(في الصورة: بركة “Grand Prismatic Spring” البركانية في وايومينغ الأمريكية، حيث يعيش في هذه البركة حقيقيات النوى المجهرية وتعرف باسم Archaea، تعرف هذه المخلوقات بقدرتها على العيش في بيئات متطرفة أسيدية وحرارات قياسية عالية جدا لتواجد الحياة على سطح الأرض، ويعزى لهذه المخلوقات أن تكون أول الخلايا التي تطورت الحياة منها على سطح الأرض)
كعادتهم في التسرع المصحوب بكثير من الجهل وأطنان من الأحقاد، إنبرى بعض المعترضين على جماعتنا إلى اقتناص جزء من كلام سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام مفاده إمكانية وجود حياة على الشمس، قبل أن يضيفوا إليه بهارات بالقدر الذي يجعل من نص حضرتهم مادة دسمة للسخرية من المسيح الموعود ونسب الخرافة إليه وإلى جماعته.
سأحاول في هذا المقال تفنيذ هذا الإعتراض، وسيكون هذا الرد في خمس نقاط، أولها السياق التاريخي لكلام حضرته، حجج المسيح الموعود في استدلاله، مسألة الحياة على الشمس، أدلة قرآنية، قبل أن أوضح في النهاية بعضا من مغالطات المعترضين على هذا الموضوع.
كان موضوع الإعتراض قول المسيح الموعود عليه السلام:
“إن البحوث العلمية المعاصرة تشهد على أن انشقاق القمر لم يحدث مرة واحدة فقط بل إن الاتصال والانشقاق جاريان في الشمس والقمر باستمرار. لأن العلوم المعاصرة تؤكد أن الشمس والقمر عامرتان بالحيوانات والنباتات وغيرهما مثل الأرض. وهذا الأمر يُثبت الانشقاق والاتصال للقمر … فهذا يستلزم الإقرار بأن جرم القمر يلزمه الانشقاق دومًا. ثم بموت هذه الحيوانات يلزم الاتصال أيضًا. فالواضح من هذا التحقيق أن الانشقاق والاتصال موجودان في القمر كل حين وآن بل في الشمس أيضًا“. (كحل عيون الآريا 1886)
وهذا ردنا:
من حيث السياق التاريخي للنص
لقد كتب المسيح الموعود عليه السلام كتاب “الكحل لعيون الآريا” ردا على هندوسي استهزأ بمعجزة انشقاق القمر وعدها من الكذب الذي اختلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم! ومما يستند عليه الهندوسي أن هذا الإنشقاق مخالف للقوانين الطبيعية!
ومعلوم أن كل مسلم تكفيه آيات كتاب الله والشواهد الحديثية الكثيرة للإيمان بصدق هذه المعجزة الفلكية التي حدثت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بغض النظر عن حقيقتها وتفسيرها، وعن ما إذا كانت حدثت ماديا أم أنها كشف روحاني شهده الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته.
لكن بحكم أن الهندوسي لا يؤمن بالقرآن ولا بالحديث فكان لزاما على المسيح الموعود عليه السلام أن يحاوره انطلاقا من الأرضية العقلية، الفلسفية والعلمية التي يشترك الناس عموما في الإستناد إليها.
حجج المسيح الموعود عليه السلام أمام الهندوسي
لقد قدم حضرته عليه السلام مجموعة من الإحتمالات والفرضيات التي تصب كلها في إمكانية حدوث هذه المعجزة، ولا تدع مجالا للشك في استحالة وقوعها.
ومن الفرضيات الذي قدمها:
أولا: إن هناك فرقا كبيرا بين ما لم يدركه العقل وما يخالف العقل. فما دام الله الخالق ذا قدرة لامحدودة فهذا يعني إمكانية شق القمر، وبشكل يتماشى تماما مع سنن الله في كونه، ولا يخل بنظامه. وهكذا فالله هوخالق الأسباب وهوالقادر على خلق أسباب تحقق المعجزة، سواء أدركناها أم جهلناها. حيث يقول عليه السلام:
“إن الله القادر المطلق الذي يقدر على أن يشق القمر قادر على أن يحدثه بطريقة حكمية لا يختل بها نظامه! ولذا هويسمى القادر المطلق!”
