المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..143

الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف في النحو ..3

حُجّية الاستشهاد بالحديث الشريف مطلقا دون شروط

منهجنا هو منهج ابن مالك وابن هشام: الاستشهاد بالحديث الشريف في النحو مطلقا دون شروط

الاعتراض:

لا خلاف في أن الحديث النبوي الشريف مصدر للاحتجاج النحوي، ومثله كلام الصحابة والتابعين، لكنّ الخلاف في ثبوته، لذا اختُلف في الحديث، فبعضُ اللغويين يراه مصدرا بشروط، وبعضهم لا يراه، بحجة أنّه رُويَ بالمعنى، وبحجة أنّ بعض الرواة كان ممن يقع في الخطأ واللحن، لتأثرهم بالعَجَم.

أما نحن في تعاملنا مع أقوال الميرزا فإننا نَقبل بالاحتجاج بالحديث كله؛ صحيحه وضعيفه، على ألا يخالف حديثا ورد بمتن آخر موافق لقاعدة لغوية. . كما نقبل بأيّ نصّ عربي حتى عام 300هـ.

الرد:

القول إن كل المجوّزين للاستشهاد بالحديث الشريف جوّزوه بشروط هذا كذب وهراء. فمن نحاة المدرسة الأندلسية والمصرية في النحو وعلى رأسهم ابن مالك وابن هشام الأنصاري، من جوّزوا الاستشهاد بالحديث مطلقا دون قيود وشروط.

أما المانعين للاستشهاد بالحديث فقد كانت حجتهم:

  1. أن الحديث قد نقل بالمعنى وبروايات مختلفة.
  2. وقوع اللحن في رواية الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب أو متأثرين بالعجم.

وقد دحض هذه الفكرة العديد من اللغويين والنحاة، ومما جاء في ذلك ما يلي من الشواهد، ننقلها بتصرف بسيط وشرح زائد من كتاب “موقف النحاة من الاستشهاد بالحديث الشريف” للدكتورة خديجة الحديثي، هذه الشواهد واردة في الكتاب تحت فصل: “أيصح الاحتجاج بالحديث الشريف، ص  367 ” (التركيز على ما بين الأقواس المزدوجة):

1: أولا لا بد من التنويه إلى أن هذه الفكرة في منع  الاستشهاد بالحديث الشريف في النحو، ليست أصيلة عند أئمة النحاة البصريين والكوفيين مثل سيبويه والكسائي وغيرهم، ورغم أن هؤلاء استشهدوا بالحديث على قلة، ((إلا أنهم لم يصرحوا بعدم جواز الاستشهاد به))، ولم يعللوا عدم شيوع الاستشهاد بالحديث عندهم، بل لم يتطرقوا إلى هذه القضية كليا.

2: أول من تطرق إلى تصرف أئمة النحو الأوائل في عدم الاستشهاد بالحديث الشريف، كان النحاة المتأخرين  ابن الضائع وأبو حيان الأندلسيَين في القرن السابع والثامن الهجري، وعللوا  تصرف أئمة النحو هؤلاء، بكون الرواية بالمعنى وكثرة المحدثين الأعاجم أو المتأثرين بالعجمة. وبناء على هذا التعليل منع هؤلاء فكرة الاحتجاج بالحديث الشريف مطلقا.((فهذه الفكرة متأخرة لم يقل بها من سبقهم من النحاة، مما يجعلها موضع شبهة كبيرة وجدل وخلاف كبيرين.))

3: بالمقابل لهؤلاء النحاة المانعين هنالك ثلة من النحاة الذين سبقوهم أو عاصروهم ((قد أجازت الاستشهاد بالحديث الشريف مطلقا دون قيد أو شرط)) وعلى رأسهم ابن مالك الأندلسي وابن هشام الأنصاري الذي فاق ابن مالك في هذا الأمر، وابن خروف القرطبي الذي أكثر هو الآخر من الاستشهاد بالحديث الشريف، ثم البدر الدماميني، والرضي، ومن المجوزين مطلقا كان البغدادي حيث قال: والصواب جواز الاحتجاج بالحديث للنحوي في ضبط ألفاظه، ويلحق به ما روي عن الصحابة وأهل البيت”. ومن المؤيدين لهذا النهج ابن الطيب المغربي، وابن حزم محمد بن الطيب الفاسي، والأستاذ سعيد الأفغاني،والدكتور محمد عيد، والأستاذ عبد الجبار علوان، وغيرهم.

