المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية …101
فنون التذكير والتأنيث الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..6
جواز تذكير وتأنيث الفعل المسند إلى ضمير مؤنثٍ مجازيٍّ وفق ابن كيسان مؤسس المدرسة البغدادية
الاعتراض:
قدّم المعارضون ما يقارب المائتين وخمسين خطأ لغويا مزعوما من كتابات المسيح الموعود عليه السلام، مدّعين أن حضرته عليه السلام قد أخطأ في مسألة التذكير والتأنيث فيها، وسبب هذا الخطأ هو العجمة التي تؤثر على لغته عليه السلام. ( يُنظر مقال مظاهر الإعجاز 86 لتفصيل هذا الاعتراض على الرابط التالي: فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..1)
الردّ:
لقد وجهنا حتى الآن 108 من الفقرات المعترض عليها وفق القواعد التالية:
- جواز تذكير وتأنيث الفعل إذا فصل فاصل بين الفعل والفاعل المؤنث الحقيقي أو المجازي.
- جواز تذكير وتأنيث الفعل إذا كان الفاعل مؤنثا مجازيا حتى بدون وقوع فاصل بين الفعل والفاعل.
- جواز تذكير وتأنيث الجموع كلها وفق المذهب الكوفي .
- اكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه.
وأما القاعدة التالية التي سنوجه إليها فقرات عديدة أخرى هي جواز عود الضمير مذكرا على المؤنث المجازي؛ أي جواز تذكير الفعل إذا كان فاعله ضميرا يعود إلى المؤنث المجازي.
إن القاعدة الدارجة والمتفق عليها هو منع هذا الجواز في النثر واعتباره جائزا فقط في الشعر للضرورة الشعرية، نظرا لورده في الشعر! فرغم أن القاعدة النحوية المعروفة تجيز تذكير وتأنيث الفعل للفاعل المؤنث المجازي فنقول ( طلعت الشمس وطلع الشمس) إلا أنها لا تبيح – إلا في الشعر- هذا الجواز إذا تأخر الفعل عن كلمة الشمس؛ فلا يجوز القول (الشمس طلع) بل لا بدّ من القول ( الشمس طلعت) فقط.
إلا أنه ورغم أن هذه هي القاعدة الرائجة، إلا أننا نجد أن ابن كيسان البغدادي مؤسس المدرسة البغدادية يبيح هذا التذكير وهذا الجواز ليس في الشعر فقط بل في النثر أيضا. وعمدة رأيه هو جواز هذا التذكير لجوازه عند تقدم الفعل على الفاعل؛ بمعنى أنه طالما جاز القول (طلع الشمس) وفق القاعدة الرائجة، فلا مانع من القول (الشمس طلع)؛ وفي هذه الجملة يكون الفاعل ضميرا مستترا يعود إلى الشمس التي هي مؤنث مجازي مع تذكير الفعل.
ولنا أن نقول: إن في رأي ابن كيسان شيئ من المنطق لا يمكن التغاضي عنه وإهماله. وبما أن منهجنا في توجيه عبارات المسيح الموعود عليه السلام هو ردّها إلى لغات العرب المختلفة وأقوال النحاة وتجويزاتهم المختلفة وإن اختلفوا فيها، ويكفينا أن يجوّزها عالم واحد أو مدرسة واحدة من مدارس النحو؛ فيكفينا أن تكون هذه القاعدة قد أقرّها ابن كيسان ومدرسته البغدادية للاعتماد عليها في توجيه عبارات المسيح الموعود عليه السلام وإثبات صحتها.
ولنا هنا أن نذكر أيضا أن من اللغات العربية الأخرى التي أقرّ بها سيبويه هو جواز تذكير الفعل مع المؤنث الحقيقي، فأجاز القول على قلة : قام سعاد أو قام فلانة، هذا رغم أن القاعدة النحوية الرائجة تمنع هذا الجواز والقياس عليه.
وقد دمج ابن مالك هاتين اللغتين من جواز تذكير الفعل للمؤنث الحقيقي، وتذكير الفعل مع عود الضمير على المؤنث المجازي في بيت من ألفيته قال فيه ما يلي:
والحذف قد يأتي بلا فصل، ومَعْ … ضمير ذي المجاز في شعر وقعْ.
