# المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..127

حين يقطع النبي صلى الله عليه وسلم والنحاة معه، الشكَّ باليقين في “حال” كلمة “أجمعين”

التوجيه الثالث لنصب كلمة (أجمعين)

الاعتراض:

مما اعتُرض به على المسيح الموعود عليه السلام، هو نصبه لكلمة (أجمعين) في الفقرات التالية:
1 – ولولا دفعُ الله الطلاحَ بأهل الصلاح لفسدت الأرض ولسُدّت أبواب الفلاح ولهلك الناس كلهم أجمعين. (سر الخلافة، ص 63).

2 – وسجد لآدم الملائكة كلهم أجمعين. (نور الحق، ص 83).

حيث إن “أجمعون” هي من الألفاظ الملحقة بألفاظ التوكيد المعنوي، ووجب رفعها في مثل هذه المواضع؛ لأنها توكيد لكلمات مرفوعة فلا بدّ من رفعها.

 

الردّ:

لقد رددنا على هذا الاعراض في مقالين سابقين (آتوني ما زعم من أخطاء، على الرابط https://wp.me/pa2lnY-18Z ) و (مظاهر الإعجاز 106 على الرابط https://wp.me/pa2lnY-4CW ). وقلنا هناك أن التخريج الأول لهذه العبارة ” أجمعين” في الفقرات المذكورة هو كونها حالا منصوبة، وفق ما نقلناه من النحو الوافي، غير أن النحو الوافي قيّد هذا التوجيه، على أن تكون “أجمعين” بمعنى “مجتمعين”. وفصّلنا القول بأن هذا المعنى جائز ووارد في عبارات المسيح الموعود عليه السلام  إما حقيقة أو مجازا.

وأما التخريج الثاني، فكان على لغة إلزام جمع المذكر السالم الياء والنون في جميع حالات الإعراب.

ومن الشواهد الإضافية التي وجدناها، والتي تؤكد كون كلمة أجمعين حالا منصوبة، هو تأكيد العديد من النحاة مثل ابن كَيسان وابن دَرَستَوَيْه وأبي حيان الأندلسي، وابن مالك والقاضي عياض على هذا. كل ذلك بناء على حديث شريف للنبي صلى الله عليه وسلم، قال فيه “صلوا جلوسا أجمعين”.

وقد قال البعض إن هذا الرأي هو ما تفرد به ابن كيسان مؤسس المدرسة البغدادية في النحو، ومنهم من أعاده إلى ابن درستويه على أنه صاحب هذا الرأي. إلا أنه وبغض النظر عمّن هو صاحب هذا الرأي في الأصل، فقد اعتمده وتبناه العديد من النحاة واللغويين الآخرين، مثل ابن مالك والزبيدي وأبو حيان الأندلسي.

وهاكم ما جاء في هذا الصدد في المراجع النحوية واللغوية:

 

جاء في ارتشاف الضرب لأبي حيان الاندلسي ما يلي:

“فأما نصب أجمعين، و (جمع) على الحال فمنع ذلك الفراء، وأجازه ابن كيسان، واختاره ابن مالك، وقد جاء (جمعاء) بمعنى مجتمعة كما في الحديث {كَمَا تُنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ } أي مجتمعة الخلق، وأجاز الأستاذ أبو على أن يكون (أجمع) في معنى مجتمع في قوله:أرمى عليها وهي فرع أجمع ولا يتعين ما قال” [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (4/ 1953- 1952)]

 

ويقول ابن مالك في شرح التسهيل:

“وحكى الفراء: أعجبني القصر أجمعَ، والدار جمعاءَ بالنصب على الحال، ولم يجز في أجمعين وجمع إلا التوكيد. وأجاز ابن درستويه حالية أجمعين، وما ذهب إليه هو الصحيح، لأنه قد صح بضبط الثقات من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين”، وممن صحح النصب في أجمعين المذكور في الحديث المذكور القاضي عياض رحمه الله، وقال: إنه منصوب على الحال. ويروى: “فصلوا جلوسا أجمعون” على أنه توكيد للواو من فصلوا. وجعل بعضهم أجمعين توكيدا لضمير مقدر منصوب، كأنه قال: أعنيكم أجمعين؛ وهذا القول شبيه بقول سيبويه رحمه الله في: باب ما انتصب فيه الاسم لأنه لا سبيل إلى أن يكون صفة: مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسَهما”. هكذا قال سيبويه رحمه الله.”  [شرح التسهيل لابن مالك (3/ 295)]

وجاء في تاج العروس للزبيدي ما يلي:

