بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود
ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز بتاريخ 04-05-2018.
بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:
بعد بعثة النبي ﷺ تغير حال العرب. يقول المسيح الموعود ؏: “عندما دخلوا الإسلام تولّد فيهم حب الله وروح الوحدة بحيث أصبحوا مُسْتَعِدّين للموت في سبيل الله. الإخلاص الذي أبداه الصحابة لا نظير له. والله قادر على أن يخلق نماذج مثلهم في هذه الجماعة. قال الله تعالى في نعت الصحابة ؓ: ]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ[ (الأحزاب:24).
يقول أمير المؤمنين نصره الله: سأتناول في خطبي القادمة ذِكر الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر، لأن لهم مقاما خاصا، وهم الذين رضي الله عنهم. واليوم سأتناول ذكر حضرة حمزة بن عبد المطلب ؓ.
لقب حضرة حمزة بن عبد المطلب ؓ بسيد الشهداء وبأسد الله وأسد الرسول. كان حضرته ؓ عمَّ رسول الله ﷺ، وكانت والدته هالة ابنة عم والدة الرسول، وكان حضرته يكبر النبيَّ ﷺ سِنًّا بعامَين أو بأربعة أعوام، وكان أخا النبي ﷺ بالرضاعة، وأسلم حضرته بعد بعثة الرسول ﷺ بستّ سنوات.
يذكر المصلح الموعود ؓ قصة إسلامِ حمزة ؓ، وهي باختصار أنه ذات يوم كان النبي ﷺ جالسًا على صخرة بين الصفا والمروة، وكان غارقًا في التفكير في سبيل إرساء وحدانية الله تعالى فجاءه أبو جهل وقال يا محمد (ﷺ) إنك لا تكُفُّ عن أقوالك، وبدأ يكيل شتائم غليظة ولكن الرسول ﷺ ظل صامتاً، ثم تقدّم أبو جهل ولطم وجه النبي ﷺ ولم يرد عليه الرسول بشيء. وكان منزل حضرة حمزة مقابل مكان جلوس الرسول ﷺ في ذلك اليوم ورأت ما حدث أمة حمزة. فلما عاد من الصيد أخبرته بما حدث، فاحمرَّت عيناه وثارت حميته، وذهب إلى الكعبة وطاف حولها ثم تقدم إلى مجلس أبو جهل حيث كان يتباهى بفعلته فشَجَّ رأس أبي جهل بقوسه، وقال له ردها إن استطعت. كان أبو جهل من سادة القوم وحين رأى أن أصحابه هبوا ليبطشوا بحمزة قال أبو جهل: دعوه، فأنا الذي اعتديتُ وحمزة محقٌّ. وأعلن حمزة إسلامه في ذلك المجلس، وقال: إنك شتمتَ محمدا لمجرد قوله أنه رسول الله وأنه ينزل عليه الملائكة، فاسمع بأذُن مصغية، إنني أيضا على دين محمد ﷺ وأقول ما يقوله محمد ﷺ، فإن كنتَ شجاعا فواجهني.
يقول المصلح الموعود ؓ: حين رجع رسول الله ﷺ من الصفا والمروة إلى البيت قال في نفسه: علي أن أتحمل بصبر، ولكن الله تعالى كان يقول على العرش: أليس الله بكاف عبده؟ فأعطاه الله تعالى في اليوم نفسه فدائيا يواجه أبا جهل، وكان بإسلام حمزة تقوية لدعوة محمد ﷺ.
هاجر حمزة إلى المدينة وآخى النبيُّ ﷺ بين حمزة وزيد بن حارثة، وفي عام 2 هجري بعث النبي ﷺ بقيادة حمزة ؓ كتيبيةً استطلاعية مؤلفة من ثلاثين فارسا من المهاجرين جهة الشرق، فوجدوا أبا جهل هناك لاستقبالهم في ثلاثمائة راكب. فتقابلوا واصطفّوا وكادت الحرب تنشب لولا تدخُّل زعيم تلك المنطقة مجدي بن عمرو الجهني.
ورد في رواية عن وصايا النبي ﷺ لحمزة ؓ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! اجْعَلْنِي عَلَى شَيْءٍ أَعِيشُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَا حَمْزَةُ! نَفْسٌ تُحْيِيهَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ نَفْسٌ تُمِيتُهَا؟ قَالَ: بَلْ نَفْسٌ أُحْيِيهَا، قَالَ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ. (مسند أحمد)
ثم أوصاه النبي ﷺ بأن يلتزم بالأدعية قال النبي ﷺ: الْزَمُوا هَذَا الدُّعَاءَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الأَعْظَمِ، وَرِضْوَانِكَ الأَكْبَرِ”. وكان حمزة يوقن بالدعاء كثيرا. فوهب الله له ببركة الدعاء كل ما يحتاجه. فبعد الهجرة بفترة تزوج حمزة ؓ من امرأة أنصارية من بني النجار اسمها خولة بنت قيس، فتروي قائلة: أتى النبي ﷺ بيتنا فقلتُ: يا رسول الله، علمتُ أنك ستُعطى حوض الكوثر يوم القيامة وسيكون واسعا جدا فقال النبي ﷺ نعم، هذا صحيح، واسمعي، إنني أحب أن يُسقى منه الأنصار أكثر من باقي الناس. ما أكثرَ حبه للأنصار! ذلك لأن قومه حين أخرجوه كان الأنصار هم من ضحّوا لأجله بكل ما يملكون.
