المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..198
الافتنان بمعنى الفَتن والفُتون والافتتان
الاعتراض:
نعرض فيما يلي اعتراض المعترضين بحذافيره في هذا الصدد، فيقولون:
أخطاء الميرزا في اشتقاق المصدر .. افتعال
الميرزا يخلط بين الفنّ والفتنة حين يشتقّ المصدر على وزن افتعال، فيقول: افتنان، بدلا من افتتان.
الحقيقةُ أنّ افتعال هو مصدر: افتَعَل، فنقول: ابتسم ابتساما، واستمع استماعا، وافتتن افتتانا، وافتَنَّ/افتنَنَ افتنانا.
فالفعل: افتتن أصله: فَتَنَ. والمصدر: افتتان. ومنه الفتنة، وهي معروفة.
أما الفعل: افتنَّ، فأصله: افتنَنَ، والثلاثي من ذلك: فنَنَ، فالمصدر افتنان. ومنه الفنّ، وهو معروف.
وقد أخطأ فيها الميرزا 18 مرة في كتبه، وأصاب مرتين
وفيما يلي بعض أخطائه:
- الفرار مِن مواقع الافتنان. (دافع الوساوس)
- وقسيسين أصل الافتنانِ. (نور الحق)
- ولكن بعد ظلم وافتنانِ. (نور الحق)
- وظَنَّ أنه من المُفتَنين. فما كان سبب افتنانه إلا أنه استيقن أن العذاب قطعيٌّ لا يُرَدّ. (مكتوب أحمد)
- ويبذل جهده للإضلال والافتنان. (إعجاز المسيح)
- ونشر بمفترياته هباء الافتنان. (نجم الهدى)
- وديست خلافته تحت أنواع الفتن وأصناف الافتنان. (سر الخلافة)
- فنستكفي بالله الافتنانَ بمفترياته. (حجة الله)
- ونستكفي برب الناس الافتنانَ، بهذا الوسواس الخنّاس. (حجة الله)
- ولكن نستعينك ونستكفي بك الافتنانَ بالعُجب والرياء. (كرامات الصادقين)
وقد قصد فيها كلها: الافتتان. ولم يكن ذلك من باب الخطأ الإملائي، فالخطأ لا يتكرر 18 مرة.
الرد:
صحيح قول المعترض بأن (الافتنان) الوارد في هذه الفقرات الثمانية عشرة ليس هو من قبيل الخطأ الإملائي. ونزيد على قوله ونقول إنه أيضا ليس من قبيل السهو ولا الخطأ اللغوي ولا الصرفي كما ظن المعترض، لأن الخطأ اللغوي لن يتكرر في المعاجم العربية وكتب الكتّاب والمفسرين مئات وألاف المرات. فقد جاء اشتقاق المصدر (افتنان) بمعنى الفتنة والافتتان والفتون مئات المرات إن لم يكن ألاف المرات في كتب المفسرين واللغويين والأدباء، وتزخر به المراجع وأمهات المصادر الإسلامية، لا سيما كتب تفسير القرآن الكريم.
وأول ما يؤكد صحة اشتقاق (الافتنان) على معنى الفتنة والفتون هو ما جاء في كتاب منتخب من صحاح الجوهري، حيث جاء:
“[فتن] الفِتْنَةُ: الامتحان والاختبار…. وافْتَتَنَ الرجل وفُتِنَ، فهو مَفْتونٌ، إذا أصابته فِتْنَةٌ فذهب ماله أو عقله، وكذلك إذا اخْتُبِرَ. قال تعالى: وفَتَنَّاكَ فُتوناً. والفُتونُ أيضاً: الافْتِنانُ، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ومنه قولهم: قلبٌ فاتِنٌ، أي مُفْتِنٌ. قال الشاعر:
رخيمُ الكلام قطيعُ القيا … مِ أمسى فؤادي بها فاتِنا
وفَتَنَتْهُ المرأة، إذا دلَّته، وافْتَتَنَتْهُ أيضاً. وأنشد أبو عبيدة لأعشى همدان:
لئن فَتَنْتَني فهي بالأمس أفْتَنَتْ … سعيداً فأمسى قد قلا كلَّ مسلمِ
وأنكر الأصمعيّ: أفَتَنْتَ بالألف. والفاتِنُ: المُضِلُّ عن الحق. قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: ما أنتم عليه بفاتِنينَ، وأهل نجد يقولون: بمُفْتِنينَ من أفْتَنْتُ. وفَتَّنْتُهُ تَفْتيناً فهو مُفَتَّنٌ، أي مفتونٌ جدًّا. والفِتانُ: غشاءٌ للرحْلِ من أدَمٍ. “ [منتخب من صحاح الجوهري (ص: 3809، بترقيم الشاملة آليا)]
إذًا، يؤكد هذا المصدر بأن الافتنان يأتي أيضا على معنى الافتتان والفتنة، وليس فقط بمعنى التفنن والفنّ. ولذلك نرى أن كبار الكتاب واللغويين والمفسرين لم يتوانوا عن استعمال (الافتنان) بمعنى الفتنة والافتتان في كتاباتهم كما سنبينه من خلال الأمثلة.
