المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..258

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..31

تأنيث المذكر مبالغة وتشبيها وللمدح والذم ..2

دخول الهاء على المذكر للمبالغة ..

 

 الاعتراض:

يدعي المعارضون ورود الخطأ في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام :

1: كشابٍ مسلوخةٍ عند وعظٍ معطَّلٍ.” (التذكرة، نقلا عن جريدة الحكم، مجلد 26، عدد 19 – 20، يوم 21 – 28/ 5/1924، ص 18)

2:  وأما عبدة الأصنام .. فهم قوم أنفدوا أعمارهم كالعبيد .. وتعرفين أيتها المليكة الجليلة أنهم مسلوبة الطاقات، ومطرودة الفلوات من دهر طويل. (التبليغ)

3: وجودنا مسبوقة لوجود الأرض والسماوات (مكتوب أحمد، ص 21).

4: بل يتكلمون كمدلِّسٍ متزلزلة الأقدام (الهدى والتبصرة، ص 56).

5: وقد يقتضي تجلّياتِ الأَحديّة ليُعرَف أن غيره هالكة الذات باطلة الحقيقة (منن الرحمن، ص 77).

6: وفي هذه الحالة يكون الإنسان مستهلَكة الذات (الخطبة الإلهامية، ص 93).

7: وجدته طيّب الأعراق كريم الأخلاق، مطهّرة الفطرة (نور الحق، ص 12).

8: والاختلاف في فِرق الإسلام كثيرة (تحفة بغداد، ص 40).

وموضع الخطأ المزعوم هو في تأنيث الكلمات: مسلوخة، مسلوبة، مطرودة، مسبوقة، متزلزلة، وهالكة، مطهرة وكثيرة. حيث جاءت هذه الكلمات خلاف ما هو معروف ومألوف من التذكير والتأنيث، وحقها أن تكون مذكرة لأنها أوصاف لمذكّر.

 

الرد:

كنا قد وجهنا هذه الجمل والعبارات بتوجيهات مختلفة، فمنها ما وجهناه على إنابة (أل) عن الضمير في الجمل السببية (مظاهر 246: https://wp.me/pcWhoQ-5nH )، ومنها ما وجهناه على تأنيث المذكر للمبالغة والتشبيه (مظاهر 255: https://wp.me/pcWhoQ-5oq ) . وفي الحقيقة فإن كل هذه الجمل والعبارات يجوز أن تندرج تحت تأنيث المذكر للمبالغة والمدح والذم، وفق قول الفرّاء الذي نقلناه في هذه المقالات، حيث يقول :

“لأن العرب قد تُدخل الهاء في المذكر على وجهين ؛ أما أحدهما فعلى المدح ، والآخر ذمّ، فيوجهون المدح إلى الداهية، وتكون الهاء التي دخلت على الذكر، يراد بها المدح والمبالغة في نوعه الذي وصف به، فيقال (إنه لمـُنكرة من المناكير) و (إنه لراوية وعلامة).فهذا مذهب الداهية والمدح.

وأما الذمّ فقولهم: (إنه لجَخَابة هِلباجة فَقاقة)، فيما لا أحصيه، وكأنه يذهب به إلى البهيمة.

فهذان تأنيثان، وقد وضعا لمؤنثين، فأجرى فعل المذكر عليهما. ولو أتى بغير تأنيث، لكان صوابا. ” [ المذكر والمؤنث للفراء ، تحقيق د. رمضان عبد التواب، ص60]

ولنا في هذا المقال أن نسترسل في تأكيد قول الفراء هذا، ونبحث بتعمق أكبر في مسألة “دخول الهاء على المذكر” نقلا عن المصادر المختلفة وبجلب شواهد عديدة أخرى.

ففي هذا الأمر جاء في إسفار الفصيح ما يلي:

“باب ما أدخلت فيه الهاء من وصف المذكر

(تقول: رجل راوية للشعر): إذا كان ينشده ويحفظه، فزادوا الهاء للمبالغة في الوصف.

(و) كذلك (رجل علّامة): أي عالم جدا، أو كثير العلم.

