نزولا عند رغبة بعض الإخوة الذين طلبوا مني الردّ على الاعتراض عن التغيير في القرآن الكريم، أورد هذا الرد رغم أنني أرى بأنه اعتراض لا قيمة له ولا يستحق الرد أصلا. ولكن ليعلم الإخوة حقيقة الأمر وما طلبوه مني.
الاعتراض:
هناك شهادات داخلية في القرآن تؤكد أنه أثناء جمعه قد تعرض لبعض التغيير بالزيادة أو بالنقصان عمدا أو سهوا، ومن ضمن ذلك بعض العبارات والآيات المبتورة حتما، كالمثال التالي، الذي نلاحظ فيه جملة خبرية ابتدأت بـ (إنَّ) الناسخة التوكيدية التي تبعها اسمها (المبتدأ) دون وجود أي خبرٍ لها بعد ذلك حتى نهاية الآية وما يليها من الآيات، حيث لا يمكن أن يقبل اللسان العربي مثل هذا الأمر أبدا بأي حال، ولا شك أن الخبر في هذه الآية قد سقط سهوا أو عمدا عند جمع القرآن وتدوينه في نسخه الأولى .. وإليكم الآيات:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)
[سورة فصلت 41 – 42].
فنلاحظ أن هنالك خبرا قد سقط من الجملة، حيث كان وجوده حتميا بعد قوله (لما جاءهم) ولا يجوز حذفه وتقديره بأي حال.
الردّ:
هذا الاعتراض ينقضه المنطق والعقل قبل قواعد اللغة والبلاغة. فالقرآن الكريم الذي حُفظ في صدور الصحابة وتم جمعه على يديهم بشهادة العديد من الحفاظ لا يمكن أن يعتريه نقص لا عمدا ولا سهوا. فإذا سها أحد أو سولت له نفسه أن يتعمد التغيير والحذف فلن يسكت بقية الصحابة والحفاظ وجامعي القرآن الكريم على ذلك.
ما ورد في الآية الكريمة أعلاه، لهو أسلوب معروف في البلاغة العربية وهو أسلوب الحذف الذي يُتبع عندما يكون المحذوف معروفا في الكلام وفق السياق والقرائن العقلية والنصية؛ فالمعروف بداهة وعقلا ومنطقا وضمنا وسياقا؛ لا حاجة لذكره، خاصة إذا أمن اللَّبس.
فالقارئ للقرآن الكريم المليئ بوعيده للكفار بسوء العاقبة، لا يمكنه أن يقدر المحذوف في الآية الآنفة الذكر إلا بما يدل على سوء العاقبة للكفار؛ إذ لا يمكن أن يكون التقدير كما يلي:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ .. أعتدنا لهم جنات النعيم” أو ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ لفي عليين وما أدراك ما عليون”
ولذا، فاللَّبس آمن؛ والجواب المكنون في خبر إن المحذوف، معروف بداهة ولا داع لذكره.
وأسلوب الحذف هذا وارد في العديد من الآيات القرآنية لا سيما الآية التي تلي الآية المذكورة حيث جاء: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آياته } (فصلت 45)
فقد حذف فيها جواب الشرط أيضا والتقدير: لولا فصلت آياته لآمنا.
ومثال هذا في آية أخرى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} (النور 10-11)
إذ لم يذكر جواب الشرط فيها. لأنه معروف بداهة بتقدير، سوء العاقبة لولا فضل الله ورحمته.
هذا ناهيك عن أن الشعر العربي مليء بأسلوب الحذف هذا.
أما من حيث قواعد اللغة وكلام العرب فيكفي أن نذكر ما قاله النحو الوافي في جواز حذف خبر إن وامثلته في كلام العرب، بما يلي:
“ قد يحذف الحرف الناسخ مع معموليه أوأحدهما، ويظل ملحوظاً تتجه إليه النية؛ كأنه موجود. وأكثر ما يكون الحذف فى إنّ “المكسورة الهمزة المشدّدة النون”، ومنه قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} بناء على أن التقدير: تزعمون أنهم شركائى. وقد تحذف مع الخبر ويبقى الاسم، وقد تحذف وحدها ويبقى اسمها وخبرها، وقد يحذف أحدهما فقط، وكل ذلك مع ملاحظة المحذوف ولا يصح شئ مما سبق إذا إذا قامت قرينة تدل على المحذوف مع عدم تأثر المعنى بالحذف، وهذه قاعدة لغوية عامة أشرنا إليها من قبل”؛ هى جواز حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه. بشرط أن تقوم قرينة تدل عليه“.
وقد يجب حذف خبر “إن” إذا سَدّ مسده واوالمعية، نحو: إنك وخيراً، أى: إنك مع خير، أوسد مسده الحال، نحو: قول الشاعر:
“إنَّ اختيارك ما تبغيه ذائقةٍ … بالله مستظهراً بالحزم والجدّ
أومصدراً مكرراً؛ نحو: إن الفائدة سيراً سيراً.
وتختص: “ليت” بالاستغناء عن معموليها، وبأحكام أخرى سبقت شروطها وتفصيلاتها فى رقم 1 من هامش ص 635.” {النحو الوافي (1/ 641)}
وجاء كذلك ما يلي:
“وتختص “ليت” بأسلوب يلتزم فيه العرب حذف خبرها، هو قولهم: “ليت شعري…..” ومع حذفهم الخبر فيه باطراد يلتزمون أن يذكروا اسمها، وأن يكون هذا الاسم كلمة: “شعر” مضافة إلى ياء المتكلم، وبعدها الخبر المحذوف وجوبا، ثم تذكر بعده جملة مصدرة باستفهام، نحو: ليت شعري…. أمقيم أخي أم ظاعن؟ ليت شعري … أراغب صديقي في الزيارة أم كاره؟…… يريدون، ليت شعري عالم بجواب هذا السؤال…. أو: مخبر بجوابه…. أما في غير تلك الحالة، وكذا في باقي الأخبار، فيجوز حذف الخبر وحده لدليل، عملا بالقاعدة اللغوية التي تبيح عند أمن اللبس حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه كما سيجيء في “أ” ص 641. {النحو الوافي (1/ 635)}
إذا فهو كتاب:
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } (فصلت 43)
{ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (22) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (23)} (البروج 22-23)
ارجوذكر القاعدة حتى نتمكن من مدها الى كل آيات القرآن.فقد سألنى أحد الصليبيين في قوله تعالى من سورة الزاريات”وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٧٤ وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ ٨٤ وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ٩٤ كيف ان الله هو المتكلم فى تلك الايات ثم تكون صياغة الاية التاليه وكأن الرسول الكريم محمد هو المتكلم.فى قوله
” فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ”
أرجو الشرح لهذه المسألة تحديداً ثم التطرق لشرح القاعده البلاغيه الحاكمه لأسلوب الحذف والتقدير فى القرآن حتى يمكن مدها لباق الآيات.
جزاكم الله خيرا