ملخص خطبة الجمعة 3/4/2020م
وضح حضرته أنه في الظروف الراهنة ووفق القوانين المحلية يمنع الاجتماع وإلقاء الخطبة أمام الناس، ونحن نعمل بحسب هذه التعليمات، فقد تم تدبير الأمر بأن يلقي حضرته الخطبة من المسجد وأن يستمع إليها جميع الأحمديين في العالم وإن لم يكونوا أمام حضرته في المسجد. وحث الجميع على السعي للحفاظ على المداومة على الدعاء ليحسّن الله تعالى الظروف ويزيل هذا الوباء ليعود رونق المسجد المعتاد.
وتابع حضرته في هذه الجمعة الحديث عن سيدنا طلحة بن عبيد الله t الذي استشهد في واقعة الجمل. حيث ذكر تفصيل هذه الواقعة.
فلما دنت وفاة عمر t قال له الناس: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، قَالَ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ.
فتشاور الأصحاب الخمسة لأن طلحة آنذاك لم يكن في المدينة. ولم يتوصلوا إلى أي نتيجة، فعُهد الأمر كله إلى عبد الرحمن بن عوف، فجال في المدينة ثلاثة أيام حيث طرق باب كل بيت وسأل الرجال والنساء عن من يمكن أن يكون خليفة، فقال الجميع إنهم يريدون أن يكون عثمانُ خليفة، فحكَم بحق عثمان t وصار خليفة.
فلما استُشهد عثمان t جاء الناس كلهم إلى علي t وفيهم الصحابة والتابعون أيضا وقالوا كلهم إن عليا أمير المؤمنين. وأما عن حادثة الجمل فقد كان المحرك ورائها بأن طلحة والزبير وعائشة y رغم أنهم لم يكونوا ينكرون الخلافة إلا أن قضية الثأر من قاتلي عثمان كانت قد شغلتهم. فقد اعترفتِ السيدة عائشة رضي الله عنها بخطئها واستقرت في المدينة. أما طلحة والزبير فلم يموتا قبل البيعة، وفي تأييد ذلك:
1- “وأخرج الحاكم عن ثور بن مجزاة قال: مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق، أي كان يكاد يحتضر، فقال لي: ممن أنت؟ فقلت من أصحاب أمير المؤمنين عليٍّ، فقال ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي وبايعني وفاضت نفسه، فأتيت عليا فأخبرته فقال: الله أكبر، صدق رسول الله r أبى الله أن يدخل طلحةُ الجنة إلا وبيعتي في عنقه. (الخصائص الكبرى) (فكان من العشرة المبشرة)
2- مرة ذُكرت عند السيدة عائشة رضي الله عنها حادثةُ الجمل، فقالت: ليتني كنت من القاعدين الذين لم يخرجوا ذلك اليوم.
3- كان طلحة والزبير من الذين بشَّرهم النبيُّ r بالجنة، ولا بد أن تتحقق بشارة النبي r، وليس ذلك فحسب، بل قد تراجعا عن الخروج وتابا.
يقول سيدنا المصلح الموعود عن شهادة سيدنا عثمان وبيعة سيدنا علي وحادثة الجمل: انتشرتْ فِرق القاتلين في شتى الجهات، ووقاية لأنفسهم من الاتهام بدأوا يتهمون الآخرين.
فلما علموا أن عليا t قد أخذ البيعة من المسلمين تسنّت لهم فرصة رائعة لإلصاق التهم به، فالذين ذهبوا منهم إلى مكة أقنعوا السيدة عائشة رضي الله عنها أن تعلن الجهاد لأخذ ثأر عثمان t فأعلنت ذلك واستنجدت بالصحابة. كان طلحة والزبير قد بايعا عليا t بشرط أن يأخذ ثأر عثمان t بأسرع ما يمكن، والمفهوم الذي كان في بالهما للسرعة كان منافيا للحكمة عند علي t إذ كان يرى أن يستتبّ السلام أولا في جميع الأقاليم ثم يلتفت إلى معاقبة القتلة، لأن الأولوية لحماية الإسلام، ولو تأخرت معاقبة القاتلين فلا بأس في ذلك، وبسبب هذا الاختلاف ظن طلحة والزبير أن عليا t أخذ يرجع عن عهده، فلما كانا قد بايعاه بشرط ولم يحققه علي t بحسب رأيهم، لذا كانا يعدّان نفسيهما قد تحرّرا من تلك البيعة شرعا، فلما بلغهما إعلان السيدة عائشة t انضما إليها، وتوجهوا إلى البصرة جميعا. علم الناس أن طلحة والزبير كانا قد بايعا عليا t على أن يلتزم بأمر وبشرط معين انضمّ إليهما غالبية الناس، فلما علم علي t بهذا الجيش أعد هو الآخر جيشا، وانطلق إلى البصرة، وعند الوصول إلى البصرة أرسل شخصا إلى السيدة عائشة وطلحة والزبير y فوصل هذا الشخص أولا إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، وسألها عن قصدها، فقالت نريد الإصلاح فقط، وبعد ذلك طلب ذلك الشخص طلحة والزبير أيضا، وسألهما: هل أنتما أيضا تريدان الحرب لهذا الهدف، فقالا نعم، فقال، فالإصلاح أن نحقق الوحدة أولا في البلد ثم نعاقب الأشرار، وإلا فإن معاقبة أحد في حالة الاضطراب هذه ستؤدي إلى ظهور فتن أخرى، فقالا إذا كان هذا رأي علي t فقل له أن يأتي فنحن جاهزون للقائه، فأخبر بذلك عليًّا t وتقابل ممثلا الطرفين وتقرر أن القتال لا يصح بل يجب الصلح.
