بسم الله الرحمن الرحيم

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

الحلقة السادسة- معجزة اللغة العربية

في الردّ على قول المعارضين بوجود سرقات أدبية في كتب المسيح الموعود عليه السّلام العربية

الاعتراض:

لم يكتف المعارضون بالقول إن كتب سيدنا أحمد عليه السلام العربية كتبها له المولوي نور الدين رضي الله عنه، بل ادعوا ادعاء مناقضا لذلك؛ إذ قالوا : لا ضير أن نعتقد بالفعل أن سيدنا أحمد عليه السلام قد كتب هذه ‏الكتب، ولكن هذه الكتابات العربية فيها الكثير من الأخطاء اللغوية، وليس هذا فحسب بل التعابير الجميلة فيها،كلها مسروقة من مقامات الحريري وغيره من ‏المصادر بزعمه، وقدَّموا بعض الأمثلة على ذلك.

الردّ:

أما بالنسبة للزّعم بوجود أخطاء لغوية في كتب سيدنا أحمد عليه السلام فرددنا عليه بحلقات خاصة يمكن الرجوع إليها. وأما بالنسبة للزعم بسرقة التعابير الجميلة من مقامات الحريري وغيره، نقول ردا على ذلك، إن مجرد الاقتباس ‏لبعض التعابير لا يعترض عليه أحد – لذلك حاول المعترضون في النهاية أن يقولوا إن هذا الاقتباس ‏ليس مشكلة بحد ذاته – ولكنهم لم يلتفتوا إلى أن التَّناصّ عند المسيح الموعود ‏قد نقل التعابير هذه من كونها مجرد تعابير في أقاصيص خيالية سخيفة لا قيمة ‏لها لتصبح موظفة في تقديم معارف عظيمة ارتقت بهذه التعابير وقدمتها ‏بصورة رائعة يعجز عنها الحريري وأمثاله.

وهذا التَّناصّ هو شبيه بالمعارضة ‏الشعرية، إذ يستخدم الكاتب بعض التعابير في نصّ سابق ويقدمها بصورة ‏أجمل، وهذا دليل قدرةٍ وقوةٍ وتمكُّنٍ عند المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، ‏لأن التَّناصّ وإدماجَ هذه التعابير في نصّ يخدم غرضا متكاملا لا يقدر عليه ‏كاتب عادي بل كاتب متمكن جدا. ولا شك أن هنالك تناصًّا يكون من ‏القرآن الكريم والحديث الشريف ولا يكون الغايةُ منه المعارضةَ وإظهارَ القدرة، ‏بل إن الكاتبَ يقوّي مقالتَه بالتناصِّ منها في هذه الحالة. على كل حال لم ‏يفهم المعترضون أن استخدام بعضِ التعابير من قِبلِ المسيح الموعود من ‏مقامات الحريري في عدد من كتبه كان أشبهَ بالمعارضة الشعرية، وقد حدثت ‏في النثر كما حدثت في الشعر أيضا، فهنالك مثلا بيت شعر للحريري يقول ‏فيه:‏

فلذا يُحَبُّ ويستحق عفافُه… شغفا به، فلِبابُه فتانُ

وهنالك بيت للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في القصيدة النونية ‏الشهيرة “يا عين فيض الله والعرفان” يقول:‏

فلذا يُحبُّ ويستحق جمالُه… شغفا به من زمرةِ الأخدانِ

فبالمقارنة بين البيتين نرى أن حضرته قد ارتقى بالمفردات التي وردت في بيت ‏الحريري ووضعها في أجمل وأبهى صورة وأصبح للبيت معنى جميلا مترابطا؛ ‏بقوله إن جمال النبي صلى الله عليه وسلم المادي والمعنوي هو السبب الذي يجعله مستحقا ‏للحب والشغف به عما سواه، وهذا أمر منطقي جدا، إذ إن دافع الحب هو ‏الجمال المادي والمعنوي أو ما يعبَّر عنه بالحسن والإحسان، وهذا كلُه بعد أن ‏ذكر محاسن النبي صلى الله عليه وسلم مطولا قبل ذلك في أبيات عديدة من قبل ثم استمر في ‏ذلك من بعد.

أما بيت الحريري فهو ركيكُ المعنى، إذ إنه يجعل الحبيب ‏مستحِقا للحب والشغف بسبب عَفافه لا جماله، والعفاف وإن كان صفةً ‏جميلة محببة إلا أنها ليست من دوافع الحب، وبعد ذكره الحب والعفاف انتقل ‏إلى الافتتان بموضع القلادة من المرأة! فما هذا التركيب الركيك وما هي هذه ‏المعاني غير المترابطة؟! الواقع إن النظر في هذا التناصّ الذي يرتقي بمفردات ‏كانت منظومة نظما ركيكا غيرَ مترابط إلى نصٍّ رائع مليء بالمعاني الجميلة ‏المترابطة هو وحدَه يشكِّل آية من آيات صدق المسيح الموعود عليه الصلاة ‏والسلام التي يتجاهلها المعترضون ويحاولون طمسها بدجلهم وتزويرهم.‏

الاعتراض:

يحاول المعترضون الإيهام بأن المسيح الموعود عليه ‏الصلاة والسلام قد قال إنه لم يقتبس في تناصِّه من مقامات الحريري إلا سطرا أو ‏سطرين في كتبه كلها.

