المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..150

حُجّية لغة الإمام الشافعي وموافقتها للغة المسيح الموعود ع

ذهبنا في توجيه لغات المسيح الموعود عليه السلام، إلى الاستشهاد بلغة الإمام الشافعي رحمه الله، وقد أوردنا الكثير من الأمثلة التي يوافق فيها الإمام الشافعي لغات المسيح الموعود عليه السلام، وكتب بها بنفسه رغم أنها ليست من اللغات الرائجة اليوم.

ومن أمثلة هذه اللغات التي وافق فيها الإمام الشافعي لغة المسيح الموعود عليه السلام كانت ما يلي:

  1. إجراء الفعل المعتل مجرى الصحيح السالم، في إثبات حرف العلة في المضارع المجزوم
  2. اعتبار شبه الجملة مبتدأ واسما للنواسخ
  3. إثبات ياء المنقوص في كل أحواله
  4. لغة حذف نون الرفع من الأفعال الخمسة بلا ناصب ولا جازم تخفيفا
  5. حمل (كان وأخواتها) على أنها شأنية
  6. حذف اسم كان للعلم به
  7. تنوين النصب على لغة ربيعة حيث يكتب دون الألف
  8. جواز إنابة الجار والمجرور – وإن لم يُفد ولم يَختصّ- مناب الفاعل وفق المذهب الكوفي
  9. لغة نصب معمولي إنّ وأخواتها
  10. نيابة أحرف الجر مناب بعضها

وغيرها من اللغات مما ذكرناه ومما لم نذكره بعد وسوف نفرد له مقالات أخرى مستقبلا.

وبهذا نقول: بأن استشهادنا بلغة الإمام الشافعي في كل هذه المواضع، لهي من الدلائل القطعية التي تقطع الشك باليقين على صحة وفصاحة وبلاغة لغة المسيح الموعود عليه السلام، في استعماله لكل هذه اللغات؛ وذلك لأن الإمام الشافعي يُعتبر حُجة في اللغة، لا يستطيع أحد أن يقدح في لغته وفصاحته وبلاغته. فاستعمال الشافعي رضي الله عنه لمثل هذه اللغات، يؤكد أن البليغ لا يتوانى عن الأخذ بهذه اللغات واستخدامها في لغته كدليل على امتلاكه ناصية اللغة وبسطته فيها.

والإمام الشافعي عاش في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، وهذا الزمان خارج من عصر الاحتجاج اللغوي الذي أقره النحاة الأوائل وقيّدوه حتى سنة 150 ه؛ غير أن مجمع اللغة القاهري أقرّ بأن كل القرن الثاني للهجرة يدخل في عصر الاحتجاج اللغوي وأن اللغة العربية فيه لم تشبها بعدُ شوائب اللحن والخطأ. وبناء على هذا فكان لا بد من الارتكان إلى لغة الشافعي في تقعيد اللغة والاحتجاج بها.

وفي هذا يقول الدكتور سعيد الأفغاني في معرض حديثه عن الاحتجاج في اللغة، منتقدا النحاة في نهجهم الذي انتهجوه في هذا الاحتجاج، ومعددا عيوبهم بتفريطهم بالعديد من كلام العرب البليغ، كالقراءات والحديث الشريف فيقول:

بل قد أخطأوا ( النحاة) حين تهاونوا بكتب الإمام الشافعي ومن طبقته من الفصحاء، الذين نشؤوا في بيئة سليمة ولم يتطرق الفساد إلى لغتهم، وهذه إضاعة أسف لها حتى علماء المشرقيات من الأجانب، والحق كل الحق معهم، فقد ذهبوا إلى أن بتدوين مثل الشافعي علوم الشريعة إغناء للغة العربية بوسائل التأدية، أكثر مما أغناها به كثير من الشعراء. وهذه الناحية مع الأسف أهملها علماء الشرق إهمالا تاما، واشتغلوا بشواهد لشعراء مجهولين. فكان هذا الاشتغال عبثا إذا قيس بذلك الإهمال.” [ في أصول النحو 75]

