#آتوني ما زُعم من أخطاء لغوية في كتابات المسيح الموعود ع أخرّجْها لكم.. (1)
” كل” اللا توكيدية وأخواتها..
إن من قواعد التوكيد بكلمات التوكيد المعنوي المختلفة، مثل: “كل” و “نفس” و “عين” وغيرها، أن تكون هذه الكلمات تابعة لمتبوع مذكور قبلها وهو المؤكَّد، ثم أن تتصل بضمير يربطها بالمؤكّد الذي سبقها، ولا يجوز حذف المؤكَد ولا الضمير الذي يعود إليه من كلمات التوكيد. كما أنه من قواعد التوكيد أن يكون الاسم المؤكّد معرفة أو شبيها بها.
الاعتراض:
زعم البعض أن المسيح الموعود عليه السلام يخطئ في استعمال كلمات التوكيد المختلفة، بما فيها ” كل التوكيدية”. وقيل، ما مفهومه، بأن المسيح الموعود عليه السلام يجهل قواعد التوكيد ويخطئ فيها، فيضيف “كل” للضمير ولا يتعامل معها كأنها توكيد، أو يعتبرها توكيدا ولكنه يجهل كيفية صياغته. ثم أتى لنا هؤلاء بالعديد من الجمل والعبارات من كتاباته عليه السلام، والتي زعموا بأنها اخطاء، وأعادوا كل هذا إلى العجمة في كلام المسيح الموعود عليه السلام.
الردّ:
نعيد الكَرّة مرة أخرى لنقول، إن الله تعالى قد علّم المسيح الموعود أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة، وتظهر هذه المعجزة بجلائها حين يتضح أن حضرته عليه السلام يُلمّ بأدق دقائق اللغة العربية مما يجهله متخصصو اللغة العربية أنفسهم، وحملة الشهادات فيها. فقد أثبتنا ذلك في مسألة ” شبه الجملة” التي اعتبرها حضرته عليه السلام أحيانا مبتدأ، ثم استعمال حضرته لكلمة ” كان” الزائدة في بعض المواضع؛ وكل هذه أمثلة على إلمام حضرته بما هو غير مألوف، ومتروك، ومهمل في لغتنا العربية المعروفة اليوم.
وقلنا أن استعمال هذه الصيغ البعيدة عن لغتنا المألوفة لا يجعلها أخطاء ولا يجعلها ركيكة، وإنما لهي لغات عربية صحيحة نجد ما يدعمها في أمهات المراجع العربية، وإن لم تكن في نفس مستوى فصاحة القرآن الكريم.
وما مسألة ” كل” وما شابهها من ألفاظ التوكيد، في صِيَغها التي استعملها المسيح الموعود عليه السلام ببعيدة عن هذا الإطار من اللغات العربية الدقيقة وغير المألوفة، كما سنبينه هنا.
جاء في كتاب النحو الوافي ما يلي:
” قد تقع ألفاظ التوكيد المعنوي السبعة “وهي: نفس، عين، كِلاَ، كلتا، كلّ5، جميع، عامة” معمولة لبعض العوامل، ولا تعرب توكيدًا لعدم وجود المؤكَّد؛ فتعرب على حسب حاجة ذلك العامل، فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، أو خبرًا … و … وبالرغم من امتناع إعرابها توكيدًا تظل في حالتها الجديدة تؤدي معنى التوكيد كما كانت تؤديه من قبل، مع أنها في حالتها الجديدة لا تسمى في اصطلاح النحاة توكيدًا، ولا تعرب توكيدًا. وهذا كثير في: “جميع”، و”عامة”؛ نحو:
الزائرون انصرف جميعهم، أو: عامتهم الزائرون رأيت جميعَهم، أو: عامَّتَهم الزائرون مررت بجميعهم، أو بعامَّتهم..
أما: “كُلّ” فيكثر وقوعها -عند فقْد المؤكَّد بعد عامل الابتداء، فتكون مبتدأ، ويقل وقوعها بعد غيره؛ فمثال الأول: الحاضرون كلُّهم نابه. ومثال الثاني قول الشاعر:
يَميدُ1 إذا والت عليه دِلاؤُهم … فيصدُرُ عنه كلُّها، وهْوَ ناهلُ
وهذا من القليل الذي لا يحسن محاكاته، لوقوعها فاعلًا مع إضافتها للضمير. ومن
الأمثلة للثاني: الحاضرون تكلمَ كلُّهم الحاضرون سمعتُ كلَّهم، وأعجبتُ بكلهم …”
ويؤكد هذا النقل من النحو الوافي ما جاء في شرح أبيات سيبويه:
“أراد أن (إلا) إذا جعلت وصفاً بمنزلة (غير) لا يحذف الموصوف قبلها كما يحذف في (غير) إنما تكون (إلا) صفة إذا تقدمها موصوف، وشبه هذا بـ (أجمعين) التي تكون توكيداً لشيء تقدمها، ولا يجوز أن يحذف المؤكد معها، وتدخل عليها العوامل، كما تفعل ذلك في غيرها من ألفاظ التوكيد، تقول: جاءني القوم كلُّهم، ورأيت القوم كلُّهم، ومررت بالقوم كلُّهم. [شرح أبيات سيبويه (2/ 58)]
أقول: هذا ما يجهله المتحاملون على كتابات سيدنا أحمد عليه السلام، إذ نرى وفق ما جاء في النحو الوافي ما يلي:
- إن الفاظ التوكيد رغم إضافتها إلى الضمير يجوز معاملتها وإعرابها على غير التوكيد فتعرب حسب موقعها في الجملة.