ثانيا: إمكانية أن يكون الإنشقاق من قبيل الزلازل التي نشهد حدوثها كثيرا على سطح الأرض حيث يقول ما ترجمته:
“جرت العادة أن الأرض تنشق وتتصل بالزلازل؛ فحدث في الزمن الغابر أن الأرض زلزلت وانشقت أميالاً؛ ومثل هذه الحوادث ما زالت مستمرة؛ وهذا الحوادث لا تحدث فرقاً في حركتها؛ فلماذا الاستغراب من مثل هذه الحوادث في القمر؟ فأليس من الممكن أن الله الحكيم المطلق قد وضع فيه قوة الانشقاق والاتصال كليهما؟! ”
ثالثا: إمكانية أن يكون الناس في زمن الحادثة قد أعطوا عيونا كشفية، فيكون الإنشقاق حدث على شكل كشف رآه الرسول والصحابة والكفار أيضا. وهناك أمثلة أخرى على حوادث كشفية من هذا القبيل.
يقول عليه السلام:
“ومن الممكن أن يعطى المشاهدون عيوناً كشفية من جراء قوة قدسية لنبي؛ ومن الممكن أن تراءت لهم صورة ما سيحدث عند قرب القيامة من الانشقاق!”
رابعا: إمكانية أن يكون هذا الإنشقاق من قبيل الخسوف الذي يشهده الناس ويعرفونه.
حيث يقول عليه السلام ما معناه:
“وكتب البعض أن هذا كان من قبيل الخسوف العجيب؛ والذي أخبر عنه القرآن الكريم من قبل؛ فهذه الآيات جاءت كنبوءة! فكلمة الشق في هذه الحالة تعدّ مجازًا حصراً!“.
خامسا: يؤكد المسيح الموعود عليه السلام بأنه حتى بعقولنا المحدودة ندرك بأن وجود مخلوقات حية علي سطح كوكب أونجم هي دليل على وجود حيوية وحركية مستمرة في هذا الجرم. فوجود عملية الخلق معناه بشكل من الأشكال “الإتصال” أي اتصال الذرات والجزيئات والمركبات بعضها ببعض، في حين أن وجود الموت دليل على الإنقسام والإنشقاق، حيث تنقسم الذرات والجزئيات وتتحلل المركبات العضوية لتظهر في شكل حياة جديدة عن طريق اتصال جديد.
وهذا بالضبط ما قصده المسيح الموعود عليه السلام بدليل الإتصال والإنشقاق الذي نراه يوميا في الأرض. ولكي يسقط هذا الدليل على الشمس فقد استند على بعض الأبحاث الفلسفية، والعلمية التي تقر بإمكانية وجود حياة على سطح القمر، وذكر الشمس كذلك من أجل البرهان على أن سنة الله في خلقه هي نفسها وأنه لا مبدل لسنة الله.
وهنا يقول: “إن البحوث العلمية المعاصرة تشهد على أن انشقاق القمر لم يحدث مرة واحدة فقط بل إن الاتصال والانشقاق جاريان في الشمس والقمر باستمرار. لأن العلوم المعاصرة تؤكد أن الشمس والقمر عامرتان بالحيوانات والنباتات وغيرهما مثل الأرض. وهذا الأمر يُثبت الانشقاق والاتصال للقمر … فهذا يستلزم الإقرار بأن جرم القمر يلزمه الانشقاق دومًا. ثم بموت هذه الحيوانات يلزم الاتصال أيضًا. فالواضح من هذا التحقيق أن الانشقاق والاتصال موجودان في القمر كل حين وآن بل في الشمس أيضًا“.