وفي تفسير هذا البيت جاء في النحو الوافي ما يلي:
“والحذف قد يأتي بلا فصل ومع … ضمير ذي المجاز في شعر وقع
أي: أن العامل الذي فاعله مؤنث ظاهر حقيقي قد يتجرد من علامة التأنيث مع عدم وجود فاصل؛ نحو: قال فتاة، وكذلك قد تحذف علامة التأنيث من العامل الذي فاعله ضمير متصل -مستتر، أو بارز- يعود على مؤنث مجازي “ذي مجاز، أي: صاحب مجاز” نحو الأرض اهتز بالأمس اهتزازًا شديدًا، ثم انشق بعد ذلك. وهذا الحذف شاذ لا يصح محاكاته، ولا القياس عليه.” {النحو الوافي (2/ 79)}
فالنحو الوافي برأي عدم الأخذ بهذه اللغات وعدم محاكاتها والقياس عليها، وفقا للقاعدة المتبعة، وذلك رغم أن سيبويه يجوّز القياس على اللغة الأولى على قلة كمثل:قال فلانة.
إلا أن ابن كيسان قد أجاز اللغة الثانية من تذكير الفعل المسند إلى ضمير يعود إلى مؤنث مجازي في النثر والشعر، كما جاء في أوضح المسالك:
“ وذهب ابن كيسان إلى جواز التذكير والتأنيث في الفعل المسند إلى ضمير مؤنث مجازي التأنيث؛ فكما يجوز في الفعل المسند إلى الاسم الظاهر المجازي التأنيث تذكير الفعل وتأنيثه، فإنه يجوز مع المضمر، لأنه لا فرق بين المضمر والمظهر. انظر حاشية الصبان: 2/ 53-54. والدرر اللوامع: 2/ 224-225.“ {أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 96)}
ويؤكد ابن مالك رأي ابن كيسان هذا في شرحه للكافية الشافية، كما يؤكده شراح الألفية وفق المصادر التالية:
“وقد يحذف (حرف التاء) بلا فصل مع كون التأنيث حقيقيا. من ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب: “قال فلانة”.
والتزموا لحاق التاء إن كان الفاعل مضمرا، ولو كان مجاز التأنيث نحو: “الشمس طلعت”. ولا يجوز “الشمس طلع” إلا في الشعر كقوله:
– فلا مزنة ودقت ودقها … ولا أرض أبقل إبقالها
((ولا يجوز مثل هذا في غير الشعر إلا عند ابن كيسان)). {شرح الكافية الشافية (2/ 596 – 597) }
وأما في توضيح المقاصد فقد جاء:
“والحذف قد يأتي بلا فصل، ومَعْ … ضمير ذي المجاز في شعر وقعْ
((أما الحذف مع الحقيقي المتصل فذكره سيبويه، وحكى: قال فلانة.وذكر المصنف أنه لغة بعضهم،)) وقال بعضهم: هو شاذّ، لا يجوز إلا حيث سمع. وأما الحذف مع ضمير المجازي، فقد ورد في الشعر كقوله:………. … ولا أرضَ أبقلَ إبقالها.وقوله:
إن السماحة والمروءة ضمنا … قبرا بمرو على الطريق الواضح” {توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (2/ 589-590)}
وفي الهامش جاء:” قال سيبويه ج ص235: “وقال بعض العرب: قال فلان” ا. هـ.
…الشاهد: في “ضمنا”؛ فإن ضمن فعل ماضٍ مسند إلى ضمير المؤنث وهو الألف العائدة إلى السماحة والمروءة، والقياس فيه أن يقول: “ضمنتا” بتاء التأنيث؛ لأنها خبر عن السماحة والمروءة , وهما مؤنثتان،(( وهو محمول على الضرورة خلافا لابن كيسان.))
مواضعه: ذكره داود في شرحه للألفية، وابن هشام في شذور الذهب ص153.” {توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (2/ 589 – 591)}
الخلاصة والنتيجة:
- يجوز عند ابن كيسان مؤسس المدرسة البغدادية في النحو، تذكير الفعل المسند إلى ضمير يعود إلى مؤنث مجازي .وهذا الجواز عنده سار في النثر والشعر على السواء.
