المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..164
الفصاحة في لغات المسيح الموعود عليه السلام 11
التزمت والتعصب النحوي معارض للفصاحة والبلاغة
11: من أهم ما عرض له عباس حسن في نقده للنحو وأصوله، هو علاقة النحو بالعلوم اللغوية الأخرى كالبلاغة مثلا، وما يحدثه التزمت والتعضب النحوي من إعاقة في البلاغة والفصاحة والتعبير، بتعارضه مع هذه العلوم لا سيما البلاغة العربية من علم المعاني والبيان. ففي هذا يقول عباس حسن:
“وإليك مشكلة أخرى هي مشكلة التعارض بين النحو والعلوم اللغوية الأخرى كعلوم البلاغة ومتن اللغة وأصولها … إن هذه العلوم كلها متفرعة من أصل واحد لغاية واحدة؛ هي: الفهم والإفهام من أقرب غاية، وبخير وسيلة للأداء. وإن شئت فقل: إنها روافد تنبع من أصل واحد، وتتلاقي عند مصب واحد؛ لقصد مُعيّن. فلا يصح أن تتعارض أو يُعوّق بعضها بعضا. لكن النحو في كثير من مسائله لا يخضع لهذا القانون الطبيعي السليم، بل تراه يخرج عليه في كثير من قواعده خروجا عنيفا لا مسوغ له، ولا خير فيه،” [ إ. هـ]
وحاصل الكلام مما ورد في هذا النصّ، أن غاية علوم اللغة المختلفة هو الفهم والإفهام بأقرب غاية وخير وسيلة، فلا سبيل لرفض تراكيب لغوية تؤدي هذا المعنى، فقط لحجة أنها لا تتفق مع بعض القواعد النحوية ، خاصة بوجود ما يؤيدها من لغات العرب وقواعدهم الأخرى. فطالما وافق التركيب لغات العرب وأدى الغاية المتوخاة منه وهي الفهم والإفهام لم يصح القدح فيه والتشكيك في فصاحته.
ومن أمثلة تعارض النحو مع علم المعاني والبلاغة، هو قول النحاة بعدم اطراد وقوع المصدر نعتا أو حالا رغم كثرته في كلام العرب كالقول “الرجل العدل “.، أو ” بغتة زيد طلع” . ومثال آخر: قول علماء البلاغة بأن ” محمد عدل” أبلغ من ” محمد عادل”؛ في الوقت الذي يرفض النحاة به التركيب الأول ويرمونه بالخطأ والفساد وعدم القياس عليه بل الاقتصار على المسموع منه!!! فيتساءل عباس حسن:
“ولنا أن نسأل الشارح: ـ كما سألناه من قبل في مناسبة أخرى ـ كيف يكون وقوع المصدر نعتا في كلام العرب كثيرا، ومع كثرته لا يَطَّرد؟ كما نسأل الصبان صاحب الحاشية كيف تبيح وقوع المصدر نعتا بتأويل المجاز؟ أكان العربي الذي نأخذ عنه الأساليب ونحاكيه فيها والذي تقررون أن وقوع المصدر نعتا كثير في كلامه ، أكان يعرف المجاز المرسل أو غير المرسل؟ أكان يشترط لوقوع النعت ذلك الشرط أو يفكر فيه قبل النطق بالمصدر النعت؟ فما بالكم إذاً تقيدوننا بما لا يعرفه صاحب اللسان الأصيل وإن كان لكم في هذا ما يشبه العذر؟” [إ.هـ]
ومما نستخلصه من كل هذا، أن الحكم بعدم الفصاحة على تركيب معين، لمجرد أن النحاة لا يقبلونه، لهو حكم تعسفي ينمّ عن قلة تبحر في العلوم اللغوية الأخرى، ولا يأخذ بالحسبان أن القيود التي وضعها النحاة لبعض التراكيب مثل قبول التركيب على المجاز فقط، تتعارض مع السليقة العربية التي أتت بهذه التراكيب دون التفكير بالمجاز على أنواعه، ولا يتنبه إلى ان السليقة العربية قد سبقت النحاة وقواعدهم وشورطهم وتقييداتهم وتأويلاتهم وتعليلاتهم المختلفة. فكيف يستقيم عدم الاطراد مع كثرة السماع!؟ وكيف يستقيم التجويز بالمجاز مع كون العربي يتحدث بالسليقة التي لا تفكر بالمجاز أصلا!؟
وأضرب على سبيل المثال من لغات المسيح الموعود عليه السلام المسائل التالية:
1: ورورد كلمة اجمعين حالا، فهناك من أجازها فقط على التأويل .
2: دخول أن على خبر كان الوارد في القرآن الكريم، وكون مفعول الفعل القلبي مصدرا مؤولا من ” أَنّ ومعموليها” ؛بما يفضي إلى الإخبار بالمعنى عن جثة / ذات في كلا الأمرين. فالنحويون لا يجيزون الإخبار عن الذات بالمعنى إلا مجازا . كل هذا رغم شيوع هذا الإخبار في العديد من الأبواب النحوية؛ كباب أفعال المقاربة والرجاء، في مثل دخول انْ الناصبة على خبر “عسى” وتقارض هذا الحكم مع “لعل ” ودخولها على خبر “كاد ” .
فنقول هل هذه السليقة العربية التي جاءت بكل هذه التراكيب كانت تؤول على المجاز!؟ بالطبع ، لا! فلا بدّ من قبول كل هذا على ما وجدناه في لغات العرب دون اللجوء للتأويل، وباعتبارها كلاما عربيا أصيلا وفصيحا لشيوعه أو شيوع نظائره في فصيح الكلام.
