المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..68
أهي فاء عابثة أم هادفة..5
البلاغة في اقتران الفاء بالفعل الماضي في جواب الشرط
في سياق الرد على الاعتراض الذي أثاره المعارضون على لغة المسيح الموعود عليه السلام، والتي اقترن فيها الفعل الماضي بالفاء في جواب الشرط؛ أثبتنا جواز وصحة وفصاحة وبلاغة هذا الاقتران، بتقدير “قد” قبل الفعل؛ بناء على ما جاء في كتاب النحو الوافي وما أقرّ به ابن هشام في المغني؛ ويجوز ذلك في حالتين:
الأولى: أن يكون الفعل الماضي ماضيا لفظا وماضيا معنًى حقيقة، وهدف دخول الفاء عليه هو لتقريب زمنه إلى الحال القريب من الاستقبال.
الثانية: أن يكون الفعل الماضي ماضيا لفظا مستقبلا معنًى في الحقيقة، ولكن الكاتب ينزّله منزلة الفعل الماضي معنًى على سبيل المجاز، فيكون ماضيا معنًى مجازا لا حقيقة. والهدف من هذا هو التأكيد على حتمية وقوع الفعل في المستقبل.
وقد خصّ البعض هذه الحالة الثانية، بكون الفعل يحوي معنى الوعد والوعيد، وما يندرج تحتهما كالدعاء والتهديد والتخويف وبيان العاقبة، وغيره مما يلاحظ من الكلام. ويكون هدف الفاء الداخلة عليه هنا هو تنزيله منزلة الفعل الماضي معنًى، للتأكيد على تحققه مستقبلا وجعله في عداد ما وقع وتحقق.
وفي هذا المقال سنقوم بإثبات أن الفقرات المعترَض عليها في كتابات المسيح الموعود عليه السلام في هذا الصدد، تندرج تحت هاتين الحالتين.
فبالرجوع إلى كل هذه العبارات التي أوردها المعارضون والتي تقارب الخمسين فقرة، وجدنا أن معظمها الساحق يندرج حتما تحت الحالة الأولى، حيث الحديث فيها عن الماضي أو من الممكن أن يندرج تحت الحالة الأولى والثانية معا، حيث إن الحديث فيها من الممكن أن يراد به الماضي أو المستقبل.
وإليكم هذه الفقرات:
الفقرات التي يُقصد فيها الزمن الماضي بشكل حتمي:
ففي كل هذه الفقرات جاء الفعل الماضي في جواب الشرط ماضيا لفظا ومعنى حقيقة وفق الحالة الأولى، فجاز اقترانه بالفاء على تقدير قد قبله وذلك لهدف بلاغي أريد به تقريب زمن الفعل إلى الحال.
