# المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..215
دلالة أفعل التفضيل على المفاضلة المطلقة وتجرده من المفاضلة
الاعتراض:
نعرض فيما يلي اعتراض المعترضين بحذافيره كما عرضوه بصيغة التحدي فقالوا:
“التحدي التاسع الثلاثون: اسم التفضيل
إذا أُضيف اسم التفضيل إلى نكرة فيلزمه الإفراد والتذكير والتنكير، ويكون المفضَّل عليه (المضاف إليه) مطابقا للمفضَّل في النوع والعدد. كما أنه لا يُشتقّ من الفعل غير القابل للتفاوت، مثل مات، إلا إذا حمل معنى آخر.
وفيما يلي أخطاء الميرزا:
1: وقد وجب علينا إعلام المتغفلين بأسرع أوقات (نور الحق، ص 17). الصحيح: في أسرع وقت.
2: وتبلُغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرعِ أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. (الخطبة الإلهامية، ص 76). الصحيح: في أسرع وقت.
3: فأي دليل واضح من هذا إن كنت من المنصفين؟ (حمامة البشرى، ص 191). الصحيح: أوضح.
4: يقولون أنت كاذب! فما لهم إنهم ينبّهونني عني، ويظنون أنهم أعثَرُ على نفسي مني؟ (مواهب الرحمن، ص 41). الصحيح: أعرف.
“عثرَ الرّجل يعثرُ عثراً إذا اطلّع على شيء لم يطلّع عليه غيره” (العين). وحيث إنّ عملية العثور على الشيء تتمّ في لحظة، فلا مجال للتفاوت فيها، أي لا يصحّ أن نقول إن زيدا عثر على الكنز أكثر من عمرو، بل هما متساويان في العثور عليه، ولا مجال للمقارنة في العثور نفسه، بل يمكن أن نقارن بينهما في سرعة العثور مثلا، فنقول: زيد أسرع من عمرو في عثوره على الكنز.
5: وفي كلّ سنةٍ يرى صورته أوحشَ من سنة أولى (الاستفتاء، ص 10). الصحيح: أوحش من السنة السابقة.
6: وثبت بالقطع واليقين أن زمان الأمّة المرحومة المحمدية قليل في الحقيقة من زمان الأمّة الموسوية والعيسوية (الخطبة الإلهامية، ص 110 – 111). الصحيح: أقلّ.
7: وهو أول رجال بايعوني [حمامة البشرى]
8: فالزمان الأوّل هو زمانٌ أوّل من القرون الثلاثة مِن بُدُوِّ زمان خير البرية. (سر الخلافة) الصحيح:فالزمان الأول هو أول القرون الثلاثة بعد خير البرية
9: هذا آخرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد ) الصحيح: هذه آخر حيلة أردناها ” [ إلى هنا النقل عن المعترضين].
الرد:
المقدمة:
نخصّ هذا المقال للردّ على الاعتراض المتعلق بالفقرات 1و2و7و9 حيث فيها أفعَل التفضيل من نفس الصنف، وهو المضاف إلى نكرة . وكنا في مقالات سابقة قد رددنا على الاعتراض المتعلق بالفقرات 4و5و8 والتي فيها أفعل التفضيل هو من صنف آخر وهو المتجرد من (أل) والإضافة. وقلنا بالنسبة لها أن من بين التوجيهات للفقرات 5 و8 هو تأويل أفعل التفضيل المجرد من (أل) والإضافة باسم الفاعل والصفة المشبهة. (ينظر: مظاهر الإعجاز 210 و211 على الروابط التالية:
أما بالنسبة للفقرات 1و2و7و9 فإن ما يُفهم من قول المعترض، هو اعتراضه على كون المضاف إليه بعد (أفعل) في هذه الفقرات قد جاء بصيغة الجمع، وحسب زعمه أنه لا بدّ أن يكون مفردا.
وهذا الأمر متعلق في الحقيقة بأحكام أفعَل التفضيل المضاف إلى نكرة ، والذي أحد شروطه هو وجوب المطابقة بين المفضَّل (الاسم الموصوف بأفعل) والمفضول ( المضاف إليه أفعَل) في الإفراد والتذكير وفروعهما. فلا بدّ في هذا الصنف من أفعَل التفضيل القول: هو أولُ رجل أي أسبق رجل. وهم أوّل رجال، وهي أول بنت، وهنّ أول نساء. بينما نرى أنه في الفقرة 1 و2 جاء المضاف إليه بالجمع دون ذكر الموصوف قبل أفعل التفضيل، وأما في الفقرة 7 و9 لا نرى تطابقا في الإفراد والجمع بين المفضَّل والمفضول، بل جاء الموصوف مفردا في حين كون المفضول جمعا. فلماذا يا ترى جاءت هذه الفقرات بهذه الصورة وما هو توجيهها النحوي؟
أقول باختصار، هذه الفقرات الأربع وما فيها من كون المفضول نكرة بصيغة الجمع، مع عدم التطابق مع المفضّل في الإفراد، كل هذا يتخرج على توجيهين:
الأول: كون أفعل التفضيل هنا، قد جاء على معنى المفاضلة المطلقة المجردة، أي التفضيل على المفضول وغيره؛ أي بمعنى: “الأفضل من بين” وليس على معنى المفاضلة العادية التي بمعنى “أفضل من”.
الثاني: تجرد أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة عن معنى المفاضلة للدلالة على اسم الفاعل أو الصفة المشبهة .
وعلى هذين التوجيهين، عندما يخرج أفعل التفضيل للدلالة على عدم المفاضلة أو للدلالة على المفاضلة المطلقة، فتسقط عنه أحكام أفعل التفضيل والشروط المتعلقة به، ومن ضمنها يسقط شرط المطابقة بين الموصوف والمفضول في الإفراد والجمع. حيث تؤكد المراجع المختلفة أن شروط أفعَل التفضيل منوطة ببقاء معنى التفضيل، وأن يكون التفضيل سار على المفضول وحده.
البحث والتفصيل:
من أجل فهم هذين التوجيهين لا بد لنا أن نذكر بعض أحكام أفعَل التفضيل المضاف وخاصة المضاف إلى نكرة، ونرى كيفية الخروج والتجرد من هذه الأحكام.
فعن أفعَل التفضيل المضاف، بشكل عام، يقول النحو الوافي:
“القسم الثالث (من أفعل التفضيل):
أن يكون مضافًا، ويشترط في هذا القسم شرطان عامان لا بدّ منهما في “أفعل التفضيل” المضاف مطلقًا “أي: سواء أكانت إضافته للمعرفة أم للنكرة”.