- خروج هذه الألفاظ عن التوكيد في هذه الحالات هو إعرابا لا معنى، فتكون لا توكيدية من حيث الإعراب فقط.
- لاحظوا، في الأمثلة المذكورة أعلاه، إمكانية الفصل بين التوكيد والمؤكَّد (معنًى).
- لكم أن تقارنوا الأمثلة التي وردت أعلاه، مع الأمثلة التي يُعتَرض عليها من كتابات سيدنا أحمد عليه السلام، والتي سنوردها أدناه، لتروا أنها متطابقة.
وقد وردت ألفاظ التوكيد المعنوي معمولة للعوامل المختلفة -غير التوكيد- في شعر المتنبي ، كما المثال التالي:
أرى كلَّنا يبغي الحياةَ بسعيهِ … حريصاً عليها مُستَهاماً بها صبّا (للمتنبي) [ الوساطه بين المتنبي وخصومه ونقد شعره (ص: 110)]
فالذي يعترض على لغة المسيح الموعود عليه السلام لا بدّ أولا أن يعلن بأن كبير شعراء العرب، وهو المتنبي، يخطئ في لغته، ولا بدّ من محو شعره كله، لكي لا يتضح بعدها أن لغة المسيح الموعود عليه السلام صحيحة فصيحة. فهل من عاقل يجرؤ على ذلك!؟؟؟
وإليكم هذه العبارات من كلام المسيح الموعود عليه السلام، مع إعرابها الصحيح وتعليقاتي بين الأقواس المزدوجة :
الأمثلة التالية اعتُرض عليها على أنها صِيَغ غير صحيحة البتّة:
1: وداومَ على أن يكتب أمام عينه آيةً آية كما كان ينزل حتى جمَع كله. (حمامة البشرى). (( مفعول به))
2: والتطعيم جعَل كلَّهُم في ساعة أمواتا. (مواهب الرحمن). (( مفعول به))
3: وكان وعد التوفي مقدَّما على كلها. (حمامة البشرى) (( اسم مجرور))
4: وأحمد الله على أني ما وجدت إلهاما من إلهاماتي يخالف كتاب الله، بل وجدت كلها موافقا بكتاب رب العالمين. (حمامة البشرى) ((مفعول به))
5: فالحاصل أن هذه الأحاديث كلها لا تخلو عن المعارضات والتناقضات، فاعتزِلْ كلها. (حمامة البشرى) (( فاعترزل كلّها: مفعول به))
6: بل نسجوا كلها بمنسج الكيد والظلم. (نور الحق) (( مفعول به))
7: وندعو كلّهم للمقابلة ولهم خمسة آلاف. (نور الحق). (( مفعول به))
8: وكان كلّهم قومًا ضالّين. (نور الحق). (( اسم كان على اعتبار أصله مبتدأ))
9: وسمعتَ كله ورأيتَ يا قدير. (نور الحق). (( مفعول به))
10: لقد كان كلّهم جهلاء. (نور الحق). ((اسم كان على اعتبار أصله مبتدأ))
11: بل رُزقتُ كلها من حضرة الكبرياء. (منن الرحمن). (( مفعول به))
12: فلا بد من أن نقرّ بلسانٍ، هي أُمُّ كلِّها لكمال بيان. (منن الرحمن) (( مضاف إليه مجرور))
13: وما قلنا هذا القول كصفير اللاعبين، بل أرينا كلها كالمحققين. (منن الرحمن). (( مفعول به))
14: ورأيت كلهم من المعادين المعتدين. (مكتوب أحمد). (( مفعول به))
15: وكَتَبَ كلها ثم طالب كالمصرّين. (حجة الله). (( مفعول به))
16: وإذا فعلتَ كله فأَرسِلْ إليّ مكتوبك العربيّ بالسرعة. (حجة الله). (( مفعول به))
17: واتفق كلهم على أن عيسى أتى بفضل من الله. (الخطبة الإلهامية). (( فاعل مرفوع))
18: وما قصّ علينا ربنا قصص كلهم وما أنبأَنا بأسمائهم. (الخطبة الإلهامية)(( مضاف إليه مجرور))
19: ليس مرادنا ههنا مِن ذكر ملوك الإسلام أن كلهم ظالمون. (الهدى والتبصرة) (( اسم إن))
20: وكتَبَ كلُّهم في كتبهم أنها صُنعت لجراحات عيسى. (الهدى والتبصرة) (( فاعل))
21: وأما الأحاديث فأنت تعلم أن كلها آحاد إلا القدر القليل الذي هو كالنادر. (حمامة البشرى).((اسم أن))
22: فيكفُرون نعم الله، ولا يتوجّهون إلى وعظِ واعظ … بل عندهم جوابُ كلِّها السيفُ أو الرمح. (حمامة البشرى)(( مضاف إليه مجرور))
23: مع أن الله فضّله على كلّهم بحسن نياته (سر الخلافة) ( (اسم مجرور))
