هل قال المسيح الموعود أن قاديان مذكورة في القرآن الكريم؟
ربما هذه هي الشبهة أو الكذبة الأسوأ التي يكثر خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية من نشرها والترويج لها باستمرار؛ ألا وهي أن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية يقول في كتابه “إزالة الأوهام” بأن مدينة قاديان مذكورة في القُرآن!
فهل حقاً قال المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن قاديان مذكورة في القُرآن الكَرِيم؟ ومن ذَا الذي يجهل أن كلمة قاديان لا توجد في القُرآن الكَرِيم؟
الجواب بكل سهولة وقطع: لا، لم يقل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن قاديان مذكورة في القُرآن المَجِيد. كما ان كل من قرأ القُرآن الكَرِيم ولو مرة واحدة في حياته فسيعلم بأن كلمة قاديان لا توجد فيه.
فماذا عن إلهام إنّا أنزلناه قريباً من القاديان إذن؟
إنها وبكل بساطة رؤيا رآها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وفيها سمع هته كلمات أن الله تعالى أنزل أمراً في قاديان، ولأنه عَلَيهِ السَلام يدرك جيداً أن لفظة قاديان لا توجد في القُرآن الكَرِيم، فقد استغرب حضرته جداً وقال في نفس كتاب “إزالة الأوهام” ما يلي:
“رأيتُ في حالة الكشف أن أخي المرحوم ميرزا غلام قادر جالس قريباً مني، ويتلو القرآن الشريف بصوتٍ عال، وخلال التلاوة قرأ العبارة التالية: “إنّا أنزلناه قريباً من القاديان”. وحين سمعتُ هذه الكلمات استغربتُ جداً، وقلتُ في نفسي: هل من المعقول أن يكون اسم القاديان في القرآن الشريف؟” (إزالة الأوهام، ص 76)
وكما هو معروف ففي الرؤى والكشوف الروحية والمنامية إذا رأى الإنسان أو سمع آية أو كلمات ما تشابه أسلوب القُرآن الكَرِيم أو ليست كما هي فيه، فليس في ذلك أي تحريف للقرآن والعياذ بالله، بل تأوُّل بما يناسبها في علم تعبير الرؤى، وهذا اللفظ كما هو واضح يحمل بشارة عظيمة من الله تعالى لأمر سيحدث في قاديان يكون له ارتباط وثيق بكتاب الله تعالى والذود عَنْهُ ونصره. أما المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقََدْ أكَّدَ بما لا مجال فيه للشك أن القُرآن الكَرِيم لا توجد فيه لفظة قاديان، فقال عَلَيهِ السَلام:
“لا يوجد اسم القاديان لا في القرآن الكريم ولا في أي كتاب من كتب الأحاديث.” (الخزائن الروحانية، ج 3، إزالة الأوهام، ص 141)
وبعد استغراب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في الرؤيا نفسها حول كون اسم قاديان مذكور في القُرآن الكَرِيم بحسب ما كان يتلو أخو حضرته مرزا غلام قادر من القُرآن الكَرِيم في الرؤيا، بعد استغرابه قال له أخوه المتوفى بأن قاديان مذكورة فعلاً في القُرآن الكَرِيم -أي في الرؤيا- وأراه ذلك فتعجب عَلَيهِ السَلام وقال بالفعل أنا أراها الآن مكتوبة في القُرآن الكَرِيم. أي رآها في الرؤيا وليس بعد أن استيقظ قال بأن قاديان مذكورة في القُرآن الكَرِيم بل قال بعد الاستيقاظ:
“لا يوجد اسم القاديان لا في القرآن الكريم ولا في أي كتاب من كتب الأحاديث.” (الخزائن الروحانية، ج 3، إزالة الأوهام، ص 141)
وللدلالة على ذلك ها هو النص السابق كاملاً:
“رأيتُ في حالة الكشف أن أخي المرحوم ميرزا غلام قادر جالس قريباً مني، ويتلو القرآن الشريف بصوتٍ عال، وخلال التلاوة قرأ العبارة التالية: “إنّا أنزلناه قريباً من القاديان”. وحين سمعتُ هذه الكلمات استغربتُ جداً، وقلتُ في نفسي: هل من المعقول أن يكون اسم القاديان في القرآن الشريف؟ فقال: أجل، ها هو مكتوب. ولمّا نظرتُ وجدتُ أن العبارة الإلهامية نفسها مكتوبة بالفعل قريباً من منتصف الصفحة اليمنى من المصحف. فقلتُ في نفسي، نعم! إنَّ اسم القاديان مكتوب في القرآن الكريم فعلاً. وقلتُ: هناك ثلاث مدن أسماؤها مسجّلة في القرآن الكريم بإكرام: مكّة والمدينة والقاديان.” (إزالة الأوهام، ص 76)
إذن كل ما حدث وقيل أعلاه كان في الرؤيا فقط.
فهل بعد ذلك يقال أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يقول بوجود لفظ قاديان في القُرآن الكَرِيم؟!
