لقد سبق وذكرنا في المقال السابق أن مصطلح “الطاعون الذّري” بغض النظر عن كون الطاعون فيه بمعناه الحرفي ( أي كونه ناتجا عن جرثمة الطاعون) أو بمعناه المجازي ( بكونه ناتجا عن عوارض الإشعاع النووي) يحوي بين طياته ربطا بين الطاعون والحرب الذرية أو الحروب بشكل عام.
ومن هذا المنطلق فإن مصطلح “الطاعون الذري” يرد على اعتراضات المعترضين بشأن نبوءة سيدنا أحمد عليه السلام التي تقول “عفت الديار محلها ومقامها” وإليكم تفصيل الأمر:
لقد كانت من بين نبوءات سيدنا احمد النبوءات التالية:
- رأيت في الرؤيا في 19/12/1903 أن أحدا يقول: “زلزلہ کا ایک دھکّہ۔” أي: هزّة واحدة من الزلزال. لكنني لم أشعر بأي زلزال ولم أرَ الجدار والبيت يهتزان. وبعده تلقيت إلهاما: “إن الله لا يضُرُّ.(3) إن الله مع الذين اتّقَوا والذين هم محسنون. (4) ترى نصرًا من عند الله وهُمْ يعمَهون.“(جريدة “بدر” الأسبوعية عدد 1، يوم 1/1/1904، مجلد 3، ص 6 عمود 3 تحت عنوان “كلام الله المقدس”)
- “عفَت الديارُ محلُّها ومُقامُها. إني أحافظ كلَّ مَن في الدار. أعطيتُك كلَّ النعيم.” (“الحكم”، مجلد 8، عدد 19-20، يوم 10-17/6/1904، ص 10 عمود 3 تحت عنوان “الإلهامات”)
وقد تحققت النبوءتان المذكورتان بوقوع زلزال 4-4-1905 في الهند.
وقد تنبا حضرته عليه السلام بعدها عن “زلزلة الساعة” وعن زلازل عديدة ستقع في حياته وبعد حياته حيث قال في كتاب (الوصية) :
- يخبرني كلام الله أن الحوادث واقعة والآفات نازلة على الأرض، فمنها ما يقع أثناء حياتي ومنها ما يقع من بعدي.
وقد أكد حضرته ان مفهوم الزلزال لا يقتصر على الزلازل الارضية بل قد يكون المراد منه آفة أو مصيبة شديدة :
فمثلا قال حضرته في إعلان 8-4-1905: “لم أُخبَر هل المراد من الزلزلة هو الزلزال أو مصيبة شديدة أخرى تحل بالعالم يمكن اعتبارها قيامة. ولم أُخبَر أيضا متى سيحدث حادث مثله، ولا أعلم أن هل سيقع إلى بضعة أيام أو بضعة أسابيع أو سيُظهر الله تعالى بعد بضعة أشهر أو أعوام. على أية حال سواء أكان ذلك الحادث زلزالا أو غيره، وسواء أكان قريبا أم بعيدًا إنما هو أخطر بكثير مما سبقه”
فتحققت زلزلة الساعة بوقوع الحرب العالمية الأولى، وأما الزلازل الأخرى التي تحدث عنها بأنها ستحدث بعد حياته، فمنها ما حدث وتحقق في الحرب العالمية الثانية.
أما بالنسبة للنبوءة الثانية “عفت الديار ..” فقد أوّلها حضرته عليه السلام في بادئ الأمر بأنها تدل على انتشار الطاعون حيث قال: أيها الأصدقاء، رحمكم الله، لعلكم تعلمون أنني نشرتُ في جريدتَي الحكم والبدر اللتين تصدران في قاديان بإخبار من الله قبل تسعة أشهر تقريبا من الآن نبوءة: “عفت الديار محلها ومقامها“. أي أن هذا البلد على وشك الانقراض بسبب الطاعون ولن تسلم أماكن الإقامة الدائمة ولا أماكن الإقامة المؤقتة، أي أنه سيتفشى فيها وباء الطاعون بوجه عام ويكون شديدا. انظروا جريدة الحكم عدد30/ 5/1904م، رقم18، مجلد8، عمود3، وجريدة البدر رقم20 و21، عدد24/ 5/1904م ص15، عمود2.
إلا أنه بعد وقوع زلزال 4-4-1905 صرح حضرته ان هذه النبوءة الثانية متعلقة بهذا الزلزال أيضا، حيث قال حضرته عليه السلام:
“أما أنا فقط أنبأتُ قبل أحد عشر شهرا أن آفة موشكة الحلول وستنهدم بها البيوت وتندرس، وستكون هزة الزلزال. كانت في النبوءة كلمة توحي أن الهزة الأولى ستكون شديدة الوطأة. فقد انهدمت البنايات كلها دفعة واحدة حتى لم يستطع الخروج من كانوا في الأروقة، ولم يستطع النهوض من كانوا مستلقين، والذين كانوا جالسين لم يجدوا فرصة للوقوف. (2) ملفوظات بدر، مجلد1، رقم4، صفحة8، عدد: 27/ 4/1905م”
إن تأويل حضرته عليه السلام لنبوءة “عفت الديار …” بأنها تنطبق على زلزال 4-4-1905 ، أثار عليه المعترضون كمعارضينا اليوم حيث قالوا أن تاويله الأول كان عن الطاعون فكيف يصح أن يؤول هذا الإلهام بالزلزال وان يطبق على زلزال 4-4-1905 ؟
وقد أبدى المعارضون اليوم الكثير من الاعتراضات حول هذه النبوءة بقولهم أنها لا تتعلق البتة بزلزال 1905 وان حضرته عليه السلام لم يتنبأ قط عن زلزال 4-4- 1905 وإنما بدأ يتحدث عنه فقط بعد وقوعه فقط.