أحدهما: ألا يقع بعد أفعل التفضيل “من” الجارة للمفضول، فلا بد أن يخلو الكلام منها ومن مجرورها؛ فلا يصح: محمود أفضل الطيارين من حامد، أما الجارة لغيره فتوجد: نحو: أبي أقرب الناس مني.
ثانيهما: أن يكون المضاف بعضًا من المضاف إليه، بشرط إرادة التفضيل وبقاء معناه ووجوده؛ فلا يصح: الطيار أفضل امرأة.
فمتى تحقق الشرطان العامان، وكانت إضافته لنكرة، وجب حكمان:
أولهما: إفراده وتذكيره -كالمجرد-.
والآخر: مطابقة المضاف إليه لصاحب أفعل التفضيل، “أي: للموصوف الذي يتجه إليه معنى: “أفعل” ويتصف به”. في التذكير. والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، وفي جنسه أيضًا..
ومن أمثلته قول المتنبي:
وأحسن وجه في الورى وجه محسن … وأيمن كف فيهمو كف منعم
وتقول: هذان الوجهان أحسن وجهين … وهاتان الكفان أيمن كفين، وجوه الشرفاء أحسن وجوه، وأكفهم أيمن أكف.
فالأمور التي يجب اجتماعها كاملة عند إضافته للنكرة -أربعة؛ هي:
1- امتناع “من” للمفضول.
2- كون المضاف بعض المضاف إليه عند إرادة التفضيل.
3- إفراد “أفعل” وتذكيره.
4- مطابقة المضاف إليه لصاحب “أفعل” في الجنس، وفي الإفراد والتذكير وفروعهما. ” [ النحو الوافي (3/ 417- 416) ]
ومن هنا نرى وفق الأمثلة التي عرضها النحو الوافي أنه لا مانع من إضافة أفعل إلى نكرة بصيغة الجمع ، كقوله : (أحسن وجوه) غير أنه وفق الشروط لا بد أن يكون الموصوف جمعا أيضا، كالقول : (وجوه الشرفاء أحسن وجوه).
ومما يؤكد ذلك، تفصيل النحو الوافي في شرحه معنى إضافة أفعل التفضيل للنكرة بجميع صورها، ومنها الإضافة إلى الجمع النكرة، فيقول:
“هذا، ومن المهم فهم الأساليب التي يكون فيها “أفعل التفضيل” مضافًا لنكرة مطابقة للموصوف الذي يتصف بمعنى أفعل التفضيل، “أي: مطابقة لصاحب أفعل التفضيل”؛ فإن المراد يكون إثبات المزية للمفضل على جنس المضاف إليه واحدًا واحدًا إن كان المضاف إليه مفردًا، واثنين اثنين إن كان المضاف إليه مثنى، وجماعة جماعة إن كان جمعًا. ومما يزيد الأمر وضوحًا الأمثلة الآتية:
المصلح أفضل رجل، المصلحان أفضل رجلين، المصلحون أفضل رجال، المُصلحة أفضل امرأة المطلحتان أفضل امرأتين، المصلحات أفضل نساء … فالمراد: المصلح أفضل من جميع الرجال إذا فُضِّلوا رجلاً رجلاً، والمصلحان أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجلين رجلين، والمصلحون أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجالاً رجالاً، والمصلحة أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأة امرأة، والمصلحتان أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأتين امرأتين، والمصلحات أفضل من جميع النساء إذا فضلن نساء، نساء، مجتمعات.. وهكذا الأمثلة الأخرى ونظائرها ” [النحو الوافي (3/ 417)]
إذًا، لا خطأ في إضافة أفعل إلى الجمع النكرة وله دلالته الخاصة كما رأينا وفق شرح النحو الوافي. فنقول: أفضل رجال، أفضل نساء، أفضل بنات، وغيره…
وإن كان هذا جائزا في أفعل التفضيل فهو من باب أولى جائز عند خروج أفعل من معنى التفضيل ، وذلك لسقوط الشروط المختلفة عنها. فبقي ان نثبت أن المطابقة بين الموصوف والمضاف إليه ليست واجبة عند خروج أفعل عن معنى المفاضلة.
فنقول: كل هذه الشروط من المطابقة وغيرها مشروطة بكون أفعل التفضيل يُعنى به التفضيل على المفضول وحده ، فعندما يخرج عن هذا المعنى للتفضيل، تسقط هذه الشروط، فلا حاجة عندها إلى تذكيره وإفراده، ولا أن يكون بعضا من المضاف إليه، ولا أن يتطابق المفضول مع الموصوف في الإفراد والتذكير وفروعهما او على الأقل في الإفراد وفروعه. وهذا ما يبيّنه النحو الوافي بنفسه عن المطابقة بين المفضول والموصوف فيقول:
“جاءت المطابقة السابقة -في أغلب صورها التي منها التذكير والتأنيث- نتيجة لاشتراط أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، “فلا يقال: سعيد أفضل امرأة”؛ لما تقرر: أن أفعل التفضيل المضاف لنكرة لا بد أن يكون بعضًا من المضاف إليه -في الأصح- بشرط أن يكون معنى المفاضلة قائمًا.” [ النحو الوافي 3/ 417]
وهذا يعني أن المطابقة بين الموصوف والمفضول مشروطة بكون الأول بعضا من الثاني، وهذه مشروطة ببقاء معنى المفاضلة. فبزوال معنى المفاضلة ليس بالضرورة أن يكون الموصوف بعضا من المضاف إليه ، وحينها لا ضرورة لتطابق الموصوف مع المفضول في التذكير والإفراد وفروعهما، أو على الأقل في الإفراد وفروعه.
فكيف يخرج أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة، عن معنى التفضيل: أي التفضيل عن المفضول وحدَه؟
يحدث هذا بصورتين :
الأولى: أن يتجرد كليا من معنى التفضيل للدلالة على اسم الفاعل أو الصفة المشبهة.
والثانية: أن يُعنى به المفاضلة المطلقة المجردة، أي عن المفضول وغيره. فيكون بمعنى :” الأفضل من بين..”
