أكان للناس عجبٌ أن أوحى الله العليم لمسيحه عليه السلام “وما كان حديثٌ يُفترى“!؟
القاعدة المعروفة والمتبعة لكان وأخواتها:
لِكان وأخواتها قاعدة معروفة ومتّبعة في لغتنا الرائجة في هذا العصر، وهي كونها أفعالا ناقصة تدخل على المبتدأ والخبر فترفع الأول ويسمى اسمها وتنصب الثاني ويسمى خبرها.
مظاهر الإعجاز :
وردت “كان” في كتابات المسيح الموعود بصيغ وصور لا تتماشى مع هذه القاعدة المعروفة، وإنما بتفحص الأمر يتضح أنها تخضع لقواعد فرعية تشذّ عن هذه المعروفة لنا، مما يدل على إلمام المسيح الموعود بأدق هذه الدقائق اللغوية الذي لا يمكن أن يتأتى لولا تعليم الوحي الرّباني له بهذه الدقائق.
القواعد الفرعية والشاذة عن القاعدة المعروفة:
جاء في كتاب المفصل في صنعة الإعراب ما يلي:
وجوه كان: وكان على أربعة أوجه
1- ناقصة كما ذكر،
2- وتامة بمعنى وقع ووجد، كقولهم كانت الكائنة والمقدورة كائن، وقوله تعالى: ” كن فيكون “.
3- وزائدة في قولهم إن من أفضلهم كان زيداً وقال:
جياد بني أبي بكر تسامي … على كان المسومة العراب
ومن كلام العرب: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكلمة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم.
4- والتي فيها ضمير الشأن
وقوله عز وجل: ” لمن كان له قلب ” يتوجه على الأربعة
وقيل في قوله:
بنيهاء قفر والمطي كأنها … قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
أن كان فيه بمعنى صار.
وعن كان التامة جاء في المراجع العربية ما يلي:
في كتاب أسرار العربية لابن الناظم:
[انقسام كان على خمسة أوجه]… والوجه الثاني: أنها تكون تامة، فتدل على الزمان والحدث كغيرها من الأفعال الحقيقية، ولا تفتقر إلى خبر؛ نحو: كان زيد، وهي بمعنى: حدث ووقع؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} أي: حدث ووقع، وقال تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وقال تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} في قراءة من قرأ بالرفع، وقال تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، أي: وجد وحدث؛ وصبيًّا: منصوب على الحال، ولا يجوز أن تكون /كان/ ههنا الناقصة؛ /لأنه/ لا اختصاص لعيسى في ذلك؛ لأن كُلًّا قد كان في المهد صبيًّا، ولا عجب في تكليم من كان فيما مضى في حال الصَّبي (وإنما العجب في تكليم من هو في المهد في حال الصبي) ، فدل على أنها -ههنا- بمعنى: وجد وحدث، وعلى هذا قولهم: أنا مذ كنت صديقك؛ /أي وجدت/؛ قال الشاعر: [الطويل]
فِدَىً لِبَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ نَاقَتِي … إذا كان يومٌ ذو كَوَاكِبَ أَشْهَبُ
أي حدث يوم، وقال الآخر: [الوافر]
إذا كان الشتاءُ فأَدْفِئُونِي … فإن الشَّيخ يَهْدِمُه الشِّتَاءُ
أي: حدث الشِّتاء….
وجاء في كتاب اللمع في العربية لابن جني:
كَانَ التَّامَّة: وَتَكون كَانَ دَالَّة على الْحَدث فتستغني عَن الْخَبَر الْمَنْصُوب تَقول قدْ كانَ زيدُ أَي قد حدث وَخلق كَمَا تَقول أَنا
مذ كنت صديقُك أَي أَنا صديقك مذ خلقت قَالَ الشَّاعِر
(إِذا كَانَ الشتاءُ فأدفئوني … فَإِن الشَّيْخ يهدمُه الشتَاء) // الوافر //
أَي إِذا حدث الشتَاء وَوَقع وَكَذَلِكَ أَمْسَى زيد وَأصْبح عَمْرو وكقولك أمسينا وأصبحنا
وجاء في كتاب اللمحة في شرح الملحة ما يلي:
(كان) لها أربعة أقسام:..
