المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..247

توجيهات إضافية لإضافة الموصوف إلى صفته

الاعتراض:

ملخص الاعتراض أن إضافة الموصوف إلى صفته خطأ، وهذا وارد في العبارات التالية فيما أشرنا إليه بين الأقواس المزدوجة .

1: لا تَظهَر حقيقتُه على الناس على ((وجهِ الكاملِ)) إلا في يوم المجازاة (كرامات الصادقين، ص 60)

2: كذلك زعم الذين خلوا من قبلك من اليهود، وما آمنوا بخير الرسل وحبيب ((ربِّ المعبودِ)) (سر الخلافة، ص 84).

3: لنقتريَ قِرى مرضاة ((ربِّ الرحمنِ)) (سر الخلافة، ص 113).

4: وإن سألت أن الله لِمَ آثرَه لصدر سلسلة الخلافة، وأيّ سر كان فيه من ((ربِّ ذي الرأفة)) (سر الخلافة، ص 32).

5: وجب على رجالٍ يتصدّون لمواطن المباحثات ويقتحمون سيول المباحثات، أن يكونوا ضابطين ((لقوانينَ العاصمةِ من الخطأ)) في الفهم (حقيقة المهدي، باقة، ص 180).

6: وانقلبوا ((بعقل الناقصِ)) (دافع الوساوس، ص 10)

7: وسبق الأقران في دقائق النواميس ((ومعضلاتِ الشرعيةِ)) (حقيقة المهدي، باقة، ص 182)

8: ومحوا آثار ((سننِ النبويّةِ)) (الاستفتاء، ص 42)

9: ورزقني من ((نِعمِ الدنيويةِ)) والدينيةِ (لجة النور، ص 37)

 

الرد:

لقد وجهنا هذه الفقرات كلها في مقال خاص على المذهب الكوفي في تجويزه إضافة اللفظ إلى نفسه ومن بينها إضافة الموصوف إلى صفته .(يُنظر: مظاهر الإعجاز 10 على الرابط التالي: https://wp.me/pcWhoQ-2vt )

إلا أننا ورغم هذا التوجيه الأصلي، رأينا أن بعض هذه الجمل – او كلها-  من الممكن أن تتوجه إلى توجيهات أخرى، متعلقة بكيقة تحريك هذه الألفاظ. إذ ليس بالضرورة أن يكون تحريكها من باب الإضافة كما حركت أعلاه. بل من الممكن أن تتوجه على بعض التوجيهات والإمكانيات التي ذهبنا إليها في وصف النكرة بالمعرفة وهي كما يلي:

التوجيه الأول :

جواز وصف النكرة بالمعرفة وفق المذهب الكوفي، إذا أفاد الوصف كأن يكون للمدح والذم:

وهذا أكثر ما نراه ينطبق على الفقرة الرابعة ليكون تحريكها كما يلي:

_ وإن سألت أن الله لِمَ آثرَه لصدر سلسلة الخلافة، وأيّ سر كان فيه من ((ربٍّ ذي الرأفة)) . بتنوين كلمة (ربٍّ) ، فتكون (ذي الرأفة) نعت لـ (ربٍّ) للمدح.

وقد تلحق الجمل الأخرى بهذه الجملة. وفي انطباق هذا التوجيه على الجمل الأخرى، لا بد حينها من تنوين اللفظ الأول منها لكونه نكرة،  واعتبار اللفظ الذي يليه نعتا معرفة له، حيث فيها كلها يظهر أو يُشتمّ معنى المدح أو الذم أو التعظيم . كما يلي:

_ لا تَظهَر حقيقتُه على الناس على ((وجهٍ الكاملِ))

_  وما آمنوا بخير الرسل وحبيب ((ربٍّ المعبودِ))

_  لنقتريَ قِرى مرضاة ((ربٍّ الرحمنِ))

_ أن يكونوا ضابطين ((لقوانينَ العاصمةِ من الخطأ)) في الفهم

_  وسبق الأقران في دقائق النواميس ((ومعضلاتٍ الشرعيةِ))

_ وانقلبوا ((بعقلٍ الناقصِ))

_ ومحوا آثار ((سننٍ النبويّةِ))

_  ورزقني من ((نِعمٍ الدنيويةِ)) والدينيةِ

 

التوجيه الثاني:

على البدل : حيث إنه لا يُشترط في البدل توافق التابع والمتبوع في التعريف والتنكير. وذلك باعتبار إمكانية ورود البدل مشتقا على قلة.

