المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..152
حُجِّية القراءات القرآنية ..1
القراءات القرآنية انعكاس واضح لاختلاف اللغات النحوية والصرفية بين القبائل العربية
اعتمدنا في توجيهاتنا المختلفة للغة المسيح الموعود عليه السلام على العديد من الأمثلة والشواهد المؤيدة من القراءات القرآنية المختلفة. فهل القراءات القرآنية حُجّة في اللغة خاصة في مواضيع النحو والصرف؟
القراءات القرآنية مرآة تعكس الاختلافات النحوية بين القبائل:
لقد لمحت في بداية البحوث التي أجريتها بعد اطّلاعي على القليل من الأمثلة، بأن القراءات القرآنية تحوي لغات نحوية مختلفة، وقد قلت حينها بأنه لا بدّ أن تكون القراءات القرآنية قد راعت وجوه الاختلاف النحوية بين القبائل العربية المختلفة؛ فانهال عليّ المعارضون بالاتهامات الزائفة والقول بأن هذا الادعاء غير مسؤول ويفتقر للدراسة والأدلة على ذلك.
وكلما ازددت اطلاعا على الاختلافات النحوية واللغات المختلفة في القراءات القرآنية ازدادت لدي الأدلة والشواهد وتيقنت من صحة ما ادّعيته حينذاك. والآن أقول بشكل يقينيّ بأن القراءات القرآنية قد راعت هذه الاختلافات النحوية بين القبائل العربية، بمعنى أن اللغات النحوية المختلفة بين القبائل العربية المختلفة تشكّل وجها من وجوه الاختلاف بين القراءات المختلفة ولا ريب في ذلك. واتضح لي أيضا بما لا يمكن الشك فيه أن كل هذه اللغات المختلفة لهي لغات عربية صحيحة وفصيحة وتعتبر حجة في اللغة والنحو.
وقد جاء ما يؤكد وجهة نظري هذه في كتاب “نظرية النحو العربي” كما يلي:
“وكان اللغويون والنحاة الأوائل من القرّاء الأوائل معنيين بوجوه الخلاف بين القراءات، ذلك إن القراءات تمثل جانبا من جوانب اختلاف اللهجات، ففي القراءات أوجه نحوية متعددة، وهذا يشير إلى الخلافات اللغوية بين لهجات القبائل فالقراءات القرآنية هي المرآة الصادقة التي تعكس الواقع اللغوي الذي كان سائدا في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، ونحن نعدّ القراءات أصل المصادر جميعا في معرفة اللهجات العربية، لأن منهج علم القراءات في طريقة نقلها يختلف عن كل الطرق التي نقلت بها المصادر الأخرى كالشعر والنثر” [نظرية النحو العربي ومناهج الدرس اللغوي الحديث / أطروحة دكتوراة جامعة البصرة / عبد علي صبيح، ص 28]
ويؤكد كل هذا الدكتور يسرائيل ولفنسون في كتابه “تاريخ اللغات الساميّة” بأن صحف القرآن الكريم كانت قد دُوّنت قبل الشعر الجاهلي، الذي دُوّن في نهاية القرن الأول للهجرة؛ لذلك فالقرآن يجب أن يكون الأصل في دراسة اللغة العربية، وهو في الحقيقة أقدم ما وصل إلينا من اللغة العربية وأصدق مقياس لها [يُنظر، ص(206)]
وفي شأن هذه القراءات يقول:” والحقيقة الثابتة أن بعض القراءات يطابق تماما اللهجات التي كانت شائعة عند العرب في القرن الأول بعد الهجرة، فهي صيغ عربية كانت مألوفة عند العرب قبل تسرب النفوذ الأعجمي وقبل أن يطرأ تغيير في اللغة العربية، التي كانت منتشرة في شمال بلاد العرب في عصر ظهور الإسلام” ( تاريخ اللغات السامية، ص 208)
وبناء عليه فإن اللغات المختلفة التي انعكست من خلال هذه القراءات، بما في ذلك اللغات النحوية والصرفية، لا بد أنها مظهر من مظاهر الحروف السبعة أو العشرة التي أشارت لها الأحاديث والروايات، كمثل الحديث: {أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهُنَّ شَافٍ كَافٍ} (سنن النسائي, كتاب الافتتاح) أي أن القرآن مقروء بسبع لغات متفرقة من لغات القبائل العربية مختلفة الألسن. وهناك رأي عند طبقة علماء المسلمين يقول إنه يجوز قراءة القرآن على عشرة أحرف دون تفضيل الواحدة على الأخرى لأن حديثا يقول: بأيها قرأت أصبت (ينظر: تاريخ اللغات السامية، ص 207)
فكل هذا يؤكد ما كنت قلته بأن القراءات القرآنية قد راعت الاختلافات النحوية بين القبائل، وهي في الحقيقة انعكاس لمثل هذه الاختلافات واللغات المختلفة بين القبائل لا سيما في اللغات النحوية والصرفية. وقد أوردنا خلال أبحاثنا العديد من الشواهد من القراءات القرآنية، والتي تشكل دليلا واضحا على ما نقلناه في هذا المقال.
وإذا كانت القراءات القرآنية هذه قد نقلت برواية الأئمة الذين يُشهد لهم على فصاحتهم ونقاء لغتهم، فمن الحتميّ أن تكون كل هذه اللغات والقراءات -حتى الشاذ منها -حجة في اللغة، باعتبارها لغة عربية صحيحة فصيحة نقلها لنا فصحاء العرب أنفسهم.