المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..255

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..28

تأنيث المذكر وتذكير المؤنث مبالغة وتشبيها وللمدح والذم

الاعتراض :

يدّعي المعارضون -أو قد يدعون  -وقوع الخطأ في الجمل التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام :

“1: كشابٍ مسلوخةٍ عند وعظٍ معطَّلٍ.” (التذكرة، نقلا عن جريدة الحكم، مجلد 26، عدد 19 – 20، يوم 21 – 28/ 5/1924، ص 18)

2: رأيتُ زوجتي محلوق الرأس (التذكرة، ص 529).

3: فلا شك أن خلافته عاري الجلدة من حلل الثبوت، (سر الخلافة

4: وجودنا مسبوقة لوجود الأرض والسماوات (مكتوب أحمد، ص 21).

5:  رَبِّ زِدْ في عمري وفي عمرِ زوجي زيادةً خارِقَ العادةِ (التذكرة، ص 414).

وموضع الخطأ المزعوم هو في تأنيث وتذكير الكلمات: مسلوخة، محلوق، عاري، مسبوقة، وخارق. حيث جاءت هذه الكلمات خلاف ما هو معروف ومألوف من التذكير والتأنيث.

الردّ:

لا نرى أي خطأ في كل هذه المواضع، كما ليس بالضرورة أن تكون مواضع سهو؛ بل كلها تندرج تحت ما سُمع عن العرب من تأنيث المذكر وتذكير المؤنث لأسباب مختلفة أهمها هو المبالغة في الوصف والمدح والذم.

وقد أورد النحو الوافي هذا الأمر في سياق الحديث عن المطابقة وعدمها بين المبتدأ والخبر فجاء ما يلي:

“وقد تختلف المطابقة بين المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد إذا كان المبتدأ متعدد الأفراد حقيقة، ولكنه يُنَزَّل منزلة المفرد؛ بقصد التشبيه، أوالمبالغة، أونحوهما؛ سواء أكان بمنزلة المفرد المذكر أم المؤنث، وقد اجتمعا فى قولهم: المقاتلون فى سبيل الله رجل واحد وقلب واحد، وهم يد على من سواهم، وقولهم: التجارب مرشد حكيم، والمنتفعون بإرشاده قلعة تَرتدّ دونها الشدائد، ومن أمثلة التعدّد الحقيقى أيضًا، قول الشاعر:

المجْد والشَّرف الرّفيع صحيفةٌ … جُعِلتْ لها الأخلاق كالعنوان

وقد يختلفان تذكيرًا وتأنيثًا، ولكن مع إفراد المبتدأ وعدم تعدده وسبب الاختلاف – كسابقه – المبالغة، أو التشبيه ونحوهما؛ مثل: الشدة مربّ حازم، والتجربة معلم نافع، واللص هيابة، والمؤرخ نَسَّابة. وقد يختلفان كذلك إذا كان المبتدأ اسم جنس جمعيّا على الوجه الذى سبق تفصيله.” [النحو الوافي (1/ 459)]

فخلاصة كلام النحو الوافي، أن المبتدأ والخبر قد لا يتطابقان من حيث التذكير والتأنيث، والسبب في ذلك إما مبالغة أو تشبيها؛ وكل هذا سواء كان المبتدأ مفردا أو جمعا.

ومما يدعم كل هذا ما أورده الفراء في كتابه ” المذكر والمؤنث” حيث قال:

” وقد قيل “رجل مجذامة” و “مِطرابة” و “معزابة”، فجعلوا فيه الهاء، وهو على غير القياس، وزادوا فيه الهاء، لأن العرب قد تدخل الهاء في المذكر على وجهين ؛ أما أحدهما فعلى المدح ، والآخر ذمّ، فيوجهون المدح إلى الداهية، وتكون الهاء التي دخلت على الذكر، يراد بها المدح والمبالغة في نوعه الذي وصف به، فيقال (إنه لمـُنكرة من المناكير) و (إنه لراوية وعلامة).فهذا مذهب الداهية والمدح.

وأما الذمّ فقولهم: (إنه لجَخَابة هِلباجة فَقاقة)، فيما لا أحصيه، وكأنه يذهب به إلى البهيمة.

فهذان تأنيثان، وقد وضعا لمؤنثين، فأجرى فعل المذكر عليهما. ولو أتى بغير تأنيث، لكان صوابا. ” [ المذكر والمؤنث للفراء ، تحقيق د. رمضان عبد التواب، ص60]

وفي هامش نفس الصفحة، أورد المحقق من كتاب “المذكر والمؤنث لابن الأنباري ص132 ما يلي: “قال الفراء: إذا مدح الرجل بالنعت الذي فيه الهاء، ذهب به للمبالغة في مدحه إلى الداهية، وإذا ذم الرجل بالنعت الذي فيه الهاء، ذهب به للمبالغة في ذمه إلى معنى البهيمة “.

