المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..204
جواز القياس في صوغ الصفة المشبهة على وزن فعيل وفعِل
الاعتراض:
يدعي المعارضون خطأ المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التالية، باستعماله الكلمات (ضخيم) و (وَسِم)، ووفق زعمهم لا بدّ أن تكون (ضَخْم) و (وسيم). ومفهوم زعمهم أن هذه الكلمات خاطئة وكأنها ليست من اللغة العربية الصحيحة والفصيحة. والفقرات التي يعترضون عليها هي:
1: فإن كنت في شك فارجع إلى القاموس وتاج العروس والصحاح وكتاب ضخيم المسمى لسان العرب. (نور الحق)
2: وتفصيل ذلك أن شابًّا صالحا وَسِمًا جاءني من بلاد الشام (نور الحق)
الرد:
يكفينا لإثبات صحة الكلمات (ضخيم) و (وَسِم)، والتي هي صفات مشبهة باسم الفاعل لأنها صفات ثابتة لصاحبها ومشتقة من الأفعال الثلاثية اللازمة المتصرفة (ضخُم) و(وسُم) مضمومي العين، يكفينا لذلك إقرار النحاة وعلى رأسهم عباس حسن صاحب النحو الوافي والأشموني وغيرهم، أن الأوزان (فعيل) و(فعِل) هي صيغ قياسية في الصفة المشبهة، ويمكن القياس عليها. ففي الصفة المشبهة والقياس فيها يقول النحو الوافي عن صيغ المبالغة ما يلي:
“الصفة المشبهة ثلاثة أنواع قياسية:
أولها وأكثرها: “الأصيل”، وهو المشتق الذي يصاغ أول أمره من مصدر الفعل الثلاثي، اللازم، المتصرف؛ ليدل على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتًا عامًا -وقد شرحناه بالأمثلة- ولهذا النوع أوزان وصيغ كثيرة خاصة به، وسنذكر أشهر القياسي منها….” [النحو الوافي (3/ 284)]
وعن اشتقاق هذه الصيغ من الثلاثي الذي على وزن (فَعُل) وهو الوزن الذي يهمّنا، لأن الأفعال (ضَخُم) و(وَسُم) على هذا الوزن، فيقول:
“إذا كان الثلاثي اللازم على وزن: “فعُل” “بضم العين” فالصفة المشبهة كثيرة الأوزان؛ فقد تكون على وزن: “فعيل”؛ مثل: شرُف فهو شريف، نبُل فهو نبيل، قبُح فهو قبيح.
أو: على وزن: “فَعْل”؛ مثل: ضخُم فهو ضخْم، شهُم فهو شهْم، صعُب فهو صعْب.
أو على وزن: “فَعَل”؛ مثل: حسُن فهو حَسَن، بَطُل فهو بَطَل.
أو على وزن: “فَعَال”؛ …أو على وزن: “فُعَال”؛ …أو على وزن: “فُعْل”…أو على وزن: “فَعِل” مثل نَجُس الصديد فهو نَجِس..أو على وزن: “فَاعِل”“[النحو الوافي (3/ 287-288)]
وفي القياس على هذه الأوزان يقول عباس حسن:
“الصفة المشبهة قياسية “كما صرح بهذا في أول بابها الأشموني -وغيره- كالتصريح في أول باب: “كيفية أبنية أسماء الفاعلين … وفي أول باب: الصفة المشبهة”؛ فيجوز صياغتها على وزن إحدى الصيغ التي عرضناها، بشرط أن تتحقق الشروط والأوصاف الخاصة بهذه الصيغة. ولا التفات إلى الرأي القائل بوجوب الاقتصار على الصيغ السماعية إن وجدت؛ لأن الأخذ بهذا الرأي معطل للقياس؛ منافٍ لمعناه الحقيقي، وللغرض منه. فوق ما فيه من إعنات ومشقة لا يحتملها جمهرة الخاصة، بله العامة؛ إذ يطالب بالرجوع إلى المراجع اللغوية، وجميع المظان الحاوية لمفرداتها، للبحث عن الصيغة السماعية قبل استعمال القياسية. فإذا ثبت عدم وجود صيغة سماعية جاز استعمال القياسية … وليس هذا بمعقول ولا سائغ، بل ليس من صالح اللغة تضييقها على هذا الوجه المعوق لها، الحائل دون استعمالها، من غير فائدة مرجوة في هذا التحجير والإرهاق.
وأعجب من هذا رأي آخر يحرم استخدام الصيغ القياسية مطلقًا “مع وجود أخرى سماعية أو عدم وجودها، كالذي قيل في صوغ المصدر ص188 وما بعدها”. زاعمًا أن إيجاد الصيغة القياسية إنما هو إيجاد وخلق للفظ لم ينطق به العرب أصحاب هذه اللغة، المستأثرون بخلق مفرداتها وكلماتها، وهو زعم خاطئ دفعناه مرارًا في أجزاء هذا الكتاب، وأوضحنا أسباب خطئه؛ قاصدين أن نكشف خطره وضرره، كي لا يجد له في أيامنا واهِمًا يأخذ به.
وهذه المناسبة تحملنا إلى أن يعود فنردد هنا أيضًا ما سبق أن عرضناه في رقم 3 من هامش ص188 من إباحة استخدام المصدر وغيره استخدامًا قياسيًّا مطردًا. ونشير بوجه خاص إلى كلام ابن جني المدون هناك، وهو كلام هامٌّ مفيد.” [النحو الوافي (3/ 291)]
فأهم ما يقرّه النحو الوافي هنا :
1: أن هذه الأوزان قياسية بالشروط التي ذكرها وهي في أغلبها شروط لم تكن متعلقة بالوزن (فعُل)، اللهم إلا الشروط العامة المتعلقة بالصفة المشبهة في كونها تدل على ثبوت المعنى وتحققه ثبوتًا زمنيًا عامًا. “ويشمل الماضي والحاضر، والمستقبل”. وتدل على دوام الملازمة، أو ما يشبه الدوام. وهي كلها شروط متحققة في الكلمات (ضخيم) و (وسِم) كما جاءت في سياق كلام المسيح الموعود عليه السلام.
2: يرفض النحو الوافي الرأي القائل بوجوب الاقتصار على الصيغ المسموعة في هذه الصفات، وأن القياس جائز في حال عدم وجود صيغ سماعية فقط. ويقول أن هذا الرأي فيه إعنات ومشقة وتضييق للغة وتعويق وتحجير لها.
3: كما يرفض عباس حسن الرأي الأكثر تحجرا، والذي يمنع القياس في هذه الصيغ، حتى لو لم توجد صيغ سماعية.
وبناء على هذا كلّه نخلص إلى أنه عندما يكون الفعل على وزن (فعُل)، فإن القياس لصوغ الصفة المشبهة منه على الأوزان (فَعيل) و(فعِل) جائز صحيح وفصيح، ويجوز بناء عليه صياغة الصفات (ضخيم) و (وسِم) من الأفعال (وسُم) و (ضخُم).
وبناء على هذا تثبت صحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام، ويثبت أنه لا خطأ فيها قط! بل الخطأ هو في الاعتراض نفسه الذي ينم عن جهل المعترض وعدم إلمامه بهذه الدقائق اللغوية.