فلما بلغ هذا الخبر السبئيين (أي جماعة عبد الله بن سبأ وقاتلي عثمان t) أصابهم قلق شديد، وفي هذه الأثناء جاء علي t أيضا وقابل الزبير في اليوم الثاني من وصوله، حينها قال له علي t لقد أعددتَ معسكرا لقتالي فهل أعددتَ عذرا تقدمه أمام الله أيضًا؟ ألستُ أخاكم، فما السبب أن دماء بعضنا البعض كانت تعد حراما في السابق والآن قد أُحلّت لماذا هذه المواجهة ؟ فقال له طلحة t وكان مع الزبير: إنك حرضت الناس على قتل عثمان t، فقال علي t: إنني ألعن الشركاء في قتل عثمان t، ثم قال علي t للزبير t: ألا تذكر يوم قال لك النبي r والله ستحارب عليا وستكون له ظالما. فعند سماع هذا القول عاد الزبير t إلى جيشه وأقسم أنه لن يحارب عليا t أبدا واعترف بأنه أخطأ في الاجتهاد.
عند سماع المفسدين ذلك أصابهم اضطراب كبير، فلما غشي الليل دبروا لمنع الصلح بحيث أن منهم من كانوا مع علي، فهاجموا جيشَ عائشة وطلحة والزبير y ليلا، ومنهم من كانوا في جيش هؤلاء الثلاثة فهاجموا جيشَ علي t ليلا مما تسبب في إحداث ضجة، وظن كل فريق أن الفريق الآخر خدعه مع أنها في الحقيقة كانت مؤامرة السبئيين فقط.
فلما اندلعت الحرب نادى علي t أن يخبر أحدٌ عائشةَ رضي الله عنها، لعل الله يزيل الفتنة بسببها.
فجيئ بجمل عائشة رضي الله عنها إلى الأمام، لكن الثوار رأوا أن خطتهم قد فشلت، فبدأوا يرشقون جملها بالسهام. فصاحتْ عائشة رضي الله عنها بشدة أن كُفّوا عن الحرب أيها الناس، واذكروا الله ويوم الحساب. وكان أهل البصرة مع الجيش الذي اجتمع مع عائشة رضي الله عنها، فاستشاطوا غضبا برؤية إهانة أم المؤمنين رضي الله عنها، فاستلّوا السيوف وشنّوا الهجوم على الجيش المخالف. فصار جمل عائشة رضي الله عنها مركز القتال، والتفّ حوله كبار الصحابة البواسل وبدأوا يسقطون صرعى أحدهم تلو الآخر ، ولم يتركوا زمام الجمل.
أما الزبير رضي الله عنه فلم يشارك في القتال بل خرج إلى جانب، ولكن أحد الأشقياء تتبّعه وقتله وهو ساجد يصلي. أما طلحة رضي الله عنه فاستشهد في المعركة على أيدي هؤلاء المفسدين.
لما اشتد القتال ظن البعض أن القتال لن يتوقف ما لم تتم إزاحةُ عائشة رضي الله عنها من ساحة القتال، فعقروا جملها، وأنزلوا هودجها ووضعوه على الأرض. فتوقف القتال. فلما رأى ذلك عليٌّ t احمرَّ وجه حزنًا، إلا أنه لم يكن بُدّ مما حصل. وبعد انتهاء القتال عُثر على جثمان طلحة t ضمن القتلى، فأبدى علي t أسفا بالغا.
عن محمد الأنصاري عن أبيه قال: جاء رجل يوم الجمل فقال: إئذنوا لقاتل طلحة. قال فسمعت عليا يقول: بشره بالنار.
وبعد أن انتهى حضرته من الحديث عن حضرة طلحة t لفت اهتمام أبناء الجماعة إلى أن يهتموا بنظافة البيوت ونظافة اللباس أيضا بوجه خاص.. وفوق كل ذلك يجب أن يتوبوا توبة صادقة، ويُحدثوا في أنفسهم تغيّرا طاهرا، ويتصالحوا مع الله ولينهضوا في جوف الليالي ويدعوا الله تعالى.
وفق الله تعالى الجميع لذلك.