فمن بين ما رد به سيدنا أحمد عليه السلام على هذه الاعتراضات قوله:
مما لا شك فيه أن هذا الزلزال أيضا ضميمة للطاعون ومتعلق به لأن الله تعالى قد أخبرني مرارا أن الزلزال والطاعون كلَيهما مؤيِّدان لك. لذا فللزلزال علاقة مع الطاعون في الحقيقة لأن الطاعون أيضا آية لي من الله تعالى وكذلك الزلزال. لذا لكل واحد منهما علاقة مع الآخر، وكِلاهما يؤيد أمرا واحدا. وإذا انتابت أحدا شبهة أن المراد من هذه الفقرة هي الطاعون وحده فهي فاسدة، لأن ما يتعلق بشيء آخر لا يمكنه أن يكون عين ذلك الشيء. ويضاف إلى ذلك أن هناك قرينة قوية تدل على أن المراد من هذه الفقرة ليس الطاعون في الحقيقة. بمعنى أنه لمّا كان الإلهام: “هَزَّةُ الزِّلْزَال” موجودا مسبقا فيجب التفكر بشيء من الإنصاف والعقل، هل انهدام البنايات وانعدام العمران من نتائج الطاعون؟ بل هي نتيجة الزلزال. لا يمكن لتقيٍّ أن يجمح لدرجة أن يصر على إنكار المعنى الذي يُستنبَط من ظاهر ألفاظ العبارة ويتبين من سياق الكلام، والذي تبيَّن بعد ظهور الحادث للعيان وقبِله ضمير الإنسان أيضا أن ما ظهر على صعيد الواقع هو المعنى المقصود من الإلهام: “عَفَتِ الدِّيَارُ”. ولو فرضنا جدلا أن الملهَم أخطأ في اجتهاده وحسِب الحادث الذي يتبين من إلهام: “عَفَتِ الدِّيَارُ” طاعونا، فإن خطأه هذا قبل وقوع الحادث ليس حجة للمعارض. ما خلا في العالم نبي ولا رسول لم يصدر منه خطأ في الاجتهاد في فهم نبوءته.
نرى أن في رد حضرته عليه السلام هذا ربط وثيق الصلة بين الزلزال والطاعون، ولا شك أن النبوءات المتعلقة بهما مرتبطة ببعضها البعض، فجاءت هذه النبوءة “عفت الديار محلها ومقامها” لتنذر عن الأمرين: الزلزال والطاعون، رغم أنها متعلقة أكثر بالزلازل.
وبنظرة إجمالية ومجازية، وبأخذ النبوءات بأبعادها الزمنية المختلفة وتداخلها ببعضها البعض، يكون مصطلح “الطاعون الذري” وما يحويه من ربط بين الحروب ( الزلازل الواردة في نبوءات سيدنا أحمد عليه السلام مجازا) والطاعون ؛يكون هذا المصطلح قد أكد ربط سيدنا أحمد عليه السلام بين الزلازل والطاعون وأكد تحقق نبوءة “عفت الديار..” بكونها تتحدث عن الزلزال وعما هو مرتبط به من طاعون وفق قول سيدنا أحمد عليه السلام. إذ ليس من العجيب أن يرتبط الطاعون بالزلازل الأرضية أيضا ارتباطا وثيقا، لما قد ينتج عن الزلزال من انتشار للموت والأوبئة الناتجة عنه، والتي قد يكون الطاعون أحدها.
فيكون حضرته عليه السلام قد صدق في تأويله النبوءة أنها متعلقة بالطاعون من ناحية، وصدق في تأويله النبوءة على أنها متعلقة بالزلزال من ناحية أخرى، وذلك للترابط الوثيق بين الزلازل والطاعون، الذي يبينه مصطلح “الطاعون الذري” بمجازيته.
لقد أثبتنا في هذا المقال تحقق نبوءة “عفت الديار..” بربط الطاعون بالزلازل، رغم انه بغض النظر عن هذا الربط ودون ربطها بالطاعون نرى بأن هذه النبوءة قد تحققت بحذافيرها في زلزال 4-4-1905 على النقيض مما يدعيه المعارضون، وسوف نبين ونثبت ذلك في المستقبل القريب بحلقات مسجلة ومقالات مكتوبة، فإن إثبات تحقق هذه النبوءة يتأتى بطرق وتخاريج مختلفة.