(ونسّابة): وهو العالم بالأنساب، وهي معرفة أسماء الآباء والأجداد……

(وذلك إذا ما مدحوه كأنهم أرادوا به داهية) فأنثوه، وفي رواية مبرمان عن ثعلب: (إذا أرادوا به غاية المدح) .

(وكذلك إذا ذموه، فقالوا: رجل لحانة)(في حروف كثيرة، كأنهم أرادوا به بهيمة) .

قال أبو سهل: فقول أبي العباس – رحمه الله -: (وذلك إذا مدحوه، كأنهم أرادوا به داهية، وكذلك إذا ذموه كأنهم أرادوا به بهيمة) .

…. وهذا هو معنى قول الكوفيين وطريقتهم. وأما البصريون فإنهم قالوا: الهاء في هذا الباب للمبالغة في الوصف الذي يمدح به أو يذم. وقال بعضهم: ألحقوا هذه الهاء في هذه الأسماء للمبالغة وجعلوا زيادة اللفظ دليلا على زيادة ما يقصدونه من مدح أو ذم، وكأنهم أرادوا في المدح معنى داهية وفي الذم معنى بهيمة…

وقال بعض النحويين: وصفوا المذكر بهذه الأوصاف المؤنثة كما وصفوا المؤنث بالأوصاف المذكرة.

وأما قوله: “في حروف كثيرة” فأراد أن لهذا نظائر كثيرة في الكلام.

ويقال للمؤنث في فصول هذا الباب – كما يقال للمذكر – بالهاء لأنهم لما أتوا بها في وصف المذكر لمعنى المبالغة والتكثير أشركوا فيه المؤنث أيضا.

وتجمع هذه الفصول كلها بالألف والتاء، فيقال: رجال راويات، وعلامات، ونسابات، ومجذامات، ومطرابات، ومعزابات، ولحانات، وهلباجات، وفقاقات، وجخابات.” [إسفار الفصيح (2/ 793-797)]

ومن هذا النصّ يتضح لنا اختلاف النحاة في تفسير دخول الهاء على المذكر:

فمنهم من يقول إنه جاء للمبالغة في الوصف، فإن مدحوه ذهبوا به إلى الداهية، وإن ذموه ذهبوا به إلى البهيمة.

ومنهم من يقول أنها لبلوغ الغاية في الوصف سواء في المدح  او الذم.

ومنهم من قال إنها للمبالغة في المدح والذم.

ومنهم من قال أن زيادة الهاء دليلا على زيادة ما أرادوه من المدح والذم.

ومنهم من قال أنها وصف للمذكر بالمؤنث كما وصفت المؤنث بالمذكر .

وعليه وبناء على هذه التأويلات، فإن دخول الهاء على المذكر إما هو للمبالغة في المدح والذم،  أو لمجرد وصف المذكر بلفظ المؤنث كما وصف المؤنث بالمذكر. وهو بحد ذاته يؤيد ما ذهبنا إليه في مقال سابق بأن مسألة التأنيث في اللغة العربية، لم تكن على حالة من الاستقرار وهي طارئة في التاريخ اللغوي.

كما يتضح لنا أن دخول هذه الهاء على المذكر كثير في لغة العرب، حيث نصّوا على وروده في حروف كثيرة من قبيل ما نقلوه من الأمثلة. وعليه فإن كانت نظائره كثيرة فمن حقّنا أن نسأل؛ بأي حق يقتصره البعض على السماع، وقد أقرّ النحاة أن المقاييس في اللغة تبنى على الكثرة؟  أوَليس من الأجدر أن يُقال بأنه مقيس عند نية المبالغة في المدح والذم؟

يقول النحو الوافي في مسألة دخول الهاء على المذكر ما يلي:

“وقد تأتي (التاء) للمبالغة في الوصف كرجل راوية؛ لكثير الرواية. وقد تأتي لتأكيد المبالغة؛ نحو: رجل “نسابة” لكثير العلم بالأنساب؛ ذلك أن الكلمة “نسّاب” صيغة مبالغة بنفسها، فإذا زيدت عليها التاء أفادت توكيد المبالغة..” [ النحو الوافي (4/ 592)]

ويؤيده ما جاء في شرح التصريح على النحو التالي:

