المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..318

توجيه جديد من مجمع اللغة العربية لمسألة الخلط بين الفعل اللازم والمتعدي والأخطاء في الفعل اللازم.

الاعتراض:

من بين الاعتراضات على لغة المسيح الموعود عليه السلام، أنه يخلط بين الفعل اللازم والمتعدي بسبب العجمة وتأثير اللغة الأردية عليه، ولعدم تمكنه من اللغة العربية. فوفق هذا الاعتراض فإن حضرته يجعل الفعل اللازم متعديا والعكس كذلك، كما في الفقرات التالية:

_ وقال اسجدني، أعطيك دولة عظمى (نور الحق). بدلا من اسجد لي.

_ عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمْ عَلَيْكُمْ (البراهين الاحمدية) بدلا من يرحمكم.

_ “يا داود عامِلْ بالناس رفقًا وإحسانًا.( التذكرة) بدلا من عامل الناس.

كما اعتُرض على المسيح الموعود عليه السلام، أنه يأتي باسم الفاعل واسم المفعول من الفعل اللازم دون صلة للتعدية ،كما في الفقرات التالية وبجانبها تصحيحات المعترض:

_  أولئك هم الصالحون حقًّا وأولئك من المغفورين (الهدى والتبصرة، ص 74). الصحيح: المغفور لهم.

_ فأقامني برحمة خاصة في أيام إقلال وخصاصة، ليجعل المسلمين من المنعَمين.. (إتمام الحجة، ص 70). الصحيح: المنعم عليهم.

_  فما كنتُ أن آبى مِن أمر ربّي، أو أفتري عليه مِن تلقاء نفسي. هو محسني ومنعمي (دافع الوساوس، ص 13). الصحيح: المحسن إليّ والمنعم عليّ.

كما واعترض كذلك على أن المسيح الموعود عليه السلام، يبني الفعل اللازم للمجهول دون صلة للتعدية، كما في الفقرات التالية:

_ أم حسبتم أن ((تُغفَروا)) ويرضى عنكم ربكم ولما يجَدْكم ساعين لمرضاته والطائعين كالمخلصين (نور الحق، ص 15). والصحيح :يغفر لكم

_ وأنعَم عليه كما ((يُنعَم)) المرسلون؟ (الاستفتاء، ص 20). والصحيح: ينعم على المرسلين.

وقيل كذلك بان المسيح الموعود عليه السلام أخطأ في الجملة التالية:

الغَمْرُ يبدو ناجذيه تغيّظًا  (مكتوب أحمد)

وموضع الخطأ فيها هو الفعل يبدو وحقه ان يكون يُبدي.

 

الرد:

كنا قد وجهنا كل هذه الفقرات وأمثالها على توجيهات مختلفة منها، وأولها وأهمها التضمين في اللغة، ثم النصب على نزع الخافض، وكذلك دخول الباء على المفعول. أما الجملة الأخيرة (الغمر يبدو ناجذيه) فقد وجهناها توجيها منفصلا، وهو إمكانية مجيء صيغة فعَله على معنى أفعَلَه في لغات العرب. وقد ألمحنا وفق رأي للأستاذ عباس حسن أنه بغض النظر عن التضمين، فإنه من الممكن أن تكون هذه الأفعال في أصل اللغة، تاتي على هذه الاختلافات من التعدية واللزوم، وكذا التعدية بأحرف جر مختلفة.

وقد سار شوقي ضيف العلامة، على نهج ما ذهب إليه عباس حسن في بحث مستفيض له في مسألة تعدية ولزوم الفعل ليؤكد لنا ما يلي:

1: الكثير من الأفعال اللازمة، كثيرا ما تتحول في اللغة العربية إلى متعدية بنفسها، إلى مفعول به وهي على نفس صيغتها، ومثّل لذلك بالعديد من الأمثلة، منها: جبرتْ يدُه وجبرتُها/ عمر المنزلُ وعمرته/ خسف المكان وخسفته. ونظرا لهذه الكثرة خلص الباحث للقول بجواز تعدية الفعل الثلاثي اللازم بنفس صيغته، إذا دعت لذلك حاجة علمية أو بلاغية. واقترح بأن تزاد هذه الصورة من تعدية الفعل اللازم، إلى الصور الأربع القياسية في تعدية الفعل اللازم، وهي: التعدية بالهمزة والتضعيف وزيادة ألف المفاعلة أو صوغه على استفعل.