ولهذا، فهنالك من يصنّف لغة الإمام الشافعي بأنها مصدر من مصادر الاحتجاج اللغوي، التي لا بدّ من الاعتماد عليها في تقعيد اللغة، بل وحتى اعتماد الظواهر اللغوية الواردة فيها، والتي جاءت مخالفة للقواعد العربية المعروفة اليوم، وذلك باعتبارها صحيحة تمثل وجها من وجوه اللغة العربية وسعتها، حيث جاء في كتاب “أصول النحو جامعة المدينة” ما يلي:

وكما جاز الاحتجاج بلغة هذه القبائل جاز الاحتجاج بأمرين آخرين:

أحدهما: ما روي من نثر العرب ونظمهم بعد أن دوِّنت الدواوين بشرط أن يكون الراوي ثقةً صدوقًا أمينًا عدلًا:

والآخر: كلام الإمام الشافعي -رضي الله عنه- الذي تأخر زمانه عن زمن الاحتجاج. وقد أورد السيوطي كلمة أحمد بن حنبل: “كلام الشافعي في اللغة حجة”، ولم يكن هذا رأي ابن حنبل وحده، بل تعدَّدت أقوال العلماء التي تدل على الاحتجاج بلغة الشافعي، ومنها قول عبد الملك بن هشام: “الشافعي بصير باللغة يؤخذ عنه، ولسانه لغة فاكتبوه”، وقول الوليد بن أبي الجارود: “كان يقال: إن الشافعي لغة وحده يحتج بها”، وقول أبي منصور الأزهري: “والشافعي فصيح حجة في اللغة” ومعنى هذه الأقوال أن ما جاء في مصنفات الإمام الشافعي من عبارات شذَّت عن القواعد العربية المعروفة لا يمكن حملها على الخطأ، وإنما تُجعل عباراته شاهدًا لما استعملت فيه كما تُعدُّ وجهًا من وجوه سعة العربية. وقد أحسن المحقق الكبير الأستاذ أحمد محمد شاكر حين صنع في نهاية (الرسالة) فهرسًا لأقوال الشافعي التي خالفت المعهود من قواعد العربية.” [أصول النحو 1 – جامعة المدينة (ص: 85)]

وبهذا تكون لغة الإمام الشافعي رضي الله عنه، قد جاءت شاهدا على صحة وفصاحة وبلاغة لغة المسيح الموعود عليه السلام، بما لا يدع مجالا لأي شخص أن يرفع عقيرته ويقدح في لغته عليه السلام. فالذي يتطاول على لغة المسيح الموعود عليه السلام وفصاحته وبلاغته لاستعماله هذه اللغات، فإنه يتطاول بذلك على لغة الإمام الشافعي، ومن يجرؤ على ذلك غير سفيه!؟

وبناء على كل هذا فإنني أقول، بأن لغة المسيح الموعود عليه السلام تغني الباحثين عن أي مصدر آخر للاطلاع على اللغات العربية والظواهر النحوية والصرفية التي خالفت الأصول النحوية، وخفيت عن الكثير من النحاة، رغم كونها من فصيح الكلام ومن لغات العرب التي يحتج بها؛ ولا بد من اعتمادها في تقعيد اللغة.

فكما قيل في لغة الإمام الشافعي نقول في لغة المسيح الموعود عليه السلام، إن ما جاء في لغته عليه السلام، من عبارات شذَّت عن القواعد العربية المعروفة لا يمكن حملها على الخطأ، وإنما تُجعل عباراته شاهدًا لما استعملت فيه كما تُعدُّ وجهًا من وجوه سعة العربية.

فنهيب بالعلماء والأدباء والشعراء أن يتهافتوا على دراسة لغته عليه السلام لينهلوا منها كنوز اللغة الدفينة.