24: وأنه أعطى كلَّ شيء خَلْقَه وكفَل أمرَ كلِّهم أجمعين. (إعجاز المسيح) (( مضاف إليه مجرور))
25: وأعدَّ لأفراس الوكالة أثاثة … ليرمي كلهم من قوسٍ واحدٍ السهامَ. (مواهب الرحمن). (( مفعول به))
26: وكتاب آخر سبق كلها ألفته في هذه الأيام. (التبليغ) (( مفعول به))
27: فنبذْنا كلّه مِن أيدينا كالمتاع الرديِّ (دافع الوساوس) (( مفعول به))
وقد تذرّع المعترض بقوله إن جمهرة النحاة قد منعت حذف المؤكَد (المتبوع)، وأجازه آخرون في مواضع محددة.(يُنظر النحو الوافي ،ج3، ص 523) ولكنه لم يذكر استدراك النحو الوافي في هامش نفس الصفحة التي أحال إليها، حيث قال في حديثه عن المثال الذي أورده “الأسرةُ أكرمت كلَّها أجمعين” مقارنا إياها بالمثال الذي أورده في هامش صفحة 513 “الأسرة أكرمت كلَّها” حيث قال: ومن المراجعة يتبين أن هذا الأسلوب صحيح، ولكن إعراب كلمة كل مختلف باختلاف الرأيين ، فهو هنا لا يحتمل إلا التوكيد المفيد للشمول، بسبب وجود كلمة “أجمعين” بعده الدالة على الكل “الجمعي” لا “المجموعي”. (النحو الوافي ،ج3،ص 523)
وكذا، نردّ على المعترض أن مذهب سيبويه والخليل قد أجاز حذف المؤكَّد المتبوع، في غير المواضع المحددة التي ذكرها النحو الوافي، وفي هذا جاء:
“وقد صرح الخليل وسيبويه بجواز حذف المؤكد وبقاء التأكيد في نحو “مررت بزيد وجاءني أخوه أنفسهما” بالرفع على تقدير: هما صاحباي أنفسُهما، وبالنصب على تقدير: أعنيهما أنفسَهما قاله الدماميني” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 119)]
النتيجة:
كلمة ” كل” في هذه العبارات تندرج تحت لغة من لغات العرب، تقر بها أمهات المراجع اللغوية؛ غير أنها ليست لغة مألوفة في لغتنا الفصحى الرائجة، وهذا لا يجعل منها لغة ركيكة وإن لم تكن في قمة الفصاحة والبلاغة كما القرآن الكريم، ولكنها تبقى لغة من لغات العرب.
ولنا أن نذكّر بما قاله المسيح الموعود عليه السلام: وبالإضافة إلى ذلك فإني أدّعي أنني قد أوتيتُ معجزةَ القدرةِ على الإنشاء بالعربية تأييدًا من عند الله تعالى، لكي أكشف للدنيا معارف القرآن وحقائقه بهذا الأسلوب أيضًا، ولكي أسخّر ذلك الاحتراف البلاغي الذي كان قد راج في الإسلام بشكل خاطئ مشين، ونجعله خادمًا لكلام الله العزيز. نزول المسيح (2/ 64)
فهنا تكمن المعجزة، في أن المسيح الموعود عليه السلام بخروجه عن المألوف في اللغة العربية لم يقع في الخطأ، وإنما بقي في إطار اللغات الذي ورد عن العرب مهما شذّ وندر، وإلا فكيف له ان يميّز بين غير المألوف والخطأ لولا العناية والتأييد والتعليم الإلهي!؟ كل هذا، لكي يتحقق الهدف المنشود ، وهو القدرة على الإنشاء بصورة أعجازية، وتتجلى عظمة المعجزة في تعلم حضرته أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة.
وبعد ما أثبتناه في مسألة شبه الجملة الإبتدائية، وكان الزائدة، و”كل” اللا توكيدية؛ فإنني على يقين بأن أي خطأ لغوي مزعوم في كتابات حضرته، مما لا يندرج تحت السهو والغفلة والنسيان والأخطاء المطبعية والإملائية والنقلية والسماعية، لا بدّ أن يكون له تخريج وفق قواعد اللغة العربية غير المألوفة وما ورد عن العرب على مرّ العصور.
فأقول: آتوني بكل الأخطاء اللغوية المزعزمة في كتابات حضرته عليه السلام، أخرّجها لكم،- وإن طال الزمن – بعون الله ومشيئته وقدرته وتأييده فهو الناصر، ولا ناصر لنا إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا به.