المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية.. 64
أهي فاء عابثة أم فاء هادفة..1
الاعتراض:
اعترض من يجهل العربية وأسرارها على لغة المسيح الموعود عليه السلام، لكون حضرته عليه السلام يربط جملتي فعل الشرط وجواب الشرط بـ (الفاء) في مواضع لم يرُج فيها هذا الربط بالفاء، وظنوا أنه من الخطأ ورود (الفاء) في مثل هذه المواضع، حيث قالوا ما معناه و ما يوحي إلى أن ورود (الفاء) في جواب الشرط مقتصَر على المواضع التالية:
إذا كان جواب الشرط جملة اسمية أو طلَبية أو كان فعلا جامدا أو كان مسبوقًا بما أو بقد أو بسوف أو السين أو ربما.
وفيما عدا هذه الأحوال:
- فإدخال الفاء هو خطأ وحشو لا فائدة منه.
- هذه الفاء عابثة وتُشعِر بالضيق، وقد ينتج عنها إساءة فهم، أو تلكّؤ في فهم النص.
- فالفاء لا تدخل على غير هذه المواضع والتراكيب إذ من الخطأ القول : إذا زرعتَ فحصدتَ
- السبب في وجوب عدم إدخال فاء الربط هذه في غير هذه المواضع، هو كي لا يختلط الأمر على القارئ، بينها وبين الفاء العاطفة، فيسيئ فهم النص.
- عدم إدخال هذه الفاء في غير المواضع المعروفة يعرفه الطفل العربي في الحضانة بالسليقة.
- أما سبب إدخال المسيح الموعود عليه السلام لهذه الفاء في غير المواضع الصحيحة وفق زعمهم، فمردّه إلى عجمة المسيح الموعود عليه السلام، وعدم مقدرته التحكم بالحروف العربية.
- أخطأ المسيح الموعود بهذه الفاء في العشرات من المرات، التي قد تصل إلى المئات. وقد عدّ المعارضون ستين موضعا من مواضع الخطأ هذه وفق زعمهم.
- تحدّانا المعارضون بناء على هذه المواضع الخاطئة – وفق زعمهم- أن نجد صفحة واحدة من كتابات المسيح الموعود تكون خالية من العجمة.
فملخص اعتراضهم هو الإيحاء بأن فاء الربط بين جملة فعل الشرط وجملة جواب الشرط، لا يمكن دخولها على غير المواضع التي عدّدوها لنا، فدخولها في غيرها لهو خطأ وعجمة وحشو وعبث ليس إلا!!
الرد:
لقد أثبت المعارضون مرة أخرى جهلهم في أمر أساسي لا بدّ أن يعرفه كل متعلم للغة العربية، وهو اتساع هذه اللغة وأن قواعد النحو والصرف فيها أوسع مما يُعلَّم في المناهج الدراسية.
فدعونا أولا نعلّم هؤلاء الذين يُثبتون جهلهم في كل كلمة يكتبونها، أن مواضع دخول الفاء وربطها بين جملتي فعل الشرط وجواب الشرط لا تقتصر على المواضع التي عددوها، بل إن هذه المواضع تتشعب إلى مواضع أخرى غيرها؛ ومن هذه المواضع ما جاء في القرآن الكريم كما سنبينه لاحقا.
