خطبة الجمعة بتاريخ 27/12/2019م
يتابع حضرته في هذه الخطبة الحديث عن الصحابي سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقد كان سعد بن عبادة t من النقباء الإثني عشر الذين جُعلوا عند بيعة العقبة الثانية. عندما وصل النبي r مهاجرا إلى المدينة مرَّ بديار بني ساعدة، فقال له سعد بن عبادة والمنذر بن عمر وأبو دجانة يا رسول الله تفضّلْ انزلْ عندنا، فإنا ذوو عزة وقوة ومنعة. وقال سعد بن عبادة يا رسول الله ليس في قومي أحد أكثرَ مني نخلاً وبئرا وقوة ومالا ومنعة وعددا. فقال النبي r خلّوا سبيل ناقتي، فإنها مأمورة وسوف تبرك حيث تشاء.
يقال لم يكن في الأوس والخزرج بيتٌ كان فيه أربعة كرماء على التوالي، إلا دليم، ثم ابنه عبادة، ثم ابنه سعد ثم ابنه قيس.
عندما قدم النبي r إلى المدينة كان سعد يرسل إليه قصعة فيها الثريد من لحم وخبز أو لبن أو خلّ أو زيتون أو سمن، وكان عموما لحمًا، وكانت قصعة سعد تمرّ مع النبي r ببيوت أزواجه المطهرات، بمعنى أن أزواجه r أيضا كن يأكلن منه.
وكتب حضرة مرزا بشير أحمد وهو يتحدث عن مكوث النبي r في بيت أبي أيوب الأنصاري t: أقام النبي r في بيت أبي أيوب سبعة أشهر…. كان أبو أيوب يقدم له الطعام ويأكل من بقيه طعامه ومن المكان الذي أكل منه. وكان الصحابة الآخرون يرسلون الطعام لرسول الله r عادة، ويخبر التاريخ من بينهم اسم سعد بن عبادة رئيس الخزرج بوجه خاص.
وعن أنس: استأذن رسول الله r مرة على سعد بن عبادة فقال: “السلام عليكم ورحمة الله”، فقال سعد: وعليكم السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي r حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه، فرجع النبي r فاتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك (أي لم أبلّغك صوتي)، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم دخلوا البيت، فقرب له زبيبا، فأكل نبي الله r، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون. أي دعا له بهذا الدعاء.
يقول العلامة ابن سيرين: كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد أو بالاثنين منهم لإطعامهم الطعام، أما سعد بن عبادة فكان يعشي كل ليلة ثمانين من أهل الصفة.
هذا ما كان يحدث في معظم الأحيان ولكن قد أتى على أصحاب الصفة يوم اضطروا للبقاء جائعين أيضا كما ورد في بعض الروايات.
استخلف رسول الله r سعد بن عبادة t على المدينة المنورة. عندما خرج النبي لغزوة الأبواء واسمها الثاني غزوة ودان وذلك بعد الهجرة بسنة. وذلك لاتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على المسلمين من مخططات قريش الدموية ومكايدهم الخطيرة، فتكلم النبي r مع رئيس بني ضمرة في هذا المقام وعقدا فيما بينهما معاهدة اتفقا عليها بشروط تالية: أن بني ضمرة يرتبطون بعلاقات الصداقة مع المسلمين، وأنهم لن يعينوا عدوًّا على المسلمين، وأن المسلمين إذا دعوهم لنصر أجابوه. ومن ناحية أخرى كتب النبي r من طرف المسلمين أنهم يرتبطون ببني ضمرة بعلاقات الصداقة وأن عليهم النصر لهم عند حاجتهم إليه. لقد حُرّرت هذه المعاهدة وتم توقيع الفريقين عليها.
لقد شهد سعد ابن عبادة أُحدًا والخندق وسائر الغزوات الأخرى مع رسول الله r. وورد في إحدى روايات المستدرك بأن لواء الأنصار يوم بدر كان بيد سعد ابن عبادة، ويعترض البعض على مشاركته في غزوة بدر. إلا أن النبي r أعطاه سهمًا من غنائم بدر.
عند الخروج إلى بدر أهدى سعد ابن عبادة للنبي r سيفًا يقال له العضب، فشهد به النبي r بدرًا. كما أهدى سعد للنبي r حمارًا أيضا. ودرعا تسمى “ذات الفضول”، وهي التي رهنها النبي r عند أبي شحم اليهودي عن قرض ثلاثين صاعًا من شعير.
“عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ r مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. وَكَانَ إِذَا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r مِمَّا يَكُونَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ”. أي أن هجوم العدو أكثر شدة على الأنصار لأن النبي r كان فيهم.
عندما استشار النبي r الصحابةَ عند غزوة بدر قال سعد بن عبادة كما جاء في رواية عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. (برك الغماد مدينة تقع على شاطئ البحر على بُعد خمسة ليال من مكة) قَالَ فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ r النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ فَأَخَذُوهُ فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أُخْبِرُكُمْ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ. فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ وَرَسُولُ اللَّهِ r قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ. قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ قَالَ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا هَاهُنَا. قَالَ فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ r.
قبل غزوة أُحد حرس ذات مرة سعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير وسعد بن عبادة باب النبي r حاملين السلاح من مساء يوم الجمعة إلى صباح الغد. عندما خرج النبي r من المدينة لغزوة أُحد، ركب حصانه ووضع القوس على عاتقه وأخذ الرمح باليد، فجعل السعدان، أي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يجريان أمامه وكانا لابسان الدرع. أما الصحابة الآخرون فكانوا على يمين النبي r ويساره.
والصحابة الذين ثبتوا مع النبي r يوم أحد كان من بينهم سعد بن عبادة t، وحين رجع النبي r من أحد إلى المدينة نزل من حصانه ودخل بيته مستندا إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، لأنه كان مصابا بجروح.
حين واجه النبي r غزوة بني النضير في الربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة وحاصرهم رسول الله r خمسة عشر يومًا، فأجلاهم رسول الله r من المدينة إلى الخيبر، فلمّا غنم رسول الله r بني النضير دعا الأنصار! فتكلم رسول الله r فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله علي من بني النضير، وكان المهاجرين على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم.
فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا: يا رسول الله، بل تقسيمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله. قال رسول الله r: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار! فقسم رسول الله r ما أفاء الله عليه، وأعطى المهاجرين ولم يعط أحدًا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا، إلا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق.
عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ , أَنَّ أُمَّ سَعْدِ بن عُبَادَةَ مَاتَتْ وَهُوَ غَائِبٌ ، فَلَمَّا قَدِمَ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ، أُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى أُمِّي ، فَأَتَى النَّبِيُّ r قَبْرَهَا ، فَصَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ أَتَى لَهَا شَهْرٌ.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِهِ عَنْهَا.
عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بن عُبَادَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَلَمْ تُوصِ، أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ. وجاء في رواية أن سعدا حَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ.