المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..124

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية .. 23

تذكير الفعل مع المؤنث الحقيقي الظاهر والمضمر دون وقوع فاصل بينهما لغة من لغات العرب

(ملحوظة: هذا المقال هو خلاصة بحث شامل في هذا الموضوع سأنشره بعد هذا المقال، فمن يهمه المراجع والنصوص وآراء النحاة لا بدّ أن يقرأ البحث التفصيلي الذي سأنشره )

***************

الاعتراض:

اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام، لتذكيره الأفعال مع كون فاعلها مؤنثا، وذلك فيما جاء في الفقرات التالية:

  1. بل أعطانا ملِكةً راحمةً التي تربينا بوابل الإحسان والإكرام، … ورحمها (الله) كما ((هي رحمنا)) (نور الحق)
  2. ولا نجد سبيلا إلى حمل مريم من النكاح، فإن أُمّها كانت عاهدتِ الله ((أنها يتركها)) محرَّرةً سادنة، وكانت عهدها هذا في أيام اللِّقاح . (مواهب الرحمن)
  3. وتقرأُ [الملكة] بعض كتب لساننا من مسلم ((آواه عندها)) (حمامة البشرى)

**************

الردّ:

لغة تذكير الفعل للفاعل الظاهر الحقيقي التأنيث كـ (جاء هند)

  • تذكير الفعل للفاعل الظاهر المؤنث الحقيقي دون الفصل بين الفعل والفاعل، لهي لغة من لغات العرب أقرّها سيبويه ومثل لها بقول العرب: قال فلانة.
  • أكّد هذه اللغة العديد من جهابذة اللغة، مثل: السيرافي وابن كيسان وابن مالك والأخفش والرماني وأبو حيان الاندلسي والعديد من شراح ألفية ابن مالك، مثل: القاضي ابن عقيل والأشموني.
  • أقرّ ابن كيسان جواز هذه اللغة والقياس عليها في النثر، كما أقر أبو حيان الأندلسي هذا القياس على قلة، لمجرد ثبوت أنها لغة من لغات العرب، وأكّد الوقاد أن مفهوم كلام ابن مالك في ألفيته، هو جواز هذه اللغة والقياس عليها على قلة.
  • وأما أبو السعيد السيرافي فينتصر لهذه اللغة ويقول: عدم ورود هذه اللغة في القرآن الكريم لا يعني أنها لغة خاطئة، فليس كل لغات العرب يحويها القرآن الكريم .
  • ورد مثل هذه اللغة في الحديث الشريف، في صحيح مسلم على لسان عائشة رضي الله عنها، مما يؤكد أنها لغة للعرب لا بدّ من القياس عليها ولو على قلة .

****************************************************

لغة تذكير الفعل للفاعل المضمر الحقيقي التأنيث كـ (هند جاء):

  • أومأ ابن مالك أن تذكير الفعل للفاعل المضمر الحقيقي التأنيث لغة من لغات العرب غير المشهورة إلا أنه لم يفصل الحديث فيها.
  • يقرّ الدكتور ابراهيم السامرائي العضو المرافق في مجمع اللغة العربي الأردني، أن لزوم تاء التأنيث في الفعل للدلالة لعى الفاعل المؤنث ليس أصيلا في اللغة العربية، بل حدث طارئ اقتضاه التطور التاريخي للغة العربية.
  • يقرّ الدكتور السامرائي ويقول بأن اللغة العربية قبل القرآن الكريم لم تلتزم تاء التأنيث في الفعل للفاعل المؤنث.
  • يؤكد بحث الدكتور إبراهيم السامرائي ما أوما إليه ابن مالك بإمكانية كون لغة (هند جاء) لغة من لغات العرب غير المشهورة. أي يؤكد جواز هذه اللغة على لغات العرب.
  • الجمع بين مذهب سيبويه ومذهب ابن كيسان يؤكد صحة هذه اللغة:
  1. يجيز سيبويه وغيره من النحاة ولو على قلة كما أثبتنا أعلاه تذكير الفعل للمؤنث الحقيقي الظاهر: “قال فلانة.
  2. يقول ابن كيسان: لا فرق بين الفاعل الظاهر والمضمر . {فبما ان النحاة يجيزون تذكير الفعل للمؤنث الظاهر المجازي (طلع الشمس)، فيجوز عنده تذكير الفعل للمؤنث المجازي المضمر (الشمس طلع)}
  3. فبالجمع بين المذهبين نستنتج وفق مذهب ابن كيسان: جواز تذكير الفعل للفاعل المضمر الحقيقي التأنيث على قلة والقول: فلانة قال. لأنه لا فرق بين الظاهر والمضمر عنده؛ فإن صحّ:قال فلانة؛ لا بد أن يصح أيضا :فلانة قال؛على قلة.
  • يقر المذهب الكوفي أنه لا فرق بين (جاء محمد) و (محمد جاء)، فكلتاهما جملتان فعليتان أُسند فيهما الفعل (جاء) إلى الفاعل المقدم أو المؤخر (محمد). وهذا المذهب يؤكد قول ابن كيسان أنه لا فرق بين الظاهر والمضمر.
  • بالجمع بين مذهب سيبويه (قال فلانة) والمذهب الكوفي نستنتج صحة القول (فلانة قال) لأنه لا فرق بين الجملتين نحويا وفق المذهب الكوفي، وفي كلاهما أُسند الفعل إلى الفاعل (فلانة). فوفق هذا الجمع بين المذهبين يصحُّ القول بجواز تذكير الفعل للمضمر الحقيقي التأنيث على قلة (جاء هند)، كما جاز للظاهر حقيقي التأنيث(هند جاء).

********************************

– وبناء على كل هذا تثبت صحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام المذكورة أعلاه، والتي جاء فيها الفعل مذكّرا للفاعل المضمر الحقيقي التأنيث. وذلك على لغات للعرب أقر بها النحاة، ووفق مذهب ابن كيسان الذي لا يفرق بين الفاعل الظاهر والمضمر والمذهب الكوفي الذي لا يفرق بين الفعل المتقدم و المتأخر عن الفاعل .

– نتابع عد الفقرات من حيث وصلنا. فيصح القول وفق هذه اللغات:

  • 246- بل أعطانا ملِكةً راحمةً التي تربينا بوابل الإحسان والإكرام، … ورحمها (الله) كما ((هي رحمنا)) (نور الحق)
  • 247- ولا نجد سبيلا إلى حمل مريم من النكاح، فإن أُمّها كانت عاهدتِ الله ((أنها يتركها)) محرَّرةً سادنة، وكانت عهدها هذا في أيام اللِّقاح . (مواهب الرحمن)
  • 248- وتقرأُ [الملكة] بعض كتب لساننا من مسلم ((آواه عندها)) (حمامة البشرى)

– وجدير بالذكر أن تأنيث الفعل (كانت) في الجملة الثانية قد جاء حملا لكلمة (عهد) على معنى (الوصية) فهما ذات المعنى حقيقة.

– وفي هذه اللغة تثبت عظمة المسيح الموعود عليه السلام، في إلمامه بهذه اللغات العربية القديمة، ويثبت الإعجاز اللغوي عنده في تعلمه هذه اللغات من الله العلام.