وفي هذا يقول النحو الوافي ما يلي، في سياق حديثه عن أفعَل المضاف إلى معرفة، وهو منطبق أيضا على المضاف إلى نكرة كما سنبينه:
“أما إن كان الغرض الأصلي هو عدم المفاضلة مطلقاً أو: كان الغرض هو بيان المفاضلة المجردة فتجب المطابقة للموصوف في الصورتين في الإفراد والتذكير وفروعهما، مع جواز أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضًا من المضاف إليه، أو غير بعض.” [النحو الوافي (3/ 418)]
(تنبيه: هذا الاقتباس من النحو الوافي يبين صورتي الخروج عن المفاضلة المعروفة، ولكن حديثه عن وجوب المطابقة متعلق بمطابقة أفعَل للموصوف، وهذا لا يعنينا حاليا، إذ ليس القصد المطابقة بين المفضول والموصوف التي نحن في صددها. علما أن ما يقوله النحو الوافي هنا مناقض لقرار مجمع اللغة العربية المصري الذي أجاز المطابقة وعدمها في حال خروج أفعل التفضيل عن معنى المفاضلة على المفضول وحده. ينظر : في أصول اللغة ، ج4، ص767)
وفي تبيين معنى هاتين الصورتين والقياس فيهما، يقول النحو الوافي في معنى التجرد عن المفاضلة مطلقا:
” أي: عدم إرادة الزيادة، وأن “أفعل” بمعنى الفاعل، أو الصفة المشبهة. وهذا يقضي ألا يوجد المفضول، ولا “من” الجارّة له. فقد سبق في “ب” من ص402 أن “أفعل” لا يمكن تجريده من معنى المفاضلة مع وجود “من” الجارّة للمفضول.” [ النحو الوافي 3/418]
ويقول أيضا:
“أفعل” على قسمين: أولهما: ما يدل على التفضيل. والثاني ما لا دلالة فيه على تفضيل، وإنما يدل على وصف قائم بالذات [يقصد بمعنى فاعل]، خال من المفاضلة خلوّاً تامّاً. كالذي سبقت الإشارة إليه في: “هـ” من ص410 وفي ص418.” [ النحو الوافي3/424]
وفي معنى المفاضلة المجردة المطلقة يقول:
” أي: إثبات الزيادة المحضة التي لا يقصد منها زيادة شيء على المضاف إليه وحده، وإنما يقصد منها مجرد الزيادة عليه وعلى غيره. [ النحو الوافي 3/418]
وفي قياسية هاتين الصورتين يقول النحو الوافي:
“والأحسن الأخذ بالرأي القائل بقياسيتهما “بشرط وجود القرينة الموضحة للمراد منها؛ لكثرة مجيئهما، في أفصح الكلام، وأخذًا بالأيسر الذي لا ضرر فيه”.”[ النحو الوافي 3/418]
وهذا القياس يعني أن هذا التجرد المطلق من المفاضلة، أو الدلالة على المفاضلة المطلقة ينطبق على أفعل التفضيل بأنواعه الثلاثة، المضاف إلى معرفة والمضاف إلى نكرة والمجرد من أل والإضافة.
ويؤكد الصبان هذا القياس وانطباقه على جميع أنواع أفعل التفضيل ومن ضمنها المضاف إلى نكرة في حاشيته، حيث يعلق على شرح الاشموني على بيت ابن مالك في الألفية :
هذا إذا نَوَيْتَ مَعْنَى مِن وإنْ … لم تَنْوِ فهو طِبْقُ ما بِهِ قُرِنْ
والذي جاء في سياق الحديث عن أفعل المضاف إلى معرفة فيقول:
“قوله: “هذا إذا نويت إلخ” ظاهر صنيعه أن قصد التفضيل على المضاف إليه وحده تارة وعلى كل ما سواه تارة أخرى، وعدم قصد التفضيل رأسًا تارة أخرى يختص بالمضاف إلى معرفة، والذي سينقله الشارح في التنبيه الآتي عن المصنف في شرح التسهيل صريح في أن المجرد بدون مِن قد يُعرى عن معنى التفضيل رأسًا وأن فيه حينئذٍ وجهين لزوم الإفراد والتذكير وهو المشهور والمطابقة، ولا يبعد أن يقاس على ذلك ما إذا عُري المضاف إلى النكرة عن معنى التفضيل, أو قصد به التفضيل على المضاف إليه وغيره، نحو: الأشج والناقص أعدلا بني مروان ونحو: محمد -صلى الله عليه وسلّم- أفضل قرشي(أفضل قريش، في الهامش تصحيحا) فتدبر” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 70)]
(تنبيه: مرة أخرى المطابقة المذكورة في النصّ هي بين أفعَل والموصوف، وهي لا تعنينا في الحقيقة، إذ ليست هي المطابقة بين المفضول والموصوف التي نتحدث عنها. فما يهمنا من النصّ، القول بقياسية المفاضلة المطلقة، وعدم المفاضلة، على صور أفعل المختلفة)
فحاصل الكلام كله، أن أفعل المضاف إلى نكرة قد يتجرد من المفاضلة مطلقا، أو يقصد به المفاضلة المطلقة، وحينها لا تحل عليه شروط أفعل التفضيل الخاصة به، من وجوب تذكير وإفراد أفعل، ووجوب مطابقة المفضول للموصوف، ووجوب أن يكون الموصوف بعضا من المفضول.
ففي هذه الحال إن قلنا : الرجل أفضل رجال فيكون القصد الأفضل من بين الرجال جميعا إذا فضل عليهم رجالا رجالا، أو أنه فاضل رجال أي فاضل من بين رجال. وإذا قلنا البنت هي فضلى بنات، أي أنها الأفضل أو الفضلى من بين جميع البنات إذا فضلت عليهن بناتا بناتا، أو أنها فاضلة بنات أي فاضلة من بين بنات. وإن قلنا هؤلاء أفاضل رجال أي أنهم الأفضل من بين جميع الرجال إذا فضلوا عليهم رجالا رجالا، أو أنهم فاضلو رجال أي فاضلون من بينهم.
ففي كل هذه الأمثلة الخارجة إلى معنى الأفضلية المطلقة أو للدلالة على اسم الفاعل، لا وجوب لإلزام صيغة أفعل المضاف إلى نكرة الإفراد والتذكير، ولا لزوم لمطابقة الموصوف للمضاف إليه. فتسقط عن صيغة أفعل الشروط المذكورة في أفعل التفضيل. وهذا بتأكيد مجمع اللغة المصري على ذلك في قراره المشار إليه أعلاه والذي ينص على أنه في حال خروج أفعل التفضيل عن معنى المفاضلة يجوز فيها الإفراد والتذكير أو مراعاة المعنى المقصود” (ينظر : في أصول اللغة ، ج4، ص767)
ضابط هذه المعاني نيّة المتكلم:
وبناء على كل هذا نرى أننا أمام ثلاث دلالات ومعان لأفعل التفضيل المضاف إلى نكرة:
1: الدلالة على المفاضلة من المفضول وحدَه. وهو المعنى الرائج ويستلزم تحقق الشروط الأربعة المذكورة آنفا.
