المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..262

حذف الهمزة لظهور معناها والتضمين في تعدية الفعل (رأى)

الاعتراض:

بعد أن علّمنا المعارضين بأن صيغة “ألا ترى إلى” التي يستعملها المسيح الموعود عليه السلام، في العديد من المواضع كمثل: ألا ترون إلى الفرقان وتعليم الرحمن (التبليغ)- علّمناهم أنها لغة عربية صحيحة وبليغة تفيد التعجيب، وموجودة في القرآن الكريم كما في الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} (البقرة 259)؛ لذلك لا خطأ فيها في تعدية الفعل (رأى) بالحرف إلى؛ زعموا أن الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام، تؤكد العجمة والخطأ في تعدية الفعل رأى. والجمل هي:

1: لا يرون هؤلاء إلى نظامِ حكّام الدولة البرِطانية، وحسنِ صفاتهم ورزانة حَصاتهم، وأساليبِ سياستهم وأعاجيب فراستهم (لجة النور)

2: لا يرون إلى مصائب صُبّت على الملّة، وإلى جروحٍ نالت الدين من الكَفَرة. (تذكرة الشهادتين)

والسبب وفق زعمهم أن هذه الجمل لا تندرج تحت أسلوب التعجيب، وذلك لأنه لم يُسبق الفعل رأى بـ (ألم) أو ( ألا)، بل سبقه الحرف (لا). وأسلوب التعجيب لا بدّ له من (ألا) أو (ألم).

 

 

الردّ:

لهذه الجمل في الحقيقة توجيهان:

التوجيه الأول: على أسلوب التعجيب

هذه الجمل مندرجة تحت أسلوب التعجيب فعلا، ولكن بحذف الهمزة قبل الحرف (لا)، وذلك لأن حذف الهمزة في اللغة العربية كثير ؛ وهو ما يعرف في النحو واللغة بـ “حذف الهمزة للخفّة أو لظهور معناها أو للعلم بها”. فهذا هو السر الذي لم يتنبه له المعترض، ووقع في فخه؛ لأن النصوص الأصلية في كتب المسيح الموعود عليه السلام، كما النصوص القديمة الأخرى، لا تحوي على علامات الترقيم، كعلامة التعجب والتساؤل والسؤال؛ التي من شأنها أن تسعف في فهم النصّ.

وفي الحقيقة، فإنه لا فرق بين القول (ألا يرون إلى مصائب!؟) والقول (لا يرون إلى مصائب!؟) بأسلوب التساؤل والسؤال والتعجب والعجب والتعجيب؛ سوى أن الهمزة حُذفت من التركيب الثاني ليدل عليها السياق والقرائن اللفظية والعقلية.

وفي حذف الهمزة، جاء في المراجع اللغوية والنحوية ما يلي:

كان خير من فصّل في مسألة حذف همزة الاستفهام، ابن مالك في شواهده، حيث قال:

1:ومنها أن الحسن أو الحسين أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه، فنظر إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخرجها من فيه وقال: (أما علمت) وفي بعض النسخ (ما علمت)..

قلت: لا إشكال في هذا الحديث إلا في رواية من روى: “ما علمت”.

فإن “أما” هذه مركبة من همزة الاستفهام، و”ما” النافية. وأفاد تركيبهما التقرير  والتثبيت، فكأن قائل “أما فعلت” قائل: قد فعلت.

وأكثر ما يستعمل في هذا المعنى “ألم” كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (630)، فيه معنى: شرحنا لك صدرك ولذلك عطف عليه {وَضَعْنَا} و {رَفَعْنَا}.

ومن روى “ما علمتَ” فأصله: أما علمت، وحذفت همزة إلاستفهام؛ لأن ألمعنى لا يستقيم إلا بتقديرها.

وقد كثر حذف الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها، كقوله تعالى {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ}. قال أبو الفتح وغيره (أراد: أَوَ تلك نعمة).

ومن ذلك قراءة ابن محيصن {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}  بهمزة واحدة.

ومثله قراءة أبي جعفر {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ}  بهمزة وصل.

ومن حذف الهمزة لظهور المعنى قول الكميت:

طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب … ولا لعبًا مني. وذو الشيب يلعب

أراد: أَوَ ذو الشيب يلعب؟ ومثله قول الأخر :

فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر … أتوني وقالوا من ربيعة أم مضر

أراد: أمن ربيعة أم مضر.