كما أنه لا بدّ أن ننوه إلى أن الفقرة الرابعة لها توجيه وتخريج خاص، حيث جاء فيها اشتقاق المسيح الموعود عليه السلام لاسم المفعول (مُفتَنين) على لغة بني تميم في الفعل (فتن)، حيث اختلف الحجازيون مع التميميين في العديد من الأفعال من حيث كونها ثلاثية أو مزيدة، فبعض ما كان عند الحجازيين على وزن (فعََل ) كان عند التميميين على وزن (أفعل)، ومنه الفعل (فَتَن)، فعند الحجازيين كان على وزن (فَعَل) بينما عند التميميين على وزن (أفعل) (أفتن).
وعليه فإن اشتقاق اسم المفعول (مُفْتَنين) قد جاء من الوزن مزيد الثلاثي التميمي (أفتن) ولا خطأ فيه قطّ. وهذا ما نقلناه في المصدر أعلاه حيث ذكر اسم الفاعل الحجازي (فاتِن) وما يقابله عند التميميين (مُفتِن).
وقد جاء ما يؤكد ذلك في كتاب اللهجات العربية بما يلي:
” وعزا أبو حيان: فتَن- إلى الحجاز ، بينما لغة تميم: أفتن. كما قرأ عيسى بن عمر: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي } (التوبة 49) بضم التاء الأولى من أفتن، وعزاها أبو حاتم إلى تميم. وقد جاء في اللسان أن أعشى همدان جاء باللغتين في قوله:
لئن فتَنَتْني لَهْيَ بالأمس أفتَنَتْ سعيدا فأمسى قدْ قلا كل مسلم
وعلى الرغم من أن الأدلة شاهدة على صحة أفتن- المزيدة، والمعزوة إلى تميم بشهادة قول رؤبة: (يعرضن إعراضا لدين الـمُفتِن) ، وقوله: (وإني وبعض الـمُفْتِنين..) إلا أن الأصمعي قد أنكرها، وقال عن بيت الشاهد في شعر الأعشى “أنه مخنث” بينما أبو زيد قد أجازها..” [ اللهجات العربية في التراث،ص 616]
وتأكيدا على ورود الافتنان بمعنى الفَتن والفتون والافتتان نورد على ذلك الأمثلة التالية من أمهات المراجع الدينية واللغوية والأدبية، وهي غيض من فيض مما يمكننا نقله:
1: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (2/ 225)
” فبعث إمام المسلمين في ذلك الزمان … جماعة من المسلمين إلى ذي الخلصة، فخربوها، وهدموا بعض بنائها، وبقي بعضه قائمًا، وزال الافتنان بها في زمن ولاية النجديين على الحجاز..”
2: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (2/ 226)
“والله المسؤول أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وييسر محو ما سوى ذلك من المعابد الوثنية والمعتقدات الجاهلية التي قد عظم شرها والافتنان بها في أكثر الأقطار الإسلامية..”
3: العقائد الإسلامية (ص: 291)
“{كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى *نَزَّاعَةً لِلشَّوَى *تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى *وَجَمَعَ فَأَوْعَى} (3).
أى أنها شديدة نزع جلدة الرأس، وتجذب إليها من أعطى ظهره للحق، وتولى منصرفًا عن الطاعة، وجمع المال ووضعه فى وعاء، لشدة حرصه عليه وافتنانه بالدنيا.”
4: لطائف الإشارات = تفسير القشيري (1/ 572)
“أو ما شاهد من افتنان بنى إسرائيل، واستيلاء الشهوة على قلوبهم فى عبادة العجل؟ سبحان الله! ما أشدّ بلاءه على أوليائه!”
5: إيجاز البيان عن معاني القرآن (2/ 610)
“وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) …بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً: هو افتنان المقلّ بالمثري والضّويّ بالقويّ.”
6: تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (15/ 373)
“قُلْنَا: هَذَا الْكَلَامُ حِكَايَةٌ عَمَّا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أَخْبَرَهُ بافتنان قَوْمِهِ وَاتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ.”