- ثم إذا تُوفي أبي فقام مقامه في هذه السِّيَر أخي الميرزا غلام قادر. (نور الحق)
- ثم إذا كان حمدُه بإيثارِ وجه الله … فرجّع اللهُ إليه صلةً منه ما أرسلَ إلى ربّه من تحميد. (نجم الهدى)
- ثم إذا مرِنوا عليها فنقلهم من التطهيرات الجسمانية إلى التحلّي بالأخلاق الفاضلة الروحانية. (نجم الهدى)
- ثم إذا رأى أنهم رسخوا في محاسن الخصال … فدعاهم إلى سرادق القرب والوصال. (نجم الهدى)
- ثم إذا جاء عهد الدولة البرطانية ومضى وقت الغارات الشيطانية، فأَمِنّا بها. (نجم الهدى)
- ثم إذا انقضت أشهر الميعاد، فقسّى قلبه. (حجة الله)
- ثم إذا أنكر بعد الأشهر المعيّنة، فأخذه صولُ المَرْضة. (حجة الله)
- ثم إذا أفضى الحقُّ إلى ديارهم … فحرِجتْ صدورهم. (لجة النور)
- ثم إذا جَلَّحْنا عليهم ففرّوا كفرار الحُمُر من الضِرغام. (لجة النور)
- وكان الميّت حيًّا ما دام عيسى قائم عليه أو قاعدا، فإذا ذهب فعاد الميّت إلى حاله الأول ومات. (حمامة البشرى، ص 188)
- وإذا نظرتُ فوجدتُ عنوانه: “بقيّة الطاعون”. (مواهب الرحمن)
- ثم إذا أنصفتَ فَوَجَبَ عليك أن تقول إن الناس لا يحتاجون إلى النجوم كلها ليتخذوها علامات عند أسفارهم. (حمامة البشرى)
- وإذا جئتُ علماء هذه الديار، فكفّروني وكذّبوني بالإصرار. (حقيقة المهدي)
- ثم إذا رأوا أن الحجة وردت … فركنوا إلى أنواع التحقيرات. (سر الخلافة)
- ثم إذا خرج الجنين من بطن الأُمّة، فسُمّي وليدًا. (منن الرحمن)
- ثم إذا دبّ ونما وأرى أكثرَ آثار الحيوان، فسُمّي دارجًا في ذلك الزمان. (منن الرحمن)
- حتى إذا جاء أمر الله فسوّد وجوه المكذّبين” (حجة الله، ص 110).
- حتى إذا بلغ شرّهم إلى الانتهاء، فعرفت أنهم المردودون” (حجة الله، ص 114).
- وإني إذا قرأتُ كتابه وتصفحت أبوابه ورفعت جلبابه، فاستملحتُ بيانه (نور الحق، ص 13).
- وتفصيل ذلك أن الله إذا أمرني وبشّرني بكوني مجدّدَ هذه المائة، وأخبرتُ المسلمين عن هذه الواقعة، فغضبوا غضبا شديدا كالجهَلة” (سر الخلافة، ص 2).
- وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه بالصدق والوفاء (سر الخلافة، ص 35).
- وكلما دعوتهم فرجعوا متدهدهين، وكلما قدتهم فقهقروا مقهقهين. (سر الخلافة)
الفقرات التي يقصد فيها الزمن الماضي ومن الممكن انطباق الكلام فيها على المستقبل أيضا:
فإن حُملت على معنى الماضي اندرجت تحت الحالة الأولى، فيكون فعل جواب الشرط ماضيا معنى بالحقيقة وجاز اقترانه بالفاء.
وإن حُمل الكلام على الاستقبال، اندرجت هذه التعابير تحت الحالة الثانية، من تنزيل الفعل في جواب الشرط منزلة ما تحقق ووقع؛ فيكون ماضيا معنى بالمجاز وجاز اقترانه بالفاء.
هذا ناهيك عن أنه بالنظر إلى هذه التعابير كثيرا ما يُفهم ويشتم ويُلاحظ من سياق الكلام فيها معنى الوعد أو الوعيد أو التنبيه والتخويف بسوء العاقبة، نظرا لأنها تتحدث عن أمور إيمانية وعقائدية؛ ولكننا لسنا بحاجة إلى كل هذا طالما اندرجت هذه التعابير تحت الحالة الأولى.
كما أنه من الممكن القول، إنه في حال كون السياق يتحدث عن الاستقبال، قد قرن المسيح الموعود عليه السلام، فعل جواب الشرط عمدا (بالفاء)، لكي يضفي على كلامه نوعا من الوعد والوعيد والتخويف والتنبيه من سوء العاقبة؛ وما هذا إلا البلاغة في أسمى صورها!
وإن كان سياق الكلام يقصد به الاستقبال، فليس من البعيد حمل جملة الشرط وجوابها معا على معنى الماضي حقيقة، للتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي؛ فيكون هذا انتقالا من المستقبل إلى الماضي لتنزيل المستقبل منزلة ما وقع وحدث، والذي هو أسلوب بليغ معروف في البلاغة العربية يندرج تحت ما يُعرف بأساليب الخروج عن مقتضى الظاهر.
ولكن أكثر ما يهمنا في هذه الفقرات، هو أنها كلها ممكن أن تُحمل على الماضي حقيقة وفق الحالة الأولى. وفي كلها من الممكن القول أن الفعل في جواب الشرط نُزّل منزلة ما وقع وحدث مجازا وفق الحالة الثانية. فيجوز وفق كل هذا اقترانه بالفاء. ولا يقف الحد عند الجواز، بل إنها لغة فصيحة بليغة لها مدلولاتها اللغوية والمعنوية والبلاغية.
وهذه التعابير هي:
- 22- لكننا إذا نظرنا في كتاب الله سبحانه فوجدنا هذا القول مخالفا لنصوصه البينة. (حمامة البشرى، ص 96)
- 23- ثم إذا تفحصنا عن ألفاظ التوفي في القرآن فوجدناها في خمسة وعشرين موضعا من مواضعه. (حمامة البشرى)
- 24- ثم بعد ذلك إذا نظرنا إلى كلام الله تعالى فوجدناه أيضا مخالفا لظواهرِ أحاديثِ خروج الدجّال. (حمامة البشرى)
- 25- وإذا رأينا نبأ الكسوف والخسوف برعاية هذا القانون، فوجدنا ذلك النبأ ثابتًا ولامعًا كالدرّ المكنون.
- 26- ثم إذا نظرنا في القرآن فوجدناه مؤيدًا لهذا البيان. (سر الخلافة)
- 27- إذا نظرنا في سُنن الله ذي الجلال والحكمة، فوجدنا نظامَ خَلْقِه على طريق الوحدة. (منن الرحمن)
- 28- وإذا ناضلوا ففرّوا، وإذا أخطأوا فأصرّوا وما أقرّوا. (سر الخلافة)
- 29- ثم إذا دعوناكم ففررتم جاحدين غير مبالين. (مكتوب أحمد)
- 30- وإذا اقتدر أحدٌ منهم فآذى الجارَ وجارَ. (لجة النور)
- 31- وإذا ناظرتم فناظرتم بآراء أنحَف من المغازل، وأضعف من الجوازل. (مكتوب أحمد)
- 32- وإذا صلَّوا فصلَّوا مُرائين. (مكتوب أحمد، ص 44)
- 33- فإذا ثبت معناه أنه فئة الكائدين فَوَجَبَ بضرورة التزام معنى اللفظ أن نقر بأنه فئة عظيمة. (حمامة البشرى)
- 34- وإذا ثبت أن كتاب الله منزّه عن الاختلافات فَوَجَبَ علينا ألا نختار في تفسيره طريقا يوَجَبَ التعارض والتناقض. (حمامة البشرى)
- 35- وإذا حصحص الحق في معنى التوفّي مِن لسان خاتم النبيين … فَوَجَبَ أن نأخذ الحق الثابت بأيادي الصدق والصفاء. (مكتوب أحمد)
- 36- ثم إذا ثبت موت المسيح بالنص الصريح، فأزال الله وَهْمَ نزولِه من السماء بالبيان الفصيح .. (إعجاز المسيح)
- 37- إذا أراد الله أن يُظهر صدق نبيه صلى الله عليه وسلم بين الناس فجعل له الحاسدين المعاندين المعادين في الأرض. (حمامة البشرى، ص 180)
- 38- “وإنا إذا تدبرنا هذه الآية، وبلّغنا الفكر إلى النهاية، فانكشف أن هذه الآية أكبر شواهد كمالات الصدّيق” (سر الخلافة، ص 51).
- 39- “إذا دعوتكم إلى صنع الله الذي أتقن كل شيء، ورأيتموه في أعينكم غريبا نادرا، فأظهرتم كراهة وسخطة” (التبليغ، ص 62).