4: بالمقابل للتعليل الأول لقلة استشهاد الأئمة الأوئل بالحديث، فهناك من يعلل عدم استشهادهم بعدم تدوين الأحاديث في عصرهم، وهناك من يعلل ذلك بأسباب سياسية فكرية، وليست قضية الرواية بالمعنى والعجمة فيها.

5: بدأت كتابة الحديث الشريف منذ زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أما التدوين في الكتب فكان قد تمّ معظمه في القرن الثاني للهجرة، فكانت الصحاح والمسانيد المختلفة قد دونت بمعظمها بناء على ما كتب من قبل من الأحاديث. ((وكل هذا قد تم في عصور الاحتجاج اللغوي التي لم تفشُ العجمة واللحن فيها في اللغة العربية . ))

6: أن التشديد في الضبط والتحري في نقل الأحاديث شائع بين النّقلة والمحدثين.

7:إن المطلوب للاستشهاد هو غلبة الظن وليس اليقين، ((وغلبة الظن متحققة في أن المنقول المحتج به لم يبدَّل لأن الأصل عدم التبديل.))

8: على فرض ورود تبديل في ألفاظ الحديث بسبب روايته بالمعنى، (( فإن تدوين الأحاديث وكثير من المرويات وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية حين كان كلام أولئك المبدِّلين – على تقدير تبديلهم- يسوغ الاحتجاج به،)) وغايته يومئذ تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به، فلا فرق بين الجميع في صحة الاستدلال.

9: أما القول بتعدد رواية القصة الواحدة، فالرد عليه بأن ورود القصة الواحدة بالعبارات المختلفة صحيح موجود في كثير من الأحاديث، ((فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيد الكلام المرتين وأكثر لقصد البيان وإزالة الإبهام.))وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام كان من عادته تكرار الكلام ثلاث مرات. وقد وضع البخاري بابا أسماه:” باب من أعاد الأحاديث ثلاثا ليفهم منه”.

10: ((إن الكثير من المحدثين والفقهاء والأصوليين قد ذهبوا إلى منع رواية الحديث بالمعنى،)) واشترطوا لرواية المعنى  أن يكون الراوي على علم بما يغير المعنى أو ينقصه، وأن يكون محيطا بمواقع الألفاظ، بل اشترط بعضهم إحاطته بدقائق علم اللغة العربية. فإن هذا التشدد من شأنه أن يمنع اللحن في رواية الحديث وإن كانت بالمعنى، ويجيز الاستشهاد بها. ((وهذا يدحض فكرة أن معظم الأحاديث منقولة بالمعنى.))

11: أما من أجاز رواية المعنى فقد أخذوا بها فقط عند الضرورة، لأن الرواية باللفظ عندهم أولى وأصوب وأدق. ((فإذا وقع في الأحاديث المدونة نقل بالمعنى فإنما هو تصرف ممن يصح الاحتجاج بأقوالهم.))

12: ((إن ما روي بالمعنى من الأحاديث إنما حدث ذلك في الصدر الأول للإسلام أي زمن الاحتجاج بكلام العرب الفصحاء ))من الصحابة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن غيرهم من معاصريه، ومن جاء بعدهم من التابعين فثبت المكتوب ولم يتغير. ((فما غُيِّر قبل كتابته كان لفظه الجديد المغيَّر إليه لفظَ من يصحّ الاحتجاج بلغته من الصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين والرواة،)) يضاف إلى ذلك ما اتبعوه من قواعد وأصول لتنقية الحديث وتصفيته وتصحيحه، وما وضعوا من أسس للجرح والتعديل طبقوها على رواته قبل أن تُدوَّن كتب الصحاح الستة. فهذا الحرص على التنقية من شأنه أن يضمن سلامة اللفظ في الأحاديث.

13: فالرواية بالمعنى حدثت في الصدر الأول أي في عصر الاحتجاج اللغوي، بحيث يمكن الاستشهاد بالألفاظ المبدلة أيضا. ثم في هذا العصر نفسه وقع التدوين للحديث فلم يعد هنالك مجالا للتغيير والتبديل لأن المكتوب لا يُغيّر. فما ثبت بعدها في الكتب من الصحاح والمسانيد التي سبقتها يصحّ الاستشهاد به وإن اختلفت الروايات فيه.

