المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..148
الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف في النحو ..5
العالم اليهوديّ “يسرائيل وولفنسون” يَعي قيمة الحديث النبويّ الشريف النحوية أكثر من العديد من النحاة العرب
كنا قد ذكرنا في مقالاتنا السابقة أن النحاة العرب قد انقسموا إلى ثلاث فرق في مسألة الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف في النحو، فمنهم من منعه قاطبة ، ومنهم من أجازه بشروط معينة، ومنهم من أجازه إطلاقا مثل ابن مالك وابن هشام.
وقد ذكرنا استناد المجوزين للاحتجاج بالحديث النبوي الشريف على رأي العالم اليهودي يسرائيل وولفنسون في هذا الصدد. وإنه في الحقيقة لمما بحزّ في النفس أن نرى هذا العالم -اليهودي غير المسلم – يعي أهمية الحديث الشريف والاحتجاج به في دراسة الظواهر اللغوية العربية بصورة كبيرة، في الوقت الذي غفل عن هذه الأهمية بل وحاربها كبار النحاة المسلمين. لذا فقد رأينا أن نخصّ يسرائيل ولفنسون بهذا المقال لنفصّل الحديث عنه، ونتعظ من رأيه.
من هو يسرائيل وولفنسون “أبو ذؤيب”؟
هو باحث وعالم ومستشرق يهودي من أصل روسي ولد في فلسطين سنة 1899 لأسرة يهودية من المهاجرين القدامى لأرض فلسطين، وقد درس في فلسطين اللغة العربية ، ثم التحق بالجامعة المصرية وحاز فيها على الدكتوراة تحت إشراف الدكتور طه حسين، وحصل على دكتوراة ثانية من جامعة فولفغان جوته الألمانية عام 1933 وكان عنوان أطروحته” كعب الأحبار وأثره في كتب الحديث والقصص الإسلامية”، كما عمل إلى جانب كبار المستشرقين. ثم عاد بعدها إلى مصر أستاذا للّغات السامية بكلية دار العلوم العليا، ثم عاد إلى فلسطين عام 1934 فعمل في الجامعة العبرية في القدس، ثم عُيّن عام 1941 موجّها عاما لتدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية. وقد لقب ولفنسون نفسه باللقب العربي “أبو ذؤيب” .
ومن أهم مؤلفاته : تاريخ اليهود في بلاد العرب، وتاريخ اللغات السامية، و”موسى بن ميمون”. ومن هنا فإن يسرائيل ولفنسون كان مستشرقا واسع الإطلاع على الأدرب العربي والإسلامي، وكانت له آراء مهمة جدا بفضل هذا الاطلاع .
رأيه في الحديث النبوي الشريف:
ومن أهم آرائه كان نظرته في كيفية دراسة تطور اللغة العربية، فهو يرى بأن دراسة تطور اللغة العربية لا بدّ أن تستند أولا وقبل كل شيء على القرآن الكريم وقارءاته المختلفة، باعتبار القرآن الكريم أقدم ما وصل إلينا من اللغة العربية المتداولة لدى الطبقات المفكرة في شمال الجزيرة العربية. وأما قراءات القرآن المختلفة فلِما تحتويه هذه القراءات على صيغ عربية كانت مألوفة عند العرب قبل تسرب النفوذ الأعجمي لها، وقبل أن يطرأ تغيير في اللغة العربية.
وأما المرتبة الثانية عنده بعد القرآن الكريم فيحتلها الحديث النبوي الشريف، من حيث أهميته في هذه الدراسة، لما سوف نوضحه أدناه. وفي المرتبة الثالثة تأتي الأمثال والحكم العربية، لأنها تحتفظ بصيغها الأصلية أكثر من الأساليب الأخرى؛ وأما الشعر الجاهلي فيأتي عنده في المرتبة الرابعة المتأخرة وبتحفّظ أيضا. [ يُنظر تاريخ اللغات السامية 206 – 212/ يسرائيل ولفنسون] [ويُنظر كتاب في أصول النحو ، ص 76/ لسعيد الأفغاني] .
ففي هذا الأمر يقول ولفنسون:
“إذا أنعمنا النظر في بعض الأحاديث النبوية التي لها علاقة ببعض اصطلاحات وألفاظ كانت شائعة في العصر الأول للهجرة، أمكننا أن نجد فيها مادة عربية قديمة ذات شأن… فالأحاديث الصحيحة أهم كثيرا في نظرنا أثناء البحث اللغوي من الشعر الجاهلي الصحيح؛ لأنها من النثر، وهو دائما يعطي الباحث اللغوي صورة صحيحة لروح عصره، بخلاف الشعر؛ لأنه يحتوي على كثير من الصيغ الفنية والعبارات المتكلفة التي تبعده عن تمثيل الحياة العادية وتثنيه عن الروح السائدة في عصره بغير تكلف”… وليس بضروري أن تكون كل هذه الأحاديث متواترة صحيحة يقينية …” [تاريخ اللغات السامية ، ص 212، إسرائيل ولفنسون]
ومن هنا نرى بأن ولفنسون ينحو منحى مخالفا لمنهج أوائل النحاة مثل سيبويه وغيره، ممن لم يعتمدوا على الحديث الشريف في تقعيد اللغة العربية ، فإن هؤلاء إلى جانب القرآن الكريم صبّوا اهتمامهم على الشعر الجاهلي أكثر من الحديث النبوي الشريف. وأما بعض المتأخرين من النحاة مثل أبي حيان فقد منعوا الاحتجاج بالحديث الشريف كلية، وهو ما يُؤسف له بالفعل، أن يكون علماء الإسلام على هذا المذهب من إهمال الحديث الشريف في الوقت الذي يتفطّن لأهمية الحديث النبوي الشريف عالم يهودي كيسرائيل ولفنسون.
وقد استشهد برأي ولفنسون هذا العديد من الباحثين العرب في مسألة حُجّية الحديث الشريف في النحو، فكان من بين هؤلاء الدكتورة خديجة الحديثي في كتابها ” موقف النحاة من الاستشهاد بالحديث الشريف” وكذلك الدكتور سعيد الأفغاني في كتابه “في أصول النحو” .
وقد سخّر هؤلاء رأي ولفنسون للتأكيد على أن النحاة العرب قد أهملوا -خطأ وبغير حق- الحديث النبوي الشريف في مسألة الاحتجاج به في النحو، وبذلك أهملوا جزءا كبيرا من أبلغ الكلام العربي، فكان استشهادهم هذا عاضدا لمذهب النحاة الذين أجازوا -خلافا لغيرهم – الاستشهاد بالحديث الشريف في النحو مطلقا أو بشروط ، كابن مالك وابن هشام ومجمع اللغة القاهري.
وكل هذا يؤكد من جديد صحة منهجنا في إثبات صحة وفصاحة لغات المسيح الموعود عليه السلام مستشهدين بلغات الحديث الشريف على اختلاف رواياتها.