المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..264

نكتة رفع المستثنى في الاستثناء المفرَّغ

استثناء الحال.. وتقديم الحال على صاحبها المجرور

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في الفقرة التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

_ فلما أنكحها فما مضى عليه إلا قريبًا من ستة أشهر (التبليغ)

وموضع الخطأ وفق زعمهم في نصب كلمة (قريبًا)، إذ حقها كما يدّعون أن تكون مرفوعة، نظرا لكون هذا الاستثناء استثناء مفرّغا، أي أنه لم يُذكر فيه المستثنى منه، وجاء الكلام أيضا منفيا؛ ففي هذه الحالة لا بدّ من إعراب المستثنى وفقا للعوامل الإعرابية التي تسبقه، وفي هذه الحالة وِفق ظنّ المعارضين وقعت كلمة (قريبا) فاعلا، ولذلك لا بدّ من رفعها.

الردّ:

هذه العبارة من عبارات المسيح الموعود عليه السلام شبيهة بالآية الكريمة :

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} (سبأ 29) . ولهذه الآية تأويلان:

الأول: وما أرسلناك إلا جامعا للناس. وهذا باعتبار كلمة (كافة) حالا من الكاف في أرسلناك.

والثاني: وما أرسلناك إلا للناس أجمع. وهذا باعتبار كلمة (كافة) حالا من (الناس).

وبناء على هذين التأولين،لنا أن نوجّه فقرة المسيح الموعود عليه السلام، بتوجيهات مشابهة، من الناحية المعنوية وكذا من الناحية النحوية. وذلك كما يلي:

 

التخريج الأول:  

 على التأويل الأول للآية الكريمة، وفيه (كافة) حال من الكاف في أرسلناك.

وفي الفقرة المذكورة على اعتبار كلمة (قريبا) حالا وهي المستثنى أيضا، أي على اعتبار  هذا الاستثناء استثناء مفرغا للعمل في الحال، حيث يجوز التفريغ للحال في الاستثناء المفرَّغ. وعلى اعتبار أن صاحب الحال قد حُذف في هذه الجملة، ليكون أصل الكلام:

_ فما مضى عليه وقتٌ إلا وقتٌ قريبٌ/ وقتًا قريبًا من ستة أشهر

وبالتفريغ للحال يصير الكلام إلى:

_ فما مضى عليه وقتٌ إلا قريبًا من ستة أشهر

كأنه قال: فما مضى عليه وقت بكيفية معينة إلا قريبا من ستة أشهر

أو كأنه أجاب على السؤال: كيف مضى عليه الوقت؟ فأجاب: ما مضى عليه إلا قريبا من ستة أشهر.

والتفريغ في هذا الاستثناء قد حدث بحذف الكيفية أو الحالية قبل أداة الاستثناء.

وبحذفِ صاحب الحال (وقت)، للعلم به بوجود القرائن الدالة عليه، يصير الكلام:

_ فما مضى عليه إلا قريبًا من ستة أشهر .

ويدعم كل هذا ما تنصّ عليه المصادر النحوية. ففي جواز التفريغ للعوامل المختلفة ومن ضمنها الحال في الاستثناء المفرغ، يقول النحو الوافي:

“يجوز التفريغ لجميع المعمولات، إلا المفعول معه، والمصدر المؤكِّد لعامله. وكذا الحال المؤكد لعامله؛ فلا يقال: ما سرت إلا والأشجار، ما زرعت إلا زرعًا، لا تعمل إلا عاملا.

وسبب المنع وقوع التناقض بذكر المعنى مثبتًا أو منفيًا قبل: “إلا” ثم مخالفته بعد: “إلا” وأما قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً} ، فالقرائن تدل على أن المراد: إن نظن إلا ظنًا عظيمًا، فهو بسبب القرينة مصدر مبيّن للنوع، وليس مؤكِّدا.