“و” تأتي التاء “للمبالغة” في الوصف “كـ: راوية” لكثير الرواية، وإنما أنثوا المذكر لأنهم أرادوا أنه غاية في ذلك الوصف، والغاية مؤنثة.:ولتأكيدها”، أي: المبالغة الحاصلة بغير التاء “كـ: نسابة”، وذلك لأن فعالا يفيد المبالغة بنفسه، فإذا دخلت عليه التاء أفادت تأكيد المبالغة لأن التاء للمبالغة.” [شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (2/ 492)]

وبناء عليه فإن دخول الهاء للمبالغة قد يكون على صيغ المبالغة نفسها، وكذا على غيرها مثل صيغة اسم الفاعل. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، ما ذكره النحو الوافي تحت صيغة فعول التي تستوي في المذكر والمؤنث، وإن دخلتها التاء فقد تكون للمبالغة حيث قال:

” فعول بمعنى: “فاعل “وهو الدال على الذي فعل الفعل”، نحو: صبور، نفور، حقود … بمعنى: صابر، نافر، حاقد، مثل: رجل أو امرأة صبور، ونفور، وحقود …

أما المسموع من قولهم: امرأة مَلُولَة، وفَرُوقَة؛ بمعنى: خوافة -وكذا بضع كلمات أخرى- فالتاء فيه للمبالغة مع التأنيث وليست لمحض التأنيث وحده وأما “عدوة” مؤنث: “عدو” فمقصورة هي وأشباهها القليلة على السماع. [النحو الوافي (4/ 591)]

وفي الهامش من نفس الصفحة زاد عليها بعض الأمثلة على صيغة فعول:

“أشهرها: “صَرورة: لمن لم يتزوج، أو لم يحج”، “لـَـجُوجة: لكثير اللجاجة، وهي: الخصومة”، “عَرُوفة: لكثير من العلم والمعرفة”، “شَنُوءة، لكثير التقزز، أو العداوة”، “مَنونة: لكثير الامتنان”، “سَرُوقة: لكثير السرقة”، راجع النوادر، ذيل الأمالي، للقالي ص173 -وجاء في المزهر “ج2 ص86- باب ما جاء على “فعولة” ألفاظ منها مَلولة: من المَلل. وفَرُوقه: من الفرق، وهو الخوف … تَنُوفة: للمفازة. ورجل عَروفة. بالأمر ولجوجة، من المعرفة واللجاج، والحمولة: التي تحمل أهل الحي، بعيرا كانت أو حمارا، نَسُولة وهي التي يتخذ نسلها، يوم العَرُوبة، وهو: “الجمعة”، وسَبُوحة: البلد الحرام. والرَّضُوعة: للشاة التي ترضع.”

ومن الأمثلة الأخرى على دخول الهاء للمبالغة ما ورد في النقول التالية:

1: كلمة (خليفة)

وأما الهاء في ((خليفة)) ففيها ثلاثة أقوال:

من النحويين من يقول: إنه أدخلت الهاء فيه للمبالغة، كما يقال: داهيةٌ؛ وهذا قول الفراء.….

قال أبو جعفر: ومذهب الفراء في كل ما كان من المدح، نحو: علامة ونسابة، أن تأنيثه بمعنى داهية، وفي الذم بمعنى بهيمة، نحو هلباجة وفَقاقة. [عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس (ص: 110)]

وجاء فيها أيضا:

“والخليفةُ من يخلُفُ غيرَه وينوب مَنابَه فعيل بمعنى الفاعل والتاء للمبالغة والمراد به إما آدمُ عليه السلام ”  [تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (1/ 81)]

 

2: كلمة وَيْلُمّة / وَيْلِمّة

“وقالوا: رجل ويلمة، وويلم للداهية. وهذا خارج على الحكاية، أي يقال له من دهائه: ويلمه، ثم ألحقت الهاء للمبالغة، كداهية ومنكرة. [الخصائص (3/ 217)]

 

3: كلمة (دابة) في القرآن الكريم

“قال أبو جعفر: سمعته يقول: سمعت أبا إسحاق يملي في قول الله جل وعز: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} يقال لكل من دب: دابٌ ودابةٌ، من الناس وغيرهم…

قال أبو جعفر: ولكن النحويين ذهبوا إلى أن الهاء للمبالغة؛ وهذا أحسن ما قيل فيه، كما يقال روايةٌ وعلامةٌ.” [عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس (ص: 111)]

 

 

4: دخولها على صيغ المبالغة المختلفة مثل فعيل وفَعّال وفُعّال ومِفعال

“وعُرَاض” أشد مبالغة من “طويل, وعريض” و”فَعِيل وفُعَال” كلاهما من أبنية المبالغة، فإذا أرادوا الزيادة في المبالغة ضعّفوا العين فقالوا: “كُرّام، وحسّان، ووضّاء” وهم يريدون: “كريما، وحسنا، ووضيئا”.