فهي إذن أكثر من 5 فرضيات تصلح كل منها دليلا على صدق معجزة إنشقاق القمر، وتصلح كل منها لتنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من تهمة الكذب والعياذ بالله.
هل هناك دليل علمي على إمكانية وجود حياة على الشمس
في هذه الفقرة سأحاول تقديم دليل علمي على الفرضية الخامسة -موضوع الإعتراض- بعد أن كتب لي الله تعالى أن أصادف مقالا علميا صدر سنة 2015، يؤكد فيه صاحبه بأن الشمس مكان مثالي لنشوء حياة على سطحها.
أقدم لكم في البداية نص كلام الباحث في ورقته العلمية، قبل أن أقدم ترجمته التي قمت بها:
“Sun is the great hydrogen based star and is capable of supporting fire based life including primitive single-flame microbes and more complex ember-like organisms capable of thriving under all manner of burning conditions, the sun’s helium rich surface of highly charged particles provides the perfect food for fire based life forms. “With a surface temperature of
10,000 degrees Fahrenheit and frequent eruptions of ionized gases flowing along strong magnetic fields, the sun is the first star we’ve seen with the right conditions to support fire organisms, and we believe there is evidence to support the theory that fire-bacteria, fire-insects, fire birds and even fire-fish were once perhaps populous on the sun’s surface.” The photosphere is the deepest layer of the Sun’s atmosphere. It reaches from the surface visible at the center of the solar disk to about 250 miles (400 km) above that. The temperature in the photosphere varies between about 6500 K at the bottom and 4000 K at the top (11,000 and 6700 degrees F, 6200 and 3700 degrees C).The life can exist in the sun’s photosphere it
supports the fire based life forms and it acts as a habitat because it’s the coldest region in the sun. Life in the sun is different from life in earth.“
Life In Sun
Praveen Samuel .J
“International Journal of Life Sciences Research ISSN” 2348-3148 (online)
Vol. 3, Issue 3, pp: (47-48), Month: July – September 2015, Available at: www.researchpublish.com
Page | 47
يقول:
“الشمس هي نجم كبير يستند إلى الهيدروجين وهي قادرة على دعم حياة قوامها النار بما في ذلك الميكروبات البدائية أحادية اللهب، بالإضافة إلى كائنات حية أخرى أكثر تعقيدا والتي يمكن أن تقاوم وتتطور في جميع ظروف الاحتراق.
يتوفر سطح الشمس الغني بالهليوم على جسيمات ذات شحن هائلة، وهذا يوفر غذاءا مثاليا لأشكال حياة أساسها النار.
بتوفرها على سطح حرارته تصل إلى 10000 درجة فرانايت، بالإضافة إلى انفجارات مستمرة للغازات المتأينة التي تتدفق على طول المجالات المغناطيسية القوية، تعتبر الشمس أول نجم نرى فيه الشروط المناسبة لتحمل حياة عضوية نارية. ونعتقد بأن هناك أدلة تؤكد نظرية أن سطح الشمس كان مكتظا ببكتيريا النار، حشرات النار، طيور النار أوحتى أسماك النار .
يعتبر الفوتوسفير أعمق طبقة من الغلاف الجوي للشمس. ويبلغ سمكه من أعلى السطح المرئي للشمس إلى وسط قرص الشمس، حوالي 250 ميل (حوالي 400 كلم).
وتتراوح حرارة الفوتوسفير بين 6500 كلفين في القاع إلى 4000 كلفن في القمة. (بين 11 ألف و6 آلاف درجة فارانايت، بين 6200 و3700 درجة مئوية )
يمكن للحياة أن تكون موجودة في طبقة الفوتوسفير الشمسية. فهذه الأخيرة تتحمل حياة قوامها النار، وكما أنها تعتبر كموطن مناسب للحياة بحكم أنها أبرد منطقة في الشمس. أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الحياة على الشمس هي مختلفة عن الحياة على الأرض.”