وهذا نراه أكثر ما ينطبق على الفقرة التاسعة، حيث البدل فيها بدل تفصيل وهو نوع من بدل  كل من كل:

_  ورزقني من نِعمٍ: الدنيويةِ والدينيةِ

وعن بدل التفصيل جاء في سياق الحديث عن جواز القطع فيه ما يلي:

” يصح الإتباع والقطع في البدل إذا كان المبدل منه مذكورا مجملا، مضمونه أفراد وأقسام متعددة، تذكر بعده مفصلة -بأن يشتمل الكلام بعده على جميع أقسامه كاملة نحو: مررت برجال، طويل، وقصير، وربعة … بالرفع، أو النصب: أو الجر في هذا المثال.

فإن كان الكلام غير مستوف أقسام المبدل منه تعين في البدل القطع نحو: مررت برجال طويلا وقصيرا، أو: طويل وقصير، بالرفع أو النصب في الكلمتين. إلا عند نية معطوف محذوف، فلا يتعين القطع وإنما يصح الأمران -كما يصح في الأول- وهما: البدل والقطع. ومن الأمثلة لهذا قوله عليه السلام: “اجتنبوا الموبقات، الشرك والسحر” بنصبهما. والتقدير: وأخواتهما … بدليل ذكر هذا المعطوف في حديث آخر.

فإن كان البدل خاليا من التفصيل جاز فيه الأمران أيضا: الإتباع والقطع. نحو: فرحت بعليّ أخوك أو أخاك على القطع فيهما. أو: أخيك على البدل … وسيجيء -في ص684 وما بعدها- إيضاح آخر لبدل التفصيل، وأنه نوع من بدل الكل.” [النحو الوافي (3/ 677-676)]

ما يهمنا من هذا النص هو كون الجملة: “ورزقني من نِعمٍ: الدنيويةِ والدينيةِ ” من بدل التفصيل كما الجمل المشابهة لها “اجتنبوا الموبقات: الشرك والسحر”.

وما يدعم هذا التوجيه للفقرات أعلاه على البدل الأمور الثلاثة التالية:

1: أنه في البدل لا يشترط تطابق البدل والمبدل منه بالتعريف والتنكير (ينظر: [النحو الوافي (3/ 674-675)] ومظاهر الإعجاز 245). والفقرات كلها إن أخذت على البدل فهي إبدال معرفة من نكرة .

2: ويدعمه إمكانية ورورد البدل اسما مشتقا على قلة،  رغم أنه يغلب عليه الجمود حيث جاء:  “والأغلب في “البدل” أن يكون جامدا، ومن القليل الجائز أن يكون مشتقا. فإذا أمكن إعراب المشتق شيئا آخر يصلح له، كان أولى.” [النحو الوافي (3/ 664)]. والألفاظ في الفقرات ذات الصلة، إما مشتقة أو جامدة مؤولة بالمشتق.

3: كما وما يدعم هذا التوجيه كون الألفاظ : الدنيوية، الدينية، النبوية ، الشرعية؛ هي من ألفاظ النسب وهي ألفاظ جامدة في أصلها ومؤولة بالمشتق.

حيث جاء عنها في سياق جواز وقوعها نعوتا لتأويلها بالمشتق ما يلي:

” الاسم الجامد الدالّ على النسب قَصْداً. وأشهر صُوَره أن يكون في آخرة ياء النسب، أو: أن يكون على صيغة: “فَعَّال”، أو غيرها من الصيغ  الدالة على الانتساب قصداً كما تدل ياء النسب، فهو يؤدي المعنى الذي يؤديه لفظ: “المنسوب لكذا”، نحو: ألـمحُ في وجه الرجل العربيّ كثيراً من أمارات الصراحة، والشجاعة، والكفاح. أي: المنسوب إلى العرب. ومثل: اشتهر الرجل اليوناني بالنشاط والهجرة إلى حيث يتسع الرزق أمامه، وفي بلادنا جماعة منهم تمارس الحِرَف والصناعات المختلفة. فتجد بينهم التاجر، والبقَّال، واللَّبان، والنجار، والحداد، … و…. أي: المنسوب للتجارة، والبقل، واللبن، والنَّجْر “النِّجارة”، والحديد…. وإنما ينسب إليها لأنه يلازم العمل فيها والتفرغ لها …