ويجوز أن يقع “التفريغ” في غير ما سبق منعه؛ فمن التفريغ للمبتدأ قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ}، ومن التفريغ للفاعل قول الشاعر:

ما المجد زخرف أقوال تطالعه … لا يدرك المجد إلا كل فعال

وللظرف قول الشاعر:

لم يضحك الورد إلا حين أعجبه … حسن الرياض، وصوت الطائر الغرد

وللجار مع مجروره قول الشاعر: يمدح الخليفة باحتمال التعب لراحة الرعية:

بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها … تنال إلا على جسر من التعب

وقول الآخر:

ما القرب إلا لمن صحت مودته … ولم يخنك، وليس القرب للنسب

وللنعت بالجملة قول الشاعر:

وافيت منزله: فلم أر صاحبًا … إلا تلقاني بوجه ضاحك

ثم انظر “أ” الآتية في “الزيادة والتفصيل” ص 326 حيث النوع من التفريغ المشتمل على جملة فعلية قسمية … ويشيع في الأساليب الأدبية المسموعة، وهو نوع يخالف ما سبق.” [النحو الوافي (2/ 323-324)]

 

وفي جواز حذف صاحب الحال يقول النحو الوافي:

“ـ والأصل في صاحب الحال أن يكون مذكورًا في الكلام: لتتحقق الفائدة من ذكره، وقد يحذف جوازًا في مثل قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} ، أي: بعثه الله.

ويجب حذفه في الصورة التي يحذف فيها عامله وجوبًا حين تؤكد الحال مضمون جملة قبلها، على الوجه الذي سبق شرحه، وكذلك يجب حذفه مع عامله حين تدل الحال على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي وهي الصورة الثالثة من الصور التي في الصفحة المتقدمة.  [النحو الوافي (2/ 411)]

 فنخلص من كل هذا إلى أن التفريغ للحال جائز، كما أن حذف صاحب الحال جائز أيضا؛ وقد اجتمع الأمران في فقرة المسيح الموعود عليه السلام، لتتوجه العبارة قيد البحث، على التفريغ للحال في الاستثناء المفرّغ مع حذف صاحب الحال  لوجود القرائن الدالة عليه ،كما بيّنا.

وقد يظن البعض أنه في مثل هذه الوضعية، لا بدّ من اعتبار كلمة (قريبا) نعت لكلمة (وقت)، ولذا فلا بد من رفعها على اعتبار التفريغ جاء للنعت والذي يجب أن يكون مرفوعا هنا، على النحو التالي:

_فما مضى عليه وقتٌ إلا وقتٌ قريبٌ من ستة أشهر .

وبحذف كلمة (وقت) للعلم بها من القرائن اللفظية -(ستة أشهر)- يصير الكلام إلى:

_فما مضى عليه إلا قريبٌ من ستة أشهر.  

وهذا جائز أيضا،- إلا أنه ليس حصريا بهذه الصورة-، فهنا لا بدّ من اعتبار (قريب) نعت من كلمة (وقت) المحذوفة. غير أن فريقا من النحاة لا يرى بإمكانية التفريغ للصفات، بل يرى أن هذه الصفات لا بدّ من اعتبارها أحوالا، أو صفة للبدل المحذوف بعد (إلا) . كما ينصّ على ذلك ابراهيم ابراهيم بركات في قوله التالي:

“الاستثناء المفرغ بحكم الصفاة:

الاستثناء المفرغ حكمه معنويا نقض الحكم عن كلّ ما عدا المستثنى ، ويصحّ أن يكون فى الصفات ، بأن يكون الغرض منه إظهار الصفة دون غيرها. فتقول : ما جاءنى أحد إلا قائم ، وما صادقت أحدا إلا أخلاقه حسنة ، وما مررت بأحد إلا زيد خير منه. فكلّ من : (قائم ، أخلاقه حسنة ، زيد خير منه) صفة لما قبل (إلا)، وجاز أن تستثنى بـ (إلا) لإظهارها صفة فيه دون الصفات الأخرى ، مع ملاحظة أن الاستثناء ناقص منفى فهو مفرغ ، فتعرب كل هذه الصفات تابعة لموصوفها ،

فـ (قائم) صفة لأحد مرفوعة ، و (أخلاقه حسنة) فى محلّ نصب صفة للمفعول به المنصوب (أحدا) ، والجملة الاسمية (زيد خير منه) فى محل جر نعت للمجرور بحرف الجر الباء (أحد).