الردّ:

وهذا دجل وتزوير واضح، إذ قال حضرته هذا عن ‏كتاب إعجاز المسيح حصرا. وصحيح أن المعترضون قد قالوا في البداية أن هذا كان في إعجاز المسيح، إلا إنهم حاولوا طمس الحقيقة ‏بالإيهام أنه في الكتب كلها لاحقا. ‏أما ما جاء في كتاب تحفة الندوة بخصوص التناص في كتاب إعجاز المسيح ‏فقد قال حضرته:‏

‏”لقد ألصق بي “مهر علي” تهمة سخيفة ومبنية على الجهل معتمدا على نقد ‏المتوفَّى محمد حسن، وقال بأن أمثالَ العرب المعروفة وفقراتِهم المنقولة في ‏‏”مقامات الحريري” وغيرَها مقتبَسة في كتابي، مع أنها لا تزيد على سطرين أو ‏ثلاثة أسطر، وكأنها سرقة في نظر هذا الغبي! فكان ضروريا حينها أن تتجلى ‏النبوءة: “إني مهين من أراد إهانتك“. فثبت أنه سرق الكتاب كله، وكذب ‏واتّبع نقدا خاطئا ولم ينتبه إلى أنه خطأ، وبذلك أُخذ بثلاث جرائم فادحة. ‏أليست هذه معجزة؟” (تحفة الندوة 1902)‏

فواضح هنا أن الكلام هو عن كتاب إعجاز المسيح حصرا، وقد ذكر ‏حضرته هذا الأمر بتفصيل أكثر في كتاب نزول المسيح، وبيَّن بأن الاقتباس لم ‏يزد على عشر فقرات أو اثنتي عشرة فقرة لو جمعت فلن تزيد على أربعة ‏أسطر، إذ قال:‏

‏” على أية حال، قرأت مؤلَّفه بالأردية بإمعان (أي مهر علي)، وعلمت أنه ‏لا يحتوي على ما هو جديرٌ بالانتباه سوى اعتراضات غاية في السَّخْف ‏والدناءة والجهل، التي إن افترضنا صحتها لم يسلم منها القرآن الكريم ولا ‏الأحاديث النبوية ولا كتاب من كتب الأدباء.‏

والآن اصغوا إلى اعتراضه؛ يقول: وردت في هذا الكتاب “إعجاز المسيح” – ‏الذي يقع في مئتي صفحة – جُمَلٌ سُرقت من مقامات الحريري- وهي بضع ‏فقرات فقط لو جُمِعت قد لا تربو على أربعة أسطر – وبعضها مسروقة من ‏القرآن الكريم أو كتب أخرى، وبعضها كُتبت بشيء من التغيير والتبديل ‏وبعضها من أمثال العرب المعروفة.‏

هذه هي “سرقتي” التي اطلع عليها مهر علي، إنها عشر فقرات أو اثنتا عشرة ‏فقرة – من بين عشرين ألف فقرة – منها آيات القرآن الكريم وبعضها من ‏أمثال العرب وبعضها، على حد قوله، توارد مع فقرة للحريري أو الهمذاني (أو ‏الهمداني). ولكن من المؤسف أنه لم يشعر بأدنى حياء عند إثارته هذا ‏الاعتراض، ولم يُعمِل فكره قط أنه حتى إذا لم تُعتبر هذه الجمل القليلة أو ‏بضعة منها تواردا – مع أنه وارد في كلام الأدباء – بل ظُنَّ أن هذه الجُمل ‏القليلة قد تم اقتباسها، فما الاعتراض على ذلك؟” (نزول المسيح)‏ أي يقصد حضرته أنه لا إشكال في الاقتباس أيضا فهو معروف ومتبع عند الشعراء والأدباء.

أما عن الاقتباس عموما والاقتباس من مقامات الحريري خاصة فقد قال ‏حضرته:‏

‏”لقد اقتُبست في كتاب الحريري أيضا آياتٌ قرآنيةٌ وفيه بضعُ فقراتٍ وأبياتٍ ‏لغيره بشيء من التصرف فيها. كذلك توجد فيه بعض الفقرات لأبي الفضل ‏بديع الزمان بعينها. فهل يجوز القول بأن مقاماتِ الحريري كلَها مسروقة؟ بل ‏قد أساء البعض الظنَّ بأبي القاسم الحريري باعتبارهم كتابَه كلَه من تأليف ‏غيره. ويقول البعض بأنه عُرض ذات مرة على سبيل الاختبار على حاكم، ‏على أنه كاملٌ في فن التأليف، وأُمِر بأن يكتب بيانا فصيحا بليغاً بالعربية ‏ولكنه لم يستطع ذلك فتعرض لخجل وندامة كبيرة. ولكنه مع ذلك يعُدَّ من ‏الأدباء العظام ويُنظر إلى كتابه “مقامات الحريري” بنظرة التعظيم والإجلال ‏مع أنه لا ينفع من الناحية الدينية أو العلمية شيئا؛ ذلك لأن الحريري لم يقدر ‏على أن يكتب قصة صادقة أو أسرارَ الحقائق والمعارف بعبارة فصيحة وبليغة ‏ليثبتَ أنه قادر على أن يجعل الكلماتِ تابعةً للمعاني والمعارف. بل جعل ‏المعاني تابعة للكلمات من البداية إلى النهاية، الأمر الذي أثبت أنه ما كان ‏قادرا قط على أن يسرد حادثا حقيقيا بالعربية الفصيحة. فالذي يهتم بالمعاني ‏ويهدف إلى بيان المعارف والحقائق لا يستطيع الحصول على النخاع من ‏عظام جمعها الحريري.” (نزول المسيح)‏