14: قال صاحب غيث النفع: وأما الأحاديث فالأصل نقلها بلفظها، وادعاء أنها منقولة بالمعنى دعوى لا تثبت إلا بدليل، ومن مارس الأحاديث ورأى تثبت الصحابة والآخذين عنهم رضي الله عنهم وتحريهم في النقل حتى أنهم إذا شكوا في لفظ أتوا بجميع الألفاظ المشكوك فيها أو تركوا روايته بالكلية ((عُلم عِلمَ يقين أنهم لا ينقلون الأحاديث إلا بألفاظها.)) فها هو صاحب غيث النفع يدحض فكرة أن معظم الأحاديث منقول بالمعنى، بل ويقول بأنها ليست منقول إلا باللفظ.

15: كان إلى جانب كثير من الرواة صحابة وتابعين دونوا الحديث من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا عبد الله بن عمر وأنس ابن مالك وسهل بن سعد الساعدي من الصحابة الكرام.وهذا عمر بن عبد العزيز (ت101 ه) ..ثم كان الزهري (ت 124ه)  وابن عروبة (ت 156 ه) والربع بن صبيح (ت 160 ه) ممن دوّنوا الحديث كتابة. ثم شاع التدوين في الطبقات التي بعد هؤلاء. ((وهذا كاف في غلبة الظن بأن الذي في مدونات الطبقة الأولى لفظ النبي نفسه. فإن كان هناك إبدال لفظ بمرادفه فإنما أبدله عربي فصيح يحتج به.))

16: إذا وقع شكّ في بعض الروايات من غلط وتصحيف فإنه نزر يسير لا يقاس أبدا إلى أمثاله في الشعر وكلم العرب ،(( فكثير من الأشعار نفسها رويت بروايات مختلفة ، وبعضها موضوع .. وجاز عليهم أكثر الموضوع)) إذا كان واضعه أحسن المحاكاة. قال الخليل بن أحمد: إن النحارير ربما أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت”

17: وأما في الرد على القول بأن الأحاديث رواها الأعاجم والمولدون فقال الأستاذ طه الراوي: ((والقول بأن رواة الحديث أعاجم ليس بشيء، لأن ذلك يقال في رواية الشعر والنثر اللذين يُحتَج بهما،)) فإن فيهم الكثير من الأعاجم، وهل في وسعهم أن يذكروا محدثا ممن يعتد به يمكن أن يوضع في صف حماد الراوية الذي كان يكذب ويلحن ويكسر، ومع ذلك لم يتورع الكوفيون ومن نهج منهجهم عن الاحتجاج بمروياته. ولكنهم تحرجوا في الاحتجاج بالحديث.(( ثم لو وصل الأمر برواة الحديث إلى هذه الدركة من الجهل بالعربية سليقة وصناعة لما صح الاحتجاج بمروياتهم في الشريعة؛ يجهلون العربية من طرفيها!)) ولم يقل بذلك قائل”

18: هناك من اللغويين مثل الدكتور المخزومي من ((رجح أنه على أغلب الظن أن الرواة بالمعنى إنما هم من العرب الخلّص))  الذين كانوا يعتدون بسلامة سلائقهم، أما الموالي الذين لم يأخذوا بأسباب العربية فهم أبعد ما يكونون عن أن يتصرفوا في متون الحديث، فهؤلاء لم يسمح لهم بالرواية بالمعنى. وعلى هذا فإنه يصح الاحتجاج بلفظ الحديث .

19: إن فكرة عدم الاستشهاد بالحديث لأن بعض رواته من الأعاجم لهي فكرة واهية، ((لأن الكثير من حملة العلم لا سيما النحو نفسه كانوا من الأعاجم أمثال سيبويه إمام البصريين والكسائي إمام الكوفيين)). والكثير من هؤلاء الأعاجم والموالي لا يختلفون عن العرب في فصاحتهم .

20: الدكتور محمد عيد يرد على المعارضين للاستشهاد بالحديث بقوله إن النحاة اعتمدوا على نصوص لغوية أخرى غير الحديث الشريف، والتي رواتها كانوا أيضا من الأعاجم ، ((لأن العبرة كانت بغلبة العصر لا بلحن الأفراد)).