ولكننا نجد من النحاة من يرى أنه لا يلى (إلا) نعت ما قبلها ، حيث لا يفصل بين الصفة والموصوف ، فإذا ذكر ما يوهم الصفة فإنها تكون حالا لما قبلها ، أو تعرب صفة على البدل من المذكور. كأن تقول : ما لقيت رجلا إلا راكبا ، فـ (راكبا) حال من رجل ، أو صفة لمحذوف بدل منه ، والتقدير : إلا رجلا راكبا.

ولكن من النحاة من يجيز الفصل بـ (إلا) بين الموصوف وصفته ، وعليه فإن ما بعدها فى المثال السابق يعرب صفة ، ويفصل بين النعت والمنعوت بفواصل خاصة ، قد نجعل منها (إلا) الاستثنائية ؛ لأنها ـ حينئذ ـ تكون غير مؤثرة إعرابيا.[ النحو العربي،ج3، ص245-246]

 

وعليه، فالأرجح نظرا لحذف كلمة (وقت) أن تُعتبر كلمة (قريب) حالا، وصاحبها محذوفا لجواز كل ذلك.

تنويه: (مِن) في هذا التوجيه تعتبر أصلية في القول (من ستة أشهر)، لعدم إمكانية حذفها في هذا التوجيه وهذا المعنى.

 

التوجيه الثاني:

على التأويل الثاني للآية الكريمة، وفيه (كافة) حال من (الناس).

وذلك باعتبار كلمة (قريبا) ليست هي المستثنى في هذه الجملة، بل المستثنى هو كلمة (ستة أشهر) المجرورة بحرف الجر (مِن)، وأما كلمة (قريبا) فهي في الحقيقة حال من (ستة أشهر) وهذه الحال مقدّمة على صاحبها (ستة أشهر). ولهذا كله نظيره من القرآن الكريم سيأتي ذكره.

فأول ما لا بدّ من ذكره أن الحال ليست بالضرورة أن يكون صاحبها فاعلا أو مفعولا به أو كليهما فقط، بل من الممكن أن يكون مبتدأ أو خبرا أو مضافا إليه أو مجرورا بحرف الجر وغير ذلك.

وفي تأكيده لكل هذا يقول النحو الوافي عن الحال:

” يبين هيئة صاحبه، كالفاعل، وكالمبتدأ، أو الخبر، أو اسم النواسخ، وسيجيء الكلام على صاحب الحال في ص 402 ولا قيمة للاعتراض على مجيء الحال من المبتدأ، أو من اسم الناسخ، أو مما ليس فاعلًا، أو مفعولًا به، أو نحوهما؛ ذلك؛ لأن من يرفضونه لا يرفضونه للسبب القويم الصحيح، وهو: عدم الاستعمال العربي الأصيل، وإنما يرفضونه؛ لأنه لا يتفق مع مظهر من مظاهر السلطان الذي وهبوه للعامل… والغريب أن المأثور الكثير من كلام العرب الخلص لا يوافقهم، ولا يؤيدهم، مع كثرته بدليل صحة قولهم: أعجبني عطاء المحسن مبتسمًا، وسرني صوت القارئ خاشعًا، ولهذا يخالفهم بحق “سيبويه” وفريق معه، للسبب المدون في رقم 3 ص 405.