والتّامّة تتميّز عن النّاقصة بأشياء:
منها: أنّها تحتاجُ إلى اسم واحد يكون فاعلاً، وأنّها فعل حقيقيّ يدلّ على الزّمان والحدَث، كالحدوث والوُقوع.
ومنها: أن يستعمل منها المصدر المنصوب؛ كقولك: (كان، يكون، كونًا) بمنزلة حدث، حُدوثًا، ومنه قولُ الشّاعر:
إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي … فَإِنَّ الشَّيْخَ يَهْدِمُهُ الشِّتَاءُ…
وقد مُثّل لهذا النوع من ” كان” في شرح الكافية الشافية بما يلي:
وإن لم يكن لحم غريض فإنه … تكب على أفواههن الغرائر
خصائص كان التامة:
فمن هذه المصادر نرى بأن خصائص كان التامة تتلخص بما يلي:
- أنّها فعل حقيقيّ يدلّ على الزّمان والحدَث، كالحدوث والوُقوع.
- أنّها تحتاجُ إلى اسم واحد يكون فاعلاً، أي أن الاسم الذي يليها يكون مرفوعا على أنه فاعل.
- أنها تكون بالمعاني التالية: وُجد، خُلق، حَدث، وَقع
مواضع الإعجاز:
وقد وردت كان بهذا المعنى في كتابات المسيح الموعود في بعض الفقرات، إذ قد تبدو غريبة لأول وهلة ويُظن بأنها زائدة وعبثية لا فائدة منها، وقد يظنها من لا تبحر له باللغة العربية بأنها جاءت بصيغ خاطئة؛ رغم أنه كما نرى فإن لها أمثلة عديدة في أمهات المراجع النحوية التي تؤكد على كونها لغة فصيحة وليست مجرد حشو في الكلام، كما ليست هي بأخطاء متعمدة ولا عفوية، ولا أخطاء سهو ولا نقل ولا نسخ؛ فهي وفق هذا المعنى لا تكون زائدة أو خاطئة بل أساسية في مبنى الجملة تفيد معنى الكينونة التامة أو الحدث والوقوع والوجود؛ ومن هذه الفقرات نورد ما يلي مع ذكر المعنى المقصود فيها لــ “كان” وفق ما ذكرناه آنفا:
1- أكان للناس عجبٌ أن جاءهم منذر في هذا الزمان؟ (مواهب الرحمن، ص 67). أي أَحَدَث أو أَوَقَع للناس عجبٌ.
ولا بدّ لنا من التفصيل بالنسبة للفقرة الأخيرة، نظرا لأهميتها، حيث إنها مما نزل في القرآن الكريم، غير أنها في القرآن الكريم وردت بنصب “عجبا“، وقد يظُن البعض بأن المسيح الموعود عليه السلام قد أخطأ في آي القرآن الكريم بإيراده هذه الفقرة برفع “عجبٌ“؛ فنقول مهلا هداكم الله!!! إن ورود “عجبٌ” بصيغة الرفع قد وردت في إحدى القراءات القرآنية غير التي بين أيدينا، والشاهد على ذلك ما جاء في كتاب ” معجم القراءات” للدكتور عبد اللطيف الخطيب ص 490 وهو كما يلي:
“عجبًا: قراءة الجماعة “ أكان للناس عجبًا” بالنصب خبر “كان“، والمصدر المؤول بعدها اسمها، والتقدير: أكان وحيُنا عجبا.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس ” أكان للناس عجبٌ” بالرفع، وهو اسم “كان“، جاء نكرة، ” وأن أوحينا” الخبر، وهو معرفة، والأحسن هنا جعل “كان” تامة، و”عجبٌ” فاعل بها، و”أن أوحينا” بدل منه، والمعنى: أحَدَثَ للناس عجبٌ.” (إ.ه)
وكفى بهذا دليلا على صحة ما نقول وصحة ما ذهبنا إليه في معنى “كان” في هذه الفقرة، وكفى بهذا إثباتا على مدى عظمة المسيح الموعود عليه السلام وعظمة الإعجاز في لغته وعلمه الرباني الإلهامي بأدق دقائق اللغة العربية والقرآن الكريم. ومن بين ما يدل عليه كل هذا هو مدى صلة المسيح الموعود عايه السلام بالقرآن الكريم وسعة علمه وتبحّره في علوم القرآن الكريم.