عرض النحو الوافي الأحكام الخاصة بجملة الشرط، وجملة الجواب إذا كانت الأداة شرطية جازمة، أو: كانت الأداة الشرطية هي:”إذا، أو: كيف” ، مؤكدا انطباق هذه الأحكام على “إذا” و “كيف”، في حالتي اعتبارها جازمتين عند فريق، أو غير جازمتين عند آخر. فعلى كلا الاعتبارين لا بدّ من خضوع هاتين الأداتين للأحكام التي ذكرها. (أنظر هامش النحو الوافي صفحة 4/444)
وبالإضافة للمواضع التي عددها المعارضون، مما يصح بل ويجب فيه اقتران جواب الشرط بالفاء، ذكر النحو الوافي ما يلي:
“ثانيا: أحكام الجملة الجوابية للشرط الجازم؛ ومنها الحذف:…
8- وجوب اقتران الجواب -في غير الضرورة( يقصد الشعرية)- “بالفاء”، أو “إذا” الفجائية التي تخلفها في بعض المواضع الآيتة، إذا كان الجواب نوعا من الأنواع التي لا تصلح فعل شرط. …الخامس: الجملة المصدرة بأحد أحرف النفي الثلاثة، وهي:
“ما، لن، إن”؛ نحو: من يقصر فما ينتظر حسن الجزاء، ونحو قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} ، ونحو: من يستسلم للغضب فإنْ يلومن إلا نفسه على ما يصيبه. أي: فلا يلومن إلا نفسه …
فإن كانت أداة الشرط هي: “إذا” والنافي هو: “إن” جاز مجيء الفاء وعدم مجيئها. ومن الثاني قوله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} . أي: ما يتخذونك …
السادس: الجملة المبدوءة بكلمة لها الصدارة؛ “مثل: رب، كأن، أداوت الشرط، أداة القسم عند كثير من النحاة” … نحو:
إن كان عادكمو عيد فرب فتى … بالشوق قد عاده من ذكركم حزن
ونحو قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} ، وقولهم: من يأكل مال اليتيم فكأنه يأكل نارا. ومثل قوله تعالى يخاطب الرسول في أمر المعارضين: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} ، ومثل: متى تعتمد أمة على أسباب القوة فوالله يخافها أعداؤها. ” { النحو الوافي (4/ 449- 462) }
وفي الهامش أضاف ما يلي:
1″ فقد جعل بعض النحاة “لا” و”لم” النافيتين مثل “إن” النافية. ولكنه جعل اقتران الفاء بهما جائزا، لا واجبا. أما مع “إن” فواجب…{النحو الوافي (4/ 461)}
النتيجة:
ومن هنا نجد أن دخول الفاء على جواب الطلب ليس مقصورا على المواضع الرائجة التي عددها المعارضون ويقف علمهم عندها، بل من المواضع الأخرى مما عدّده النحو الوافي هي المواضع التالي:
- أن تكون جملة جواب الشرط فعلية مبدوءة بأحد أحرف النفي التالية: لا، لن، إنْ، ولم.
- أن تكون جملة جواب الشرط مبدوءة بأدوات لها الصدارة مثل: أدوات الشرط.
وقد مثّل النحو الوافي على كل هذا بأمثلة من القرآن الكريم بالآيات التالية:
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } (الأَنعام 36)، والتي صُدرت فيها جملة جواب الشرط الماضوية بأداة الشرط (إن) المقرونة بالفاء.
وكذلك الآية :{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } (آل عمران 116) والتي فيها جملة جواب الشرط جملة فعلية مضارعية صُدّرت بحرف النفي (لن) مقرونا بالفاء.
فهل كانت هذه الفاء الواردة في هذه الآيات عابثة أم هادفة!؟
وهل ياترى، كان القرآن بهذه الفاء عابثا أو أعجميا خارجا عن السليقة العربية التي يعرفها أطفال الروضة!؟
أم هل أخطأ الوحي القرآني خطأ نحويا فادحا كما يدعي معارضو الإسلام الذين تشابهت قلوبهم مع قلوب أعداء المسيح الموعود عليه السلام!؟؟؟
أم هل اختلط الأمر على معارضينا أيضا بهذه الفاء الواردة في هذه الآيات القرآنية وظنوها فاء العطف، فكانت لهم على الله حجة في عدم فهم هذه الآيات!؟؟
وهل لهم أن يعترضوا على الله تعالى بالقول أن هذه الفاء عابثة وتُشعِر بالضيق، وقد ينتج عنها إساءة فهم، أو تلكّؤ في فهم النص. !؟؟؟
كل هذا ولم نأت بعد بالأمثلة القرآنية الأخرى !!!
لذلك قلت وأقول: إن مَثَلَ الذي يقول: إن هذه الفاء الواردة في لغة المسيح الموعود عليه السلام عابثة أعجمية، -كمَثَل الذي يقول بأن القرآن أعجمي عابث، لأن هه الفاء واردة في القرآن الكريم كما بيّناه وسنبينه لاحقا.
ما شاء الله بارك الله فيكم وزادكم نورا وتقوى