21: أما الدكتور سعيد الافغاني فيقول: وقوع اللحن في بعض الأحاديث قليل جدا – إن كان وقع-  ولا ينبغي عليه حكم. …ولا يصح أن يمنع من أجله الاحتجاج بهذا الفيض الزاخر من الحديث إلا إن جاز إسقاط الاحتجاج بالقرآن الكريم لأن الناس تلحن فيه. ((ويقول الأستاذ نفسه أن النحاة المتقدمين لو امتد بهم العمر إلى الزمن الذي راجت فيه بين الناس ثمرات علماء الحديث من رواية ودراية لقصروا احتجاجهم عليه بعد القرآن الكريم، ولمَا التفتوا قطّ إلى الأشعار والأخبار التي لا تلبث أن يطوقها الشك إذا وُزنت بموازين فنّ الحديث العلمية الدقيقة. ))

22: أما الشيخ محمد الخضر حسين فيرد على المانعين بالاستشهاد بالحديث ويقول: ((إن كثيرا مما يُرى أنه لحن قد ظهر له وجه من الصحة،)) وقد ألف في هذا الباب ابن مالك كتابه : شواهد التوضيح والتصحيح في مشكلات الجامع الصحيح” وذكر للأحاديث التي يشكل إعرابها وجوها يستبين بها أنها من قبيل العربي الصحيح، فيأتي لغوي آخر فيذكر لها وجها مقبولا أو يسوق عليها شاهدا صحيحا. .. وإذا وقع في رواية بعض الأحاديث غلط أو تصحيف فإن الأشعار يقع فيها الغلط والتصحيف وهي حجة من غير خلاف .

23: ويقول الشيخ محمد الخضر عن عدم انتشار الاستشهاد بالحديث عند النحاة الأوائل: “إن دواوين الحديث لم تكن مشتهرة في ذلك الوقت..((فإن سلمنا عدم احتجاجهم بالحديث فلعدم انتشاره بينهم لا لأنهم يمنعون الاحتجاج به.)) على أن كتب الأقدمين الموضوعة في اللغة لا تكاد تخلو من الاستدلال على إثبات الكلمات بألفاظ الحديث، واللغة أخت النحو كما صرحوا به.”

24: إن الاهتمام بجمع الحديث وتدوينه بدأ منذ زمن الرسول ص، حيث كان  بعض الصحابة يدوّنونه وأصحاب الصحاح الستة نقلوا عن هذه المدوَّنات أو عمن دوّن الأحاديث سماعا من الصحابة رضي الله عنهم أنفسهم، ((وهذا مما لا مجال للتحريف والتغيير فيه لصحة نقله وصدق رواته وعدالتهم وفصاحتهم.))

25: في الأحاديث المدونة إذن ما لا يصحّ الاحتجاج به وهو قليل ، أما ما ثبت وصح عربيته فهو ما يجوز الاحتجاج به وهو معظم ما في الكتب المدونة. ((وأن الرواة الأعاجم فيه كانوا قلة قليلة يعدون على أصابع اليد)) وليس بالضرورة أنهم ليسوا من الفصحاء لغة.

26: ((أما ابن مالك ووابن هشام والرضي وغيرهم ممن تابعهم في الاحتجاج بالحديث مطلقا، )) فإنهم لم يحتاطوا احتياط السهيلي ولم يحتجوا بما ثبت وصحت روايته مما جاء في الكتب المدونة فقط، وإنما كانوا يبنون القواعد ويستدركون على النحاة ما جاءوا به من قواعد معتمدين على الحديث مطلقا من غير تمييز بين أنواعه ، فساووا بين ما روي باللفظ وما ثبتت روايته بالمعنى، واحتجوا بما ورد في كتب الصحاح الستة وبما لم يرد فيها، ولم يفرقوا بين ما كان راويه عربيا أو غير عربي.

27: يقول إسرائيل ولفنسون:(( “الأحاديث الصحيحة أهم كثيرا في نظرنا أثناء البحث اللغوي من الشعر الجاهلي الصحيح؛)) لأنها من النثر، وهو دائما يعطي الباحث اللغوي صورة صحيحة لروح عصره، بخلاف الشعر؛ لأنه يحتوي على كثير من الصيغ الفنية والعبارات المتكلفة التي تبعده عن تمثيل الحياة العادية وتثنيه عن الروح السائدة في عصره بغير تكلف”

28: يقول الدكتور محمد عيد : ينبغي درس نصوص القرآن الكريم والسنة – صحيحة او غير صحيحة- من جديد ((باعتبارها مصدرا مهما يمثل “نثر الفصحى”)) في عصر ظهور الإسلام، بل وما قبله من لغة الجاهلية.”

