المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية …263

نكتة نصب المبتدأ ..3

الحال التي تسُدّ مسَدّ الخبر والحال من المبتدأ والحال من شبه الجملة..وشبه الجملة المتضمِّن معنى الفعل والعامل في الحال

الاعتراض:

يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:

1: وأما إقامته في مقام عيسى وتسميته باسمه فله وجهين (حمامة البشرى)

2: ولك من الورق ألفين، إن كنتَ تُثبتُ فضل الإنجيل بغير المَيْن. (نور الحق)

وموضع الخطأ وفق زعمهم هو في نصب الكلمات (وجهين) و(ألفين) رغم وجوب رفعهما على اعتبارهما مبتدأ مؤخرا.

 الرد:

كنا في مقالات سابقة قد وجهنا هذه العبارات على توجيهين مختلفين وهما:

1: أنها حال منصوبة لفعل مضمر ناب عنه الجار والمجرور.

2: أنها مفعول به منصوب بفعل محذوف دلّت عليه القرائن اللفضية أو الحالية.

يُنظر المقالات التالية:  https://wp.me/pa2lnY-3N6    (مظاهر 47) و   https://wp.me/pa2lnY-4il     (مظاهر 82) .

ولنا في هذا المقال أن نثبت ما ذهبنا إليه في هذه التوجيهات، وذلك بتدقيق أكبر وشحذ للدلائل والنتائج التي خلصنا إليها، ولربما مع شيئ من الترجيح لأن تكون هذه الألفاظ المنصوبة هي في الحقيقة أحوال منصوبة، وذلك لورود العديد من الأمثلة المشابهة لها في كلام العرب الفصحاء. كل ذلك على التفصيل التالي.

وردت في كلام العرب الفصحاء العديد من العبارات المنصوبة في مثل هذه التراكيب، ومنها:

حكمُك مسمَّطًا، زيد قائمًا، أنا باغيًا، مشيُها وئيدا. كما ورد ما يشابهها في قراءة قرآنية لسيدنا علي بن أبي طالب، والذي هو من بلغاء وفصحاء عصره، حيث قال في قراءة الآية الكريمة: {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } (يوسف 15) بنصب (عصبة)، هكذا: “ونحن عصبةً”. وتنص المصادر النحوية أن نظائر هذا التركيب كثيرة في كلام العرب.

وفي كل هذه الأمثلة تُوجه الألفاظ المنصوبة فيها، على أنها أحوال منصوبة، سواء اعتُبرت أحوالا مستقلة أو أحوالا من المبتدأ الذي سبقها، أو أحوالا سادّة مسدّ الخبر. ولذا، بناء على هذا نرجّح أن تكون الألفاظ المشابهة في كلام المسيح الموعود عليه السلام، أيضا أحوالا منصوبة؛ سواء من المبتدأ الذي سبقها أو أحوالا سادّة مسدّ الخبر.

وإليكم ما جاء في مختلف المصادر النحوية، مما يؤيد ما نذهب إليه، مع التعليق عليها والاستنتاجات الهامة منها:

جاء في النحو الوافي في مواضع حذف الخبر وجوبا، الموضع التالي:

“- الخبر الذى بعده حال تدل عليه، وتسد مسده، من غير أن تصلح فى المعنى لأن تكون هى الخبر؛ نحو: “قراءتى النشيدَ مكتوباً”. وذلك فى كل خبر لمبتدأ، مصدر، في الغالب وبعد هذا المصدر معموله، ثم حالٌ، تدل على الخبر المحذوف وجوباً، وتغنى عنه، ولا تصلح فى المعنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ … ؛ كالمثال السالف. فكلمة “قراءة” مبتدأ، وهى مصدر مضاف، والياء مضاف إليه، “النشيدَ” مفعول به للمصدر، فهوالمعمول للمصدر – “مكتوباً” حال منصوب ولا تصلح أن تكون خبراً لهذا المبتدأ؛ إذ لا يقال: قراءتى مكتوب. وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية أضيف لها، والتقدير؛ قراءتى النشيد إذا كان مكتوباً، أو إذ كان مكتوباً وقد حذف الخبر الظرف بمتعلَّقه، ومعه المضاف إليه؛ لوجود ما يدل عليه، ويسد مسدهُ فى المعنى؛ وهو؛ الحال التى صاحبها الضمير، الفاعل، المحذوف مع فعله.

ومثله: مساعدتى الرجلَ محتاجاً، أى: إذا كان أو إذ كان محتاجاً. “فمحتاجاً” حال لا تصلح من جهة المعْنى أن تكون خبراً لهذا المبتدأ، إذ لا يقال: مساعدتى محتاج “وصاحب هذه الحال هوالضمير الفاعل المحذوف مع فعله”. و”الرجل” مفعول به للمصدر – فهومعموله – ومثل هذا يقال فى شربى الدواء سائلا، وأكلى الطعامَ ناضجاً -.. و …

فإن كانت الحال صالحة لوقوعها خبراً للمبتدأ المذكور وجب رفعها لتكون هى الخبر؛ فلا يصح إكرامى الضيف عظيماً، بل يتعين أن نقول: إكرامى الضيفَ عظيم … بالرفع على الخبر …

هذا، وتتلخص جميع مواضع حذف الخبر – التى سبقت – فى العلم بالمحذوف لوجود ما يدل عليه، أوما يغنى عنه فى المعنى لا فى الإعراب.” [النحو الوافي (1/ 522-524)]

الاستنتاج:

1: من الممكن أن يأتي بعد المبتدأ حال تحل محل الخبر وتغني عنه أي تسدّ مسدّه.

2: هذه الحال يكون عاملها وصاحبها محذوفين مقدرين، وهما كان التامة وفاعلها على تقدير :إذا كان مكتوبا. والظرف المحذوف هو الخبر .