قال الشاعر:

دار الفتاة التي كنا نقول لها … يا ظبية عُطُلا حُسَّانة الجِيد

وربما بنوه على فُعَّال مضعّف العين وألحقوه الهاء للمبالغة، قالوا: “رجل كُرّامة، ولُؤّامة” في الكريم واللئيم، كما قالوا: “مِجْذامة” للمقطوع, و”مِطْرَابة” للكثير الطرب، و”معزابة” للكثير التعزب، و”رجل عَذّالة” إذا أكثر العَذْل. قال تأبط شرا:

يا من لعَذّالة خَذّالة أشِب … حرق باللوم جلدي أي تحراق

فوصفهم المذكر بما فيه هاء التأنيث إنما هو لشدة المبالغة، وهم إذا أرادوا شدة المبالغة في الكلمة فمما يُخرجونها عن أصلها.” [المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني (ص: 241)]

 

5: على وزن فَعْلة وفُعَلة : كرَبعة ، وكما في القرآن الكريم: هُمَزة ولـُـمَزة

“باب ما يقال للمؤنث والمذكر بالهاء

(قالوا: رجل رَبْعة، امرأة ربعة) ..لأن ربعة لما وصف بها الرجل والمرأة صارت كأنها اسم غير وصف، وأدخلت الهاء في وصف المذكر للمبالغة، فلأجل ذلك اشترك في هذا الوصف المذكر والمؤنث…..

(ورجل هُذَرَة) بضم الهاء وفتح الذال، (وامرأة هذرة) : إذا كانا كثيري الكلام.

(ورجل هُمَزة لمزة) بضم أولهما وفتح ثانيهما، (وامرأة كذلك: وهو الذي يعيب الناس. في حروف كثيرة) ، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}. وقيل: الهمزة: الذي يعيب الناس بحضرتهم. وقد همزهم يهمزهم همزا.

واللمزة: الذي يذكرهم وهو غائب عنهم. وقد لمزهم يلمزهم لمزا. وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}.” [إسفار الفصيح (2/ 798- 800)]

 

6: كلمة (كريمة) في الشعر

“وَكريمَةٍ مِنْ آلِ قَيسِ أَلفْتُهُ … حتَّى تَبَذَّخَ فارتَقَى الأَعْلامِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل.

قوله: “وكريمة” أي: رب كريمة، فالهاء للمبالغة لا للتأنيث بدليل قوله: “ألفته وتبذخ وفارتقى”، ” [المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (3/ 1271)]

 

7: كلمة (فاسقة) في الحديث الشريف

” وَفِي حَدِيثه: ” خمس كُلهنَّ فاسقة “. كَذَا وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالتَّاءِ، وَوَجهه: أَنه مَحْمُول على الْمَعْنى؛ لِأَن الْمَعْنى: كل مِنْهُنَّ فاسقة. يَعْنِي: الْحَيَّة وَالْعَقْرَب. وَيجوز أَن يكون ألحَـقَ التَّاء للْمُبَالَغَة كَقَوْلِهِم: [رجل] نسابة وراوية وَخَلِيفَة، وَلَو حمل على اللَّفْظ لقَالَ: ” كُلهنَّ فَاسق ” كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} .” [إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص: 115- 116)]

 

 

8: كلمة (كافة) في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ” [سبأ: 28]