2: التجرد من الدلالة على المفاضلة، للدلالة على اسم الفاعل أو الصفة المشبهة.
3: الدلالة على المفاضلة المطلقة المجردة، أي المفاضلة على المفضول وغيره.
وهنا لا بدّ من تبيين الفرق بين الحالة الأولى والثالثة، فالحالة الأولى التي تفيد المفاضلة على المفضول وحده، تستلزم وفق معاني أفعل التفضيل مشاركة الموصوف والمفضول في صفة (أفعل) مع زيادة الموصوف على المفضول فيها. وذلك وفق ما يشرحه النحو الوافي فيما يلي:
“أفعَل التفضيل” وتعريفه: “أنه اسم، مشتق، على وزن: “أفعل” يدل -في الأغلب- على أن شيئين اشتركا في معنى، وزاد أحدهما على الآخر فيه”. فالدعائم أو الأركان التي يقوم عليها التفضيل الاصطلاحي -في أغلب حالاته- ثلاثة:
1- صيغة: “أفعل”، وهي اسم، مشتق.
2- شيئان يشتركان في معنى خاص.
3- زيادة أحدهما على الآخر في هذا المعنى الخاص.
والذي زاد يسمى: “المفضل”، والآخر يسمى: “المفضل عليه”، أو: “المفضول”. ولا فرق في المعنى والزيادة فيه بين أن يكون أمرًا حميدًا، أو ذميمًا.” [النحو الوافي (3/ 395)]
بينما الحالة الثالثة التي تفيد المفاضلة المطلقة فهي لا تعني مشاركة المفضّل والمفضول في الصفة، وإنما تعني أفضلية المفضّل عن المفضول وغيره مطلقا، بغض النظر عن مشاركة المفضول له بهذه الصفة أو لا. فمعنى الحديث في هذه الحالة يكون التركيز على أن المفضل هو الأفضل في ذاته بغض النظر عن غيره..
وأما ما يقرر أحد هذه المعاني الثلاثة، فهو نيّة المتكلم، الذي يستعمل صيغة أفعل في كلامه، فإن أراد المفاضلة من المفضول وحدَه،كانت نيته في الكلام بأن ينويَ (مِن) بعد أفعل التفضيل، أما إن لم ينو (مِن) فيكون المعنى إما على عدم المفاضلة، أو المفاضلة المحضة.
وهذه النية هي ما عبر عنها ابن مالك في سياق حديثه عن أفعَل المضاف إلى معرفة حيث قال: “هذا اذا نويت معنى من”. كما جاء في البيتين التاليين :
وتلْوُ “أَلْ” طِبْقٌ، وَمَا لمَعْرِفهْ … أضيفَ -ذُو وجْهَيْن عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ
هذا إذا نَوَيْتَ مَعْنَى مِن وإنْ … لم تَنْوِ فهو طِبْقُ ما بِهِ قُرِنْ
ويفسر الصبان هذه النية بقوله:
“هذا إذا نويت” بأفعل “معنى مِن” أي: التفضيل على ما أضيف إليه وحدَه،” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 70)]
ويشرح النحو الوافي هذين البيتين ويقول:
” يقول ابن مالك في بيان أن المقرون “بأل” يطابق وجوبًا وأن ما أضيف إلى معرفة يجوز فيه وجهان؛ هما المطابقة وعدمها بشرط أن تنوي مِن، أي: بشرط إرادة التفضيل، “أما عند عدم إرادة التفضيل فالواجب المطابقة -كما شرحنا-“.
وتلْوُ “أَلْ” طِبْقٌ، وَمَا لمَعْرِفهْ … أضيفَ -ذُو وجْهَيْن عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ
أي: أن “أفعل” الذي يتلو “أل” ويقع بعدها تجب مطابقته لصاحبه، وأن ما أضيف لمعرفة فيه وجهان منقولان عن صاحب رأي ومعرفة بلغة العرب وأحكامها. ثم قال:
هذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنى: “منْ”، وإِن … لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ
“فهو طبق: مطابق الذي قرن التفضيل به، أي: للموصوف الذي يقصد به التفضيل،” [ النحو الوافي (3/ 419)]
فخلاصة الكلام أن الأمر بيد المتكلم وما ينويه من أحد هذه المعاني لأفعل التفضيل، لتدل عليه القرائن المختلفة في النصّ.
تنويه:
من أجل التخريج على المعنيين الأخرين الثاني والثالث، من الممكن ان يكون المفضّل ( الموصوف) بعضا من المفضول أو لا، فرغم كونه بعضا منه فإن هذا لا يمنع أن يُقصد بالمعنى عدم التفضيل مطلقا، أو التفضيل المطلق على المفضول وغيره، إذ ليس شرطا للأخذ بالمعنيين الأخيرين أن يكون المفضّل خارجا عن المفضول، وهذا يؤكده النحو الوافي في النص المذكور أعلاه عند حديثه عن هاتين الحالتين، حيث قال: حيث يقول : “مع جواز أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضًا من المضاف إليه، أو غير بعض.” [النحو الوافي (3/ 418)]
وكرره بقوله:
“ومما يجب التنبه له أن هذه البعْضية لا تكون حتمية إلا إذا كان “أفعل” باقياً على دلالة التفضيل الخاص -كما قدمنا- وعندئذ يكون المضاف إليه هو: “المفضول” ويتعين أن يكون “أفعَل”. بعضاً منه. أما إذا لم تكن الدلالة على التفضيل باقية، أو كانت عامة يقصد منها الزيادة على المضاف إليه وعلى غيره فإن المضاف إليه لا يكون مفضولا، ولا يشترط في المضاف حينئذ أن يكون بعضاً منه؛ فقد يكون بعضاً أو لا يكون؛” [النحو الوافي (3/ 423)]
فقد يكون المفضّل (الموصوف) بعضا من المفضول ولا يراد من الكلام المفاضلة على المفضول وحده، بل يمكن الأخذ بمعنى التجرد عن المفاضلة كليا، أو معنى المفاضلة المطلقة.