“وحَكَى الفَرَّاءُ: أَعْجَبَنِي القَصْرُ أَجْمَعَ، والدَّارُ جَمْعَاءَ، بالنَّصْبِ حَالا، ولَمْ يُجِزْ فِي أَجْمَعِينَ وجُمَعَ إِلاَّ التَّوْكِيدَ. وأَجازَ ابنُ دَرَسْتَوَيْهِ حَالِيَّةَ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ الصَّحيحُ. وبالوَجْهَيْن رُوِيَ الحَدِيثُ فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعِينَ، وأَجمَعُون. عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ أَجْمَعِينَ تَوْكِيداً لِضَمِيرٍ مُقَدَّرٍ مَنْصُوبٍ، كَأَنَّهُ قالَ: أَعْنِيكُمْ أَجْمَعِينَ..” [تاج العروس (20/ 302) تاج العروس (20/ 303)]

 

وأما ابن عقيل فيقول:

“(وربما نصب أجمع وجمعاء حالين) – حكى الفراء: أعجبني القصر أجمع، والدار جمعاء، بالنصب على الحال؛ وحكى عنه الشلوبين إجازة نصب أجمعين وجمعاوين أيضاً في التثنية على الحال.

(وجمعاهما كهما على الأصح) – فيجوز نصب أجمعين وجمع على الحال، وهو قول ابن كيسان، وعن الفراء منع ذلك، وهو قول البصريين؛ واحتج للجواز بقوله عليه السلام: “فصلوا جلوساً أجمعين”؛ وخرج على أنه توكيد محذوف منصوب، أي أعينكم أجمعين.” [المساعد على تسهيل الفوائد (2/ 391)]

وأما بالنسبة لما قاله سيبويه فيما ما يشبه هذا الموضوع من باب ما يُنصب فيه الاسمُ لأنه

لا سبيل له الى أن يكون صفةً ، فقال ما يلي:

وسألتُ الخليل رحمه الله عن: مررت بزيدٍ وأتاني أخوه أنفسهما، فقال: الرفع على هما صاحباي أنفسُهما، والنصب على أعنيهما، ولا مدح فيه لأنه ليس مما يُمدح به. (الكتاب 102)

وهذا متفق مع التخريج الذي يذهب إلى كون أجمعين توكيدا منصوبا، على اعتبار محذوف بتقدير (أعنيهم أجمعين).

وبناء على هذا التخريج يكون تقدير الفقرا من كلام المسيح الموعود عليه السلام :

1 : ولهلك الناس كلهم أجمعين. أي: كلُّهم أعنيهم أجمعين.

2 : وسجد لآدم الملائكة كلهم أجمعين. أي: كلُّهم أعنيهم أجمعين.

وقد يكون الهدف البلاغي من إضافة كلمة (أجمعين) هنا، هو لكي يكون معنى كلمة (كل) أي الكل الجميعي الشمولي الذي يشمل الأفراد فردا فردا ، وليس فقط الكل المجموعي. (يُنظر هامش النحو الوافي ،ج3، ص 512-513)

 

الخلاصة والنتيجة:

  • نرى أن النحاة -ومنهم الفراء- قد ذهبوا إلى نصب ألفاظ أخرى للتوكيد المعنوي، مثل:جمعاء، وأجمع؛ حملا لها على الحال.
  • ومن النّحاة من جوّز نصب كلمة (أجمعين) على الحال مستدلين بالحديث الشريف : {وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ} (مسند أحمد, كتاب باقي مسند المكثرين)؛ وهذا الحديث وارد عن ثقاة في مسند أحمد وابن ماجة
  • من النحاة الذين جوّزوا نصب أجمعين على الحال كان ابن كيسان مؤسس المدرسة البغدادية، وابن مالك، وابن درستويه.
  • لا نرى، أو على الأقل لا يظهر بشكل قطعي، في هذه المراجع أنها تشترط نصب هذه الكلمات:أجمع، وجمع، وأجمعين؛ على الحال بأن تكون بمعنى مجتمع أو مجتمعة ومجتمعين. رغم أنها ذكرت هذه الإمكانية وهذا المعنى. ولا أدري كيف يمكن حمل هذه الألفاظ بمعنى مجتمع أو مجتمعة، فيما جوّزه الفراءحيث قال: القصرُ أجمعَ والدارُ جمعاءَ، بغير حملها على المجاز في معنى الاجتماع، كما أشرنا إليه في المقال الأول في تفسير عبارات المسيح الموعود عليه السلام.

 

  • من التوجيهات الأخرى في نصب (أجمعين) هو كونها منصوبة على التوكيد بمقدر محذوف تقديره: أعنيكم/ أعنيهم أجمعين. وشبّه ابن مالك هذا النصب بباب خاص أفرده سيبويه في “الكلمات المنصوبة لأنه لا سبيل أن يكون صفة “.
  • ومن هنا تثبت مرة أخرى صحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام، أعلاه بكون كلمة “أجمعين” حال منصوبة؛ دون اشتراط قاطع أن يكون معناها “مجتمعين” كما ذهب إليه النحو الوافي.
  • ثم تثبت صحتها وفق توجيه آخر، وهو كونها توكيدا لمقدر محذوف، كما بيّنا.