المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..236

اشتقاق الفعل يُفاني بدلا من الفعل يُفني

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في قول المسيح الموعود التالي:

_ فكانوا يُفانُون الأيامَ فيما يزيد الآثام. (كرامات الصادقين، ص 67).

وموضع الخطأ وفق زعمهم يكمن في لفظ (يُفانون)، حيث الفعل الصحيح لا بدّ أن يكون (يُفنون).

الردّ:

لا خطأ في اشتقاق المسيح الموعود عليه السلام لصيغة الفعل (فانى/ يفاني/ يفانون) على وزن (فاعَل)، من أصل الفعل (فني)، وذلك على قياسية اشتقاق صيغة فاعل للدلالى على معنى التتابع والتوالي أو الموالاة في الإفناء وكذا المشاركة فيه، وقد أقرّ مجمع اللغة العربية قياسية اشتقاق صيغة (فاعَل) على هذه المعاني كلها، بما لم تحويه المعاجم اللغوية.  وجاء هذا  بعد بحث خاص قدمه الأستاذ الدكتور شوقي ضيف بعنوان ” قياسية فاعَل للدلالة على المشاركة والموالاة” جاء فيه:

” وردت كلمتا المعاوقة والمحاثّة في مصطلحات الفيزقا للدلالة على أصل الفعل وتواليه أو تتابعه؛ ولما كانت المعاجم لم تُثبت الفعلين:”عاوق- حاثّ” رأى مجلس المجمع إحالتهما إلى لجنة الألفاظ والأساليب لمحاولة تسويغهما إذا أمكن. وعُرضتا على لجنة الألفاظ والأساليب، ورأت أن ذلك يقتضي الأخذ بقياسية فاعَل في المواد التي لم ترد فيها، مع إضافة دلالاتها على الموالاة إلى دلالاتها على الاشتراك التي تُستخدم فيها بكثرة.

وبالرجوع إلى كتب الصرف وجدنا أن الصرفيين ينصّون على أن الاشتراك أظهر معاني فاعَل، وأن من معانيها أيضا المتابعة والموالاة، ( نصّ على ذلك شرح لامية الأفعال لابن مالك، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد في كتابه دروس التصريف، والشيخ عضيمة في كتابه المغني وغيرهم). وإذن فالمعنى الذي أرادته لجنة الفيزقا لفاعَل معنى صحيح من معانيها، وتزخر المعاجم بألفاظ لها نفس الدلالة مثل: تابع- والى- ثابر- حاصر- دافع -ذاكر- رابط- داوم – زاول- سامح- طاول- عامل- عالج- عاود- عاون- غامر- ناضل- مارس- ماطل- لاطف- لازم- حاضر- واصل- واظب”.

ولما كانت لجنة الفيزقا في حاجة إلى استخدام كلمتي:” المعاوقة- المحاثّة” بمعنى تتابُع الإعاقة والحثّ، وكان المجمع قد أجاز من قبل قياسية فعّل للدلالة على التكثير والمبالغة، وقياسية استفعل للدلالة على الطلب والصيرورة، وقياسية صيغة التفاعل للدلالة على المساواة والاشتراك والتماثل؛ فإني أقترح قياسية فاعَل للدلالة على المتابعة والموالاة، لشدة حاجة لجنة الفيزقا إليها في كلمات أخرى كثيرة تقترحها، مثل: مواسعة من واسَع ومقاصرة من قاصر وهلم جرا، وهي أفعال لم تُثبتها المعاجم. وأرى أن يُضاف إلى دلالة الموالاة في هذا القياس دلالة الاشتراك لأنها أظهر معاني فاعَل، وتحتاج اللجان العلمية إلى تسويغها بدورها، ولذلك أرى الاتساع في قياسية فاعَل التي لم تثبتها المعاجم للدلالة على الاشتراك وعلى الموالاة وأن الفعل يتلو بعضه بعضا، أخذا بتيسير اللغة العلمية وإمدادها بما يعوزها من المواد اللغوية. ” [في أصول اللغة الجزء الرابع ص 36-37]

وبناء على هذا البحث جاء قرار المجمع المصري كما يلي:

” يُستخلص مما أثبته علماء الصرف أن من أمهات معاني فاعَل الدلالة على الموالاة والمتابعة، وفي متن اللغة عشرات الأمثلة على ذلك، ومن ثم ترى اللجنة صوغ فاعَل للدلالة على الموالاة والمتابعة إذا أريد إبراز هذه الدلالة عند الحاجة، وعلى هذا يُجاز في المصطلح العلمي مثل المُعاوقة والمحاثّة بمعنى تابع التعويق والحثّ.” [ في أصول اللغة ، ج4، ص 28]

وما يستخلص من هذا البحث والقرار الذي يليه، ما يلي:

_ قياسية اشتقاق الأفعال على صيغة فاعَل للدلالة على معاني المشاركة والمتابعة والموالاة أي التتابع  .

وبناء على هذا يصح اشتقاق الفعل (فانى/ يفاني/ يفانون) للدلالة على المشاركة والتشارك في الإفناء، وكذلك للدلالة على تتابع الإفناء وتواليه.

فكما صحّ تجويز الفعل (عاوَق) للدلالة على تواصل الإعاقة من الفعل (أعاق)، صحّ قياسا اشتقاق الفعل (فانى) للدلالة على تواصل الإفناء من الفعل (أفنى)، وهما مثالات متشابهان ومنتطابقان في هذا الاشتقاق.

وعليه فرغم اعتبار المعترض- الذي يجهل كل هذه الأمور- اعتباره إياها عسلطة وكلاما غير منتظم ويفتقر للفصاحة والبلاغة، يثبت من كل ما سقناه صحة هذا الفعل وفصاحته وكذا البلاغة المقصودة منه، فبقول المسيح الموعود عليه السلام : فكانوا يُفانُون الأيامَ فيما يزيد الآثام.  ضمّن حضرته الفعل (يفانون) معان ونكاتا بلاغية غابت عن ذهن المعترض، وهي معنى المشاركة في إفناء الأيام والمتابعة في هذا الإفناء بما يزيد الآثام.

فهذه هي قمة البلاغة التي قصر عنها عقل المعارضين.