خطبة الجمعة 17/7/2020
يتابع حضرته في ذكر حضرة سعد بن معاذ رضي الله عنه. فقد أصيب حضرته في غزوة الخندق بجرح بالغ في ذراعه، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ، قَالَ: فاستخرج النبي r بيده السهم، ثم قطع بنصله الجرح فَحَسَمَهُ (أي كواه)، ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ. ثم إن جرحه تحجّر للبرء فدعا سعد، فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافتح عرقي هذا فاجعل هذا الجرح ذريعة لشهادتي.
لما انفجر جرح سعد بلغ ذلك النبي r فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره وسُجّي بثوب أبيض ثم دعا النبي r: اللهم إن سعدًا قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك، وقضى الذي عليه، فتقبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحًا. وكان بسعد في ذلك الوقت رمق الحياة فسمع هذه الكلمات وهو على وشك الموت ففتح عينيه ثم قال: السلام عليكم يا رسول الله! أما إني أشهد أنك رسول الله. أستأذن رسول الله r الله من ملائكته عدد من في البيت ليشهدوا وفاة سعد.
ورد عن البراء قال: أهديت إلى رسول الله r حلة حرير فجعل صحابته يلمسونها ويتعجبون من لينها فقال رسول الله r: أتعجبون منها؟ فإن مناديل سعد بن معاذ في الجنة ألين من هذا.
فلما حُملت جنازة سعد بكت عليه أمُّه العجوز، وذَكرت بعض محاسن سعد ومزاياه، فلما تناهى صوتها إلى النبي r قال إن النائحات يكذبن أما أمُّ سعد فصدقت فيما قالت.
كان سعد رضي الله عنه رجلا جسيما جزلا، فلما حملت جنازته جعل المنافقون يقولون: لم نر كاليوم رجلا أخف، وذلك لحكمه في بني قريظة أي كانوا يريدون أن یصبغوا حكمه صبغة سلبیة. فذُكر ذلك للنبي، r، فقال: والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره.
وفي رواية أخرى قال النبي r قد شهد جنازة سعد سبعون ألفا من الملائكة لم ينزلوا الأرض قبل ذلك.
عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: لما أُعدَّ قبرُ سعد نزل فيه أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ وأسيد بن حضير وأبو نائلة سلكان بن سلامة وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول الله r واقف على قدمَي سعد، فلما وضع في قبره تغير وجه رسول الله r، وسبَّح ثلاثا فسبح المسلمون ثلاثا حتى ارتجَّ البقيع، ثم كبر رسول الله r، ثلاثا وكبر أصحابه ثلاثا حتى ارتج البقيع بتكبيره، فسُئل رسول الله r، عن ذلك فقيل: يا رسول الله رأينا بوجهك تغيرا وسبحت ثلاثا، قال: تضايق على صاحبكم قبره وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها ثم فرج الله عنه.
عن المسور بن رفاعة القرظي قال: جاءت أمُّ سعد بن معاذ تنظر إلى سعد في اللحد فردَّها الناس، فقال رسول الله r: دعوها، فأقبلت حتى نظرت إليه وهو في اللحد قبل أن يبنى عليه اللبن والتراب فقالت: اِحتسبتُك عند الله، وعزَّاها رسول الله r، على قبره وجلس ناحية، وردَّ المسلمون تراب القبر وسوَّوه ورشُّوا عليه الماء. ثم أقبل رسول الله إلى القبر فوقف عليه فدعا له ثم انصرف.
قال النبي r لأم سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: أَلَا يَرْفَأُ دَمْعُكِ وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللهُ لَهُ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ. (مسند أحمد) ولما دفنه رسول الله r وانصرف من جنازته، جعلت دموعه تحادر على لحيته (أسد الغابة)
قال سعد بن معاذ t في رواية: ثَلاثٌ أَنَا عَمَّا سِوَاهُنَّ ضَعِيفٌ.: مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ r شَيْئًا إِلا عَلِمْتُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَلا صَلَّيْتُ صَلاةً فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِغَيْرِهَا حَتَّى أنْفَتِلَ عَنْهَا، وَلا تَبِعْتُ جِنَازَةً فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِغَيْرِ مَا إِيَّاهُ قَائِلَةٌ ومَقُولٌ لَهَا.
وعن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلًا، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. (أسد الغابة)
والصحابي التالي هو سعد بن أبي وقاص t، كان من بني زهرة من قريش وأم رسول الله r كانت من بني زهرة، لذلك كان النبي r يدعو سعدًا رضي الله عنه خالاً له، ومرة قال “إذا كان عند أحد خال مثل خالي فليأت به”. وهو من العشرة المبشرين بالجنة.
