الجماعات أو الجماعة
المعترض:
الجماعات الإسلامية هل نهضت بالأمة أم أضرّت بها
لنتناقش مقارنين بين ما هي عليه الأمة الآن، وبين ما كان يمكن أن تكون عليه لو لم تتأسس أي جماعة إسلامية منذ مطلع القرن العشرين.
أَساهمت الجماعاتُ الإسلامية في النهضة بالأمة وتعريفها بدينها الحقّ وقِيَمه العظيمة، أم ساهمت في تمزّق الأمة وتفتيتها وتمزّقها وتفرّقها في ولاءات جديدة قدَّمت الحزبَ على الأمة والوطن؟
أكان للحشمة أن تسود لولا هذه الجماعات، أم أنّها ساهمت في ضعف التديّن من باب ردّة الفعل السلبية على أفعالها؟
أساهمت في انتشار العلم والثقافة والمدارس والجامعات، أم كان يمكن أن تؤثر أكثر لو كان أتباعها يعملون فرادى؟
أكان يمكن أن تكون دولنا ديمقراطيةً لحقت رَكْبَ العالم وسدَّت حاجات المواطنين جميعا لو لم تقم هذه الجماعات، أم لولاها لصارت دولنا لقمة سائغة للمستعمر وزادت فقرا على فقر؟
أكان للثورات أن تنكسر لولا تدخّل الجماعات الإسلامية، أم لولاها لما قامت لِثورةٍ قائمة؟
أتسبَّبت في ضياع ثروات الأمة في صراعها مع الحاكم، أم تسبّبت في اهتمام الحاكم بقضايا الأمة واضطراره للعمل الجادّ ليغطي على سوءاته حتى لا تزداد هذه الجماعاتُ شعبيةً فيفقد عرشه؟
الرد:
سنقبل مناقشة موضوع نشوء الفرق والجماعات في الإسلام بعد القرن العشرين ولن نناقش الموضوع بداية من الأصل وذلك تنزلاً لمنطق المعترض ولأن الحقيقة تبقى كما هي مهما تعددت الأبواب والتَوَت الطرق نحوها، ونقول بأن رأس القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين كان قد شهد تأسيس المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للجماعة الإسلامية الأحمدية وهو ما أنبأ عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في حديث أبي دَاوُدَ “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.” (سنن أبي داود، رقم ٤٢٩١)
لقد شهد القرن العشرين نشوء العديد من الفرق والجماعات والحركات الدينية في الإسلام وهذا النسيج من الجماعات المختلفة في سماء القرن العشرين يتطلب نظرة فاحصة لما أنتجته هذه الجماعات وما الفائدة التي ترتبت على نشوئها منذ تأسيسها حتى هذا اليوم. إن نظرة سريعة فقط من حولنا تبيّن بلا شك أن أغلب أو جميع هذه الفرق والجماعات بغضّ النظر عن حُسن إدارتها أو سلمية شعاراتها وخطاباتها في المحافل الدولية ألا إنها لم تضع على الأرض شيئاً ملموساً مفيداً للإنسانية كما قال المعترض مثل الجامعات والمدارس ووسائل انتشار العلم والثقافة إلا جماعة واحدة هي الجماعة الإسلامية الأحمدية التي هي أيضاً ضمن هذا النسيج من الجماعات البارزة في القرن العشرين مما يُذكّرنا بقول الشاعر: [ وفي الليلةِ الظَلماءِ يُفتَقَد البَدرُ ]، وهذا لأن الجماعة الإسلامية الأحمدية بالفعل ومنذ أول أيام تأسيسها شيّدت الجامعات والمدارس والمستشفيات والمشاريع الإنسانية حول العالم الأمر الذي يستفيد منه الناس كافة بغضّ النظر عن اللون والعرق والدين والفكر. (انظر نبذة حول إنجازات الجماعة الإسلامية الأحمدية)
ويطرح سؤال المعترض نفسه بقوة هذه المرة حول الإنجازات والجهود الحاصلة:
ترى كيف … يمكن أن تؤثر أكثر لو كان أتباعها (أي الجماعات) يعملون فرادى؟
والجواب هو أن العمل الجماعي أو العمل ضمن جماعة أو مؤسسة هو الأفضل والأنجح بكل المقاييس، ولهذا أمرنا الله تعالى بأن نجتمع في جماعة ولا نتفرق وجعل من الصَلاة جامعة للمؤمنين كي يعتادوا العمل في فريق واحد تحت قيادة موحّدة وليس فرادى متفرقين كالغنم القاصية، وفي هذا آيات وأحاديث كثيرة لا مجال لذكرها هنا ويمكن لمن شاء الرجوع إليها وأخذ العِبَر المفيدة. إن أهم ما يميز العمل في الجماعة هو سرعة الإنجاز وجودته ونقل الخبرة بشكل أسرع وأفضل والتنسيق والمكسب وتحمّل النتيجة وغيرها من مميزات لا يختلف عليها أحد، وفي ذلك اخترتُ للقراء الأعزاء هذه الدراسة الأكاديمية الموجزة حول جدلية العمل الجماعي والفردي والتي تثبت بأن الجماعة والعمل الجماعي خيرٌ وأجدى من العمل الفردي (انظر: Teamwork versus individual work Essay)
إن محك ومعيار نجاح الجماعة أو الفرقة هو مقدار ما تقدّمه لفائدة الإنسان مادياً أو معنوياً كمّاً ونوعا. ولهذا تبرز الجماعة الإسلامية الأحمدية فقط على إنها هي الجماعة الدينية الوحيدة التي قدَّمت -وفي فترة جد قياسية- للإنسانية الكثير من الخدمات والمشاريع المفيدة، وهذا هو المعيار الذي يشهد على نجاح كل جماعة.