وعلى هذا تُحمل الفقرة التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام:
2- وما كان حديثٌ يُفترى (الخطبة الإلهامية، ص 8).أي: وما وقع/حصل/حدث/ حديثٌ يُفترى .
وهذه الفقرة تكررت في كتابات المسيح الموعود عليه السلام خمس مرات، اثنتين منها في الخطبة الإلهامية، وهو ما يجعل إمكانية وقوع خطأ أو سهو فيها شبه مستحيلة، فلا وقوع لأي خطأ أو أي سهو فيها حسب رأيي، بل هي عبارة صحيحة وفصيحة تُحمل فيها “كان” على أنها تامة كما في الفقرات السابقة.
وبالرجوع إلى السياقات المختلفة التي وردت فيها هذه الفقرة نرى أنها تفيد هذا المعنى الذي ذهبنا إليه، إذ لا مانع لغوي ولا معنوي ولا إعرابي يحول دون أن تكون “كان” في هذه السياقات المختلفة لفقرة ” وما كان حديث يفتىرى” بمعنى كان التامة.
فإذا كان مفهوم وتقدير التعبير اللغوي ” وما كان حديثًا يفترى” بنصب “حديثا”، “وما كان هذا (هو) حديثا يفترى” أي: الحديث الشريف أو الحديث العام والقول أو الأقوال المذكورة آنفا؛ فمن الممكن فهم وتقدير نفس التعبير عند وروده برفع ” حديثٌ” كما يلي: ” وما كان حديثٌ يُفترى” أي: وما وقع/ حدث/ حصل/ حديث يفترى” في الحديث/ القول/الأقوال/ أو كل ما ذُكر آنفا”.
ولإثبات ذلك نورد هذه الفقرة في سياقاتها المختلفة مع تفسيرها لنرى إمكانية ورودها بهذا المعنى:
أ- فانظر كيف ذكر الله تعالى ههنا سلسلتين متقابلتين: سلسلة موسى إلى عيسى، وسلسلة نبيِّنا خيرِ الورى إلى المسيح الموعود الذي جاء في زمنكم هذا، وإنه ما جاء من القريش كما أن عيسى ما جاء من بني إسرائيل، وإنه عِلْمٌ لساعةِ كافّةِ الناس كما كان عيسى عِلْمًا لساعة اليهود. هذا ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، وما كان حديث يُفترى، وقد شهدت السماء بآياتها، وقالت الأرض الوقتُ هذا الوقت، فاتق الله ولا تيأس مِن رَوح الله، والسلام على من اتبع الهدى.( الخطبة الإلهامية)
أي: ما وقع/حدث/ حصل حديث يفترى، في ما أشير إليه في الفاتحة، أوفي كلام وحديث الرسول بانه علم للساعة، أو في كل ما فصلناه سابقا، أو في ما جئتكم به كمسيح موعود (بشكل عام)، أو بأني أنا المسيح الموعود، بل شهدت السماء على صدقه بآياتها كما شهدت الأرض…
ب- فبشرى لكم قد جاءكم المسيح، ومسَحه القادرُ وأعطى له الكلام الفصيح، وإنه يعصمكم مِن فِرقةٍ هي للإضلال تسيح، وإلى الله يدعو ويصيح، وكلَّ شبهةٍ يُزيل ويُزيح. وطوبى لكم قد جاءكم المهدي المعهود، ومعه المال الكثير والمتاع المنضود، وإنه يسعى ليردَّ إليكم الغنى المفقودَ، ويستخرجَ الإقبالَ الموءودَ. ما كان حديث يفترى، بل نور من الله مع آيات كبرى. (الخطبة الإلهامية)
أي: ما وقع/حدث/ حصل حديث يفترى، بمجيئي وبعثي إليكم، أو بكل ما جئتكم به وقلته لكم، أو بكل ما فصّلته وذكرته آنفا، بل ما حصل هو نزول نور من الله إليكم مؤيدا بالآيات السماوية الكبرى.