ومن حذف الهمزة قبل “ما”، النافية عند قصد التقرير ما أنشد البطليوسي من قول الشاعر :

ما ترى الدهرَ قد أباد مَعدًا … وأباد القرون من قوم عادِ

ومن حذف الهمزة في الكلام الفصيح قوله – صلى الله عليه وسلم – (يا أبا ذر، عيرته بأمه؟).

أراد: أعيرته.

ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: وإن سرق وإن زنى) أراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أَوَ إن سرق وزنى. ومنه حديث ابن عباس أن رجلًا قال (إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فأقضيه) . وفي بعض النسخ [14ظ] أفاقضيه.” [شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 146-148)]

 

2: “قالوا: “ولا الجهاد في سبيل الله؟ ” قال: “ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء). والأصل في “ولا الجهاد” أَوَلا الجهاد؟ لأن قائل ذلك مسِتفهم لا مخبر، فظهور المعنى سوغ حذف الهمزة كما سوغه في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (وإن زنى إن سرق) فإن أصله فيه: أَوَ إن زنى وإن سرق؟. [شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 177-176)]

وجاء في الجنى الداني:

3: “مسألة ذهب قوم إلى أن حذف همزة الاستفهام، لأمن اللبس، من ضرورات الشعر، ولو كانت قبل أم المتصلة. وهو ظاهر كلام سيبويه. وذهب الأخفش إلى جواز حذفها في الاختيار، وإن لم يكن بعدها أم. وجعل من ذلك قوله تعالى ” وتلك نعمة تمنها علي، أن عبدت بني إسرائيل “. قال ابن مالك: وأقوى الاحتجاج،

على ما ذهب إليه، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: وإن زنى، وإن سرق؟. فقال: وإن زنى وإن سرق. أراد: أَوَ إن زنى وإن سرق؟  والمختار أن حذفها مطرد إذا كان بعدها أم المتصلة، لكثرته نظماً ونثراً. فمن النظم قول الشاعر:

لعمرك، ما أدري، وإن كنت دارياً: … بسبع، رمين الجمر، أم بثماني؟

وأبيات أخر، لا حاجة إلى التطويل بإنشادها. ومن النثر قراءة ابن محيصن ” سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم “ بهمزة واحدة. [الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 35- 34)]

وجاء في شرح المفصل:

4: فصل [حذف همزة الاستفهام]

قال صاحب الكتاب: وتحذف الهمزة إذا دل عليها الدليل. قال [من الطويل]:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا … بسبعٍ رمين الجمر أم بثمانِ؟

قال الشارح: يجوز حذفُ همزة الاستفهام في ضرورة الشعر، وذلك إذا كان في اللفظ ما يدلّ عليه. ومنه قول عمر بن أبي رَبِيعة [من الطويل]:

بَدا لِيَ منها مِعصَمٌ يَومَ جَمرَت … وَكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَت ببَنانِ

فلمّا التقينا بالثَّنِيَّة سَلَّمَت … ونازَعَني البَغلُ اللَّعِينُ عِنانِي

فواللهِ ما أدري وإن كنتُ داريًا … بسَبع رَمَينَ الجَمْرَ أم بثمانِ؟

والمراد: أبسبع. دل على ذلك قوله: “أم بثمان”. و”أمْ” عديلةُ الهمزة، ولم يرد المنقطعةَ، لأنّ المعنى على: ما أدري أيُّهما كان منها، فاعرفه.” [شرح المفصل لابن يعيش (5/ 103-104)]

وفي التمهيد جاء:

5: “ومنها: أن الفراء أجاز نحو: تراك منطلقا ونظنك تخرج على حذف همزة الاستفهام أي: أتراك وأنظنك، قال: لأن الاستفهام شك وهذه الأفعال شك فاكتفى بواحد عن صاحبه وامتنع ذلك في ضربت، وقبلت وسائر الأفعال؛ لأنها أخبار لا شك فيها  وتابعه قطرب وأجاز الحذف مع غير هذه التي أجازها الفراء، وذهب سيبويه إلى أن ذلك لا يجوز، قال سيبويه: إذا حذفت همزة الاستفهام انقلب ..” [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (3/ 1539)]

 

وجاء في المغني لابن هشام :

6: “وَالْألف أصل أدوات الِاسْتِفْهَام وَلِهَذَا خصت بِأَحْكَام

أَحدهَا جَوَاز حذفهَا سَوَاء تقدّمت على أم كَقَوْل عمر بن أبي ربيعَة

(بدا لي مِنْهَا معصم حِين جمرت … وكف خضيب زينت ببنان)

(فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِن كنت داريا … بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان)

أَرَادَ أبسبع أم لم تتقدمها كَقَوْل الْكُمَيْت

(طربت وَمَا شوقا إِلَى الْبيض أطرب … وَلَا لعبا مني وَذُو الشيب يلْعَب)

أَرَادَ أَوَ ذُو الشيب يلْعَب وَاخْتلف فِي قَول عمر بن أبي ربيعَة

(ثمَّ قَالُوا تحبها قلت بهرا … عدد الرمل والحصى وَالتُّرَاب)

فَقيل أَرَادَ أتحبها وَقيل إِنَّه خبر أَي أَنْت تحبها وَمعنى قلت بهرا قلت أحبها حبا بهرني بهرا أَي غلبني غَلَبَة وَقيل مَعْنَاهُ عجبا

وَقَالَ المتنبي

(أَحْيَا وأيسر مَا قاسيت مَا قتلا … والبين جَار على ضعْفي وَمَا عدلا)

أَحْيَا فعل مضارع وَالْأَصْل أأحيا فحذفت همزَة الِاسْتِفْهَام وَالْوَاو للْحَال وَالْمعْنَى التَّعَجُّب من حَيَاته يَقُول كَيفَ أَحْيَا وَأَقل شَيْء قاسيته قد قتل غَيْرِي والأخفش يقيس ذَلِك فِي الِاخْتِيَار عِنْد أَمن اللّبْس وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ} وَقَوله تَعَالَى {هَذَا رَبِّي} فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة … [مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (ص: 20-19)]

وفي شرح أبيات المغني يقول المؤلف إن ظاهر كلام ابن هشام هو جواز حذفها سواء أمن اللبس أم لا. حيث جاء:

7:  “بدا لي منها معصم حين جمرت … وكف خضيب زينت ببنان

فوالله ما أدري وإن كنت داريًا … بسبع رمين الجمر أم بثمان

أراد الشاعر: أبيع, فحذف همزة الاستفهام لدلالة أم عليها، وظاهر كلام المصنف أن حذفها سائغ في الكلام غير مختص بالشعر، سواء أمن اللبس كما هنا أم لا، كالبيت الذي بعده، وكلاهما ضرورة عند سيبويه، وتبعه ابن عصفور في كتاب «الضرائر» في بحث «أم» المنقطعة، زعم الخليل أن قول الأخطل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط … غلس الظلام من الرباب خيالا

كقولك: إنها لإبل أم ساء، ويجوز في الشعر أن تريد بـ «كذبتك» ، الاستفهام، وتحذف الألف، قال عمر بن أبي ربيعة:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا .. البيت.

انتهى. وقال شارح أبياته الأعلم الشنتمري: الشاهد فيه حذف ألف الاستفهام ضرورة، لدلالة «أم» عليها. انتهى.

وذهب الأخفش إلى جواز حذفها في الاختيار، وإن لم يكن بعدها «أم» وتبعه

ابن مالك وقال: وأقوى الاحتجاج عليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لجبريل عليه السلام: «وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق» أراد: أو إن. زنى؟ قال المرادي في «الجنى الداني»: والمختار أن حذفها مطرد إذا كان بعدها «أم» المتصلة، لكثرته نظمًا ونثرًا، فمن النظم قول الشاعر: لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا … البيت. ومن النثر قراءة ابن محيصن: {سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم} [البقرة/6] بهمزة واحدة. انتهى. وهذا مذهب ابن النحاس، وجماعة منهم الزمخشري، نص عليه في «مفصله» وقال في «الكشاف»: إنها قد حذفت مع مدخولها في قوله تعالى: {ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} [النمل/20] تقديره: أهو حاضر استتر عني أم كان من الغائبين؟ وأجاب ابن عصفور عما ورد في الكلام بأنه شاذ. [شرح أبيات مغني اللبيب (1/ 26-25)]

 

ومن الشواهد الأخرى على حذفها ما جاء في النوص التالية:

8: باب القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح:

جعلتُها هكذا “أإلهام” إذ المقام للاستفهام، ويؤنس لهذا ما في أ: “ا. لهام” وفي ش, ب، والمطبوعة “إلهام”. ويمكن تخريج هذا على حذف همزة الاستفهام، وهذا يجيزه الأخفش في الاختيار إذا كان في الكلام ما يدل عليه كما هنا  [الخصائص (1/ 41)]

هذا كلام المحقق لكتاب الخصائص، جاء به في الهامش ليقول أن هذا العنوان لهذا الباب في المطبوعة، مكتوب بغير الهمزة، وقد عدّلها هو بإضافة الهمزة رغم أن النسخة الأصلية بدون الهمزة هكذا: “إلهام هي أم اصطلاح”، ويوجه المحقق ما في النسخة الأصلية على حذف همزة الاستفهام، ويقول إن الأخفش يجوز ذلك في اختيار الكلام إذا كان ما يدل عليه.

