أي المال الطيب الذي تُنفقونه ابتغاء وجه الله لا يتقبله فقط بل يوفّيه إليكم ويعيده إليكم بشتى الطرق. وقد أعلن حضرته اليوم السنة الجديدة لمشروع التحريك الجديد، وقدم بهذا الخصوص بعض الواقعات أيضا.
لقد أعطى الله تعالى المسيح الموعود u أناسا من نوع غريب وقال المسيح الموعود u إنني أستغرب من رؤية نماذجهم كيف يقدمون التضحيات. فالذين ينفقون في سبيل الله بصدق النية يبارك الله I فيهم وفي أموالهم وذرياتهم.
ومن كبار المضحين في صندوق التحريك الجديد سيد له تجارة الفرش وأثاث البيت، كان قد وعد بتبرع مليون ونصف في التحريك الجديد وخلال سنة تمكَّن من دفع مائتي ألف روبية منها فقط، وكان الوقت قليلا ولذا كان قلقا كيف يدفع ما وعده، وظل يطلب الدعاء مني، ثم أرسل هذه الرسالة في اليوم الأخير من السنة المالية للتحريك الجديد وطلب مني الدعاء ليوفقه الله I بفضله لأداء ما وعد في هذا الصندوق. وخلال ساعات قليلة وصل إلى حسابه مبلغٌ كبير لم يُنجز به ما وعده بل قد دفع أكثر من ذلك بكثير وتوفر له المبلغ الذي كان يحتاجه في التجارة.
ومشاهد التضحيات المالية هذه يُريها الله تعالى في كل بلد حيث يرى المضحين مشاهدَ نزول أفضاله بعد تضحياتهم، فقد كتب داعيتنا من موسكو: هناك أخ اسمه زائر، هو من مدينة بخارى في إزبكستان، ويأتي من هنالك إلى موسكو للعمل منذ فترة طويلة، حيث يعمل في موسكو فترة ثم يرجع بما يكسب إلى وطنه أزبكستان. كانت زوجته مترددة في البيعة في أول الأمر، لكنها قرأت الكتب وقامت بالدعاء فوفقها الله للبيعة. لقد دعونا هذا الأخ للمساهمة في صندوقَي التحريك الجديد والوقف الجديد مِن طرفه ومن طرف زوجته أيضا، فقال إنه يعمل في هذه الأيام سائقَ تاكسي في أزبكستان، وزوجته تمتهن الخياطة. وقال الأخ: لقد اتبعت أنا وزوجتي نظاما معينا فيما نكسب، حيث جعلنا دخلنا ثلاث أقسام، قسم للأولاد وقسم للبيت وقسم للتبرع والإنفاق في سبيل الله تعالى، وإننا نعيش عيشة ملؤها السكينة والاطمئنان والرخاء. وقال الأخ زائر المحترم أيضا: قد أنزل الله بركة كثيرة منذ أن بدأت المساهمة في التبرعات، وقد بورك دخلي بما لم أر مثله في السنوات الماضية.
وكتبت سيدة من ألمانيا وهي تتحدث عن ابنها الذي صار عمره عامين الآن قالت: بعد مضي شهرين على حملي بابني دعوتُ الله كثيرا ووعدتُه بالتبرع مئة يورو شهريا في صندوق التحريك الجديد، وهكذا فعلتُ، فمضت الشهور السبعة الباقية من الحمل بخير وعافية بفضل الله تعالى وزالت كل المشاكل التي كنت أعانيها بسبب الحمل، ورزقني الله بالابن بفضله. وإنني أفي بوعدي هذا مع ربي حتى اليوم بدفع التبرع الشهري في صندوق التحريك الجديد بانتظام.
إن هذا الجزء من العالم غارق في المادية وأهلُه يبتعدون عن الله تعالى باستمرار، ومع ذلك يُنزل الله أفضاله على الأحمديين، وبالتالي يدلهم على وجوده، كما يكشف لهم صدق الأحمدية وحقانيتها.
قدم حضرته أمثلة كثيرة عن اهتمام أفراد الجماعة في كل أنحاء العالم بتقديم التضحيات المالية بإخلاص حتى في الأطفال. ففي غانا بعد أن ألقى حضرة أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز، خطبةً حول موضوع التضحيات المالية وخاصة في صندوق التحريك الجديد، ونصح الوالدين أن يعوّدوا أولادهم أيضا على تقديم هذه التضحيات وعلى أن يدفعوا التبرعات بأيديهم. ففي يوم الجمعة القادمة جاء طفل يكاد يبلغ من العمر تسعة أو عشرة أعوام ببعض النقود وتبرع بها في صندوق التحريك الجديد. فسأله الأمير عن قصة هذا المبلغ، فقال: طلبتُ من والديّ نقودا لأتبرع بها في صندوق التحريك الجديد، ولكن لم أحصل عليها. فعملتُ كأجير في محل، وحصلت على هذا المبلغ وها أنا أتبرع به في صندوق التحريك الجديد.
ثم هناك قصة أخرى من سيراليون، أن طفلا في التاسعة أو العاشرة من عمره أتى الأمير حاملا على رأسه رزمة الحطب وقال له: أرجو أن تشتري هذه الرزمة مني وادفعْ ثمنها كله مني في صندوق التحريك الجديد.
إن أمثلة حسنة للتضحيات تلاحظ هنا في هذه البلاد أيضا، إذ هناك بعض الأطفال الذين قد تبرعوا بمصروف الجيب كله، وكانوا قد جمعوا بعض المال ليشتروا به شيئا معينا ولكن قدموه في التبرع. فإن أمثلة الإخلاص والوفاء ملحوظة في كل مكان بفضل الله تعالى. ندعو الله تعالى أن يزيد هؤلاء المخلصين في الإخلاص والوفاء دائما.
ثم ذكر حضرته تفاصيل للتضحيات المالية التي وفق الله جماعة المسيح الموعود u لدفعها. إن تقديم التضحيات- كما يقدمها أفراد الجماعة الأحمدية- غير ممكن إطلاقا ما لم تحالف أصحابَها نصرة الله تعالى وتأييده. إن الله تعالى هو الذي يقلّب القلوب وهو الذي يلقي روح التضحية في قلوب الأحمديين حيثما كانوا في العالم ، كبارا كانوا أم صغارا. يمكن لعاقل أن يفهم من روح التضيحة هذه وحدها أنها دليل على صدق المسيح الموعود u.
لقد انتهت بفضل الله تعالى السَنَة الـ 85 لمشروع التحريك الجديد، وبدأت السَّنة الـ 86 من يوم 31 تشرين الأول. ففي السنة المنصرمة وفّق اللهُ I الجماعة بتقديم ما يعادل 13.6 مليون جنيه أسترليني، وهذا المبلغ يربو بفضل الله تعالى بـ 802000 جنيه أسترلني على مبلغ السنة التي سبقتها. فقد احتلت جماعة ألمانيا المرتبة الأولى، ثم باكستان ثم بريطانيا ثم أميركا، ثم كندا، ثم الهند، ثم هناك جماعة من بلاد الشرق الأوسط، ثم إندونيسيا ثم أستراليا ثم غانا ثم هناك بلد آخر من بلاد الشرق الأوسط.
وبفضل الله تعالى قد تجاوز عدد المشتركين في هذا المشروع إلى الآن على 1823000 نسمة. وقد اشترك في نظام التبرعات 112000 فرد أكثر من العام المنصرم.
ندعو الله تعالى أن يبارك في أموال جميع المضحين ونفوسهم بركات عظيمة، آمين.