3: يشترطون لأول وهلة أن لا تصلح هذه الحال بنفسها أن تكون خبرا للمبتدأ. غير أن هذا الشرط ينتقض من الأمثلة التالية التي سنوردها.

4: ليس بالضرورة أن يكون المبتدأ مصدرا، بل قد يكون على أشكال مختلفة كما سنرى، وكما يصرح هنا بقوله ( في الغالب).

وفي الهامش يقول النحو الوافي في هذا الصدد ما يلي:

”  إذ الشائع عند النحاة أن الظرف “وكذا الجار مع مجروره” لا يكون خبرا بنفسه مباشرة، وإنما يتعلق بمحذوف يكون هو الخبر. تقديره هنا: “قراءتي النشيد حاصلة إذا كان – أو إذ  كان – مكتوبا…. ومثل هذا يقال في باقي الأمثلة التالية حيث يكون الظرف محذوفا هو ومتعلقه. أما الرأي في أن شبه الجملة يكون هو الخبر بنفسه مباشرة أو متعلقه فقد سبق البيان الكامل بشأنه في ص 475 وهامشها.

قد يخطر على البال السؤال عن السبب في استعمال هذا الأسلوب، وإيثاره، مع أنه قد يبدو غريبا. ويجيب كثرة النحاة بأنه يفيد معنى دقيقا خاصا، هو قصر هذا المبتدأ على الحال- غالبا- أي: حصر معنى هذا المبتدأ في الحال، فكأن الناطق بمثال من تلك الأمثلة السالفة – ونظيرتها – يقول: قراءتي النشيد لا تكون إلا في حال كتابته، أما في غيرها فلا أقرؤه – مساعدتي الرجل مقصورة على حالة احتياجه، أما في غيرها فلا أساعده. وهكذا … وعندهم أننا لو لم نصطنع هذا الأسلوب بطريقته المأثورة عن العرب لحرمنا ما يحققه من الغرض المعنوي السالف الذي يقررونه في أكثر الصور.

أما إعراب هذا التركيب فموضع جدل عنيف يثير الدهش والأسف، لعدم جدواه. ويقول صاحب الهمع “جـ1 ص 105” إن مسألة الحال التي تسد مسد الخبر: “مسألة طويلة الذيول، كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديما بتأليف مستقل”، ثم عرض – كغيره – للقليل من تلك الآراء المختلفة فلم يزدنا بسردها ويجدل أصحابها إلا دهشا، وأسفا، بل استنكارا لطول الذيول، وكثرة الخلاف، والتأليف المستقل فيما لا غناء فيه.

لنترك هذا لنقول إن الإعراب الذي ذكرناه هو أحد تلك الآراء المتعددة، والذين ارتضوه أكثر من غيرهم، ويوجبون أن يكون الظرف “إذ – أو: إذا” متعلق بمحذوف هو الخبر الأصيل وأن هذا الظرف مضاف إلى جملة فعلية بعده، وهو والجملة محذوفان وجوبا: لدلالة الحال على ذلك المحذوف وسدها مسد الخبر، فلا حاجة لذكره معها. ولا يقبلون أن يكون الظرف بمتعلقه هو الخبر مع وجود الحال ولا يقبلون شيئا يكون هو الخبر، بل يحتمون أن تقوم الحال مقام الخبر المحذوف وتغني عن ذكره، زاعمين أنه لو كان في الجملة خبر أصيل، واقتصرت الحال على إعرابها حالا ليست قائمة مقام الخبر لترتب على هذا أن يفصل الخبر بين هذه الحال وعاملها المبتدأ المصدر، والفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي – وهو هنا الخبر، ممنوع عندهم، ويضمون إلى هذا أدلة جدلية وهمية نرى الخير في إهمالها، وفي إعراب الظرف المحذوف بمتعلقه هو الخبر مباشرة، أو الخبر لفظ آخر محذوف يناسب السياق وتدل عليه القرينة مع إعراب الحال المذكورة حالا أصيلة لا تسد مسد الخبر ولا غيره. وهذا رأي كثير من الكوفيين وبعض البصريين كالمبرد، فقد جاء في كتابه “الكامل” “جـ2 ص 78” حين قال الفرزدق لآخر: “حكمك مسمطا”- وهذه الجملة، كما يقول النحاة من الأمثلة التي وقعت فيها الحال سادة مسد الخبر سماعا، لأن هذه الحال صالحة لوقوعها خبرا- ما نصه:

“إعرابه أنه أراد: لك حكمُك مسمَّطًا، واستعمل هذا فكثر حتى حذف – أي: الخبر، وهو لك – استخفافا، “أي: للخفة” لعلم السامع بما يريد القائل: كقولك: الهلال والله. أي: هذا الهلال، وأغنى عن قوله: “هذا” – القصد والإشارة. وكان يقال لرؤبة الشاعر: كيف أصبحت؟ ويقول خيرٍ عافاك. الله. فلم يضمر حرف الخفض، ولكنه حذف لكثرة الاستعمال والمسمَّط: المرسَل غير المردود….” أهـ … فترى من هذا أنه قدّر الخبر المحذوف لكثرة الاستعمال جارا ومجرورا، ولم يجعل الحال سادة مسده. ولعل هذا الرأي هو الأفضل، ليسره ووضوحه وخلوه من التكلف والتعقيد، ولا مانع من قبول ما ارتضوه على أن يكون رأيهم في المنزلة الثانية بعد الرأي الذي عرضناه.