- 40- إذا نظرنا في سُنن الله ذي الجلال والحكمة، فوجدنا نظامَ خَلْقِه على طريق الوحدة (منن الرحمن، ص 84).
- 41- فكلما رأينا من رواية لا توافقه ولا تطابقه، فأعرضْنا عنها كإعراض الصالح من الفساد (نور الحق، ص 152).
- 42- إذا ظهر فيهم المسيح الموعود، فكفروا به كأنهم اليهود. (الهدى والتبصرة، ص 48).
- 43- وإذا قصد بلدةً فجعله صعيدًا جُرُزًا (الهدى والتبصرة، ص 69).
- 44- وإذا قضوا الصلاة، وأزمعوا الانفلات، فنسوا ما وعظوا كرجل مات (الهدى والتبصرة، ص 58).
- 45- وإذا رأى في مصيبةٍ الجارَ، فآذى وجفا وجارَ. (الهدى والتبصرة، ص 80).
الفقرات والتعابير التي يُقصد منها معنى الاستقبال حتما:
وهي في الحقيقة قليلة نسبة للتعابير الأخرى، وهي تندرج تحت الحالة الثانية؛ فنجد أن فيها كلها نُزّل الفعل في جواب الشرط معنى الماضي الذي تحقق ووقع؛ مجازا وبلاغة أو كأسلوب بليغ من أساليب الخروج عن مقتضى الظاهر؛ للتأكيد على حتمية وقوعه في المستقبل.
وفيها كلها نجد نوعا من الوعد بتحقق الفعل أو الوعيد والتحذير من سوء العاقبة. فيكون دخول الفاء على الفعل لإضفاء هذا الوعد والوعيد والتخويف والتنبيه على الكلام.
لذا جاز وفق كل هذا اقترانها بالفاء بناء وفق الحالة الثانية.
وهذه التعابير هي:
- 46- ثم إذا نظرنا إلى الواقعات الموجودة فوجدنا حكومة النصارى قد أحاطت كالدائرة على أهل الأرضين. (حمامة البشرى، ص 32)
- 47- إذا سُئلوا وقيل لهم من إلهكم .. فَوَجَبَ على المسلم أن يجيبه أن إلهي الذي له الحمد كله. (كرامات الصادقين)
- 48- ومَن ترك الدعاء فأضاع سُلّمه (كرامات الصادقين، ص 68)
- 49- ومَن فكّر في القرآن وتدبّرَ كلماتِ الفرقان، ففهِم أن هذا قد ثبت من البرهان (منن الرحمن، ص 73).
وبذلك نكون قد أثبتنا صحة جميع الفقرات التي اعتُرض عليها وقيل عنها أن (الفاء) المتصلة فيها بفعل جواب الشرط هي عابثة وأعجمية. وأثبتنا أن في كلها قد جاءت (الفاء) هادفة إما إلى تقريب زمن الفعل الماضي إلى الحال والاستقبال، أو لتنزيل الفعل المستقبلي المعنى منزلة الماضي الذي تحقق ووقع؛ والتي كلها من الأساليب البليغة الهادفة إلى معان قيمة.
وبذلك نكون قد أثبتنا أن الفاء المتصلة بالفعل في جواب الشرط، هي لغة من أسمى اللغات التي جاءت تجلّ لمعجزة تعلّم المسيح الموعود عليه السلام اللغة العربية من الله تعالى في ليلة واحدة.
ومما يؤكد أن هذه الفقرات كلها أو أغلبها قد يقصد منها الزمن الماضي، هو أن أداة الشرط (إذا) قد تأتي كظرف للدلالة على الماضي، رغم أن الغالب عليها استعمالها للمستقبل. وقد أفردنا لهذا مقالا خاصا (المظاهر الإعجازية 170 على الرابط التالي: https://wp.me/pcWhoQ-5a3 ) يمكن الرجوع له.