وإن ما يرفضونه ظاهرًا صريحًا، يقبلونه على نية التأويل؛ فكأن مجرد النية يبيح الأمر المحظور المخالف لها، بالرغم من أن اللفظ الذي يؤولونه لن يتغير في ظاهره، وصريح الأسلوب لن يطرأ عليه تبديل، وهذا موضع من مواضع الشكوى، ولعله السبب الذي حمل بعض النحاة المحققين؛ كالرضي على رفض اعتراضهم، ونبذ رأيهم المخالف رأي سيبويه كما جاء في الخضري جـ 1 والصبان وغيرهما في باب الحال عند بيت ابن مالك: “وعامل ضمن معنى الفعل، لا … “، وعلى أن يقول: “إن رأي سيبويه هو الحق، ولا ضرورة تدعو للرأي المخالف”.

وإذا كان المحظور يباح بمثل هذه النية وجب ترك الناس أحرارًا في محاكاة الكثير المأثور من الكلام العربي الصحيح، وفي القياس عليه، ومن شاء بعد ذلك أن يتأول فليفعل، فالمهم هو ترك اللفظ على حاله الظاهر الموافق للوارد، ومن حمل نفسه بعد ذلك مشقة التأويل، فهو حر وإن كانت المشقة بغير فائدة.”  [النحو الوافي (2/ 364)]

وفي هذه الحال يقول النحو الوافي أنه يجوز تقديمها على صاحبها ، فيفصّل ويقول:

 

“أما إذا كان صاحبها مجرورًا بحرف جر أصلي؛ نحو: جلست في الحديقة، ناضرةً، فالأحسن الأخذ بالرأي القائل بجواز تقديمها؛ لورود أمثلة كثيرة منها – في القرآن وغيره- تؤيده ، ولا داعي لتكلف التأويل والتقدير والتقديم، فإن كانت مجرورة بحرف جر زائد جاز التقديم؛ نحو: ما جاء متأخرًا من أحد، وهذا بشرط أن يكون حرف الجر الزائد مما لا يمتنع حذفه، أو مما لا يقل حذفه؛ فالذي يمتنع كالباء الداخلة على صيغة: “أَفْعِل” الخاصة بأسلوب التعجب؛ نحو: أجمِل بالنجوم طالعةً، والذي يقل كالباء في فاعل: “كفى” بمعنى: “يكفي”، مثل: كفى بالزمان مرشدًا، فإن كان حرف الجر الزائد مما يمتنع حذفه، أو يقل لم يجز تقديم الحال عليه.” [النحو الوافي (2/379-380)]

وفي الهامش يذكر لهذه الحال أمثلة من القرآن الكريم، ويؤكد على قياسية تقديمها على صاحبها في هذا الوضع، ويذكر رأي ابن مالك في جواز تقديمها على صاحبها، ويقول:

” _ ومنها قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أي: ما أرسلناك إلا للناس كافة، وقول الشاعر:

تسليت – طرًّا عنكمو – بعد بينكم … بذِكراكُمو حتى كأنكُمو عِندي

البين: الفراق: طرًّا: جميعًا، أي: تسليت عنكم طرًّا.

_ ولا شك أن محاكاة القرآن في هذه الصيغة، وفي جميع الصيغ الواردة به جائزة بليغة، ما دامت المحاكاة تامة فليس لأحد أن يرفضها، ومن شاء تأويلها كما أول الآية فليفعل … وفي هذه الصورة يقول ابن مالك:

وسبق حال ما بحرف جر قد … أبوا، ولا أمنعه فقد ورد

أي: أن النحاة أبوا أن يوافقوا على تقديم حالٍ صاحبُها قد جُر بحرف جر “أي: أصلي”، ثم أوضح رأيه الخاص قائلًا: إنه لا يوافقهم، ولا يمنع تقديم الحال وسبقها على صاحبها المجرور بالحرف؛ الأصلي؛ لأن هذا ورد في الكلام الفصيح، وإذا كان واردًا فيه بقدر كاف فكيف يمنع؟ لكنه لا يذكر التفصيل.”  (النحو الوافي2/379)

وعليه فيكون كلام المسيح الموعود عليه السلام متخرجا على المعنى التالي:

_ فلما أنكحها فما مضى عليه إلا من ستة أشهر -قريبا-

وعلى الأرجح في هذا التوجيه، أن أصل الكلام باعتبار (مِن) زائدة جاءت لتفيد التوكيد فقط، وهي هنا مِن الزائدة التي يجوز حذفها ، فينطبق عليها جواز تقديم الحال في مثل هذا التركيب. فيكون أصل الكلام كما يلي:

_ فلما أنكحها فما مضى عليه إلا ستة أشهر -قريبا-؛ كأنه قال: فما مضى عليه ستةُ أشهرٍ– قريبا-.