2: يكثر في اللغة الأفعال التي تتعدى بنفسها، فتستحيل بعدها لأن تتعدى بحرف الجر مثل: بحثه وبحث فيه / جحده وجحد به / وغفره وغفر له . وبناء على هذه الكثرة أخرج الباحث هذه الظاهرة من إطار التضمين، ليقول بجواز وقياسية تحول الفعل المتعدي بنفسه، إلى فعل متعد بحرف من حروف الجر، إذا دعت لذلك حاجة علمية وبلاغية.

3:  يكثر في اللغة الأفعال التي تتعدى بحرف جر، فتستحيل بعدها لان تتعدى بنفسها بإسقاط حرف الجر، وهذه في الحقيقة ظاهرة معبرة عن حقيقة هذه الأفعال ولا علاقة لها بالتضمين أو النصب على نزع الخافض كما ذهب إليه النحاة ؛ وبناء على هذا خلص الباحث إلى جواز وقياسية تعدية الفعل بنفسه إذا كان من الأفعال التي تتعدى بحرف الجر ، وهذا الجواز وهذه القياسية سارية إذا دعت لها حاجة عليمة أو بلاغية.

فخلاصة قوله أن هذه الثلاث هي ظواهر من متن اللغة العربية، وهي ظواهر معبرة عن حقيقة هذه الأفعال، انها تارة تاتي لازمة واخرى متعدية، وتارة تتعدى بنفسها وتارة اخرى بحرف جر، دون أن يكون لذلك علاقة بالتضمين أو نزع الخافض أو غيره مما ذهب إليه النحاة.

وقد تطرق الباحث إلى معاني أحرف الجر التي تزاد مع الأفعال المتعدية بنفسها، وأقر أنها لا تأتي عابثة، بل قال أن الكوفيين لم يأخذوا بمسألة التضمين فيها، وإنما اعتبروها حروفا زائدة. وهم في نظرتهم هذه كانوا أدق فقها وإحساسا بطبيعة اللغة العربية، وليس معنى زيادتها أنها لا تفيد معنى؛ فهي دائما تفيد تأكيد الفعل، وقد تقوي عمله كما لاحظ النحاة، وأيضا قد تضيف إليه شيئا من معناها، وهو عادة معنى لا يكاد ينضبط في استخدامه مع الأفعال المتعدية بنفسها. ولذلك عدد النحاة الكوفيون ومن تابعهم معاني تلك الحروف، ولم يقفوا عند معنى وضعي واحد لكل حرف كما ذهب إليه البصريون.

وبناء على كل هذا، خرج مجمع اللغة العربية بالقرار التالي في لزوم الفعل الثلاثي وتعديه:

“أ: يجوز أن يتعدى الفعل الثلاثي اللازم بنفس صيغته إلى مفعول به منصوب، إذا تطلبت ذلك حاجة علمية أو بلاغية.

ب: يجوز تحويل الفعل الثلاثي المتعدي بنفسه إلى فعل متعد بحرف من حروف الجر، إذا دعت إلى ذلك حاجة علمية أو بلاغية.

ج: يجوز تحويل الفعل الثلاثي المتعدي بحرف من حروف الجر إلى فعل متعد مباشرة، إذا تطلبت ذلك حاجة علمية أو بلاغية. “ (في أصول اللغة، ج4، ص204)

وبناء على هذا القرار، لنا أن نضيف إلى توجيه الفقرات المعترض عليها في كلام المسيح الموعود عليه السلام في مسألة التعدية واللزوم، هذه التوجيهات الثلاث، التي أقرها مجمع اللغة ، ليكون التوجيه كما يلي:

كل الجمل التالية توجيهها على البند الثاني من قرار المجمع، في جواز وقياسية تحويل الفعل المتعدي بنفسه إلى متعد بحرف الجر. أو أنها في أصل اللغة أفعال تتعدى بنفسها وبحرف الجر معا.