الأمثلة:
أمثلة على خروج أفعل التفضيل عن معنى المفاضلة على المفضول وحده:
نوردها كما جاءت في النصوص نفسها مع تفسيراتها المختلفة:
1: أمثلة على تجرد أفعل التفضيل عن معنى التفضيل مطلقا، ليحمل معنى اسم الفاعل او الصفة المشبهة:
جاء في النحو الوافي في سياق الحديث عن أفعل المضاف إلى معرفة :
“فمثال ما لا يراد منه المفاضلة مطلقًا قول أحد الرحالين يصف الأقزام في المناطق الشمالية:…. رأيت أهلها صغار الأجسام، قصارًا، لا يكاد أحدهما يزيد على خمسة أشبار، وليس لهم حكومة، ولكن عندهم قاض واحد يرجعون إليه، ويحترمون رأيه. وقد قابلته مرة فقال لي المترجم: هذا أفضل القضاة عندنا، وأوسع الرجال خبرة قضائية في بلدنا، وأرجحهم عقلًا … “. فالمراد: فاضل، واسع، راجح …ولا يراد التفضيل: إذ لا وجود لقاض آخر يكون هو المفضول … [النحو الوافي (3/ 418-419)]
وجاء أيضا في التمثيل لوضع كون الموصوف ليس بعضا من المفضول:
“ومثال ما ليس بعضاً: “يوسف أفضل إخوته”. تريد: أنه فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل، ولا أنه يزيد عليهم في الفضل. قال شارح المفصل ما نصه:
” … وقد علم أن “أفعل” إنما يضاف إلى ما هو بعضه، فليعلم أنه لا يجوز أن تقول: “يوسف أحسن إخوته”. وذلك أنك إذا أضفت الإخوة إلى ضميره خرج من جملتهم، وإذا كان خارجا منهم صار غيرهم، وإذا صار غيرهم لم يجز أن نقول: “يوسف أحسن إخوته” كما لا يجوز أن تقول: “الياقوت أفضل الزجاج”؛ لأنه ليس من الزجاج. … فأما على النوع الثاني وهو أن يكون “أفعل” فيه للذات بمعنى: “فاعل” فإنه يجوز أن تقول: “يوسف أحسن إخوته” ولا يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول؛ إذ المراد أنه فاضل فيهم؛ لأنه لا يلزم في هذا النوع أن يكون “أفعل” بعض ما أضيف إليه. وعليه جاء قولهم لنُصَيْبٍ الشاعر: “أنت أشعر أهل جِلْدتكَ” لأن أهل جِلْدته غيره، وإذا كانوا غيره لم تَسُغْ إضافة “أفْعَلَ”، إليهم؛ لما ذكرته، ويجوز على الوجه الثاني؛ لأنه بمعنى الشاعر فيهم، أو: شاعرهم … “ ا. هـ. [النحو الوافي (3/ 423- 424)]
2: أمثلة لدلالة أفعل على المفاضلة المطلقة أي على المفضول وغيره :
“ومثلها عند إرادة المفاضلة المطلقة؛ نحو: الحق أحقّ الأقوال بالاتباع. والدين أوْلَى الأصولِ بالتمسك به. فليس المراد في هذا المثال وأشباهه المفاضلة بين الأقوال بعضها وبعض، أو بينها وبين الأفعال، ولا بين الحق والباطل، وأن كلاً منهما جدير بالاتباع، ولكن الحق أجدر، ولا بين أصول الدين والكفر وفروعهما، وأن كلاً منها يستحق التمسّك به ولكن الدين أولى … ليس هذا هو المراد، وإلا فسد الغَرض، وإنما المراد أن الحق في ذاته، والدين في ذاته، من غير نظر لشيء آخر غيرهما هما الأحَقَّان والأوْلَيَان.
ومثل هذا يقال: الوالد أحسن الناس منزلة، الوالدان أحْسَنا الناس منزلة، الوالدون أحاسن الناس منزلة، أو: أحسنو الناس منزلة، الوالدة حُسْنَى النساء منزلة، الوالدتان حُسنَيا النساء منزلة، الوالدات حُسنيات النساء منزلة وفي الصورتين المذكورتين لا يلزم -كما سبق- أن يكون المضاف بعض المضاف إليه. [النحو الوافي (3/ 419- 420)]
وفي الهامش من نفس الصفحات جاء:
“فمثال دخوله في جنس المضاف إليه وأنه بعضه: محمد عليه السلام أفضل قريش: تريد أفضل رجالهم واحدًا واحدًا، وأفضل الناس من بينهم. ومثال عدم دخوله في المضاف إليه، وأنه ليس بعضًا منه: يوسف أفضل إخوته “بوجود الضمير في إخوته، يعود عليه”، أي: أنه أفضلهم واحدًا واحدًا، لأننا إذا قلنا: من أخوة يوسف؟ لا يدخل فيهم يوسف، ولا يعد من بينهم؛ فلا يكون أفضلهم؛ لأن إضافة الإخوة للضمير تمنع أن يراد بهم ما يشمل يوسف. بخلاف ما لو قلنا: يوسف أفضل الأخوة، أو أفضل أبناء يعقوب ”
3: وجاء في حاشية الصبان أمثلة أخرى في هذا السياق عن كلا الصنفين:
“وإن لم تنوِ” بأفعل معنى مِن بأن لم تنو به المفاضلة أصلًا أو تنويها لا على المضاف إليه وحده بل عليه وعلى كل ما سواه “فهو طبق ما به قرن” وجهًا واحدًا كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم، ونحو: محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل قريش، أي: أفضل الناس من بين قريش. وإضافة هذين النوعين لمجرد التخصيص؛ ولذلك جازت إضافة أفعل فيهما إلى ما ليس هو بعضه، بخلاف المنوي فيه معنى من فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه، فلذلك يجوز: يوسف أحسن إخوته إن قصد الأحسن من بينهم، أو قصد حسنهم، ” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/ 71- 72)]
وفي الحاشية شرحا لهذه الامثلة جاء في نفس الصفحات :
“الناقص والأشج أعدلا بني مروان” أي: عادلاهم؛ لأنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل….
قوله: “من بين قريش” أي: حال كونه من بينهم أي: من وسطهم وخيارهم. قوله: “لمجرد التخصيص” أي: تخصيص الموصوف بأنه من القوم الفلاني مثلًا لا لبيان المفضل عليه..”
قوله: “إن قصد الأحسن من بينهم أو قصد حسنهم” لأن أفعل على هذين الوجهين ليس على معنى مِن، فلا يجب كونه بعض ما أضيف إليه وقوله. ويمتنع إن قصد أحسن منهم.
ومن الجدير ذكره أن هذه الأمثلة أغلبها في سياق أفعل المضاف إلى معرفة، ولكنها تنسحب كلها قياسا على أفعل المضاف إلى نكرة كما أثبتناه أعلاه.