في غزوة بدر التي وقعت في 2 للهجرة، عاهد الأسود بن عبد الأسد المخزومي أن يهدم مكان شرب المسلمين. فواجهه حمزة بن عبد المطلب وقطع نصف ساقه بسيفه ولكن الأسود تقدم نحو الحوض ليُبِرَّ بقسَمه، فلحقه حمزة ؓ وأجهز عليه قرب الحوض.
روى حضرة علي ؓ عن غزوة بدر أن عدد الكفار يومها فاق بكثير عدد المسلمين، وحين اقترب جيش الكفار وانتظمنا في صفوف مقابلهم فإذا رجل منهم على جمل أحمر يسير في القوم كان عتبة بن ربيعة وكان ينهى عن القتال ويقول إنى أرى قوما مستميتين لا تصلون إليهم. فقال له أبو جهل بل أنت تخاف القتال. فبرز عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد حَمِيَّةً، فقالوا من يبارز. فقال رسول الله ﷺ: يا علي قم، يا حمزة قم، يا عبيدة بن الحارث قم. فقاموا وتقدموا إلى عتبة فقال: تكلموا لأعرفكم (لأنهم كانوا لابسين الخوذة) وقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله. قال عتبة: كفءٌ كريمٌ. يقول عليٌّ: فتقدمت إلى شيبة، ووقعت المبارزة بين عبيدة والوليد وجرح كلاهما الأخر. ثم توجّهنا إلى الوليد وقتلناه، وحملنا عبيدة من ميدان القتال. وقتل عليٌّ وحمزة خصميهما. كان حمزة مقاتلا شجاعا وكان يعلّم في الحرب بريشة نعامة في صدره.
عن عمير بن إسحاق، قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد بسيفين، ويقول: أنا أسد الله، وجعل يقبل ويدبر، قال فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة فوقع على ظهره، وبصر به الأسود، قال أبو أسامة: فزرقه بحربة فقتله، وقال إسحاق بن يوسف: فطعنه الحبشي بحربة فبقره.
فكان مقتل حمزة في غزوة أُحد في الشهر الثالث والثلاثين بعد الهجرة، وكان بالغا من العمر 59 عاما.
وقد جاء في الرواية أن هند زوجة أبي سفيان نذرت لئن قدرت على حمزة بن عبد المطلب لتأكلنّ من كبده؛ فلما جاؤوا بحزة من كبده أخذتها تمضغها فلم تستطع أن تبتلعها. فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال: إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا. ولَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِب، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِه.
وقد رُوي عن الزبير ؓ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى قَالَ فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَرَاهُمْ فَقَالَ الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ قَالَ الزُّبَيْرُ ؓ عَنْهُ فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ قَالَ فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَزَمَ عَلَيْكِ قَالَ فَوَقَفَتْ وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا فَقَالَتْ هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لِأَخِي حَمْزَةَ فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ (حين سمعت أن النبي قال ذلك توقفت فورا. هذه هي الطاعة الكاملة) فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا قَالَ فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ قَالَ فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْأَنْصَارِيُّ لَا كَفَنَ لَهُ فَقُلْنَا لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلْأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ فَقَدَرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ.
كفن حمزة في بردة، إذا غطي رأسه خرجت رجلاه وإذا غطيت رجلاه خرج رأسه، فقال رسول الله ﷺ غطّوا وجهه وجعل على رجليه الإزخر. ودُفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد. فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ وَتُرِكَ حَمْزَةُ ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ وَتُرِكَ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً مع الشهداء الآخرين لأن حمزة كان موجودا عند كل صلاة.
وقف رسول الله ﷺ على حمزة حيث استشهد فقال : يرحمك الله، إن كنت لوصولا للرحم، فعولا للخيرات، ولولا حزن من بعدي عليك، لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى.
كذلك ورد عن عبد الرحمن بن عوف ؓ ما مفاده أنه أتي بطعام، وكان صائماً، فقال: قتل حمزة، وهو خير مني فكفن في بردته، إن غُطِّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
يقول أمير المؤمنين نصره الله: إنهم إناس رضي الله عنهم ورضوا عنه فكانوا يذكرون أيام اليسر إخوتهم الذين سبقوهم واضعين في الحسبان ظروفا مرّوا بها فيما مضى. فبشرّهم الله تعالى بالجنة. غفر الله لهم ورفع درجاتهم دائما. فقد ضربوا بأسوتهم أمثلة التضحيات التي يجب على المسلمين أن يتذكروها إلى الأبد، وندعو الله تعالى أن يوفقنا للعمل بما قدموا لنا من الأسوة الحسنة.