ومن تكلفهم وتعقيدهم أنهم يوجبون أن يكون صاحب الحال هو الضمير فاعل الفعل “المحذوف. “كان التامة، أو ما يماثلها” وهذا الضمير عائد على معمول المصدر، فلم لا يكون صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة، بدلا من الضمير العائد على المعمول (الذي هو كلمة : النشيد- الرجل- الدواء…في الأمثلة السالفة وأشباهها)؟ يمنعون هذا الإعراب السهل الواضح بحجة أضعف مما سبق؛ فيقولون: لو كان صاحب الحال هو المعمول للمصدر مباشرة لأدى ذلك إلى أن تجيء الحال في ترتيبها المكاني بعد ذلك المعمول بأن يكون المصدر متقدما، يليه معمول، وبعدهما الحال، لأن الثلاثة كتلة متماسكة، تلتزم الترتيب السابق، ولا يفصل بينهما فاصل، وهذا الترتيب والتماسك يوجبان- عندهم – أن يجيء الخبر بعدها جميعا…. فكيف تسد الحال مسد خبر ذكرت قبله، ولم يحذف قبل مجيئها ليخلي مكانه لها فتحل به؟ يتعللون بهذا مع أن الضمير ومرجعه بمثابة شيء واحد.

ذلك بعض جدلهم بإيجاز كبير، وهو نوع من الجدل الذي يضيع فيه الوقت والجهد بغير طائل، وقد حل وقت نبذه. ومن شاء أن يلم به فليرجع إلى المطولات التي اشتملت عليه كالهمع “جـ 1 ص 105”. ولا علينا أن نعرب الحال في الأمثلة السالفة ونظائرها “حالا” مستقلة بنفسها ليست قائمة مقام الخبر، – كما قلنا – وأن الخبر هو الظرف بمتعلقه، أو: هو لفظ غير الظرف يصلح خبرا، وقد حذف بسبب العلم به، وأن صاحب الحال هو معمول المصدر مباشرة، وليس الضمير العائد على ذلك المعمول. ولا داعي لبذل الجهد الضائع في إخضاع كلام عربي بليغ لضوابط لا تنطبق عليه، ولسيطرة “العامل” فيما لا نفع فيه، على حين يجب أن تخضع الضوابط والعوامل لفصيح الكلام العربي المسموع عنهم في هذا الأسلوب.” [النحو الوافي (1/ 522-524)]

الاستنتاجات:

_  من الفقرة الأولى في النص، يتضح أن الحال في هذه الأمثلة ليست حالا من الخبر المحذوف، سواء اعتبر الخبر الظرف نفسه أو متعلقه، بل هي حال من الضمير المحذوف في الجملة الفعلية (إذ كان..)

_ كما يتضح أن لاستعمال هذا الأسلوب لفتة بلاغية تكمن في قصر المبتدأ على هذه الحال لا غير.

_  ومن حيث الإعراب، نرى التضارب في الآراء، فمنهم من يتزمت لكون الخبر المحذوف هو متعلَّق الظرف والحال سادة مسد الخبر ، ومنهم كعباس حسن والكوفيين يرجحون أن الخبر هو الظرف نفسه، أو أي لفظ محذوف آخر مناسب للسياق، وأن الحال حال مستقلة بذاتها.

ويؤيد هذا الرأي ما جاء في المثل السائر “حُكمُك مسَمَّطا”  حيث تقديره “حكمُك لك مُسَمَّطا”، وفيه اعتبر عباس حسن الخبر مقدرا ببساطة بأي لفظ مناسب، ثم اعتبر الحال حالا مستقلة، وعلى ما يبدو أنه اعتبرها حالا من المبتدأ (حكمُك)، وهو ما يؤيد أقواله الأخرى في جواز مجيء الحال من المبتدأ، والتي سنعرضها لاحقا؛ أو من الممكن أن تُعتبر حالا من الضمير المستقر في شبه الجملة بعد حذف متعلقه (مستقر) بتقدير : حمكمك مستقر لك مسمطا” ، أو قد تكون حالا من الضمير الذي يشمله اللفظ المحذوف وهو أي لفظ مناسب، كما سنرى من أمثلة أخرى، مثلا: زيد قائما أي زيد ثبت قائما.

_ كما نرى من المثل :حكمُك مسمطًا ، بأن (مسمطا) تعتبر حالا سواء بذكر الخبر أو بحذفه. وردّ عباس حسن المانع من ذلك عند النحاة بتوسط الخبر بين الحال وعاملها، وعده في عداد الوهم والجدل العبثي.

_ كما أن هذا المثال “حكمك مسمطا” كأمثلة أخرى لاحقة، لا تتماشى مع الشرط الذي اشترطوه في وجوب كون الحال غير صالحة أن تكون هي الخبر. ففي هذا المثل من الممكن أن تكون (مسمط) هي الخبر للمبتدأ، ولكنها على الرغم من ذلك جاءت حالا.

_ فالقضية برمتها تتلخص في كون هذه الألفاظ حالا، على تقدير محذوف يسوّغ مجيء هذه الحال، وقد حذف هذا المحذوف للعلم به. كل ذلك بغض النظر عن تعقيدات النحاة وفرضياتهم وجدلهم الدائر حول العامل ونظرية العامل ومدى انطباقها أو عدم انطباقها. فما يهمنا وجود وورود هذه التراكيب في كلام العرب، وحقنا محاكاة كلام العرب الفصحاء كما هو، بغض النظر عن مدى خضوعه لصناعة النحو ونظرية العامل.

ورد في أوضح المسالك في سياق الحديث عن المواضع التي يجب حذف الخبر فيها ما يلي:

“الرابعة: أن يكون المبتدأ إمَّا مصدرا عاملا في اسم مفسر لضمير ذي حال لا يصح كونها خبرًا عن المبتدأ المذكور، نحو: “ضربي زيدًا قائمًا”3 أو مضافا للمصدر المذكور، نحو: “أكثر شربي السويق ملتويا” أو إلى مؤول بالمصدر المذكور، نحو “أخطب ما يكون الأمير قائما”.