ولا بدّ من التنويه، إلى أن هذين السياقين قد وردا في الخطبة الإلهامية، التي كتبت على الفور وكان كاتباها يراجعان المسيح الموعود على الفور إذا أشكل عليهم أمر في الكتابة، ثم طلبها المسيح الموعود بعد كتابتها وقرأها وسرّ بها، فكل هذا يجعل من إمكانية ورود خطأ فيها ضئيلة جدا، ولذا فإنني أقول بأن ورود ” كان” في هذه الفقرة لا يمكن أن يكون خطأ بل هو الوحي الإلهي الذي يحيط بأدق دقائق اللغة العربية وأسرارها، ويحيط بمعاني كان المختلفة لا سيما “كان” التامة؛ فهكذا جاء هذا الوحي وهذا الإلهام وهكذا نزل!!!.
ت- فمن زعم أن المهدي المعهود والمسيح الموعود رجلان يخرجان كالمجاهدين، ويسلاّن السيف على النصارى والمشركين، فقد افترى على الله ورسوله خاتم النبيين، وقال قولا لا أصل له في القرآن ولا في الحديث ولا في أقوال المحققين. بل الحق الثابت أنه: “لا مهدي إلا عيسى“، ولا حرب ولا يؤخذ السيف ولا القنا. هذا ما ثبت من نبيّنا المصطفى وما كان حديث يفترى، وشهد عليه الصحيحان في القرون الأولى، بما تركا تلك الأحاديث وإنْ في هذا ثبوت لأولي النهى، وتلك شهادة عظمى، فانظر إن كنتَ من أهل التقى. حقيقة المهدي (ص: 5)
أي: وما وقع/حدث/ حصل حديث يفترى فيما قاله نبينا المصطفى وثبت عنه في قوله ” لا مهدي إلا عيسى” أو في كل الأمور المفصلة سابقا، أنه لا مهدي إلا عيسى ولا حرب ولا يؤخذ السيف والقنا ، وأن المهدي والمسيح ليسا رجلين يخرجان كالمجاهدين.
ث- يكفّرونني وما أدري على ما يكفّرونني؟ وما قلتُ إلا ما قيل في القرآن، وما قرأت عليهم إلا آيات الرحمان، وما كان حديثٌ يُفترى، بل واقعة جلاّها الله لأوانها، ويعرفها من يعرف رحمة الرب مع شأنها. تذكرة الشهادتين (2/ 7)
أي: وما وقع/ حدث/ حصل حديث يفترى في ما قلته وما قرأته أو في بعثتي ومجيئي وادّعائي أنني أنا المسيح الموعود ، بل ما حصل هو واقعة جلاها الله لأوانها….
ج- وجئتُ لأُقيم الناس على التوحيد والصلاة، لا لإقناء أنواع الصِّلات. والله يعلم ما في قلبي، ويشهد بآياته أنهم كاذبون. ما كان حديث يفترى، بل جئت بالحق، وبالحق أرسلت، فما لكم لا تعرفون (الاستفتاء )
أي: ما وقع/حصل/حدث حديث يفترى بما جئت به بل جئت بالحق وبالحق أرسلت.
نرى بعد هذا التوضيح كيف أن معنى “كان” في هذه السياقات المختلفة يتلاءم ويتجانس مع السياق إيّما تجانس حين تُحمل “كان” على أنها تامة، مما يبرهن أن لا خطأ وارد في هذه الفقرة ” وما كان حديث يفترى” بل جاءت فقرة فصيحة بليغة كمظهر من مظاهر الإعجاز اللغوي عند المسيح الموعود عليه السلام.
ومن الفقرات الأخرى التي وردت فيها كان التامة في كتابات المسيح الموعود عليه السلام ما يلي:
3- أيرضى قلبك أن تُدفَن بين الكفار وكان على يمينك ويسارك كافران من الأشرار؟” (سر الخلافة، ص 36)
أي: وُجد/ يوجد على يمينك. وقد عبّر عن المستقبل بصيغة الماضي كما هو معروف في اللغة العربية ولا غرابة في ذلك، حيث كثيرا ما يعبر عن المستقبل بصيغة الماضي.
4- فليسمعْ من يكن له أُذُنان. (الخطبة الإلهامية) أي: يوجد له أذنان.
5- ووالله لو لم يكن دين الإسلام لتعسّرتْ معرفة ربّ العالمين. (الاستفتاء). أي: لم يوجد دين الإسلام.