وهذا النوع من الأسماء الجامدة يصلح نعتًا للنكرة وللمعرفة؛ ولا بد أن يطابقهما تنكيرًا، وتعريفًا. تقول: ألمحُ في وجه الرجلِ العربيِّ النبلَ … أو: ألمح في وجه رجل عربي النبلَ-.-.” [النحو الوافي (3/ 460-459)]

ما يهمنا من هذا النص أن ألفاظ النسب ألفاظ جامدة في الأساس وهي مؤوؤلة بالمشتق. والألفاظ في الفقرات الثلاث الأخيرة من ألفاظ النسب الجامدة المؤولة بالمشتق.

وبناء على هذا، فنذهب إلى أن توجيه الفقرات الثلاث الأخيرة، لا سيما الأخيرة منها، على البدل  ليس بأمر مستبعد حيث البدل فيها اسماء جامدة من ألفاظ النسب. 

وأما الفقرات الأخرى فتوجيهها على البدل -رغم إمكانيته- فهو بعيد وبعيد جدا،  لكون البدل فيها أسماء مشتقة، بينما الغالب على البدل أن يكون جامدا. ولا يصح توجيه تلك الفقرات على البدل، إلا إذا أخذنا بالرأي القائل بجواز كون البدل اسما مشتقا على قلة، كما بيناه وتبينه المصادر التالية أيضا.

1: “والأغلب في “البدل” أن يكون جامدا، ومن القليل الجائز أن يكون مشتقا. فإذا أمكن إعراب المشتق شيئا آخر يصلح له، كان أولى.” [النحو الوافي (3/ 664)].

 

2: في اعراب كلمة (خيرَ) الواردة في ألفية ابن مالك في البيت التالي:

قال محمد هو ابن مالك … أحمد ربي الله خيرَ مالك

جاء في حاشية الصبان:

” قوله: “بدل أو حال” كونه بدلا لا يخلو عن ضعف لأن بدلية المشتق قليلة بل مقتضى كلام ابن هشام الذي نقله عنه المعرب امتناعها مع ما في جعله بدلا من ربي أن جعل الله بدلا من مخالفة الجمهور المانعين تعدد البدل …” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (1/ 17)]

 

 

3:  قوله: “وغيره بجعله بدلًا” أي: بناء على أن البدل لا يشترط فيه الجمود. [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 106)]

وأما توجيه الفقرات المذكورة على القطع في النعوت وفق المذهب البصري في الآيات {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (2) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (3)} (الهمزة 2-3)؛ فهو بعيد جدا أو غير ممكن، لأنها غير مستوفية لشروط القطع في النكرة؛ حيث من الشروط في نعت النكرة المحضة، أن لا يكون النعت المقطوع هو النعت الأول أو الوحيد، إلا في ضرورة الشعر.

النتيجة والخلاصة:

تلخيص التوجيهات في الفقرات المختلفة:

نرى أنه للفقرات المعترض عليها هنالك ثلاثة توجيهات ممكنة :
أولا: إضافة الموصوف إلى صفته وهو الوجيه الأساسي لكل الجمل المعترض عليها.

ثانيا: وصف النكرة بالمعرفة، وتحته قد تندرج كل الفقرات المذكورة خاصة ما يُرى فيها المدح أو الذم بشكل واضح، ولا سيما الفقرة الرابعة :((ربٍّ ذي الرأفة)) .

ثالثا: البدلية وهو توجيه رغم إمكانيته إلا أنه بعيد، لكون الكلمات ذات الصلة في أغلبها مشتقة وليست جامدة. اللهم إلا في الفقرات الثلاث الأخيرة ولا سيما الفقرة التاسعة : ورزقني من ((نِعمٍ: الدنيويةِ والدينيةِ)) التي قد يكون توجيهها الأساسي على بدل التفصيل.

وإذا ما وُجهت بعض هذه الفقرات على التوجيهين الثاني والثالث، فلا بد حينها من تنوين الكلمات المنكّرة لعدم إضافتها، وكل هذا ممكن حيث إن النسخ الأصلية لكتب المسيح الموعود غير محركة ، وقد عدنا إلى هذه الفقرات وفحصناها ووجدنا أنها بالفعل غير محركة فقد تنطبق عليها التوجيهات الثلاثة المختلفة.