“وأن: كافة” في الآية “حال من الكاف” في “أرسلناك”، “و” أن “التاء للمبالغة لا للتأنيث” قاله الزجاج، ورده ابن مالك بأن إلحاق التاء للمبالغة مقصور على السماع، ولا يتأتى غالبًا إلا في أبنية المبالغة كـ: “علامة”، و”كافة” بخلاف ذلك، فإن حمل على “راوية” فهو حمل على شاذ، نقله الموضح عنه في الحواشي ولم يتعقبه. “[شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (1/ 590)]

 

وكما نرى فإن ابن مالك يحاول أن يقتصر دخول التاء للمبالغة على السماع، ويقول بأن دخولها يغلب على صيغ المبالغة؛ غير أن هذا الرأي يرده آخرون بقولهم إنها دعوى بلا دليل، كما يتبين من النص التالي الذي سيأتي. ويدحضه كذلك ما نقلناه من إسفار الفصيح بأن مجيء الهاء للمبالغة وارد في حروف كثيرة أي كلمات كثيرة؛ هذا ناهيك عن أننا سقنا في هذا المقال الكثير من الأمثلة القرآنية والحديثية ومن والشعر وكلام العرب، والتي بها جاءت الهاء للمبالغة في غير صيغ المبالغة لا سيما على صيغة (فاعل) ، ونقلنا ورودها على صيغة اسم المفعول (مُفعل) كما في كلمة (منكرة) ، وصيغ (فُعَل) و (فَعْل) كهمزة ولمزة وربعة وصيغ اخرى كهلباجة وفقاقة . فكل هذه الشواهد تدحض دعواه بأن دخوله على غير صيغ المبالغة شاذ.  ويدحضه ما جاء في النص التالي من المقاصد :

9: كلمة (كافة) في القرآن الكريم

“وهذه التأويلات كلها لأجل الهروب عن القول بجواز وقوع الحال من المجرور المتقدمة عليه؛ فلذلك أولوا هذه التأويلات، وقالوا أيضًا: فلو لم يؤول فلا حجة فيه؛ لأن الشعر يجيء فيه ما لا يسوغ في الكلام.

فإن اعتُرضَ عليهم بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، فإن كافة حال من المجرور باللام وهو الناس، وقد تقدم عليه.

أجابوا بأن كافة حال من ضمير النبي – صلى الله عليه وسلم – فيكون المعنى؛ وما أرسلناك إلا كافًّا للناس، ودخلت التاء التي للمبالغة؛ كما في قولهم: رَاويَةُ الشِّعْرِ.

فإن قيل: باب به التاء للمبالغة مقصور على السماع، ولا يأتي غالبًا إلا على أحد أمثلة المبالغة؛ كنسابة وفروقة ومهذارة، و(كافة) بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها لكونها على فاعلة، فإن حملت على راوية حملت على شاذ الشاذ؛ لأن إلحاق تاء المبالغة أحد أمثلة المبالغة شاذ وإلحاقه لما لا مبالغة فيه أشذ.

قيل: هذا مجرد دعوى ولا برهان فيه، ولئن سلمنا ذلك فنقول: إن كافة مصدر؛ لأن الفاعل قد يجيء بمعنى المصدر؛ كالكاذبة والعاقبة فتكون كافة بمعنى كف وهو مصدر لفعل محذوفٍ” [المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية (3/ 1126)]

 

10: كلمة خائنة في الشعر

“حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن … للغدر خائنة مضل الأصبع

…أو ولم تكن مجعولا للغدر خائنة، على أنه خبر بعد خبر، أى كثير الخيانة، فالتاء للمبالغة كرواية. [تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 616)]

 

11: كلمة خالصة في القرآن الكريم

“وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)

…. وأنث خالِصَةٌ للحمل على المعنى، … ويجوز أن تكون التاء للمبالغة مثلها في رواية الشعر.”  [تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/ 71)]

12: كلمة خائنة في القرآن الكريم

“وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ خيانة منهم، أو فرقة خائنة أو خائن والتاء للمبالغة.” [تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل (2/ 119)]

 

13: كلمة آزفة في القرآن الكريم

“وصفتها أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أي قربت القيامة كاشِفَةٌ يحتمل لفظه ثلاثة أوجه: أن يكون مصدرا كالعافية، أي ليس لها كشف وأن يكون بمعنى كاشف والتاء للمبالغة كعلامة، وأن يكون صفة لمحذوف تقديره: نفس كاشفة أو جماعة كاشفة ويحتمل معناه وجهين:” [تفسير ابن جزي = التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 321)]