كما لا بد من التذكير أن هاتين الحالتين تقتضيان عدم وجود (مِن) الجارة ولا المفضول بعدها، لا لفظا ولا تقديرا. كما تصرح به النصوص المختلفة التي نقلناها .
وبناء على هذه الأمثلة وتفسيراتها، نلحظ فرقا دقيقا بين القول “أفضل القوم” على معنى” الأفضل من بينهم” ، وبين“أفضل القوم” على معنى “أفضل منهم”، على النحو التالي:
فعلى معنى الأفضل من بينهم: تكون الإضافة إلى القوم هدفها التخصيص وتحديد انتماء الموصوف إلى القوم لا أفضليته عليهم؛ وكذلك يكون الموصوف أفضل من المفضول ومن غيره ، فالأفضلية فيه تتعدى المفضول إلى غيره أيضا، ولذا فهي مفاضلة مطلقة. كما أنه في هذا النوع من المفاضلة المجردة لا يُنظر إلى اشتراك أو عدم اشتراك المفضول بالفضل مع المفضّل، ففيها تحديد بأن المفضل هو الأفضل بحد ذاته دون النظر إلى غيره ومدى مشاركتهم بالفضل، فقد يكون لا فضل لهم بالمرة، فحينها تسقط المشاركة التي هي أساسية في معنى أفعل التفضيل الخاص.
أما على معنى: أفضل منهم، وهو التفضيل الخاص، فتكون المفاضلة على المفضول وحده، وهو يشترك مع المفضَّل بالفضل غير أن المفضَّل يزيد عنه.
تفسير فقرات المسيح الموعود عليه السلام بناء على هذه التوجيهات وأمثلتها:
1: التجرد من المفاضلة للدلالة على اسم الفاعل والصفة المشبهة .
ملخص الأمثلة التي أوردناها أعلاه على هذا المعنى هي كما يلي:
1: هذا أفضل القضاة : بمعنى فاضل
2: يوسف أفضل إخوته : بمعنى فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل ولا أنه يزيد
عليهم
3: يوسف أحسن إخوته : أي حسنهم.
4: أنت أشعر أهل جلدتك: الشاعر فيهم أو شاعرهم
5: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم.
وفي كل هذه الأمثلة يراد بأفعَل معنى اسم الفاعل أو الصفة المشبهىة، ولا يراد فيها لا معنى التفضيل ولا الزيادة، ولا يُنوى فيها (معنى مِن). وبناء على هذا التوجيه يكون معنى فقرات المسيح الموعود عليه السلام ذات الصلة كما يلي:
الفقرة الأولى: وقد وجب علينا إعلام المتغفلين بأسرع أوقات (نور الحق، ص 17). بمعنى: إعلام المتغفلين بأوقات سريعة او بسريع أوقات، فهي على قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.
كما جاء فيما يلي:
“وأمّا إضافةُ الصفةِ إلى الموصوف فجائزةٌ، بشرط ان يصحَّ تقديرُ “مِن” بين المضافِ والمضافِ إليه، نحو “كرامُ الناسِ، وجائبةُ خبرٍ، ومُغَرِّبةُ خَبرٍ، وأخلاقُ ثياب، وعظائمُ الأمورِ، وكبيرُ أمرٍ”. والتقديرُ “الكرام من الناس، وجائبةٌ من خبر الخ”. أمّا إذا لم يصحْ “مِن” فهيَ ممتنعةٌ، فلا يقالُ “فاضلُ رجلٍ، وعظيمُ أمير” [جامع الدروس العربية (3/ 212)]
الفقرة الثانية: وتبلُغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرعِ أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. (الخطبة الإلهامية، ص 76). بمعنى: تبلغ دعوته .. بأوقات سريعة أو بسريع أوقات، فهي على قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.
الفقرة السابعة: وهو أول رجال بايعوني [حمامة البشرى]. بمعنى: هو سابق رجال بايعوني. وقد أثبتنا في مقال سابق أن كلمة (أول) يراد بها معنى (السابق) على غير المفاضلة.
الفقرة التالسعة: هذا آخِرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد ) بمعنى: هذا أخير حيل أردناه.
2: المفاضلة المجردة، أي المفاضلة على المفضول وغيره:
وهذا هو التوجيه الأرجح!
ملخص الأمثلة التي أوردناها على هذا المعنى من النصوص المختلفة كما يلي:
1: الحق أحقّ الأقوال بالاتباع. أي: الأحق من بين الأقوال
2: والدين أوْلَى الأصولِ بالتمسك به. أي: الأولى من بين الأصول
3: الوالد أحسن الناس منزلة. أي: الأحسن من بين الناس
4: : محمد عليه السلام أفضل قريش. أي: أفضل الناس من بينهم، أي: حال كونه من بينهم . أو تريد أفضل رجالهم واحدًا واحدًا،
5: يوسف أفضل إخوته ” أي: أنه أفضلهم واحدًا واحدًا،
7: يوسف أحسن إخوته إن قصد الأحسن من بينهم، ويمتنع إن قصد أحسن منهم.
فالمفاضلة المطلقة تأتي على هذه المعاني: الأفضل من بين، وأفضلهم فردا فردا ، أي الأفضل من كل مَن سواه. ولا حديث عن شراكة في الفضل. في حين تكون المفاضلة العادية بمعنى أفضل منهم فردا فردا مع وجود الشراكة في الفضل.
وبناء على معاني المفاضلة المطلقة هذه يكون معنى فقرات المسيح الموعود عليه السلام، على النحو التالي:
الفقرة الأولى: وقد وجب علينا إعلام المتغفلين بأسرع أوقات (نور الحق، ص 17). بمعنى: بالأسرع من بين جميع الأوقات ، أي بأوقات أسرع من كل ما هو سواها من الأوقات
الفقرة الثانية: وتبلُغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرعِ أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. (الخطبة الإلهامية، ص 76). بمعنى: بالأسرع من بين جميع الأوقات
الفقرة السابعة: وهو أول رجال بايعوني [حمامة البشرى]. بمعنى: هو أسبق/ الأسبق من بين رجال بايعوني، فهو أسبقهم وأسبق من غيرهم في المبايعة. أو هو أسبق او الأسبق من كل مَن سواه في مبايعتي.
الفقرة التالسعة: هذا آخرُ حِيَلٍ أردناه في هذا الباب. (مكتوب احمد ) بمعنى: آخِر/ الآخِر من بين حيل أردناه..، فهو آخِرها وآخِر غيرها في هذا الباب. أي الآخِر من بين جميع الحيل.