فهو بكلمة (قريبا) يبين حال الستة أشهر، إذ كان بالإمكان أن يكون حالها: كاملا، تقريبا، تحديدا، تقديرا،.. ألخ.  

وكأنه يجيب على السؤال :كيف؟ بعد كلمة الستة أشهر . هكذا: فما مضى عليه إلا من ستة أشهر ، كيف؟ فأجاب: قريبا.

ومن الجدير ذكره أن (مِن) تزاد عند فريق من النحاة لهذا الغرض من التوكيد دون أي شرط، وهذا ما ورد فيها في الجنى الداني:

“وأما الزائدة فلها حالتان: الأولى: أن يكون دخولها في الكلام كخروجها. وتسمى الزائدة لتوكيد الاستغراق. وهي الداخلة على الأسماء، الموضوعة للعموم، وهي كل نكرة مختصة بالنفي، نحو: ما قام من أحد. فهي مزيدة هنا، لمجرد التوكيد، لأن ما قام من أحد وما قام أحد سيان في إفهام العموم، دون احتمال.

والثانية: أن تكون زائدة لتفيد التنصيص على العموم. وتسمى الزائدة، لاستغراق الجنس، وهي الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي، نحو: ما في الدار من رجل. فهذه تفيد التنصيص على العموم،…

واعلم أن من لا تزاد عند سيبويه، وجمهور البصريين، إلا بشرطين: الأول: أن يكون ما قبلها غير موجب…والثاني: أن يكون مجرورها نكرة، كما مثل.

وذهب الكوفيون إلى أنها تزاد، بشرط واحد، وهو تنكير مجرورها. قلت: نقل بعضهم هذا المذهب عن الكوفيين، وليس هو مذهب جميعهم، لأن الكسائي وهشاماً يريان زيادتها، بلا شرط. وهو مذهب أبي الحسن الأخفش. وإليه ذهب ابن مالك؛ قال لثبوت السماع بذلك، نظماً ونثراً. فمن النثر قوله تعالى ” ولقد جاءك من نبأ المرسلين “، وقوله ” يحلون فيها من أساور “، وقوله ” ويكفر عنكم من سيئاتكم، وقوله ” يغفر لكم من ذنوبكم “. ومن النظم قول عمر بن أبي ربيعة:

وينمي، لها، حبها عندنا … فما قال من كاشح لم يضر” [الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 316-318)]

وقد تعتبر هنا (مِن) أصلية أيضا بمفهوم أو آخر.

وقد يكون تقدير الكلام على النحو التالي:

_فما مضى عليه من وقت إلا من ستة أشهر -قريبا-

وبتقديم الحال على صاحبها:

فما مضى عليه من وقت إلا قريبا من ستة أشهر .

وهذا التقدير يوافقه ما جاء في أوضح المسالك من الشواهد على الاستثناء المفرغ:

“موطن الشاهد: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ لكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية. وما قبل “إلا” وهو “تجادلوا” يطلب مجرورا بالباء؛ فجر بها ما بعد إلا وهو “التي”؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تجادلوا أهل الكتاب بشيء إلا بالتي هي أحسن.” [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 222)]

وبناء على كل هذا نرى إمكانية أن تتوجه عبارات المسيح الموعود عليه السلام، على أنها حال من الكلمات (ستة أشهر) ومقدمة عليه.

وبذلك تثبت صحة عبارة المسيح الموعود عليه السلام من وجهين. وليثبت بذلك جهل المعترض في دقائق اللغة العربية.