6- فالذين يكون في قلوبهم مرض فيزيدهم الله مرضا. (حمامة البشرى) أي: فالذين يوجد في قلوبهم مرض.
7- ومنهم يكون قومٌ يقال لهم أصحاب الصفّة. (الاستفتاء) أي: منهم يوجد قوم يقال ..
8- فلو نترك الرفق… فلا يكون ذنب أكبر منه، وإذًا كنّا أخبث الظالمين. (حمامة البشرى) اي: لا يوجد ذنبٌ أكبر منه.
9- ولن يمكن أن يكون لكم الفتح إلا بإقامة الحجّة وإزالة الشبهة. (نور الحق) أي: لن يمكن أن يحدثَ/ يقع/ لكم الفتح..
10- ولو لم يكن خوفُ طول المكتوب لذكرتُ كلها. (حمامة البشرى، ص 30) أي: ولو لم يوجد/ يحصل/ يحدث/ خوف طول المكتوب..
11- فالمحدَّث نبيٌّ بالقوة، ولو لم يكن سدُّ باب النبوة لكان نبيا بالفعل. (حمامة البشرى) أي: ولو لم يوجد/ يحدث/ يحصل سدّ باب النبوة..
12_ فأي دليل يكون أوضح من هذا إن كان رجل من الطالبين؟ (حمامة البشرى) [ أي: إن وُجد رجل من الطالبين]
فهذا هو مفهوم “كان” في هذه الفقرات، وهذا هو أقصى ما يمكن أن يذهب إليه القارئ في فهمه لهذه الفقرات إذا ما أشكلت عليه، بحيث لا يمكن أن تعتبر “كان” فيها خاطئة أو لا فائدة من إدراجها في سياق الكلام، فهي لم تأت عابثة بل جاءة للدلالة على حدوث الحدث ووجوده وحصوله أو خلق الشيء، وأمثلتها عديدة في أمهات المصادر العربية والنحوية ويقرّ بها وبفصاحتها كبار النحويين.
ونعود ونذكّر أن بعض هذه الفقرات المذكورة أعلاه من كتابات المسيح الموعود عليه السلام، قد تُحمل “كان ” فيها على تخريج ومفهوم آخر غير التامة ،كأن تكون زائدة أو ناقصة، كما بيّناه بالنسبة لقوله تعالى “ لمن كان له قلب“، والذي قد تُحمل فيه “كان” على المعاني الأربع كلها ( ناقصة، تامة، زائدة، شأنية)؛ إذ إنّ الأمر يعود في نهايته إلى نيّة الكاتب التي لا نستطيع أن نجزم بها قطعا، مثلما وضّحناه في المقال السابق. فإن ما نريد أن نؤكده في بحثنا هذا، أنه بغض النظر عن نية الكاتب في مواضع “كان” هذه ومعانيها، فهي حتما تندرج تحت لغة من لغات العرب ولا ريب في وجود تخريج أو عدة تخاريج لها، وهو ما يهمنا في هذا الأمر. فانظروا كم هو شبيه هذا التعبير القرآني “ لمن كان له قلب” بتعبير المسيح الموعود عليه السلام” “من يكن له أذنان“؛ إذ نرى نفس هذه الصياغة واردة في القرآن الكريم ولو بتغيير طفيف، وهذا يشهد على صحة وفصاحة وبلاغة عبارات المسيح الموعود عليه السلام.
وعليه يثبت مرة أخرى أن ورود كان التامة في كلام عند المسيح الموعود ليس بأمر عبثي، وإنما له دلالاته وخاصيته اللغوية، وهي في هذه الفقرات جاءت للدلالة على الكينونة والحدث والخلق والوجود التام المؤكد؛ وهذه لغة من لغات العرب تقرّ بها أمهات المراجع النحوية واللغوية. وبذلك تكون مظهرا من مظاهر الإعجاز في لغة المسيح الموعود عليه السلام، وتأكيدا وتحقيقا لمعجزة المسيح الموعود عليه السلام في تعلمّه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة.
فقد كانت معجزة تعلم اللغة العربية في ليلة واحدة ولا ريب!!!
أوَكان للناس عجبٌ أن أوحى الله العليم لمسيحه عليه السلام “وما كان حديثٌ يُفترى“!؟