وخبر ذلك مقدر بإذ كان، أو إذا كان، عند البصريين، وبمصدر مضاف إلى صاحب الحال عند الأخفش، واختاره الناظم، فيقدر في “ضربي زيدا قائما” ضربه قائما، ولا يجوز ضربي زيدا شديدا؛ لصلاحية الحال للخبرية، فالرفع واجب، وشذ قولهم: “حكمك مسمطا”، أي: حكمك لك مثبتا”.” [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 221)]

وفي الهامش من هذا جاء:

”   فـ “ضربي”: مبتدأ أو مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، زيدا: مفعول به للمصدر. قائما: حال من ضمير محذوف، يفسره زيد، والخبر: محذوف وجوبا، ولا يصح أن تكون الحال المذكورة خبرا عن “ضربي” لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والضرب لا يوصف بالقيام.

ويرى سيبويه وجمهور البصريين، وابن مالك، وابن هشام، أن الخبر محذوف، وأن الحال سدت مسد الخبر وأغنت عنه، وذهب قوم إلى أن الحال، هي الخبر نفسه، فأعطوا الحال حكم الظرف كاملا لما رأوا من أوجه الشبه بينهما، وفاتهم أن من شرط المسألة ألا يكون الحال صالحا؛ لأن يقع خبرا عن المبتدأ، وذهب آخرون إلى أن هذا الحال، أغنت عن الخبر، فلا تقدير، كما يغني الفاعل، أو نائب الفاعل عن خبر المبتدأ، إذا كان وصفا، وهذا وما قبله مذهبان ضعيفان، والصواب ما ذهب إليه سيبويه والجمهور.” [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 221)]

الاستنتاج:

يظهر لنا من جديد تضارب النحاة في هذه الحال، فمنهم من يعتبرها سادة مسد الخبر، ومنهم من يرى بأنها هي الخبر بذاته كما الظرف، ومنهم من يقتصر على اعتبارها حالا دون الحاجة لخبر فهي تغني عنه.

 

وجاء في الهامش أيضا عن المثل (حكمُك مُسَمَّطا) :

“هذا مثل من أمثال العرب، قيل لرجل حكموه عليهم، وأجازوا حكمه. وهو من أمثال الميداني “ط. الخيرية”: 1/ 143، و”تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 1/ 212، وفي رواية الميداني: حكمك مسمط “بالرفع”، وهذه الرواية لا شذوذ فيها؛ لأنها جارية على القياس. ورواه أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال “1/ 251” بهامش مجتمع الأمثال للميداني. وفي هذه الرواية: جاء “حكمك” بالنصب بفعل محذوف، ونصب “مسمطا” على الحال، ولا شاهد فيها.

موطن الشاهد: “حكمك مسمطا”.

وجه الاستشهاد: مجيء “حكمك” مبتدأ ومضافا إليه، والخبر محذوفا وجوبا، أي: لك مسمطا، أي نافذا، لا يرد، وكان القياس رفعه لصلاحيته للخبرية، ولكن نصب على الحالية والخبر محذوف كما أسلفنا وحكم نصبه على الحال الشذوذ.

فائدة: لعل رواية المثل برفع “حكمك ونصب مسمطا”، وهي الرواية الثالثة للمثل، وهي من تركيب النحاة.

_ أي: نافذا، وشذوذه من وجهين: أحدهما: النصب مع صلاحية الحال للخبرية، والثاني: أن الحال ليست من ضمير المصدر، وإنما صاحب الحال ضمير المصدر المستتر في الخبر، ولا يصح أن يكون الحال من الكاف المضاف إليها في حكمك؛ لأن الذوات لا توصف بالنفوذ، وأشذ منه قراءة عليّ كرم الله وجهه: “ونَحْنُ عُصْبَةً” بالنصب مع انتفاء المصدرية بالكلية، فعصبة: حال من ضمير الخبر، والتقدير: ونحن نجتمع عصبة.” [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 222)]

الاستنتاج:

_ ما جاء في قراءة سيدنا علي بن أبي طالب “ونحن عصبةً” يفيد الأمور التالية:

_ ليس بالضرورة لمجئ هذه الحال بهذا التركيب أن يكون المبتدأ مصدرا، أو أفعل تفضيل مضاف إلى المصدر، بل قد يأتي بأي لفظ كالضمير والاسم وغيره.

_ قبل هذه الحال في مثل هذه التراكيب يمكن تقدير أي لفظ مناسب يسوغ مجيء هذه الحال. حيث كان التقدير : نحن نجتمع عصبة.

 

وفي معرض الحديث عن جواز تقديم الفاعل على عامله عند الكوفيين جاء:

“وعن الكوفي جواز تقديم الفاعل، تمسكا بنحو قول الزباء: [مشطور الرجز]

201- ما للجمال مشيُها وئيدا2

وهو عندنا ضرورة، أو: “مشيها” مبتدأ حذف خبره، أي يظهر وئيدا، كقولهم: “حكمك مسمطا” أي: حكمك لك مثبتا، قيل: أو: “مشيها” بدل من ضمير الظرف.” [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 80-82)]

الاستنتاج:

وفي هذا شاهد آخر مؤيد وهو قول الزباء “مشيُها وئيدا” بتقدير “مشيُها يظهر وئيدا” .

 

وجاء في شرح الأشموني ما يلي:

“وَحَلَّتْ سَوَادَ الْقَلْبِ لاَ أَنَا بَاغِيا … سِوْاهَا وَلاَ عَنْ حُبِّهَا مُتَرَاخِيا

شرح الكافية فقال: “يمكن عندي أن يجعل أنا مرفوع فعل مضمر ناصب باغيا على الحال، تقديره: لا أرى باغيا، فلما أضمر الفعل برز الضمير وانفصل، ويجوز أن يجعل “أنا” مبتدأ، والفعل المقدر بعده خبرا ناصبا باغيا على الحال، ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه، ونظائره كثيرة منها قولهم: “حكمك مسمطا” أي: حكمك لك مسمطا، أي: مثبتا، فجعل “مسمطا” وهو حال مغنيا عن عامله مع كونه غير فعل، فأن يعامل “باغيا” بذلك وعامله فعل أحق وأولى” هذا لفظه.” [شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 266-265)]

الاستنتاجات:

_ لنا في هذا النص مثال آخر وهو “أنا باغيا” وهو مماثل لما سبقه من هذا التركيب، ويقدر فيه الخبر على أنه محذوف وباغيا حال. فالتقدير مثلا: أنا أظهر/ أبدو باغيا سواها” .

_ هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه.

_ أن هذه الأمثلة لمثل هذا التركيب من الحال الواقعة بعد المبتدأ لها نظائر كثيرة. فإن كانت كثيرة لماذا ترمى بالشذوذ في بعض المواضع إذن!؟

 

وجاء في شرح التصريح:

 

“ما للجمال مشيها وئيدا” … أجندلا يحملن أم حديدًا

…. “وهو عندنا” معشر البصريين “ضرورة” تبيح تقديم الفاعل على المسند كما تقدم، “أو “مشيها” مبتدأ حذف خبره” لسد الحال مسده, “أي: يظهر “وئيدًا”، كقولهم: حكمك مسمطًا3″ فـ”حكمك” مبتدأ حذف خبره لسد الحال مسده، “أي: حكمك لك مثبتًا قبل أو “مشيها” بدل من ضمير الظرف” المنتقل إليه بعد حذف الاستقرار” [شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (1/ 397)]

الاستنتاج:

مرة أخرى يذكر بيت الشعر ” مشيُها وئيدا” ويخرّجه على أن (وئيدا) حال سادة مسد الخبر المحذوف بتقدير :” مشيها يظهر وئيدا”

 

والصبان في حاشيته يذكر مثالا آخر كما يلي:

” أما إذا صلح الحال لأن يكون خبر العدم مباينته للمبتدأ فإنه يتعين رفعه خبرًا فلا يجوز ضربني زيدًا شديدًا، وشذ قولهم: حكمك مسمطًا أي حكمك لك مثبتًا، كما شذ زيد قائمًا وخرجت فإذا زيد جالسًا فيما حكاه الأخفش، أي ثبت قائمًا وجالسًا. ولا يجوز أن يكون الخبر المحذوف إذ كان أو إذا كان لما عرفت من أنه لا يجوز الإخبار بالزمان عن الجثة.” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 323)]

الاستنتاج:

_ يذكر الصبان المثال التالي: زيدٌ قائمًا، وتخريجه على اعتبار : “زيدٌ ثبت قائما”

 

نتيجة الاستنتاجات:  

ومن كل ماسبق يتضح لنا أنه قد ورد عن العرب الفصحاء التراكيب التالية:

_ حكمك مسمطا ، زيد قائما، مشيها وئيدا، أنا باغيا، نحن عصبةً .

_ وقد صرح النحاة بأن أمثال هذه التراكيب كثيرة. وهي لو نظرنا إليها، نرى أنها تتركب من مبتدأ وحال.

_ وعلى الرغم من تضارب النحاة في تأويلها وإعرابها، إلا أننا نرى ببساطة أن تخريجها مبني على تقدير محذوف – أي محذوف- يسوغ مجيء هذه الحال. كما يلي:

حكمك لك مسمطا، زيد ثبت قائما، مشيها يظهر وئيدا، أنا أظهر باغيا، نحن نجتمع عصبةً.

_ ومن حيث الإعراب:

من الممكن أن نعتبر هذه الألفاظ المنصوبة أحوالا سدت مسد الخبر المحذوف، على رأي فرقة من النحاة.

 

أو أن نقتصر على إعراب بسيط لها، وهو اعتبار الألفاظ المنصوبة مجرد أحوال مستقلة، وهي بذلك تكون أحوالا من المبتدأ مُغنية عن الخبر، دون اللجوء إلى تقدير خبر محذوف. وذلك على رأي فريق آخر من النحاة. أو ان نقدر أي لفظ يكون هو الخبر ويسوغ مجيء هذه الحال بعده.  وهذا ما سوف نعتمد عليه.

_ وعليه، فلنا أن نقول في كل هذه الأحوال بأنها حال من المبتدأ الذي سبقها. أو حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف.

_ وقد جيئ بهذا التركيب على هذه الصورة للفتة بلاغية تفيد الحصر ، أي حصر وقوع المبتدأ على هذه الحال.

ولسنا في هذا التوجيه البسيط عابثين في اللغة وقواعدها، بل هو كما رأينا رأي فريق من النحاة وعلى رأسهم عباس حسن، الذي يجوّز مجيء الحال ليس فقط من الفاعل والمفعول بل أيضا من المبتدأ والخبر والمضاف إليه وغيره؛ حيث يقول:

 

“أي: يبين (الحال) هيئة صاحبه، كالفاعل، وكالمبتدأ، أو الخبر، أو اسم النواسخ، وسيجيء الكلام على صاحب الحال في ص 402 ولا قيمة للاعتراض على مجيء الحال من المبتدأ، أو من اسم الناسخ، أو مما ليس فاعلًا، أو مفعولًا به، أو نحوهما؛ ذلك؛ لأن من يرفضونه لا يرفضونه للسبب القويم الصحيح، وهو: عدم الاستعمال العربي الأصيل، وإنما يرفضونه؛ لأنه لا يتفق مع مظهر من مظاهر السلطان الذي وهبوه للعامل، كأن يقولوا في منع مجيء الحال من المبتدأ: إن العامل في المبتدأ معنوي؛ هو: “الابتداء”، فلو جاءت الحال من المبتدأ لكان المبتدأ هو عاملها؛ فينشأ من هذا عاملان مختلفان، أحدهما عامل في الحال، والآخر عامل في صاحبها، مع أن العامل عندهم في الحال لا بد أن يكون هو نفسه العامل في صاحبها أيضًا طبقًا للبيان الآتي في رقم 3 من هامش ص 380، والغريب أن المأثور الكثير من كلام العرب الخلص لا يوافقهم، ولا يؤيدهم، مع كثرته بدليل صحة قولهم: أعجبني عطاء المحسن مبتسمًا، وسرني صوت القارئ خاشعًا، ولهذا يخالفهم بحق “سيبويه” وفريق معه، للسبب المدون في رقم 3 ص 405.