 

9: “حذف همزَة الِاسْتِفْهَام للْعلم بهَا: “وَفِي رِوَايَة أَحْمد من حَدِيث أبي قَوْله: ” شَاهدٌ فلَان؟ ” يُرِيد: ” الْهمزَة ” فحذفها للْعلم بهَا وَهُوَ مَرْفُوع بِأَنَّهُ خبر مقدم، و ” فلَان ” مُبْتَدأ…..”[إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص: 20)]

 

10: تَوْجِيه رفع أحسن ونصبها

“…وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْصُوبًا بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره أَلا فعلت أحسنَ من هَذَا؟ ! وَحذف همزَة الِاسْتِفْهَام لظُهُور مَعْنَاهَا.. ” [إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص: 21)]

 

11: حذف همزَة الِاسْتِفْهَام لظُهُور مَعْنَاهُ.

فَكَانَ أُسَامَة يَقُول – حِين كبر -: ” ترَوْنَ لي من دَوَاء؟ “.

قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: يجوز فِي ” ترَوْنَ ” فتح التَّاء وَضمّهَا. وَالتَّقْدِير: أَتَرَوْنَ؟ وَلكنه حذف همزَة الِاسْتِفْهَام لظُهُور مَعْنَاهَا. وَلَا بُد من تَقْدِيره؛ لأمرين:

أَحدهمَا: أَنه لم [يُحَقّق] أَنهم لم يعرفوا لَهُ دَوَاء.

وَالثَّانِي: أَنه زَاد فِيهِ: ” من ” وَمن لَا تزاد فِي الْوُجُوب وَإِنَّمَا تزاد فِي النَّفْي والاستفهام وَالنَّهْي “.  [إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص: 25)]

 

 

12: قال في حذف همزة الاستفهام: (وأكثر ما رأيته جاء في الحديث) فحذف الهمزة جاء في أحاديث كثيرة، منها قوله – صلّى الله عليه وسلّم: (وإن زنى، وإن سرق؟) وغيره. [البديع في علم العربية (مقدمة/ 100)]

 

13: “قوله: “فقَالَ”: يعني: “النبي – صلى الله عليه وسلم -“. “صلَّيْتَ؟ “: أي: “أصليتَ؟ “، فحذف “همزة” الاستفهام، وحذفُها فصيح، جاء منه كثير، منه قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22] قال ابن مالك: الأصل: أَوَتلك نعمةٌ؟ ” (1). وقول الشّاعر:

. . . . . . . . . . … بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمانِ

قالوا: والسّر في ذلك كثرة استعمال الاستفهام في ذلك الكلام، حتى قيل: إنّ الاستفهام أكثر من الخبر. وقيل: “الاستفهام دهليز العلم”. [العدة في إعراب العمدة (2/ 109)]

 

14:  “قوله: “قال: فقلتُ: يا رسُول اللَّه”: أي: “قال سعد”.

“أُخَلفُ بعد أصحابي؟ “: الجملة كُلها محكيّة بالقَول.

والعامل في “بَعْدَ”: “أُخلَّف”. وفيه حذف همزة الاستفهام، أي: “أَأُخلَّف بعد أصحابي؟ “. [العدة في إعراب العمدة (3/ 134)]

 

15: ” قوله: “فقال”: يعني: “النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-“. “يعض أحدكم أخاه”: حذف “همزة” الاستفهام، والأصل: “أيعض أحدكم؟ ” على طريق الإنكار. وحُذفت، كما حذفت من قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22]، [التقدير] (5): “أَوَتلك نعمة”، ومثل هذا كثير. [العدة في إعراب العمدة (3/ 314)]

 

ومن هذه النقول نخلص إلى ما يلي:

1: حذف الهمزة كثير في اللغة لا سيما في فصيح الكلام من الحديث الشريف، وقد كثر حذفها لظهور معناها، وإذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها، كقوله تعالى {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ}.