7: تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3/ 162)
“قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره”
8: تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (2/ 108)
“ثم لمتنني فيه تعني إنكن لم تصوّرنه حق صورته والا لعذرتنى فى الافتنان به”
9: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (14/ 386)
“وختم برحمة ثم بضرب آخر من الابتلاء أعقب محنة وأورث شراً وسوء فتنة، وهو ابتلاء قارون بماله وافتنانه به”
10: الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية (1/ 373)
“قالَتْ فَذلِكُنَّ وهذا ذلك العبد الكنعانى الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وفي مراودته والافتنان به وبمحبته..”
11: الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية (2/ 91)
“ما ذلك إلا أن قد آتَيْناهُ وأعطينا له مكرا عليه وافتنانا له مِنَ الْكُنُوزِ اى الأموال والامتعة”
12: تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (9/ 59)
“{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا …} وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ أي ما جعلنا عددَهُم إلا العددَ الذي تسببَ لافتنانهم وهو التسعةَ عشرَ..”
13: حاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي (8/ 276)
“الأثر هنا عبارة عن الفتنة والمؤثر خصوص التسعة عشر لأنه سبب لافتنانهم بما ذكر”
14: روح البيان (8/ 67)
“وعن بعض الأشياخ أنه قال الشيطان أشد بكاء على المؤمن إذا مات لما فاته من افتنانه إياه فى الدنيا..”
15: روح البيان (8/ 308)
” لأنها سبب ضلالتهم وافتنانهم..”
16: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (4/ 171)
“كالزهد في الدنيا، والترهيب من الركون إليها، والزجر عن الاغترار بزخارفها الغرارة، والافتنان بملاذها الفانية،”
17: تفسير المراغي (24/ 15)
“وإذا ذكرت الآلهة التي يدعونها من دون الله فقيل: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى إن استبشروا وفرحوا لفرط افتنانهم بهم ونسيانهم حق الله تعالى.”
18: التحرير والتنوير (22/ 269)
“وَكَانَ أَعْظَمُ دَوَاعِي الْقَادَةِ إِلَى تَضْلِيلِ دَهْمَائِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ، هُوَ مَا يَجِدُونَهُ من الْعِزَّة والافتنان بِحُبِّ الرِّئَاسَةِ”
19: إعراب القرآن وبيانه (10/ 107)
“ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن منها فينبو عن الأولى طرفك وتستثقل النظر إليها بعد افتنانك بها وتهالكك عليها..”
20: التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون (6/ 667)
“وقوله: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. قال القرطبي: (أي يظهر في وجوههم البشر والسرور). وقال القاسمي: (أي يفرحون بذلك. لفرط افتنانهم بها، ونسيانهم حق اللَّه تعالى.”
21: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (16/ 134)
“فإن قلت: قد جعل افتنان الكافرين بعدة الزبانية..”
22: تفسير الألوسي = روح المعاني (9/ 102)
“وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ أي ما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتنانكم أو امتحان لكم لينظر كيف تعملون..”
23: القواعد الحسان لتفسير القرآن (ص: 95)
“{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب: 32] أي: مرض شهوة وإرادة للفجور، أقل شيء من أسباب الافتنان يوقعه في الفتنة طمعاً أو فعلاً.”
24: الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (20/ 128)
“قال النووي والحكمة في خفائها لئلا يحصل للناس افتنان بها لأنها لو بقيت ظاهرة معلومة لخيف أن يفتن بها الجهال من الناس..”
25: مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى (6/ 122)
“فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات”
26: قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث (ص: 177)
“وخوف افتنان العامة بما ليس لهم به علم، وبما لم يتفقهوا فيه من الحديث.”
27: مجمع بحار الأنوار (5/ 99)
“فاتقوا” الدنيا والنساء، أي اجتنبوا الافتنان بهما..”
28: مجلة البحوث الإسلامية (23/ 51)
” لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار في العقول والأديان والأبدان، ولما فيها من إضاعة المال وافتنان الناس بها..”
29: موطأ مالك ت الأعظمي (2/ 301)
“«فتنة المحيا والممات» أي: الافتنان بالدنيا والشهوات وفتنة الممات: فتنة القبر”
30: مسند الشافعي – ترتيب السندي (1/ 306)
“والذي يؤخذ من الحديث هو استحباب رفع الصوت بالتلبية بحيث لا يشق عليه وهذا خاص بالرجال أما النساء فلا يرفعن مخافة الإفتنان بأصواتهن”
وبعد كل هذا لا يمكن أن يخطّئ مثل هؤلاء الأدباء والمفسرين واللغويين في استعمال (الافتنان) بمعنى الافتتان إلا جاهل في اللغة العربية.
وكل ما سقناه يثبت صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام وأنه لا خطأ وارد فيه قطّ!