وإن ما يرفضونه ظاهرًا صريحًا، يقبلونه على نية التأويل؛ فكأن مجرد النية يبيح الأمر المحظور المخالف لها، بالرغم من أن اللفظ الذي يؤولونه لن يتغير في ظاهره، وصريح الأسلوب لن يطرأ عليه تبديل، وهذا موضع من مواضع الشكوى، ولعله السبب الذي حمل بعض النحاة المحققين؛ كالرضي على رفض اعتراضهم، ونبذ رأيهم المخالف رأي سيبويه كما جاء في الخضري جـ 1 والصبان وغيرهما في باب الحال عند بيت ابن مالك: “وعامل ضمن معنى الفعل، لا … “، وعلى أن يقول: “إن رأي سيبويه هو الحق، ولا ضرورة تدعو للرأي المخالف”.

وإذا كان المحظور يباح بمثل هذه النية وجب ترك الناس أحرارًا في محاكاة الكثير المأثور من الكلام العربي الصحيح، وفي القياس عليه، ومن شاء بعد ذلك أن يتأول فليفعل، فالمهم هو ترك اللفظ على حاله الظاهر المواقف للوارد، ومن حمل نفسه بعد ذلك مشقة التأويل، فهو حر وإن كانت المشقة بغير فائدة.”  [النحو الوافي (2/ 364)]

 

وبالعودة إلى كلام المسيح الموعود عليه السلام أعلاه، فإن لنا أن نقرّ وفق كل ما أوردناه أن الألفاظ (وجهين) و (ألفين) جاءت أحوالا، إما من المبتدأ الذي يسبقها بصورة شبه الجملة، أو من لفظ محذوف قبلها للعلم به.

والألفاظ (وجهين) و (ألفين) تدلان على العدد، ومما يسوغ كونها أحوالا هو إمكانية مجيء الحال بلفظ العدد، على اعتباره حال جامدة غير مؤولة بالمشتق، وفي هذا يقول النحو الوافي ما يلي:

“وأشهر مواضع الحال الجامدة التي لا تتأول بالمشتق سبعة:…

ب- أن تكون دالة على شيء له سعر؛ نحو: اشتريت الأرض قيراطًا بألف قرش، وبعتها قصبة بدينار رضيت بالعسل رطلًا بعشرة قروش، وبعته أقة بثلاثين

… فالكلمات؛ “قيراطًا، قصبة، رطلًا، أقة” حال جامدة، وهي من الأشياء التي تسعر؛ كالمكيلات، والموزونات، والمساحات …

جـ- أن تكون دالة على عدد؛ نحو: اكتمل العمل عشرين يومًا، وتم عدد العاملين فيه ثلاثين عاملًا، فكلمة: “عشرين” و”ثلاثين”، … حال.”  [النحو الوافي (2/ 373-374)]

وبناء عليه نقول في إعراب هذه الجمل ما يلي:

1: ولك من الورق ألفين، إن كنتَ تُثبتُ فضل الإنجيل بغير المَيْن. (نور الحق)

الإعراب الأول:

لك: شبه جملة، خبر مقدم .

من الورق: شبه جملة، مبتدأ مؤخر على الرأي الذي يجوّز مجيء المبتدأ كشبه جملة ، متعلق بمحذوف تقديره: مستقر /كائن/ أو يكون – على كان التامة- .

ألفين: حال من المبتدأ ، (من الورق). أو حال من الضمير المستقر في شبه الجملة بعد حذف المتعلّق.  كأنه قال : من الورق لك ألفين.

ملحوظة: الأرجح في تقدير المحذوف تقدير فعل لازم ، مثل: استقر وكان التامة ، إذ حينها يكون (ألفين) حالا. وهذا شبيه بتقدير المحذوف في الحال السادة مسدّ الخبر، حيث قُدر المحذوف (إذ كان) على اعتبار كان تامة؛ وإلا فأمكن تقدير كان ناقصة أيضا.

الإعراب الثاني:

لك: شبه الجملة ، مبتدأ، على الرأي الذي يجيز مجيء المبتدأ كشبه جملة.

من الورق: شبه جملة في محل خبر ، متعلَّقه محذوف بتقدير: لك مستقرٌ/ كائن من الورق.

ألفين: حال من الخبر (شبه الجملة)، أو من الضمير المستقِر في شبه الجملة، لحذف المتعلَّق.

الإعراب الثالث:

لك: خبر مقدم متعلق بمحذوف تقديره :مستقر او كائن أو كان او استقر

من الورق: شبه الجملة ، مبتدأ مؤخر ، على الرأي الذي يجيزه.

ألفين: حال من الضمير المستكن في شبه الجملة (لك) .

وهذا شبيه بالقول: حكمُك لك مسمَّطّا. أو بالتقدبم والتأخير: لك حكمُك مسمَّطًا.

 

2: وأما إقامته في مقام عيسى وتسميته باسمه فله وجهين (حمامة البشرى)

الإعراب الأول:

له: شبه جملة ، مبتدأ على الرأي الذي يجيز مجيء المبتدأ كشبه جملة.

وجهين: حال من المبتدأ. أو حال سادة مسد الخبر .

الإعراب الثاني: بتقدير محذوف كما يلي: له (من التفسير) وجهين.

له: شبه جملة ، مبتدأ على الرأي الذي يجيز مجيء المبتدأ كشبه جملة.

من التفسير (المقدَّرة): شبه جملة، في محل خبر متعلقة بمحذوف بتقدير: له مستقر/ كائن من التفسير.

وجهين: حال من الخبر المحذوف (من التفسير) أو من الضمير المستقر في الخبر المحذوف مع متعلقه، وهذه الحال سدّت مسدّ الخبر .