وكلام الفراء والنقل عنه واضح غني عن التوضيح، سوى أننا لا بدّ أن نؤكد الأمور التالية:
1: نرى بأن النحو الوافي لم يقصر هذه المبالغة والتشبيه على تأنيث المذكر بل أيضا تحدث عن تذكير المؤنث فيها.

2: نرى بأن عدم التطابق هذا في التذكير والتأنيث ليس مقصورا على وزن دون آخر، فليس الأمر مقصورا على وزن (مِفعال) بل نراه واردا في اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة مثل : مُفعَل، فاعِل، فعّال، فَعَال.

3: ليس الأمر مقصورا في جوزا عدم التطابق هذا على المبتدأ والخبر فقط، بل هو يطال النعت والمنعوت والحال وصاحبها، كما يظهر من حديث الفراء عن النعت فيما نقلناه أعلاه، وكما بيّنا ذلك في مواضع عدة ومقالات سابقة ، كمثل ما أورده النحو الوافي بقوله:

“كما يراعي اللفظ أو المعنى في الضمير يراعي أيضا في كل ما يحتاج للمطابقة أحيانا، مثل: الخبر، والصفة ونحوهما -كما أشرنا في الصفحة الماضية- وكما يجيء في باب التوكيد ج3 م116 ص415.” [النحو الوافي (1/ 263-262)] (ينظر : مظاهر الإعجاز251 حيث التفصيل في هذا)

وعليه، فإننا نرى بأن ما ورد من ألفاظ على غير المألوف في اللغة من حيث التذكير والتأنيث في الجمل السابقة من كلام المسيح الموعود عليه السلام، يندرج تحت هذا التوجيه من تأنيث المذكر وتذكير المؤنث للمبالغة والتشبيه والمدح والذم وفق التفصيل الآتي:

1: كشابٍ مسلوخةٍ عند وعظٍ معطَّلٍ.” (التذكرة، نقلا عن جريدة الحكم، مجلد 26، عدد 19 – 20، يوم 21 – 28/ 5/1924، ص 18)

بما أن مفهوم هذا الوحي والإلهام ليس واضحا، فقد يُقصد منه المدح على اعتبار أو آخر؛ وأغلب ظني أنه يذهب في اتجاه الذمّ، وذلك في تشبيه الشاب بالبهيمة -على حد قول الفراء – وهي مسلوخة، وذلك للدلالة على الضعف والموت الروحاني لعدم الاستفادة من الوعظ الذي عُطّل.

2: رأيتُ زوجتي محلوق الرأس (التذكرة، ص 529).

جاء وصف محلوق بالمذكر للمبالغة في الوصف.

3: فلا شك أن خلافته عاري الجلدة من حلل الثبوت، (سر الخلافة)

جاء التذكير في (عاري) للمبالغة في الدلالة على عدم ثبوت خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه مباشرة  بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما يدعي الشيعة.

4: وجودنا مسبوقة لوجود الأرض والسماوات (مكتوب أحمد، ص 21).

جاء التأنيث للمبالغة في قِدَم وجود الأرض والسماوات.

5:  رَبِّ زِدْ في عمري وفي عمرِ زوجي زيادةً خارِقَ العادةِ (التذكرة، ص 414).

جاء التذكير في (خارق) للمبالغة والاستكثار .

ومن الجمل الأخرى التي نراها تندرج تحت هذا التوجيه، رغم أننا كنا قد وجهناها على توجيهات أخرى مثل الحمل على المعنى في اللغة وغيره؛ ما يلي:

_ وأما عبدة الأصنام .. فهم قوم أنفدوا أعمارهم كالعبيد .. وتعرفين أيتها المليكة الجليلة أنهم مسلوبة الطاقات، ومطرودة الفلوات من دهر طويل. (التبليغ) حيث جاء فيها التأنيث للذم، حملا لهم على البهيمة الضعيفة المطرودة والمتشتتة في الفلوات.

_ وإنّما الجذب في الآيات المشهودة، والكرامات الموجودة، وبها تتبدّل القلوب، وتزكّى النفوس وتزول العيوب، فهي مختصّ بالإسلام، (الاستفتاء) جاء التذكير هنا للمبالغة في الاختصاص.

_  وكانت هذه الخُطّة مقدّرًا له في آخر الزمان من الله الرحمن. (الاستفتاء)  جاء التذكير هنا للمبالغة أيضا.

وبناء على كل هذا، لا نرى أي خطأ في كلام المسيح الموعود عليه السلام المعترض عليه.