القرائن الدالة على هذه التوجيهات:
وبعد هذه التوجيهات لا بدّ لنا أن ننوّه إلى القرائن التي تدل على أن المعنى في فقرات المسيح الموعود عليه السلام، قد خرج إلى هذه التوجيهات:
1: عدم ذكر الموصوف في الفقرة 1و2 هو من القرائن الدالة على أن المعنى خارج عن معنى مفاضلة مفضّل على مفضول وحدَه، كذلك فإن السياق يُفضي إلى معنى المفاضلة المجردة، بأن القصد هو الأسرع من بين الأوقات؛ وإلا فلو قدّرنا موصوفا على النحو التالي: بأوقات أسرع أوقات، على معنى (مِن) أي:بأوقات أسرع من أوقات، فهذا لا معنى له، ولا يؤدي المعنى المطلوب من السرعة الكبيرة والأسرع فيها، حيث إن بعض الأوقات قد تكون أسرع من غيرها رغم كونها كلها بطيئة ولا تفي بالمعنى المطلوب في السياق. فلا شك أن القصد هو الأسرع من بين الأوقات أو أوقات سريعة. وملخص الأمر أن في هاتين الفقرتين لا يستقيم أن يُنوى معنى (مِن)، فالقضية لا يراد بها المفاضلة العادية، بل المفاضلة المجردة، أي: الأسرع من بين الأوقات.
2: كون المفضول قد جاء بصيغة الجمع دون تطابق مع الموصوف المفرد في الفقرات 7و9 ، هو قرينة تدل على أن المعنى لا يُقصد به معنى المفاضلة الخاصة التي تشمل المفضول وحدَه، بل إما أنها تتعداه إلى غيره وتكون على معنى “الأسبق والآخِر من بين”، أو تنعدم كليا. فلو كان القصد المفاضلة العادية لطابق بين الموصوف والمفضول في الإفراد والجمع، ولكنه عليه السلام لم يفعل.
التوجيه الثالث: على اللغة القرآنية في عدم تطابق المفضل والمفضول النكرة
كل ما ذكرناه أعلاه من توجيهات مبني على قواعد النحاة وصناعة النحو التي وضعوها وحاولوا أخضاع اللغة لها، رغم أن اللغة ليس بالضرورة أن تخضع لكل هذه القوانين.
فقد ورد في القرآن الكريم صيغة (أفعل التفضيل) مضافة إلى نكرة دون تطابق بين المفضَّل والمفضول في الإفراد والجمع؛ وذلك في الآيات التالية:
_ { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (5) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } (التين 5-6) وفيها الممفضل مفرد والمفضول جمع نكرة .
_ {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة 42) وفيها المفضل جمع والمفضول مفرد نكرة.
وقد ذهب النحاة في تأويل هذه الآيات مذاهب مختلفة من أجل إخضاعها للقواعد التي وضعوها في صناعتهم، فمن تأويلاتهم ما يلي:
“تنبيه: يجب في هذا النوع مطابقة المضاف إليه الموصوف كما رأيت. وأما {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} فتقديره أول فريق كافر به …قوله: “يجب في هذا النوع” قال البعض: أورد عليه قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5] ا. هـ. أقول في البيضاوي وحاشيته للشيخ زاده ما ملخصه إن أسفل إما صفة أمكنة محذوفة أي: إلى أمكنة أسفل سافلين وهي النار أو أزمنة محذوفة أي: إلى أزمنة أسفل سافلين وهي أرذل العمر…: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} لأنه في معنى الجمع لرجوعه إلى الإنسان المراد منه الجنس ا. هـ. أي: والجمع بالياء والنون على الأولين لتغليب العاقل. إذا علمت ذلك علمت ….. على أن المنقول عن الشاطبي أنه ذكر أن محل وجوب مطابقة المضاف إليه للموصوف إذا كان المضاف إليه جامدًا أما إذا كان مشتقا كما في الآية فلا. والله أعلم. قوله: “فتقديره أول فريق كافر به” أي: وفريق جمع في المعنى فحصلت المطابقة باعتبار المعنى وأفرد كافر باعتبار إفراد فريق في اللفظ” [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3/69 -70)]
ومَن ظن أن هذه التأويلات قطعية وقرآن منزل لا بدّ من التعبد به في صناعة النحو، فحقه أن يكفر بهذا الدين وهذه الصناعة، إذا علم بأن النحاة نقضوا هذه التأويلات بل ونقضوا القواعد التي وُضعت في هذا الباب، لتأتي قواعدهم مختلفة فيه.
اختلاف النحاة في هذا الباب:
فلا يمكننا التغاضي أيضا عن اختلاف النحاة في استنباط القواعد في هذا الباب بناء على كل ما سقناه، فيا ليتهم رسَوا على برّ آمن، إذ نرى الفراء ينقض وجوب التطابق بين المفضَّل والمفضول في بعض الحالات، حيث جاء:
“وأجاز الفراء أيضًا تأنيث المضاف إلى نكرة، وتثنية المضاف إليه مع كون كلمة التفضيل خبرًا عن مفرد، فأجاز: هند فضلى امرأتين تزوراننا،” [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (5/ 2323)]
كما نقض ابن مالك هذا التطابق أيضا، حيث جاء عنه:
“وزعم ابن مالك أنه يجوز إفراد المشتق مع جمعية ما قبل (أفعل). قال ومنه قوله تعالى: «ولا تكونوا أول كافر به» قال: وقد تضمن المطابقة، والإفراد ما أنشد الفراء من قول الشاعر:وإذا همو طعموا فألأم طاعم … وإذا هم جاعوا فشر جياع” [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (5/ 2323)]
ومن القواعد التي استبطوها خلافا للتطابق بين المفضل والمفضول ما يلي:
“ويدل قوله مع كون الأول غير مفرد، وتعليله أنه يجوز الإفراد، والمطابقة إذا كان قبل (أفعل) تثنية فتقول: الزيدان أفضل مؤمن، وأفضل مؤمنين” [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (5/ 2324)]
وبالأخذ بعين الاعتبار ما جاء في الآيات القرآنية من لغة لا يتطابق فيها المفضَّل مع المفضول في الإفراد والجمع، واختلاف النحاة في التعامل مع هذه الآيات في استنباط القواعد النحوية منها، ونقضهم للقواعد التي جُعلت فيما بعد عمدة لهذا الباب، وكذا اختلافهم في تأويل هذه الآيات واللغات النحوية فيها بتأويلات لا قطع فيها؛ فليس من البعيد أن يكون ما جاء في هذه الآيات القرآنية لغة قائمة بحد ذاتها، تجيز عدم التطابق بين المفضَّل والمفضول في الإفراد والجمع، حتى في أفعل المضاف إلى نكرة على معنى المفاضلة الخاصة وليس المجردة فقط. وليخرّج على هذه اللغة القرآنية ما يشابهها من كلام العرب وكلام المسيح الموعود عليه السلام، ولنقول إن أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة في المفاضلة الخاصة، ليس بالضرورة فيه أن يتطابق المفضّل والمفضول من حيث الإفراد والجمع، ويجوز فيه إضافة أفعل إلى جمع نكرة مع كون المفضل مفردا.