أما تفرقة الأمة وضعف الحشمة وازدياد الفقر كردة فعل فالعبرة هي في الفعل ومشروعيته وليس في ردة الفعل إذ لا بد أن نفهم ما هو هدف ومشروعية هذه الجماعة وما الذي قدّمته وتطمح إليه وليس ما قد يسيء الآخرون فهمه وفعله، وإلا كان كل مؤسسة أن يُحكَم عليها بالفشل نظراً لردات فعل الشركات الأخرى.
أما الثورات التي ينادي بها المعترض فليأت بواحدة منها قامت ولم تنقطع الطرق وتغلق المحلات التجارية وتعقبها الفوضى العارمة وخراب البلاد والانفلات الأمني ودمار البنى التحتية ؟ وليأت لنا بمثال فقط عن أي ثورة لم تنجح بسبب استغلال الجماعة الإسلامية الأحمدية لها أو محاولة تبنّيها كما تفعل الجماعات والتيارات الدينية الأخرى، وسنكون من الشاكرين.
إذاً، فتعميم المعترض على الجماعات كلها خاطئ وذلك لأن الجماعة الإسلامية الأحمدية ضربت المثال المعاكس للمعترض وهو جمع الناس في عمل مؤسسي منتظم للارتقاء الروحي والمادي والأخلاقي لها وللمجتمع الذي تتواجد فيه. ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن الحل المثالي للمسلمين في زمن الفتن هو في (( الجماعة )) فقط ! (انظر الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن سيدنا حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: “كان الناسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الخيرِ ، وكنتُ أسأَلُه عنِ الشرِّ ، مَخافَةَ أن يُدرِكَني ، فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، إنا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ ، فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرٍّ ؟ قال : نعمْ . قلتُ : وهل بعدَ ذلك الشرِّ من خيرٍ ؟ قال : نعمْ ، وفيه دَخَنٌ . قلتُ : وما دَخَنُه ؟ قال : قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَديِي ، تَعرِفُ منهم وتُنكِرُ . قلتُ : فهل بعدَ ذلك الخيرِ من شرٍّ ؟ قال : نعمْ ، دُعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ ، مَن أجابهم إليها قَذَفوه فيها . قلتُ : يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا ، قال : هم من جِلدَتِنا ، ويتكَلَّمونَ بألسِنَتِنا . قلتُ : فما تأمُرُني إن أدرَكني ذلك ؟ قال : تَلزَمُ [[جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم]] . قلتُ : فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ ؟ قال : فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها ، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرةٍ ، حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك.” – صحيح البخاري ٧٠٨٤)
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: “افترقتْ اليهودُ على إحدى وسبعينَ فرقةٍ كلُّها في النارِ إلا واحدةٌ ، وافترقتْ النصارى على اثنتين وسبعين فرقةٍ كلُّها في النارِ إلا واحدةٌ ، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةٍ كلُّها في النارِ إلا واحدةٌ . وفي لفظٍ : على ثلاثٍ وسبعينَ ملةٍ ، قالوا : يا رسولَ اللهِ مَن الفرقةُ الناجيةُ ؟ قال : هي الجماعةُ يدُ اللهِ على الجماعةِ “. (رووه بالفاظ مختلفة كل من أبي داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم)
فهذه الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة في الإسلام هي أحاديث صحيحة مشهورة في السنن والمسانيد لا مجال لإنكارها البتة. ومن ذلك ندرك أن الجماعة التي تدعو إلى السَلام ونبذ الفرقة وإكراه الناس على الدين وعدم التقوقع خارج المجتمع والقانون والعلم ليست إلا الجماعة الإسلامية الأحمدية ولله الحمد والمنَّة. ولا غرابة في أن يدعو المعترض المسلمين إلى التفرق والانفرادية وعدم الاجتماع في جماعة على قلب رجل واحد كما كان في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وخلفائه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، والسبب في عدم الغرابة هو أن المعترض من خلال دعوته الانفرادية هذه وضربه عرض الحائط لكل هذه الثوابت من الكتاب والسنة على ضرورة الجماعة في الإسلام وتعميمه فشل الجماعات والفرق الإسلامية وتسببها في خراب البلاد والعباد لدليل واضح على الشعور بالعزلة والانقطاع عن المحيط الطبيعي للبشر والانقطاع التام عن الدين والانغماس في الماديات بإلقاء اللوم والفشل الشخصي على الآخرين ولسان حاله يقول للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام: { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ}، وجواب حضرته عَلَيهِ السَلام هو قوله تعالى: { قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }. صَدَقَ الله العظيم
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