ما هو تأويل الكشف؟
والآن دعونا نأخذ تأويل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام شخصياً لهذا الكشف، حيث قال حضرته عَلَيهِ السَلام بأن هذه الرؤيا والكشف لا تؤخذ بحرفيتها وإنما تأوُّل وأن التأويل له صله بلفظ غلام قادر وهو أخو حضرته عَلَيهِ السَلام:
“فيه سر كشفه اللهُ سبحانه عليّ، وإذا أردنا أن نفهم تعبير هذا الكشف فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار الاسم “غلام قادر”، فقد أُشيرَ بلفظ “القادر” إلى القادر المطلق الذي هو الله ﷻ، وهو سبحانه أفهمنا أن لا تستغربوا، لأن عجائبه وقدراته تظهر أحياناً وتبدو بهذا الشكل والأسلوب، فهو سبحانه عز وجل يُعزّز ويكّرم الفقراء والمحتقرين، ويخذل المعزّزين والمكرّمين وأصحاب المراتب العالية.” (نفس المصدر)
ويواصل عَلَيهِ السَلام بأن:
“التدبر العميق في هذا الإلهام يكشف أن بعثتي من عند الله في قاديان كانت مكتوبة كنبوءة في الصحف الإلهية السابقة … وبعد أن تلقيتُ في الأيام الأخيرة وحياً جديداً يؤكد أن هناك مماثلة بين القاديان ودمشق عند الله تعالى، فقد اتضح بذلك معنى الإلهام السابق أيضا. فكأنّ تفسير الجملة التي ألقاها اللهُ على قلبي وحياً أعني: “إنا أنزلناه قريبا من القاديان”، هو كالآتي: “إنا أنزلناه قريباً من دمشق بطرف شرقي عند المنارة البيضاء”، ذلك أن مسكني يقع بطرف شرقي من القاديان.” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية، مجلد 3، ص 138-139)
إذن لهذا الكشف تأويل وليس له صلة أيضاً بوجود لفظة قاديان في القُرآن الكَرِيم !
تأويل الكشوف في القرآن الكريم
ولعل كل مُسْلِم يعلم جيداً أن القُرآن الكَرِيم ذَكَرَ رؤيا الملك لبقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف/هِزال في سورة يوسف وطلبه من الصدّيق يوسف عَلَيهِ السَلام أن يعبّر له رؤياه ففعل عَلَيهِ السَلام وصدق في تعبيره.
جاء في تفسير البغوي:
“فَلَمَّا انْقَضَتْ سَبْعُ سِنِينَ. قَالَ الكلبي: فهذه السبع سوى الخمس الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَدَنَا فرج يوسف فرأى مَلِكُ مِصْرَ الْأَكْبَرُ رُؤْيَا عَجِيبَةً هَالَتْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ ثُمَّ خَرَجَ عَقِبَهُنَّ سَبْعُ بَقَرَاتٍ عِجَافٌ فِي غَايَةِ الْهُزَالِ، فَابْتَلَعَتِ الْعِجَافُ السِّمَانَ فَدَخَلْنَ فِي بُطُونِهِنَّ، فلم يرى منهن شيئا وَلَمْ يَتَبَيَّنْ عَلَى الْعِجَافِ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ رَأَى سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ قَدِ انْعَقَدَ حَبُّهُا وَسَبْعًا أُخْرَى يَابِسَاتٍ قَدِ اسْتُحْصِدَتْ، فَالْتَوَتِ الْيَابِسَاتُ عَلَى الْخُضْرِ حَتَّى غَلَبْنَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ خُضْرَتِهَا شَيْءٌ، فَجَمَعَ السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ وَالْحَازَةَ وَالْمُعَبِّرِينَ وَقَصَّ عَلَيْهِمْ رُؤْيَاهُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ﴾، ثم قال لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾.” (معالم التنزيل، البغوي)
كذلك الحديث الصحيح الذي رأى فيه النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن في يديه سواران ذهبيان، فهل أخذَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بالمعنى الحرفي أم قام بتأويل السوارين إلى ما يناسبهما في علم تعبير الرؤى ؟ الجواب؛ بل أوّلهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بكذّابين هما الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، والحديث كالتالي:
“حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ -وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ- أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهْىَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَهْوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ، ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَسَيُجِيبُكَ عَنِّي». فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الَّتِي ذَكَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ.». فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ.” (صحيح البخاري، حديث 662)
إلهام إنّا أنزلناه قريباً من القاديان كشف بحاجة إلى تأويل
وهكذا يَثبُت أن كل ما يراه الرائي في المنام أو يسمعه فإن له تأويل وتعبير مناسب لمقتضى الحال والرمزية التي فيه. وطالما وضّحَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام بأن قاديان لا توجد في القُرآن المَجِيد وأن الموضوع كله لم يكن إلا رؤيا وكشف ولها تأويل كما هي عادة الرؤى، فيصبح من المخزي لخصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية أن يواصلوا نشر مثل هذه الأكاذيب ويثبتوا يوماً بعد يوم بسبب عمى كره الجماعة الإسلامية الأحمدية أنهم أبعد الناس عن الصدق والأمانة العلمية. وبالفعل، فقد تحققت البشارة وبُعث المسيح الموعود والإمام المهدي عَلَيهِ السَلام -الذي بشّرنا بِه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بُعث في قاديان وكانت مهمته خاصة الدفاع عن شرف القُرآن الكَرِيم وهزيمة التنصير من خلال القُرآن الكَرِيم وتوضيح العقيدة الصحيحة حول المهدي والمسيح من خلال القُرآن الكَرِيم والسنة وإنجابه عَلَيْهِٰ السَلام لولدٍ مبارك فسَّرَ القُرآن الكَرِيم بما لا نظير له في العالم الإسلامي إلى اليوم أي حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صاحب “التفسير الكبير”. فما أتعس المحروم من هذا النور وما أغبط المستنير به!
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