 

14: كلمة الصاعقة في القرآن الكريم

وَالصَّاعِقَةُ وَالصَّاقِعَةُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِصَوْتِ الرَّعْدِ أَوْ لِلرَّعْدِ، فَتَكُونُ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ نَحْوَ: رَاوِيَةٌ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْدَرًا، كَمَا قَالُوا فِي الْكَاذِبَةِ.  [البحر المحيط في التفسير (1/ 138)]

 

15: كلمة معقبات في القرآن الكريم

“لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)

ومعَقِّبات: جمع «مُعَقِّب» بزنة مُفَعِّل، …

وفي مُعَقِّبات احتمالان، أحدهما: أن يكون» مُعَقِّبة «بمعنى مُعَقِّب والتاء للمبالغة كعلاَّمَة ونسَّابة، أي: مَلَكٌ مُعَقِّبٌ، ثم جُمِع كعلاَّمات ونسَّابات.” [الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (7/ 27)]

 

16:كلمة قارعة في القراءات القرآنية

“وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) ……..

وقرأ ابن جبير ومجاهد”يَحُلُّ” «بالياء مِنْ تحتُ، والفاعلُ على ما تقدم: إمَّا ضميرُ القارعة، وإنما ذكَّر الفعلَ لأنها بمعنى العذاب، أو لأن التاءَ للمبالغة، والمرادُ قارِع، وإمَّا ضميرُ الرسول، أتى به غائباً. وقرآ أيضاً» مِنْ ديارهم «وهي واضحة. [الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (7/ 55)]

 

17: كلمة كاشفة في القرآن الكريم

“لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)

قوله: {كَاشِفَةٌ} : يجوز أَنْ يكونَ وصفاً، وأَنْ يكونَ مصدراً، فإنْ كانَتْ وصفاً احتمل أَنْ يكونَ التأنيثُ/ لأجلِ أنَّه صفةٌ لمؤنثٍ محذوفٍ وقيل: تقديرُه: نفسٌ كاشفةٌ، أو حالٌ كاشِفة، واحتمل أَنْ تكونَ التاءُ للمبالغة كعلاَّمَة ونَسَّابة، أي ليس لها إنسانٌ كاشفةٌ، أي: كثيرُ الكشف..” [الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (10/ 115)]

 

 

18: كلمة بصيرة في القرآن الكريم

“بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)

خبرٌ عن «الإِنسانُ» و «على نفسِه» متعلِّقٌ ب «بَصيرةٌ» والمعنى: بل الإِنسانُ بَصيرةٌ على نفسِه، وعلى هذا فلأيِّ شيءٍ أُنِّث الخبرُ؟ وقد اختلف النَّحْويون في ذلك، فقال بعضهم: الهاءُ فيه للمبالغةِ. وقال الأخفش: «هو كقولِك: فلانٌ عِبْرَةٌ وحُجَّةٌ» . وقيل: …

[الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (10/ 571)]

 

19: كلمة مثابة في القرآن الكريم

{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (البقرة 126)

“والمثابة المباءة والمرجع قيل: إن مثابا ومثابة لغتان مثل مقام ومقامة. وقيل: التاء للمبالغة كعلامة. ….” [تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (1/ 391)]

 

20: كلمة طائفة في القرآن الكريم

“قال الزجاج: الطائفة في اللغة الجماعة لأنها المقدار الذي يمكنه أن يطيف بالشيء، ثم يجوز أن يسمى الواحد بالطائفة قال تعالى وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: 2] وأقله الواحد. وروى الفراء بإسناده عن ابن عباس أنه قال: الطائفة الواحد فما فوقه. ووجه بأن من اختار مذهبا فإنه ينصره ويذب عنه من كل الجوانب فلا يبعد أن يسمى طائفة بهذا السبب والتاء للمبالغة.” [تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (3/ 498)]

 

 

21: كلمة العاقبة في القرآن الكريم

“والعاقبة إما مصدر كالعافية، وإما اسم غير صفة كالذبيحة والربيئة، وإما صفة والتاء للمبالغة كالراوية في قولهم «ويل للشاعر من راوية السوء»  [تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (5/ 320)]

