المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..283

النصب على نزع الخافض أو الحذف والإيصال

مجمع اللغة المصري يؤيد توجيهاتنا في نكتة الخلط بين الفعل اللازم والمتعدي

 

الاعتراض:

اعترض المعارضون على المسيح الموعود عليه السلام، أنه يخلط بين الفعل اللازم والمتعدي، فيعدّي الفعل اللازم بنفسه دون صلة للتعدية أي دون حرف الجر الملائم للتعدية. وكذا فإن هذا الخطأ لا يقتصر على تعدية هذه الأفعال بل أيضا على الاشتقاقات المشتقة منها، كاسم الفاعل واسم المفعول، وكذا في بناء هذه الأفعال للمجهول؛ ففي كل هذه الحالات يفتقر الفعل أو مشتقاته إلى صلة للتعدية. لتفصيل الاعتراض والوقوف على الجمل المعترض عليها في تعدية الفعل اللازم دون حرف الجر، يُنظر المقالات التالية : مظاهر الإعجاز 26  ومظاهر الإعجاز 72 ومظاهر الإعجاز 73 .

الرد:

كنا في المقالات المذكورة أعلاه قد اعتمدنا توجيهين أساسيين لتعدية هذه الأفعال بنفسها: الأول على التضمين، والثاني وفق معانيها المختلفة التي تتيح تعديتها بنفسها.

كما وكنا قد ذكرنا في مقال آخر، أننا لا نستبعد أن يكون الحذف والإيصال أي النصب على نزع الخافض، هو أحد التوجيهات لكل ما جاء من تعدية الفعل اللازم ومشتقاته دون صلة للتعدية في كلام المسيح الموعود عليه السلام. وقد ذكرنا كذلك الأسباب الوجيهة التي تدعونا إلى عدم استبعاد هذا التوجيه أيضا. (ينظر : مظاهر الإعجاز 221)

وهنا لنا أن نقول، أن ما منعَنا من الجزم بقطعية هذا التوجيه، هو أن أغلب النحاة يذهبون إلى أن النصب على نزع الخافض – رغم كثرته في اللغة- إلا أنه ليس مقيسا. ولكننا بعد الاطّلاع على الكثير من قرارات مجمع اللغة العربية المصر، رأينا أن المجمع وأعضاؤه الفحول، لا يتوانون عن الاعتماد على هذا التوجيه (النصب على نزع الخافض) من أجل توجيه العديد من العبارات والألفاظ والأساليب رغم عدم ورود السماع بها، ضاربين بذلك رأي من يقول بعدم قياسية هذا التوجيه من النحاة عُرض الحائط. فها هم يعتمدون على النصب على نزع الخافض في توجيه العبارات التالية:

1: “فعلتُ كذا رغمَ كذا” أو “رغمًا عن كذا”؛  على اعتبار (رغم) فيها منصوبة على نزع الخافض. (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب من 1934 إلى 1987، ص 103)

2: “يلعب الكرةَ” . على اعتبار (الكرة) منصوب على نزع الخافض . (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب من 1934 إلى 1987، ص 179)

3: “أمعن النظرَ” . على اعتبار (النظرَ) منصوب على نزع الخافض. (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب من 1934 إلى 1987، ص 184)

ومن بين ما وجهه المجمع على الحذف والإيصال، كانت تعابير مشتقة من الأفعال، كاسم الفاعل واسم المفعول، وهي مشابهة لما اعتُرض عليه من كلام المسيح الموعود عليه السلام. فمنها:

4: لفظ المشتَرك والمأذون. بدلا من المشترَك فيها و المأذون له.

5: لفظ فوضَه الأمر فهو مفوَّض. بدلا من فَوَض إليه الأمر وهو مفوَّض إليه.

فالألفاظ (مشترَك) (مأذون) و (مفوَّض) هي اسم مفعول مشتق من الأفعال اللازمة، ولا بد لها من حرف جر وصلة للتعدية، إلا أن المجمع أجازها على النصب على نزع الخافض، فقال فيها:

“يخطّئ بعض النقاد استعمال المعاصرين لهاتين الصيغتين في مثل قولهم، القضية المشتركة، والمأذون الشرعي، بناء على أن كلّا منهما قد اشتُقت من فعل يتعدى بالحرف، فيجب إتباع صيغة اسم المفعول فيهما بالجار والمجرور، ويقال: المشترَك فيها، والمأذون له.

درست اللجنة هذا، ثم انتهت إلى إجازة هاتين الصيغتين وما يجري مجراها؛ لأن الكلام فيهما على الحذف والإيصال، أي حذف حرف الجر واستتار الضمير في اسم المفعول، وهو ما أجازه ابن جني في خصائصه واستشهد له من الشعر القديم. ….

ولهذا كله ترى اللجنة إجازة استعمال (المشترَك) و (المأذون) في المعنى الذي يستعملان فيه لدى المعاصرين” (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب من 1934 إلى 1987، ص 164)

وفي التعابير “فوضت فلانا فهو مفوَّض، قال المجمع ما يلي:

” يشيع هذا الأسلوب كثيرا في اللغة المعاصرة؛ ومعناه:

أنَبْتُ فلانا، أو وكّلته عني في أمر من الأمور. وقد يبدو هذا الاستعمال مخالفا لما ورد في اللغة؛ إذ الفصيح أن يقال: فوضت أمري إلى فلان بمعنى تركته له، وأسلمته إليه، منه قوله تعالى: ” وأفوض أمري إلى الله”.