29: وقد خلص الشيخ محمد الخضر حسين بعد بحث مستفيض في هذه المسألة إلى القرار التالي الذي اعتمد عليه مجمع اللغة القاهري فقال:(( إنا نرى الاستشهاد بألفاظ ما يروى في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول وإن اختلفت فيها الرواية ،)) ولا نستثني إلا الألفاظ التي تجيء في رواية شاذة أو يغمزها بعض المحدثين بالغلط أو التصحيف ((غمزا لا مرد له))، ويشد أزرنا في ترجيح هذا الرأي أن جمهور اللغويين وطائفة عظيمة من النحويين يستشهدون بالألفاظ الواردة في الحديث ولو على بعض رواياته.

30: قال الشاطبي الذي سلك موقفا وسطا بين الجواز والمنع ،كما يلي: ” لم نجد أحدا من النحويين استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم وأشعارهم التي فيها الفحش والخنا ويتركون الأحاديث الصحيحة؛ لأنها تنقل بالمعنى وتختلف رواياتها وألفاظها بخلاف كلام العرب وشعرهم، فإن رواته اعتنوا بألفاظه لما يبنى عليها من النحو، ولو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب.

الخلاصة والنتيجة:

يمكن تلخيص ما تقدم بما يلي:

– تدوين الأحاديث لا سيما الصحاح وما سبقها من المسانيد، دوّنت في الصدر الأول أي في عصر الاحتجاج اللغوي، وكذلك  الرواية بالمعنى حدثت في عصر الاحتجاج،  وعليه فإن اللفظ في هذه الأحاديث مما يُحتج به وإن كان مبدلا. وفي نفس هذا العصر دون الحديث فلم يعد بعدها مجال للتغيير والتبديل فيما كتب.

– تشدد الرواة والمحدثين وحرصهم على سلامة النقل ومنعهم الرواية بالمعنى إلا لمن وثق به وبعربيته كفيل بسلامة الأحاديث وجواز الاحتجاج بها، لغلبة الظن في صحتها.

– هنالك من دحض فكرة نقل الأحاديث بالمعنى وقال إن معظمها كان باللفظ

– الأحاديث والمنهج العلمي لتنقيتها والوقوف على صحتها أوثق من الكثير من الأشعار التي اعتمد عليها النحاة في تقعيد اللغة.

– تعدد الروايات قد يكون سببه تكرار الحديث في أكثر من موضع، وقد عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخاطب القبائل بلغاتها.

– القول بأن الكثير من رواة الأحاديث أعاجم ومتأثرين بالعجمة داحض وليس بحجة في عدم الاستشهاد بالحديث. أولا: لأن عددهم قليل ومعظم المحدثين من العرب الفصحاء الذين يعتد بعربيتهم. وثانيا: لأن الكثير من العلم لا سيّما النحو نفسه أُخذ من أعاجم كمثل سيبويه والكسائي. وثالثا: أن أعاجم عصور الاحتجاج لا تقل فصاحتهم عن العرب.

– إذا لم يوثق بفصاحة الرّواة في اللغة فلا يصح الاحتجاج بمورياتهم في الشريعة أيضا. فبما أنه احتُج بهذه المرويات في الشريعة فلا بدّ من الاحتجاج بها في النحو أيضا.

– ممن احتج بالحديث مطلقا كان ابن هشام وابن مالك والرضي، واحتجوا بما روي باللفظ والمعنى من الصحاح وغيرها، وبما رواه عربي أو غيره. ومن مؤيديهم الدماميني وابن خلدون وغيرهم.

– إذا كان الحديث يُستدل به لإثبات الألفاظ فلماذا لا يستدل به في النحو ؟

– من العلماء المعاصرين مثل الشيخ محمد الخضر يجيز الاحتجاج بالحديث الشريف المدون في الصدر الأول على اختلاف رواياته، وهذا بحد ذاته يشمل كل الصحاح والمسانيد التي دونت قبلها. ولا يستثني إلا الرواية الشاذة التي يقر المحدثين بالغلط الذي لا مردّ له فيها.

– ومنهم مثل الدكتور محمد عيد من يقول بوجوب اعتبار الأحاديث – صحيحة أو غير صحيحة – مصدرا مهمّا يمثل “نثر الفصحى”.

والنتيجة:

بناء على  كل ما تقدّم: يصح الاحتجاج بالحديث الشريف مطلقا على اختلاف رواياته، على مذهب العديد من أئمة النحو أمثال ابن مالك وابن هشام. وهو المذهب الذي نأخذ به في توجيه لغات المسيح الموعود عليه السلام.