فنقول ببساطة إن ما جاء في كلام المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات التي نحن بصددها، من إضافته أفعل التفضيل إلى جمع نكرة، وعدم التطابق في الإفراد والجمع بين المفضَّل والمفضول، يوجه على اللغة القرآنية في الآيات المذكروة أعلاه، والتي لا نستبعد أن تكون لغة قائمة بحد ذاتها.
الخلاصة والنتيجة:
1: الفقرات 1و2و7و9 تندرج تحت أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة. ولا مانع في هذا النوع من (أفعل التفضيل) أن يضاف إلى جمع أي أن يكون المفضول جمعا. ولذا لا خطأ في إضافة أفعل في هذه الجمل إلى صيغة الجمع. غير أنه من شروط أفعل التفضيل المضاف إلى نكرة، أن يتطابق الموصوف بأفعل والمفضول في التذكير والإفراد وفروعهما.
2: في الفقرات 1و2 لم يُذكر الموصوف، وفي الفقرات 7و9 جاء الموصوف مفردا وليس متطابقا مع المفضول في الجمع. وهذا لأن في كل هذه الفقرات خرج (أفعل التفضيل) عن معنى التفضيل الخاص وهو التفضيل على المفضول وحده، إلى واحد من المعنيين التاليين:
الأول: فإما أن يقصد به المفاضلة المجردة أي التي تشمل المفضول وغيره أيضا، ليكون على معنى “الأفضل من بين” أي الأفضل من كل مَن سواه . وهذا هو المعنى والتوجيه الأرجح.
والثاني: هو التجرّد عن معنى المفاضلة كليا، للدلالة على اسم الفاعل أو الصفة المشبهة، ولا يكون في الكلام معنى المفاضلة بتاتا.
وفي هذين النوعين من استعمال أفعل التفضيل، تسقط الشروط المتعلقة بأفعل التفضيل المضاف إلى نكرة ، ولا يشترط حينها أن يتطابق الموصوف والمفضول. ولا حاجة ان تلزم صيغة أفعل الإفراد والتذكير.
3: على هذين المعنيين تتخرج الفقرات ذات الصلة من كلام المسيح الموعود عليه السلام. فهي تعني وفقا لهذين التوجيهين ما يلي:
في الفقرة 1و2: أسرع أقات : الأسرع من بين الأوقات(على التوجيه الأول) وهو الأرجح. أو: أوقات سريعة، على التوجيه الثاني .
في الفقرة السابعة: هو أول رجال بايعوني: أي الأسبق من بين رجال بايعوني فهو أسبقهم وأسبق غيرهم في البيعة، (على التوجيه الأول وهو الأرجح). أو: سابق رجال بايعوني (على التوجيه الثاني).
في الفقرة التاسعة: هذا آخر حيل أردناه في هذا الباب: أي الآخِر من بين حيل أردناه، فهو آخرها وآخر غيرها في هذا الباب. (على التوجيه الثاني وهو الأرجح). أو: أخير حيل أردناه على التوجيه الثاني.
4: وعليه فلا لزوم في هذه الجمل أن يكون المضاف إليه مفردا كما يدّعي المعارضون، لأن َ التفضيل في هذه الصيغ قد خرجت عن معنى التفضيل عن المفضول وحدَه إلى غير هذا المعنى، وسقط عنها شرط تطابق الإفراد بين الموصوف والمفضول. فلا خطأ في كل هذه الفقرات، بل نكات ولطائف لغوية يعجز عنها حتى بلغاء اللغة وعلماؤها.
5: توجيه آخر لهذه الفقرات هو على اللغة القرآنية الواردة في الآيات الكريمات:
_ { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (5) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } (التين 5-6) وفيها المفضل مفرد والمفضول جمع نكرة ، تماما كما في بعض فقرات المسيح الموعود عليه السلام.
_ {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة 42)
ففي هذه الآيات لم يتطابق المفضَّل والمفضول في الإفراد والجمع، رغم أن أفعل مضافة إلى نكرة. فليس من البعيد أن تكون هذه لغة قائمة جائزة، لورودها في القرآن الكريم، بعيدة عن تأويلات النحاة واختلافاتهم في استنباط القواعد النحوية منها. ليجوز وفق هذه اللغة عدم تطابق المفضَّل والمفضول في الإفراد والجمع، حتى في أفعَل التفضيل الذي على معنى المفاضلة الخاصة، والله أعلم.
6: يتبين من كل هذا صحة وفصاحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام، ولا شك في أن هذا الموضوع دليل كبير على الإعجاز اللغوي في لغته عليه السلام، لما يتضمنه من معان نحوية دقيقة جدا، من الصعب الاهتداء إليها إلا بعد بحث مضنٍ في أفعل التفضيل واستعمالاته المختلفة. غير أن المسيح الموعود عليه السلام لم يكن بحاجة إلى هذه البحوث المضنية، فكفيله الوحي المتنزل عليه،والذي يعلّمه هذه اللطائف والدقائق اللغوية، لتكون من مظاهر الإعجاز العظيم في لغته عليه السلام.
ولا بد من التنويه أيضا إلى أن مجمع اللغة العربية المصري قد أقر بعض القرارات الخارجة عما نقلناه عن النحاة في باب أفعل التفضيل، بما يتعلق بالمطابقة بين صيغة أفعل وموصوفها في التذكير والإفراد وفروعهما. فقد أقر المجمع ما يلي:
أن في أفعل التفضيل المحلى بأل يجوز فيه المطابقة وعدمها للموصوف، كما هو الحال في أفعل التفضيل المضاف إلى معرفة. (ينظر: في أصول اللغة، ج4، ص 326)
وأن أفعل الخارجة عن معنى التفضيل عن المفضول وحده، أي تلك التي للمفاضلة المطلقة، أو المتجردة عن معنى المفاضلة يجوز فيها كذلك المطابقة وعدمها مع الموصوف . (ينظر: في أصول اللغة، ج4، ص 767)