3: توسط خبر كاد المقترن بـ (أنْ) بينها وخبرها ، فهو شائع في النصوص الحديثية ورغم شيوعه يمنعه النحاة . فهذا حاله حال منعهم وقوع المصدر حالا أو نعتا رغم شيوعه في فصيح الكلام. فكيف يتفق قرارهم بالمنع وعدم الاطراد مع كثرة وشيوع هذا التركيب!؟ .
4: وما ينطبق على هذا التركيب ينطبق أيضا على لغة صرف الممنوع من الصرف لا سيما في صيغ منتهى الجموع، حيث ورد أن صرف صيغ منتهى الجموع فاش في اللغة، حيث قيل فبها:
والصرف في الجمع جاء كثيرا حتى ادعى قوم به التخييرا
وعلى فشوّها لم يقبلها النحاة ومنعوها!!! فكيف يستقيم المنع مع فشو هذه اللغة ، أوليس الفشوّ من أكبر دلائل الصحة والفصاحة عندهم!!؟؟
وفي هذا التعارض البيّن بين النحاة والبيانيين يقول عباس حسن:
“فلو كان الأمر كما يقول ما كان هناك داع لعلم البيان ولا لكتبه ورجاله؛ على كثرة تلك الكتب وهؤلاء العلماء كثرة لا نعرف نظائرها في فروع اللغة اللهم إلا النحو. فهل كان البيانيون على كثرتهم خاطئون، وإجماعهم على ضلالة وسيرهم على غير هدى، بل على غير أساس صحيح؟ بم نحكم على أصحاب هذا المذاهب؟ وبم نُسمي مذاهبهم؟ ندع الجواب لمن وهبه الله قليل علم، أو مسكة عقل.” [إ.هـ]
وهذا يذكررني بلغة اعتبار شبه الجملة “مبتدأ” أو “اسما للنواسخ”، والواردة في لغة المسيح الموعود عليه السلام ولغة الإمام الشافعي، وأثبتنا بالدلائل القطعية أن البيانيين يخالفون النحاة فيها ويقبلون هذه اللغة رغم رفض النحاة لها.
فهل لنا أن نحكم بجهل البيانيين للّغة، تعبّدا بأقوال النحاة !؟
كل هذا يقودنا إلى الإقرار بفصاحة هذه اللغة لورودها في القرآن الكريم كما أثبتناه في موضعه، رغم عدم شيوعها ورغم رفض النحاة القاطع لها. ولا يحق لابن امرأة أن يعدها لغة شاذة أو ضعيفة او متروكة.
وما دمنا في تناقض النحاة مع القرآن الكريم ، فلنا أن نذكر هنا تناقضهم مع القراءات القرآنية أيضا، وهي التي تعد من الوحي الإلهي، حيث يُخطّئ النحاة بعض اللغات التي وردت فيها أو يرمونها بالشذوذ، كمثل صيغة الماضي من الفعل “يدع” على صيغة ” ودع” ؛فيتسائل عباس حسن ويقول:
“وشيء آخر هو أن بعض القراء قرأ: ” ما ودَعَك ربك ” أفيكون هذا شذوذاً في الاستعمال مع قراءة القرآن به؟ وهل نقبل ما يقال إن القرآن قد يأتي بالشاذ استعمالا لكنه مطرد قياساً؟ إذ كيف يتفق القول ان يكون القرآن أسمى لغة عربية بيانية مع اشتماله على الشاذ استعمالا؟ فأين غير الشاذ في الاستعمال إذاً؟.”
وهذا بحد ذاته يؤكد ما أثبتناه من قبل صحة الاستشهاد بلغات القراءات القرآنية كلها حتى الشاذ منها ، واعتبارها من فصيح الكلام.
ومما أورده عباس حسن أيضا، قول النحاة بعدم صرف صيغة فعلان التي مؤنثها فعلى، ومنها سكران لأن مؤنثها سكرى، فاتضح فيما بعد أن قواميس اللغة وبعض قبائل العرب تؤنث سكران بسكرانة .. بما يفضي إلى قبول صرف هذه الكلمة. وهذا تعارض صارخ بين النحو وأصول اللغة ومتونها..
هذا يؤكد ما ذهبنا إليه في موضوع الممنوع من الصرف، بأن أقوال النحاة فيه ليست قطعية وليست بالضرورة صحيحة، فباستقراء أوفى اتضح أن صرف الممنوع من الصرف لغة عربية صحيحة وفصيحة.
من كل ما تقدم نخلص إلى أننا للحكم على فصاحة لغة أو تركيب معين، فنحن لسنا ملزمين بالتقيد بقرارات النحاة أنفسهم، وما صنفوه بأنه فصيح وشاذ وضعيف وما شابه، فقد فات هؤلاء الكثير من اللغة وصحتها وفصاحتها، وحكموا على الكثير من اللغات والتراكيب بالخطأ والشذوذ والضعف بشكل تعسفي خاطئ، كل هذا بسبب تزمتهم وتعصبهم للصناعة التي اصطنعوها، وكأنها إله مقدس لا بد من عبادته ، وإن عارضته السليقة العربية النقية من التأويلات والتعليلات.
ومن كل ما سقناه أعلاه يتضح تعارض النحاة وقراراتهم مع البلاغيين والبيانيين والذي هم من يعول عليهم في الفصاحة والبلاغة أكثر من النحويين أنفسهم ، وأن جزءا مما يعده النحويون ليس صحيحا أو ليس فصيحا هو عند البيانيين فصيح لا ريب في فصاحته . وكل هذا يقودنا للإقرار أن كل هذه اللغات والتراكيب التي ذهبنا إليها في توجيه لغات المسيح الموعود عليه السلام ما هي إلا لغات عربية صحيحة وفصيحة وبليغة رغم أنف من لا يقبلها من النحاة او غيرهم.