الفعل عامل:

1: “يا داود عامِلْ بالناس رفقًا وإحسانًا.( التذكرة)

2:  لا يفكّرون في فعل الله وفيما عامل بعبده. ؟  (الاستفتاء)

3: وإنّهم آلوا أن لا يعاملوا به إلا ظلمًا وزُورا. (الاستفتاء)

4: أتجوّز عقولكم أن تلك المعاملات كلّها (يعامل الله برجل) يعلم أنه يفتري عليه، ويكذب أمام عينيه؟ (الاستفتاء)

5: ألا يرون الآيات من ربي، أو رأوا كمثله ((معاملة الله برجل)) افترى؟ ( الاستفتاء)

 

الفعل رحم:

6: “عَسَى رَبُّكُمْ أنْ ((يَرْحَمْ عَلَيْكُمْ)) وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنَا، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا.” {الحاشية الثالثة على الحاشية رقم 11 ، االبراهين الأحمدية}

7: “عسى ربّكم أن ((يرحم عليكم)) ، وإن عدتم عُدْنا، وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا.” (التذكرة )

8: ربِّ ((ارْحمْ على)) الذين يلعنون عليّ. (دافع الوساوس)

9: ولم يبق فيهم من يتعاشر بالمعروف، ((ويرحم على الضعيف)) المؤوف.( التبليغ)

10:قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبِبْكم الله ويغفِرْ لكم ذنوبكم ((ويرحَمْ عليكم)) وهو أرحم الراحمين.” ( التبليغ)

11: ورأيت أنه يحبّني ويصدّقني، ((ويرحم عليّ))، ويشير إلي أن عُكّازته معي وهو من الناصرين. ( التبليغ)

12: وكن معه حيثما كان، ((وارحم عليه)) في الدنيا والآخرة، وأنت أرحم الراحمين. آمين ثم آمين. ( التبليغ)

13: خاطبني بنهجٍ كأنه يشير إلى ((الرُحم عليهم)) في الأيام الآتية (مكتوب احمد )

14: وكان الجزاء في كل هذه الأمور القتل والنهب، وإن خُفِّف فتقطيع الأيدي والأرجل، وإن ((رُحِمَ عليه)) فالحبس الشديد( التبليغ)

الفعل ناضل:

15: فما لنا أن ((نناضل بهذا الفاضل)) الأجلّ، إنّا من الجاهلين الأميين.” (مكتوب احمد)

الفعل وَعَد:

16: وقد ((وعد الله للذين)) تُوُفّوا مسلمين أنهم لا يُردّون إلى الدنيا (التبليغ) أكد أقر

17: فهذا يُخالف نص القرآن الكريم لأن القرآن، كما ذكرت آنفا، قد وعد لمتّبعي عيسى ابن مريم – عليه السلام – وعدًا مؤكّدًا بالدوام وقال  (حمامة البشرى)

18: فانظر كيف وعد الله للكافرين لعنة أبدية، حمامة البشرى (2/ 82)

19: فقد وعد الله لهم وقال: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، حمامة البشرى (2/ 137)

20: أن الله قد وعد في هذه الآيات للمسلمين والمسلمات (سر الخلافة)

الفعل كَلَّم:

21: وكلّمني كما كلّم برسله الكرام. (الاستفتاء)

22: فيكلم بعضهم بالبعض كأنه لا حجاب بينهم وكأنهم متقاربون.(التبليغ)

 

الفعل أنكر:

23: ولعنةُ الله على مَن أنكر بإعجاز القرآن وجوهرِ حُسامه. (الهدى والتبصرة لمن يرى)

الفعل أمر:

24: وأمَر الله تعالى لجبرائيل أن يُوحي إليهم كلهم في آن واحد. (حمامة البشرى)

الأفعال تجنّبَ واجتَنَبَ:

25: وأمتنَ أسبابِ العافية كفُّ اللسان والتجنب من السبّ والغيبة، والاجتناب من أكل لحم الإخوة. (سر الخلافة )

الفعل جادَلَ:

26: “وإني أَعزِمُ عليكم بالله الرحمن، أن تَذَرُوني (مجادِلاً بأعداء) المصطفى والفرقان، وتُمِدُّوني بكَفِّ اللسان. (دافع الوساوس)

الفعل أجاب:

27: ويعلمون أن هذا القول قول يجيب به عيسى بحضرة العزّة يوم القيامة. (الاستفتاء).

الفعل سألَ:

28:  وإن كنتَ تحسبني كاذبا فأَرِ الخلْق سرّي، واكشِفْ ستري، ((واسئلْ من أهل)) هذه القرية، لعلك تُنصَر من العدا. (الاستفتاء)

29: وإن ظهر صدقي فما أسأل أجرًا منك. (التبليغ )

الفعل كَرِه:

30: وأما كراهتنا من بعض معجزات المسيح فأمرٌ حق، (حمامة البشرى)

31: بل كنت أحبّ أن أعيش مكتومًا كأهل القبور، فأخرجني ربي على كراهتي من الخروج (الاستفتاء)

32: فأخرجني الله من حجرتي، وعَرّفني في النَّاس، وأنا كارهٌ من شهرتي، (الاستفتاء)

33: وهو يطوف بين الركن والمقام، فيبايعونه وهو كارهٌ من بيعة الأنام. (نور الحق)

الفعل لعن:

34: رَبِّ ارْحَمْ على الذين يلعَنون عليّ. (دافع الوساوس)

وكل الفقرات التالية توجيهها على البند الثالث من قرار المجمع، في جواز وقياسية تعدية الفعل بنفسه إذا كان متعديا في الأصل بحرف الجر. أو أنها أفعال في أصل اللغة متعدية بنفسها وبحرف الجر.