عنوان الورقة البحثية: “الحياة على الشمس”.
وفي النهاية خرج الباحث بخلاصة مفادها:
“If life in earth is covered by helium and hydrogen gases in the exosphere then why can’t life can exist in sun?“
وترجمة الخلاصة:
“ما دامت الحياة في الأرض مغطاة بغازات الهليوم والهيدروجين في الغلاف الخارجي ، فلماذا لا يمكن للحياة أن تتواجد في الشمس؟”
وبالتالي فواضح أن الإمكانية العلمية متاحة، وواضح أيضا أن الكاتب يتحدث عن شكل آخر من الحيوانات والنباتات والطيور بل وحتى الأسماك التي تنسجم بنيتها مع ظروف الشمس وحرارتها، ولهذا أرتأى أن يسميها: “بكتيريا النار، حشرات النار، طيور النار أوحتى أسماك النار“.
كذلك، فإن العاقل يدرك ببساطة بأن الله الذي خلق مخلوقات تعيش بين الصفر والخمسين درجة سيليسيوس، والذي خلق أخرى تعيش فوق المائة درجة وأخرى لا تحتمل العيش في أكثر من 100 درجات تحت الصفر .. وهي درجات الحرارة التي تتوفر على كوكب الأرض. فنفس الخالق بإمكانه أن يخلق أشكالا أخرى من المخلوقات التي تنسجم بنيتها مع مناخ أي كوكب وأي نجم.
دليل آخر من القرآن
لقد نسي أو تناسى المعترض أدلة قرآنية كثيرة لا تشير فقط إلى إمكانية وجود حياة على الكواكب والنجوم، بل تقر بوجود دواب تدب عليها، وتذهب أكثر من ذلك للتأكيد على إمكانية إلتقاء دواب الكواكب جميعها حسب مشيئته سبحانه وتعالى.
يقول الله تعالى: “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ“.
ويقول عز وجل: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ“.
فهل يا ترى يًقبل من مؤمن بإله قادر خالق علام الغيوب الإعتراض بهذا الشكل ؟
أليس هذا أكبر إساءة إلى الله تعالى ؟ أم أن مراعاة مقام الله عز وجل صارت آخر اهتمامات المعترض بعد خروجه مذموما مدحورا من جنة المؤمنين ؟
ما هي المغالطات التي روج لها المعترض في مقاله ؟
في الختام، أود أن ألخص بعضا من المغالطات والتدليسات والأخطاء التي قام بها المعترضون في مقاله، والتي لا ينتبه لها إلا من رحم الله. وهذا فقط بهدف تنبيه الباحثين الجدد إلى بعض من أساليب الشيطان في الكذب والتحايل على الكذب. من هذه المغالطات:
- تجاهلهم جملة وتفصيلا لسياق كلام المسيح الموعود عليه السلام، وعدم ذكرهم قصة الهندوسي إطلاقا،
- عدم احترامهم ولا توقيرهم لقدر الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصا وأنهم يسيؤون إلى رجل في معرض دفاعه عن مقام الرسول وعظمة الإسلام.
- لم يذكروا أن المسيح الموعود إنما كان يقدم فرضيات في سبيل إقناع الهندوسي بإمكانية حدوث الإنشقاق، وأنه لم يحسم عليه السلام في القضية أبدا، بل فوض حقيقتها لله تعالى وهذا هو دأب المؤمنين.
- المسيح الموعود عليه السلام عندما ساق الفرضية الخامسة، لم يدعي أنها وحي من الله بل صرح بوضوح أنها مخرجات أبحاث علمية وفلسفية من المفروض أن يقبلها الهندوسي.
- لم يبذل المعترضون أدنى جهد في التبين قبل الحكم على المسيح الموعود بالخرافة. بل تسرعوا كعادتهم وانبروا للإساءة عن جهل.
في النهاية نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على الحق المبين، وأن يجنبنا إملاءات الشيطان التي تعمي الأبصار قبل أن تقتل القلوب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.