درست اللجنة هذا، ثم انتهت إلى أن الأسلوب المعاصر يمكن أن يجاز:

إما على أن الكلام فيه من قبيل نزع الخافض، وهو كثير في اللغة العربية. ومنه قول الشاعر : “تمرون الديار ..”، أي تمرون بها.

وإما على تضمين (فوّض) معنى (أناب) أو (وكّل).

ولهذا ترى اللجنة إجازة قول من يقول: (فوضتُ فلانا) وما يصاغ منه في لغة السياسة من قولهم: الوزير المفوَّض ونحو ذلك”.  (القرارات المجمعية في الالفاظ والأساليب من 1934 إلى 1987، ص 169)
ومن هنا نرى بأن المجمع يوافقنا في توجيه مثل هذه العبارات على التضمين، وهو التوجيه الأساسي الذي ذهبنا إليه، فنرى المجمع يوجه (فوّضه) على التضمين، ثم يؤيدنا في مسألة توجيه هذه العبارات أيضا على الحذف والإيصال أي النصب على نزع الخافض، ويذكر السببب في ذلك؛ وهو أن الحذف والإيصال كثير في اللغة العربية، ومن هنا فالمجمع لا يأبه لقول النحاة بعدم قياسية الحذف والإيصال ووجوب اقتصاره على السماع، فيجيز العديد من العبارات بناء عليه.

ولذا فبما أن المجمع يعتمد كثيرا على الحذف والإيصال في قراراته، فإن لنا أن نجزم الآن بأن كل العبارات في لغة المسيح الموعود عليه السلام، التي جاء فيها الفعل اللازم متعديا بنفسه سواء ببنائه للمعلوم أو المجهول أو جاءت مشتقات الفعل اللازم كاسم الفاعل واسم المفعول دون صلة للتعدية، فإن كل هذه العبارات تتوجه حتما على النصب على نزع الخافضاو الحذف والإيصال؛ هذا بالإضافة إلى التوجيهات الأخرى التي ذكرناها، لا سيما التضمين الذي نأخذ به على أنه التوجيه الأساسي لها. ومن هذه الجمل والعبارات ما جاء فيها الفعل متعديا بنفسه كمثل:

1: وقال اسجدني، أعطيك دولة عظمى (نور الحق).

2: فإنّا أُمِرنا أن نقتدي الأنبياء كلهم ونطلب من الله كمالاتهم. (حمامة البشرى)

3: ثم بعد وفاتهما قفوتُ أثرهما واقتديتُ سِيَرَهما (نور الحق )

ففيها ياء الضمير والأنبياءَ و سيرَهما،  كلمات منصوبة على نزع الخافض.

أو ما جاء فيها الفعل مبنيا للمجهول:

1: أم حسبتم أن تُغفَروا ويرضى عنكم ربكم ولما يجَدْكم ساعين لمرضاته والطائعين كالمخلصين

2: وأوجب عليهم حسن الظن ليجتنبوا طرق الهلاك ويُعصَموا، وفتح أبواب التوبة ليُرحَموا ويُغفَروا

3: وتظنّون أنكم تُغفَرون بمجاورة الأتقياء

4:  الذين إذا استغفروا متندمين فيُغفرون

5: وأنعَم عليه كما يُنعَم المرسلون؟

فأصل هذه الجمل على النصب على نزع الخافض كما يلي: أن يغفركم الله/ ليرحمهم الله ويغفرهم/ أن الله يغفركم / فيغفرهم الله/ ينعم اللهُ المرسلين. وفيها ضمير المخاطب والغائب وكلمة المرسلين منصوبات على نزع الخافض؛ وفي بناء الفعل للمجهول يتحول هذا المفعول إلى نائب فاعل مرفوع، كما هو واو الجماعة وكلمة المرسلون في الجمل الأصلية.

أو ما جاء فيها اسم الفاعل واسم المفعول مشتقا من الفعل اللازم دون صلة للتعدية :

1: والله إنهم كانوا من المغفورين

2: وإنهم من المغفورين

3: أولئك هم الصالحون حقًّا وأولئك من المغفورين

4: فأقامني برحمة خاصة في أيام إقلال وخصاصة، ليجعل المسلمين من المنعَمين

5: وما توفيقي إلا بالله الذي أنطقني من روحه، هو ربي ومحسني

6: فما كنتُ أن آبى مِن أمر ربّي، أو أفتري عليه مِن تلقاء نفسي. هو محسني ومنعمي

7: أيا محسني أُثني عليك

8: أَحْسِنْ إليّ يا مُحسني، ولا أعلم غيرك من المحسنين.

ففي كلمة (المغفورين) حدث الحذف والإيصال واستتر الضمر في اسم المفعول، وأصلها غفرَهم فهم مغفورون. وفي الكلمات (مُحسِني) و(مُنعِمي) حدث الحذف والإيصال وفيها ياء الضمير مفعول به منصوب لاسم الفاعل وأصل الجمل: أحسنني الله وأنعمني الله، فالله محسني ومنعمي.

وننوه هنا إلى أن المجمع اللغوي اعتمد كثيرا على التضمين في تخريج العديد من الألفاظ والأساليب، يمكن الرجوع إليها في نفس المصدر منها في الصفحات التالية: (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب من 1934 إلى 1987، هامش ص  152،و ص 168،)

 

 

وبناء عليه نرى بأن المجمع المصري، يوافقنا في توجيه هذه العبارات على التضمين، ويقودنا للجزم أن النصب على نزع الخافض هو أحد التوجيهات -ولا ريب-  لكل هذه الجمل.