المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..40
صحة تأنيث العدد في “أربعة عشر دوابا” بتقدير موصوف وبشهادة القرآن الكريم
الاعتراض:
أخطأ المسيح الموعود في قوله: “أربعة عشر دوابًا” بتأنيثه للعدد رغم كون كلمة دابة مؤنثة تستوجب تذكير العدد والقول “أربعَ عشرةَ”، وهذا مردّه للعجمة وعدم التمرس.
الردّ:
لقد أثبتنا في مقال سابق (المظاهر الإعجازية ..35)، صحة تأنيث العدد “أربعة عشر” رغم أن كلمة (دابة) مؤنثة تستوجب تذكير العدد، وخرّجنا ذلك من منظارين: الأول كون كلمة دابة من الألفاظ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، وحينها وفق القاعدة المعروفة يجوز تذكير العدد وتأنيثه معها بغض النظر عن جنس المعدود أكان مذكرا أو مؤنثا. والمنظار الثاني، حملا للفظ (دابة) على معنى (رجل) نظرا لكون المقصود من الحديث هم أعداء المسيح الموعود عليه السلام من المشايخ.
وفي الحقيقة كلما قرأنا واستزدنا علما نجد الجديد من التخاريج التي تؤيد ما نقوم به من إثبات لصحة وبلاغة وفصاحة لغة المسيح الموعود عليه السلام.
وفي هذا الصدد قد وجدنا تخريجا آخر، يقول بأنه عند كون تمييز العدد وصفا يجوز في تأنيث العدد وتذكيره حينها مراعاة الموصوف المقدر وليس الصفة نفسها، حيث جاء في كتاب شرح التصريح على التوضيح ما يلي:
“ و” تقدم أنه يعتبر مع الجمع حال مفرده. “تقول: عندي ثلاثة ربعات، بالتاء” في ثلاثة “إن قدرت” الموصوف “رجالا، وبتركها إن قدرت” [الموصوف] 1 “نساء”، لأن ربعات؛ بفتح الباء؛ في الأصل اسم. ثم استعملت في الصفة، وهي جمع ربعة؛ بسكونها؛ يوصف به المذكر والمؤنث. يقال: رجل ربعة وامرأة ربعة: وهي المربوع لا طويل ولا قصير.
واعتبار توهّم الموصوف كاعتبار نيّته. “ولهذا” ترى العرب “يقولون: ثلاثة دواب؛ بالتاء؛ إن قصدوا ذكورا، لأن الدابة” وهي لغة كل ما يدب على الأرض “صفة في الأصل” غلبت عليها الاسمية. “فكأنهم قالوا: ثلاثة أحمرة”، جمع حمار، “دواب، وسمع” من كلامهم: “ثلاث دواب ذكور”، بترك التاء، لأنهم” اعتبروا تأنيث اللفظ، و”أجروا الدابة مجرى” الاسم “الجامد” نظرًا إلى الحال. “فلا يجرونها على موصوف”، قال ابن مالك أخذًا من قول ابن عصفور: وأما ثلاث دواب فعلى جعل الدابة اسمًا.“{شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو} (2/ 453)
ووفق ما جاء في النص أعلاه نرى بأن الكاتب قد مثّل للموضوع بنفس الكلمة التي استعملها المسيح الموعود عليه السلام في كلامه وهي كلمة (دابة) و(دوابّ)، وقال بأنها قد تُحمل على أنها صفة في الأصل، وحين يقصد بها وصف ذكور يصح مراعاة هذا الموصوف لتأنيث العدد والقول (ثلاثة دواب).
وهذا ما يشهد عليه القرآن الكريم بالآية التالية: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (الأَنعام 161)، إذ وفق اعتراض المعترضين كان لا بدّ من تـأنيث (عشْر) فيها لتكون (عشرةُ)، لأن المعدود مذكر في الأصل (أمثالها)/ (مثل)، إلا أن (أمثال) هي وصف وقد قُدّر وروعي في الآية الموصوف نفسه وهي كلمة ( حسنات) المؤنثة الأصل فكان لا بدّ من تذكير العدد. وبذلك فقد حُملت الآية على تقدير موصوف وبناء على هذا الموصوف جاء تذكير العدد.
وبيان ذلك في كتاب العدد في اللغة (ص: 67)، حيث جاء:
“قَالَ أَبُو عَليّ: قد تقدم من الْكَلَام أَن الْعدَد حَقه أَن يبين بالأنواع لَا بِالصِّفَاتِ فَلذَلِك لم يحسن أَن تَقول: ثَلَاثَة قرشيين لأَنهم لَيْسُوا بِنَوْع، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تَقول: ثَلَاثَة رجال قرشيين.
وَلَيْسَ إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف بالمستحسنة فِي كل مَوضِع. وَرُبمَا جرت الصّفة لكثرتها فِي كَلَامهم مجْرى الْمَوْصُوف فيستغنى بهَا لكثرتها عَن الْمَوْصُوف، كَقَوْلِك: مَرَرْت بمثلك، وَلذَلِك قَالَ عز وَجل: {فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} ، أَي عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا.
وهذا تخريج آخر يعضُد ما كنا قد ذكرناه في مقال سابق ( المظاهر الإعجازية ..35) حول هذا الموضوع. ويُثبت من جديد عظمة المسيح الموعود عليه السلام، وعظمة لغته وبلاغته وفصاحته وعلمه الذي لا يمكن أن يتاتى إلا بتعليم الوحي الربانيّ.