المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية …250

الألفاظ التي يستوي فيها التذكير والإفراد وفروعهما

الاعتراض:

ادّعى المعارضون وقوع الخطأ في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

1: وأَشهِدْ عليه عشرةَ عَدْلٍ من الرجال“. (حجة الله، باقة، ص 124).

2: فهناك تُجزَى النفس بالنفس والعِرض بالعرض، وتُشرِق الأرض بنور ربّها، وتهوي عدوُّ صفيِّ الله، وكذلك جزاء عداوة الأصفياء. (الخطبة الإلهامية)

3: يرتعد منه روح الكرام (حمامة البشرى، ص 77).

4: ونُفخ فيه روحُ الحياة في الجمعة بعد العصر. (كرامات الصادقين).

وموضع الخطأ وفق زعمهم كما هو مبين بالخط المشدد، واقع في الكلمات (عدل) حيث لا بد لتمييز العدد (عشرة) أن يكون بالجمع بينما وقع هنا مفردا. وكذلك موضع الخطأ الثاني هو في كلمة (عدوّ) حيث أنثها بتأنيث الفعل السابق لها (تهوي) رغم أنه لا بدّ أن يكون مذكرا.  وأما كلمة (روح) فقد ذكّرها  بتذكير الأفعال السابقة لها، والصحيح وفق زعمهم هو تأنيثها. كل هذا وفق زعم المعارضين.

الرد:

يكفي للرد على هذه الترّهات بأن هذه الألفاظ (عدل) و (عدو) هي من الألفاظ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد والجمع ، وتصلح للتعبير بها عن كل هذه بنفس اللفظ فنقول: هو عدوّ الله ، وهي عدوّ الله ، وهم عدوّ الله، وهنّ عدوّ الله. كما يمكن أن نقول: هو عدل، وهما عدل، وهم عدل، وهنّ عدل. وأما كلمة (نفس) فهي من الألفاظ التي يستوي فيها التذكير والتأنيث وتصلح لكليهما. كل هذا وفق ما تعرضه المصادر التالية.

فهذا ما يؤكده السيوطي في المزهر حيث يقول:

” ذكر ما يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث

وفي النوادر لأبي زيد يقال: هذا بَسْل عليك، أي حرام وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث كما يقال رجل عَدْل وقوم عدْل وامرأة عدْل.

وفي الجمهرة: باب ما يكون فيه الواحد والجماعة والمؤنث سواء في النعوت: رجل زَوْر وقوم زَوْر وكذلك سَفْر، ونَوْم، وصوم، …وقَمِن، وعَدْل، وخيار،

وزاد ابن الأعرابي في نوادره: رجل وقوم رضا، ونصر، ورسول، وعدو، وصديق، …” [المزهر في علوم اللغة وأنواعها  (2/193-195)]

وقد أكد ذلك النحو الوافي في سياق حديثه عن تطابق المبتدأ والخبر وعدم تطابقهما فقال:

” ومما يجوز فيه الأمران أيضاً: أن يكون الوصف أحد الألفاظ التى يصح استعمالها بصورة واحدة فى الإفراد والتأنيث وفروعهما من غير أن تتغير صيغتها؛ مثل كلمة: “عدو”، فيصح: اللص عدو- اللصان عدو- اللصوص عدو- اللصة عدو- اللصتان عدو- اللصات عدو … فمثل هذه الكلمة التى يصح فيها أن تلزم صورة واحدة فى جميع الأساليب يجوز فيها إذا وقعت مبتدأ وبعدها اسم مرفوع: “مثل: أعدوٌّ اللص – أعدوٌّ اللصان – أعدوٌّ اللصوص … ” أن يكون هذا الاسم المرفوع بها فاعلا لها أو نائب فاعل، على حسب نوع الوصف. كما يجوز أن يكون الوصف خبرًا مقدمًا والمرفوع بعده مبتدأ مؤخرًا. فهذه مسألة أخرى يجوز فيها الأمران. ومثلها المصدر الذى يصح أن يستعمل بلفظ واحد فى استعمالاته المختلفة؛ مثل: أحاضر عدْل – أحاضران عدل – أحاضرون عدْل … و …” [النحو الوافي (1/ 454)]

وأما كلمة نفس فهي من الألفاظ التي تصلح للمذكر والمؤنث، وعنها وعن مثيلها من الألفاظ يقول النحو الوافي:

إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: “الروح” جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم … أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته.”  [النحو الوافي (1/ 269)]

وبناء عليه فالألفاظ (عدل) و(عدو) يستوي فيها الإفراد والتذكير وفروعها، فتبقى على حالها في جميع هذه الحالات. ولفظ (نفس) يستوي فيه المذكر والمؤنث.

وبذلك يكون القصد من التأنيث في قوله عليه السلام:” تهوي عدو صفيّ الله”، بحمل (العدو) على (النفس) وليس الشخص، فالمعنى: تهوي كل نفس عدوّ لصفي الله .

وتكون كلمة (عدل) هي التمييز لـ”عشرة” على معنى الجمع، كما يمكن أن تكون من قبيل النعوت التي حلت محل موصوفها المحذوف على تقدير : عشرة شُهود عدلٍ من الرجال . كما حذف الموصوف وحل محله الوصف في قوله تعالى : {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } (سبأ 12) أي دروع سابغات.

أو كما في قوله تعالى : {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } (الأَعراف 161) حيث جاء:

“وقال الجرمي: يجوز أن تكون أسباطا نعتا لفرقة ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وأمما نعت الأسباط وأنث العدد وهو واقع على الأسباط وهو مذكر؛ لأنه بمعنى فرقة أو أمة كما قال ثلاثة أنفس يعني رجالا وعشر أبطن بالنظر إلى القبيلة. انتهى.” [توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (3/ 1328)].

 

وعليه فلا خطأ واقع قطّ في كلام المسيح الموعود عليه السلام.