أما مسوغات اعتبار شبه الجملة مبتدأ، فقد فصّلنا فيه في مقالات سابقة، أثبتنا فيها أن هذه من اعتبارات البيانيين، ولعلها لغة عربية قديمة لم تنقلها لنا المصادر العربية.

أما مسوغات مجيء الحال من شبه الجملة، فمرده إلى جواز أن يكون العامل في الحال عامل معنوي غير الفعل وأشباه الفعل، بل من الممكن أن يكون لفظا متضمنا معنى الفعل دون حروفه؛ ومن هذه العوامل المعنوية شبه الجملة، نظرا لكون شبه الجملة أيضا متضمنا معنى الفعل بعد حذف متعلقه وانتقال الضمير من هذا المتعلق إلى شبه الجملة واستقراره فيها. وفي هذا يقول النحو الوافي ما يلي:

 

“لأن شبه الجملة قد يكون متعلقًا بفعل محذوف، أو بوصف محذوف، وينتقل إلى شبه الجملة الضمير الذي يكون في المتعلق بعد حذفه، وبهذا يصير شبه الجملة متضمنًا معنى الفعل، لاشتماله على المتعلَّق المحذوف، فوق اشتماله على ضميره ” [النحو الوافي (2/ 382)]

ولهذا فإن شبه الجملة يعد شبيها بالمشتق حيث جاء:

“شِبه المشتق “أو: شِبه الوصف” هو الظرف والجار مع مجروره، وإنما كان شبه الجملة شبيها بالمشتق لإمكان تعلق كل منهما بمحذوف مشتق، تقديره: كائن، أو: موجود، أو: حاصل … ولأن الضمير قد انتقل من المشتق بعد حذفه إلى شبه الجملة “كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 282، وفي هامش ص 448 م 89″.”  [النحو الوافي (2/ 373)]

ومن الأمثلة على كون العامل في الحال شبه الجملة، أو عامل معنوي آخر، ذكر النحو الوافي هذه الأمثلة التالية، في سياق حديثه عن وجوب تأخر الحال عن عاملها فقال:

 

“يجب أن تتأخر عنه إن كان فعلًا جامدًا كفعل التعجب؛ نحو:……

أو كان العامل معنويًا؛ “وهو الذي يتضمن معنى الفعل دون حروف الفعل كألفاظ الإشارة، والاستفهام، وأحرف التمني والتشبيه، وكشبه الجملة الظرف، أو الجار مع مجروره الواقع خبرًا، أو نعتًا كذلك”، نحو: هذا كتابك جميلًا، فكلمة: “جميلًا” حال من الخبر: “كتاب” والعامل هو اسم الإشارة، ومعناه: أشير؛ فهو يتضمن معنى الفعل، دون أن يشتمل على حروفه.

ومثل: ليت الصانع، متعلمًا، حريص على الإتقان، فكلمة: “متعلما” حال من الصانع، والعامل “هو: ليت”، وحرف معناه: “أتمنى”، فيتضمن معنى الفعل دون حروفه …

ومثل: كأن الباخرة، واسعة، فندق كبير، ومثل: الزروع أمامك ناضرةً، أو: الزروع في حديقتك، ناضرةً …

والاستفهام المقصود به التعظيم؛ نحو: يا جارتا، ما أنت، جارة؟

وهكذا كل ما يتضمن معنى الفعل دون حروفه غير ما سبق، كأدوات التنبيه، والترجي، والنداء …

لكن بعض النحاة يستثني من العامل الذي يتضمن معنى الفعل دون حروفه، شبه الجملة بنوعيه “الظرف والجار مع مجروره”، فيجيز أن يتقدم عليها الحال أو يتأخر، نحو: “الحارس عند الباب واقفًا، و: الحارس، واقفًا، عند الباب”، نحو: القط في الحديقة قابعًا، أو: القط، قابعًا، في الحديقة، وإنما يجيز تقدم هذه الحال بشرط أن تتوسط بين مبتدأ متقدم وخبره شبه الجملة المتأخر عنه، وعن الحال معًا، ولا يصح تقدم الحال عليهما معًا، فلا يقال: “واقفًا، الحارس عند الباب، ولا قابعًا القط في الحديقة”، فإن تقدمت الحال والخبر معًا، وكانت الحال هي الأسبق جاز؛ نحو: واقفًا عند الباب الحارس، وهذا رأي مقبول.

 

ويصح عند أكثر النحاة تقديم الحال على عاملها “شبه الجملة” إن كانت هي شبه جملة أيضًا؛ نحو: الخير عندك أمامك، أو الخير في الدار أمامك … على اعتبار الظرف “عند”، والجار مع مجروره “في الدار” حالين من الضمير المستكن في شبه الجملة بعدهما.

أو كانت الحال مؤكدة معنى الجملة؛ نحو: على جدك شفيقًا، وتقدير العامل: علي جدك أعرفه، “أو: أعلمه، أو: أحقه … ” شفيقًا، فعامل الحال وصاحبها “باعتباره الضمير” محذوفان وجوبًا قبل الحال.”  [النحو الوافي (2/ 380) النحو الوافي (2/ 382) النحو الوافي (2/ 383)]

ومن الأمثلة الأخرى لشبه الجملة العامل في الحال، ذكر النحو الوافي الأمثلة التالية في هامش نفس الصفحات:

 

” برغم قلته بالنسبة إلى الأول “فالقلة نسبية لا تمنع القياس”، وحجة أصحابه ورود أمثلة فصيحة تكفي للحكم بقياسيته؛ منها قراءة من قرأ قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ} ، بنصب، “مطويات” وقول الشاعر:

رهط ابن كوز محقبي أدراعهم … فيهم، ورهط ربيعة من حذار

فكلمة: “محقبي” حال، تقدمت على عاملها شبه الجملة: “فيهم” … والمخالفون لهذا الرأي يؤلونه بغير داع مقبول.