2: حذف الهمزة هذا وارد في القرآن الكريم والقراءت القرآنية وفي فصيح الكلام من الحديث الشريف وكذا في الشعر، ووارد عن ابن جني في الخصائص.

3: من النحاة كسيبويه من يجوز حذفها كضرورة للشعر أو عند أمن اللبس أو إن دلّ عليها دليل. ومنهم من يجعل حذفها مطردا قبل (أم)، ومن النحاة من يجوّز حذفها في اختيار الكلام وإن لم تعقبها (أم) كالأخفش، ومنهم الفراء بتقييد وقطرب بتوسع عن الفراء. ومن النحاة من يجوز حذفها سواء أمِن اللبس أم لا، ولا يقصره على الشعر مثل ابن هشام كما وضّحه البغدادي في شرحه لأبيات المغني.

4:كل هذه الأمور تؤكد أن الجمل أعلاه المعترض عليها من كلام المسيح الموعود يمكن توجيهها على حذف الهمزة قبل الحرف لا، على اعتبار التركيب كله أسلوبا للتعجيب؛ وكأنه عليه السلام قال:  “ألا يرون هؤلاء إلى نظامِ حكّام الدولة البرِطانية” أو : “ألا يرون إلى مصائب صُبّت على الملّة”؛ وذلك بغض النظر عن أمن اللّبس أو عدمه في سياقات هذه الجمل .

غير أنه بالرجوع إلى سياق هذه الجمل من السهل أن نلحظ ما يدل على هذه الهمزة وحذفها، وأن الأسلوب في أصله للتعجيب وإثارة العجب، وذلك بناء على القرائن السياقية والعقلية المستمدة من النصّ. فلنا أن نقول بأن الهمزة قد حُذفت من هذه الجمل لوجود ما يدل عليها. أما إن كان المعترض لا يجدُ في هذه الجمل ما يستقيم معنى ولغة – لجهله بإمكانية حذف الهمزة- فهذا دليل كاف لأن نقول بأن معنى هذه الجمل لا يستقيم إلا بتقدير الهمزة، وهو ما يجوز تقديرها وفق ما نقلناه من أقوال النحاة.

وعليه، فإنه من المؤكد أن هذه الجمل تندرج تحت أسلوب التعجيب (ألم تر إلى/ ألا ترى إلى)، غير أنه بحذف الهمزة وتقديرها لجواز وشيوع ذلك في اللغة.

 

التوجيه الثاني: على بالتضمين

إذا تعسر كل الشرح والتفصيل أعلاه على المعارضين أن يفهموه، فلنا أن نسعفهم بهذا التوجيه. إنه من الممكن حمل الفعل (يرون) في هذه الجمل على التضمين؛ لتضمنه معنى الفعل (نظر) أو (التفت) ، والتضمين من خصائصه دمج معنيين في لفظ واحد، فيكون قصد المسيح الموعود عليه السلام من قوله (لا يرون) أي: لا ينظرون ولا يرون؛ أو لا يلتفتون ولا يرون. وعن التضمين قد أفردنا العديد من المقالات التي يمكن الرجوع إليها  على الروابط التالية:

https://wp.me/pa2lnY-3uW   مظاهر 26

https://wp.me/pa2lnY-3wi     مظاهر 27

https://wp.me/pcWhoQ-5jL   مظاهر 218

https://wp.me/pcWhoQ-5k1   مظاهر 220

https://wp.me/pcWhoQ-5k7    مظاهر 221

ومما يؤيد هذا التوجيه أن المصادر القديمة يرِد فيها الفعل (رأى) متعديا بإلى على غير التعجيب أيضا؛ كما هو فاش في كتب ابن جني ووارد في لسان العرب ومنها الأمثلة التالية:

_ فقد ترى إلى ما فيه من الفصول التي لا وجه “لها ولا لشيء منها

فقد ترى إلى سعة طريق اللفظ وضيق طريق المعنى.

_ فقد ترى إلى معاقبة حركة العين تاء التأنيث.

وغيرها مما أوردناه في المقالات السابقة.  فهذه الأمثلة تدل على إمكانية تخريج تعدية الفعل رأى بالحرف (إلى) على التضمين، وقد يكون لها توجيه آخر لم نقف عليه بعد. ولكن المهم في كل هذا، أنها لغة عربية صحيحة وفصيحة واردة في القرآن الكريم وواردة عن أئمة النحو، سواء بأخذها على التعجيب أو غير التعجيب.