 

22: كلمة الطاغية في القرآن الكريم

يحتمل أن تكون الطاغية صفة موصوف أي بشؤم الفرقة الطاغية التي تواطأت على عقر الناقة. ويجوز أن يراد بها عاقر الناقة وحده والتاء للمبالغة.”  [تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (6/ 345)]

 

23: كلمة رهينة في القرآن الكريم

“ثم أكد المعنى المتقدم بقوله كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أي ليس لامرئ إلا جزاء عمله كما مر نظيره في «الطور» . قال النحويون: التاء في رهينة ليست للتأنيث لأن «فعيلا» بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم. وأقول أيضا: يحتمل أن تكون التاء للمبالغة” [تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (6/ 395)]

 

24: كلمة باقية في القرآن الكريم

“فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)

{فهل ترى لهم من باقية} صفة نفس مقدرة أو التاء للمبالغة أي باق” [تفسير الجلالين (ص: 762)]

 

25: كلمة غائبة  في القرآن الكريم

“وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)

{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِى السماء والأرض} أي من خافيةٍ فيهما وهُما من الصِّفاتِ الغالبةِ والتَّاءُ للمبالغة  … [تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (6/ 299)]

 

وجاء فيها أيضا:

وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)

” …. والغائبة من الصفات التي تدل على الشدة والغلبة والتاء للمبالغة كأنه قال وما من شىء شديد الغيبوبة والخفا.” [روح البيان (6/ 368)]

 

النتيجة:

بناء على كل ما تقدم من الشواهد والأمثلة نخلص إلى النتيجة التالية:

1: دخول التاء على وصف المذكر جائز بهدف المبالغة في المدح والذم

2: لا يقتصر دخول التاء على صيغ المبالغة فقط، بل يطال أيضا اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ أخرى كما يظهر من الشواهد العديدة التي سقناها.

3: اقتصار بعض النحاة هذا الباب على السماع، واقتصاره على صيغ المبالغة على الغالب، هو دعوى بلا دليل .

4: كما أن مفسري القرآن الكريم وجّهوا  العديد من الكلمات القرآنية تحت هذا الباب، وهي ليست من صيغ المبالغة، بل على صيغة (فاعل) حملا لها على كلمة (راوية)؛ يحق لنا أن نوجه العديد من ألفاظ المسيح الموعود عليه السلام المشابهة، على هذا الباب حملا لها على كلمة (راوية) و(منكرة) المسموعة عن العرب .

5: بما أن كلمة (راوية) و(منكرة) على صيغة اسم الفاعل واسم المفعول، نقول بأن كل الكلمات الواردة أعلاه في كلام المسيح الموعود عليه السلام، والتي هي على نفس هذه الصيغ، تُحمل على هاتين الكلمتين، وتوجه على أنها كلمات مذكرة دخلتها الهاء للمبالغة. فهي كلها كلمات وعبارات صحيحة وفصيحة.

6: ما يهمنا في هذا الباب أن دخول الهاء على وصف المذكر جائز وصحيح ووارد عن العرب إما للمبالغة وهو ما نركز عليه ونرجحه، وإما لمجرد الوصف كما وصفوا المؤنث بالمذكر. وذلك بغض النظر عن تفسيرات النحويين في هذه المبالغة، إن كانت لحملها على البهيمة أو الداهية او بلوغ الغاية، أو مجرد الوصف. فهذه التأويلات والتفسيرات لا تعنينا لأنها ليست بالضرورة مما دار في خلد العربي الفصيح عندما تلفظه بهذه الألفاظ. واختلاف النحاة في هذه التفسيرات لهو بحد ذاته دليل على ما نقول.

7: لا بدّ من التنويه إلى أننا عندما نقول ” تأنيث المذكر” في هذا الباب، إنما نقصده من منطلق المجاز؛ وإلا فإن هذه العبارات التي دخلتها التاء لا تعتبر مؤنثة بل التعريف الصحيح لها أنها مذكرة  دخلتها الهاء للمبالغة فقط، وليس للتأنيث، طالما كان الموصوف مذكرا.