ومما يصلح مثالًا لهذا شبه الجملة “من الله” في قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} ، “راجع الصبان، وكذا حاشية الأمير على “المغني” أو المقدمة”.”

 

ومن هنا يتضح:

_  أن شبه الجملة ممكن أن يكون مبتدأ، وفق ما أثبتناه في مقالات سابقة.

_ ومن الممكن لشبه الجملة أن يعمل في الحال، أو أن تأتي الحال منه، أو بالأدق أن تأتي الحال من الضمير المستقر فيه بعد حذف متعلَّقه. وذلك لأن شبه الجملة يتضمن معنى الفعل.

_ وأثبتنا أن الحال قد تأتي من المبتدأ .

_ فالحاصل أن الحال قد تأتي من المبتدأ الذي هو شبه جملة. وعلى هذا تتخرج ببساطة الفقرات المذكورة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام. فالألفاظ المنصوبة فيها هي أحوال من المبتدأ أو أحوال سدّت مسدّ الخبر.

_ وبما أن شبه الجملة يتضمن معنى الفعل، وهذا المعنى هو في الحقيقة معنى المتعلَّق المحذوف الذي يعني الاستقرار أو الوجود أو الكون العام في شبه الجملة المستقَر، أو قد يعني أيَّ فعل آخر وهو ما عرف بالكون الخاص في شبه الجملة اللغو، وفي كلاهما – المستقَر واللغوّ- من الممكن حذف المتعلَّق إذا دل عليه دليل [يُنظر: النحو الوافي (1/ 477)]. وبما أن القضية برمتها متعلقة يتقدير محذوف، فبإمكاننا تقدير أي محذوف يسوغ كون هذه الألفاظ حالا، نظرا لجواز أن تعمل شبه الجملة في الحال.

_ وبما ان شبه الجملة يتضمن معنى الفعل، ومن الممكن تقدير أي محذوف قبل شبه الجملة للعلم به مسبقا، فمن الممكن كذلك تقدير أي محذوف يسوغ اعتبار هذه الألفاظ مفعولا به، كما اثبتناه في مقال سابق أشرنا إليه أعلاه. وأثبتنا فيه أنه من الممكن حذف الفعل العامل في الفضلة – المفعول به – إذا دلّ عليه دليل، أي دلت عليه القرائن السياقية. فكون شبه الجملة متضمنا معنى الفعل ، هو في الحقيقة القرينة التي تدل على هذا الفعل ومعناه.

لذلك فإننا رغم ترجيح أن تكون الألفاظ المنصوبة في فقرات المسيح الموعود عليه السلام أعلاه أحوالا، -نظرا لورود الكثير من نظائرها في لغة العرب-؛ إلا أننا لا نستبعد أن تكون منصوبة على المفعولية أيضا، وذلك بفعلٍ محذوفٍ للعلم به مسبقا ولدلالة القرائن السياقية عليه، وأكبر هذه القرائن هو تضمُّن شبه الجملة على معناه؛ فيكون التقدير والإعراب وفقا لذلك ، كما يلي:

1: لك من الورق ألفين.

التقدير:

لك نعطي/ ندفع من الورق ألفين. أو: نعطي/ ندفع لك من الورق ألفين

الإعراب: 

لك: شبه جملة متضمن معنى الفعل نعطي أو نضمن .

ألفين: مفعول به لفعل محذوف تقديره نعطي أو نضمن، دلت عليه القرائن اللفظية، لا سيما تضمُّن شبه الجملة (لك) على معناه . وهو ما أشرنا إليه في مقال سابق بأن شبه الجملة من الجار والمجرور ناب مناب الفعل، أي بكلمات أخرى تضمن معناه.

من الورق: جار ومجرور

2: فله وجهين.

التقدير:

فله نعطي/ نمنح وجهين. أو: نعطي/ نمنح له وجهين

الإعراب:

له: شبه الجملة ، مبتدأ، متضمن معنى الفعل نعطي أو نمنح.

وجهين: مفعول به لفعل محذوف تقديره (نعطي) أو (نضمن) دلّت عليه القرائن اللفظية، لا سيّما تضمُّن شبه الجملة (له) على معناه .

 

ومما يسوغ لنا أن نذهب إلى توجيه النصب على المفعولية، كون القضية برمتها متعلقة بتقدير محذوف كما رأينا، وقد ورد عن العرب حذف الفاعل قبل المفعول به وقبل الحال، ولا مفاضلة لأحدهما على الآخر. ولعل ما يفرق بين الحالية والمفعولية في بعض المواضع هو لزوم الفعل المحذوف وتعدّيه.

فهل كان العربي الفصيح يدور في خلده لأي هدف يحذف الفعل!؟ ألِنصب الحال أو لنصب المفعول، وهل كان العربي الفصيح يقيّد نفسه بحذف الفعل اللازم فقط دون المتعدي، ليقيد نفسه بحذف الفعل قبل الحال دون المفعول!؟؟؟  كل هذا التقييد لا دليل عليه، فقد ورد الحذف قبل المفعول كما ورد قبل الحال؛ طالما كان المحذوف معلوما من القرائن السياقية واللفظية والعقلية.

وباختصار نقول:

ثبت أن شبه الجملة قد يتضمن معنى الفعل، وعليه من الممكن أن ينوب منابه وأن يعمل عمله. فقد يعمل عمله في الحال وقد يعمل عمله في المفعول به. ولذا فالنتيجة أن الألفاظ قيد البحث، في كلام المسيح الموعود عليه السلام ، إما أحوال أو مفعول به للفعل المحذوف الذي ناب عنه شبه الجملة. ولكلٍّ أن يرجح أحد الأمرين. فإن قيل بأن ما ورد عن العرب من هذا الحذف أكثره من قبيل الحال،  فليعتبرها أحوالا؛ وإن قيل أن أكثره جاء من قبيل المفعول فلنعتبرها مفاعيل.