قال سعد بن أبي وقاص t عن إسلامه: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ، (أي كان المسلمون ثلاثة أشخاص). وقال أيضا: كنتُ أسلمتُ قبل أن تُفرَض الصلاة. قالت ابنته عائشة بنت سعد: سمعتُ أبي يقول حين أسلمتُ كنتُ ابن تسعة عشر عاما. وقد آمن بتبليغ أبي بكر t. وعلى يده فُتحت العراق في زمن عمر t، وتوفي في عهد الأمير معاوية t. وقد روى سعد بن أبي وقاص t كثيرا من أحاديث النبي r.
قال ابنه مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ حدثني أَبِي قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا، أي تتركَ الإسلام وأطعني، ولكنه رغم بره بها لم يثنه ذلك عن دينه، فأنزل الله سبحانه وتعالى: ]وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ، فَتَحَرَّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ. وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ (بن عبيد الله) وَالزُّبَيْرُ (بن العوام) وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
في أوائل أيام الإسلام كان المسلمون يصلون في السرّ، فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكَّةَ إِذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَنَاكَرُوهُمْ وَعَابُوا عَلَيْهِمْ مَا يَصْنَعُونَ، حَتَّى قَاتَلُوهُمْ، فَاقْتَتَلُوا، فَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ جَمَلٍ فَشَجَّهُ، فَكَانَ أَوَّلَ دَمٍ أُرِيقَ فِي الإِسْلامِ
عندما قام الكفار بمقاطعة المسلمين اجتماعيا في مكة وجعلوهم محصورين في شعب أبي طالب، كان سعد بن أبي وقاص من بين المسلمين الذين تعرضوا لهذه الشدائد.
عندما أمر المسلمون بالهجرة، هاجر سعد رضي الله عنه إلى المدينة، وكان من أول المهاجرين وقد وصلها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من فرسان قريش البواسل، وكان من الصحابة الذين كانت تُعهد إليهم مهمة حراسة ودفاع النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الغزوات.
وفي رواية عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ. قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” اللهم سدِّدْ سهْمَه، وأجِبْ دعوتَه”. ثُمَّ نَامَ.
وقد ذُكر حادث مماثل في التاريخ في بيان غزوة الخندق، حيث طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم حراسة جزء من الخندق.
وعن أجابة دعوته ورد في رواية أن سعد بن أبي وقاص كان يمرّ بسوق المدينة فسمع رجلا يسب عليًا رضي الله عنه. فتقدم سعد، وقال يا هذا لماذا تسب عليا؟ أليس هو أول من أسلم؟ وظل سعد يعدد محاسن علي رضي الله عنه، ثم توجه سعد إلى القبلة ورفع يديه ودعا: اللهم إن كان هذا قد سب وليًّا من أوليائك، فأَرِنا آية قدرتك قبل أن ينفض هذا الجمع. فلم ينفضّ الجمع حتى ألقته راحلته على الأرض وضربته بقوائمها، فانكسر رأسه ومات.
ثم صلى حضرته صلاة الجنازة على كل من:
السيد عبد السميع خانْ الكاتهغرهي وقد توفِّي في ربوة بتاريخ 6/7/2020م. إنا لله وإنا إليه راجعون. وُلد المرحوم في قاديان في عام 1937مش. كان والده السيد عبد الرحيم الكاتهغرهي من خدام الجماعة القدامى. وقد حظي جدُّه شودهري عبد السلام خانْ الكاتهغرهي بشرف البيعة على يد المسيح الموعود u في عام 1903م فكان من صحابته u. كان من أساتذتي أيضا في المدرسة، كان أسلوب تدريسه جميلا جدا، كان اللين ظاهرا في وجهه دوما. كان يشرح المسائل بأسلوب جيد. غفر الله له ورفع درجاته ووفق أولاده أيضا ليكونوا مرتبطين بالجماعة والخلافة دوما.
السيد مجيب الله صادق الذي توفّي في 28/5/2020م عن عمر يناهز 83 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم ملتزما بصلاة التهجد بفضل الله تعالى. كان مهتما بأداء التبرعات كثيرا. كان إنسانا مخلصا وصالحا جدا وقد قضى حياته بإخلاص شديد وسعى جاهدا ليزرع هذا الإخلاص في قلوب أولاده أيضا. غفر الله له ورحمه ورفع درجاته ووفق أولاده للارتباط بالخلافة بالجماعة كما كان يتمنى، بل أكثر من ذلك، وأكرم أرملته بحمايته ووهبها السكينة.
السيد رانا نعيم الدين– الأسير الأسبق في سبيل الله.
غفر الله لهم ورحمهم.