- هذه اللغة واردة في الشعر ومن بين الأبيات الشعرية التي تضمنتها ما جاء في شرح الكافية:
فلا مُزنَهٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ولا أَرْضَ أَبْقَل إِبقالها وكان الأصل: أبقلتْ.
وأنشد أيضا للأعشى: فإما ما تَرَىْ لِمتّى بُدّلَتْ فإِنَّ الحَوَادث أَودى بها. والوجه: أودتْ.
ومن بابه ما قال الأعشى: أَرَى رَجُلًا مِنْهُم أَسيفًا كأنَّما يَضُمُّ إلى كَشْحَيْهِ كفًا مُخَضَّبا. والوجه: مُخَضَّبَةً.
وأنشد سييوبه لطُفيل: إذْ هىَ أَحْوَى مِنَ الرَبْعيّ حَاجِبهُا وَالْعَينُ بالإثمِدِ الحارىّ مَكْحُولُ. الأصل: مكحولة.
- أجاز سيبويه على قلة تذكير الفعل الذي فاعله مؤنث حقيقي كقوله: قال فلانة ..
ومما يؤكد صحة مذهب ابن كيسان هذا هو وروده في لغة الإمام الشافعي الحجة، وذلك في الفقرة التالية: “ونحن نحيط أن لبن الإبل والغنم يختلف، وألبانُ كل واحد منهما يختلف” [ الرسالة للشافعي،557] فذكّر الفعل (يختلف) المسند إلى ضمير (ألبان) المؤنث المجازي.
إنطباق هذه القاعدة على فقرات المسيح الموعود عليه السلام:
تنويه: نتابع في عدّ هذه الفقرات التي نراها تنطبق على لغة ابن كيسان، هذا رغم أن لكل هذه الفقرات توجيه أقوى وأرجح سنذكره لاحقا. غير أننا نذكرها هنا، لأننا لن نتواني عن تبيان أي لغة من لغات العرب يقرّ بها ولو واحد من جهابذة اللغة وتتضمنها لغة المسيح الموعود عليه السلام.
- 109- ولا نقدِّم الأقلّ على الأكثر إلا عند ((قرينة يوجب)) تقديمه عند أهل المعرفة (إتمام الحجة).
- 110- فالحاصل أن ((آية: {وإنه لعلم للساعة} لا يدل)) على نزول المسيح قط (حمامة البشرى،).
- 111- إن ((الجملة الآتية … يدل)) على رفع الجسد بعد الإنامة. (حمامة البشرى)
- 112- وأما ((عقيدة النزول فليس)) من أجزاء هذه المواعيد. (حمامة البشرى)
- 113- وزعموا أن ((النَبالة لا يحصل)) إلا بالنِبال (اعجاز المسيح).
- 114- كما أن ((البئر يُحَبُّ)) ويُؤْثَر عند شربِ زُلاله (إعجاز المسيح)
- 115- فثبت أن ((الإفاضة على الطريقة الرحمانية، يُظهِر)) في أعين المستفيضين شأنَ المحبوبيّة (إعجاز المسيح)
- 116- فمعناه أن ((العبادة لا يجوز)) لأحدٍ من المعبودين أو المعبودات (إعجاز المسيح)
- 117- ألا ترى أن ((سورة “بني إسرائيل” يمنع)) المسيحَ أن يرقى في السماء (إعجاز المسيح)
- 118- وأشار في سورة النور والفاتحة، أن ((هذه الأمّة يرث)) أنبياء بني إسرائيل على الطريقة الظلّيّة (إعجاز المسيح)
- 119- أو هذه ((ثُلْمةٌ ما أراد الله أن يسدّ)) (نجم الهدى )
- 120- وإذا انكسفا فيعرِف المهديَّ بعده أهلُ مكة ((بفراسة يزيد)) العرفانَ (نجم الهدى)
- 121- ومن آياتي أنّي أُعطيتُ ((عقيدةً يدرَأ)) عن الطالب كلَّ شبهة {كتاب حجة الله}