الفعل سجد:

35: وقال اسجدني، أعطيك دولة عظمى (نور الحق).

الفعل أحاط:

36: أأنتم تحيطون أسراره أو تجادلونه معترضين؟ (مكتوب احمد)

37: ولله دقائق في أسراره، واستعارات في أخباره، أأنتم تحيطونها أو تنكرون كالمستعجبين؟ (مكتوب احمد)

الفعل اقتدى:

38: فإنّا أُمِرنا أن ((نقتدي الأنبياء)) كلهم ونطلب من الله كمالاتهم. (حمامة البشرى)

39: ثم بعد وفاتهما قفوتُ أثرهما واقتديتُ سِيَرَهما (نور الحق )

الفعل اعترف:

40: فهذا هو السبب الذي ألجأنا إلى اعتراف وفاة المسيح. (تحفة بغداد)

 

وكذلك الأمر في كل الفقرات التالية المتعلقة بصوغ اسم الفاعل واسم المفعول والمبني للمجهول من الفعل اللازم دون صلة للتعدية، فهي كلها متوجهة على البند الثالث من قرار المجمع، والذي يقول بجواز وقياسية تعدية الفعل بنفسه، إذا كان متعديا في الأصل بحرف الجر. أو أنها أفعال في أصل اللغة متعدية بنفسها وبحرف الجر.

1: والله إنهم كانوا من ((المغفورين)) (سر الخلافة، ص 15).

2: وإنهم من ((المغفورين)) (إعجاز المسيح، ص 13).

3: أولئك هم الصالحون حقًّا وأولئك من ((المغفورين)) (الهدى والتبصرة، ص 74).

4: فأقامني برحمة خاصة في أيام إقلال وخصاصة، ليجعل المسلمين من ((المنعَمين)) (إتمام الحجة، ص 70).

5: وما توفيقي إلا بالله الذي أنطقني من روحه، هو ربي و((محسني)) ومعلمي (التبليغ، ص 158).

6: فما كنتُ أن آبى مِن أمر ربّي، أو أفتري عليه مِن تلقاء نفسي. هو ((محسني ومنعمي)) (دافع الوساوس، ص 13)..

7: أيا ((محسني)) أُثني عليك (كرامات الصادقين، ص 11).

8: أَحْسِنْ إليّ يا ((مُحسني))، ولا أعلم غيرك من المحسنين (نور الحق، ص 129).

 

صوغ المبني للمجهول:

1: أم حسبتم أن ((تُغفَروا)) ويرضى عنكم ربكم ولما يجَدْكم ساعين لمرضاته والطائعين كالمخلصين (نور الحق، ص 15).

2: وأوجب عليهم حسن الظن ليجتنبوا طرق الهلاك ويُعصَموا، وفتح أبواب التوبة ليُرحَموا ((ويُغفَروا)) (سر الخلافة، ص 104).

3: وتظنّون أنكم ((تُغفَرون)) بمجاورة الأتقياء (حجة الله، ص 102).

4: الذين إذا استغفروا متندمين ((فيُغفرون)) (التبليغ، ص 75).

5: وأنعَم عليه كما ((يُنعَم)) المرسلون؟ (الاستفتاء، ص 20).

أما الجملة الأخيرة المعترّض عليها : الغمر يبدو ناجذيه. فهي متوجهة على البند الأول من قرار المجمع والذي يجيز ان يتعدى الفعل اللازم بنفس صيغته إذا دعت لذلك حاجة علمية أو بلاغية. ففيها الفعل بدا الثلاثي اللازم جاء متعديا.

وبهذا نكون قد وجهنا كل تلك الفقرات، توجيها جديدا، إضافة إلى كل التوجيهات السابقة التي ذكرناها، لندحض بذلك اعتراض المعترض من نواح وزوايا توجيهية مختلفة.